أقرأ أيضاً
التاريخ: 5-9-2020
7117
التاريخ: 5-9-2020
5208
التاريخ: 9-9-2020
4019
التاريخ: 6-9-2020
3018
|
قال تعالى: {قَالَ اهْبِطَا مِنْهَا جَمِيعًا بَعْضُكُمْ لِبَعْضٍ عَدُوٌّ فَإِمَّا يَأْتِيَنَّكُمْ مِنِّي هُدًى فَمَنِ اتَّبَعَ هُدَايَ فَلَا يَضِلُّ وَلَا يَشْقَى (123) وَمَنْ أَعْرَضَ عَنْ ذِكْرِي فَإِنَّ لَهُ مَعِيشَةً ضَنْكًا وَنَحْشُرُهُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ أَعْمَى (124) قَالَ رَبِّ لِمَ حَشَرْتَنِي أَعْمَى وَقَدْ كُنْتُ بَصِيرًا (125) قَالَ كَذَلِكَ أَتَتْكَ آيَاتُنَا فَنَسِيتَهَا وَكَذَلِكَ الْيَوْمَ تُنْسَى (126) وَكَذَلِكَ نَجْزِي مَنْ أَسْرَفَ وَلَمْ يُؤْمِنْ بِآيَاتِ رَبِّهِ وَلَعَذَابُ الْآخِرَةِ أَشَدُّ وَأَبْقَى (127) أَفَلَمْ يَهْدِ لَهُمْ كَمْ أَهْلَكْنَا قَبْلَهُمْ مِنَ الْقُرُونِ يَمْشُونَ فِي مَسَاكِنِهِمْ إِنَّ فِي ذَلِكَ لَآيَاتٍ لِأُولِي النُّهَى (128) وَلَوْلَا كَلِمَةٌ سَبَقَتْ مِنْ رَبِّكَ لَكَانَ لِزَامًا وَأَجَلٌ مُسَمًّى } [طه: 123 - 129]
{ قَالَ اهْبِطَا مِنْهَا جَمِيعًا} يعني آدم وحواء { بَعْضُكُمْ لِبَعْضٍ عَدُوٌّ فَإِمَّا يَأْتِيَنَّكُمْ مِنِّي هُدًى} قد فسرنا جميعها في سورة البقرة { فَمَنِ اتَّبَعَ هُدَايَ فَلَا يَضِلُّ وَلَا يَشْقَى} أي: فلا يضل في الدنيا ولا يشقى في الآخرة قال ابن عباس ضمن الله سبحانه لمن قرأ القرآن وعمل بما فيه أن لا يضل في الدنيا ولا يشقى في الآخرة ثم قرأ هذه الآية.
{ وَمَنْ أَعْرَضَ عَنْ ذِكْرِي} أي: ومن أعرض عن القرآن وعن الدلائل التي أنزلها الله تعالى لعباده وصدف عنها ولم ينظر فيها { فَإِنَّ لَهُ مَعِيشَةً ضَنْكًا} أي: عيشا ضيقا عن مجاهد وقتادة والجبائي وهو أن يقتر الله عليه الرزق عقوبة له على إعراضه فإن وسع عليه فإنه يضيق عليه المعيشة بأن يمسكه ولا ينفقه على نفسه وإن أنفقه فإن الحرص على الجمع وزيادة الطلب يضيق المعيشة عليه وقيل هو عذاب القبر عن ابن مسعود وأبي سعيد الخدري والسدي ورواه أبو هريرة مرفوعا وقيل هو طعام الضريع والزقوم في جهنم لأن م آله إليها وإن كان في سعة من الدنيا عن الحسن وابن زيد وقيل معناه أن يكون عيشه منغصا بأن ينفق إنفاق من لا يوقن بالخلف عن ابن عباس وقيل هو الحرام في الدنيا الذي يؤدي إلى النار عن عكرمة والضحاك وقيل عيشا ضيقا في الدنيا لقصرها وسائر ما يشوبها ويكدرها وإنما العيش الرغد في الجنة عن أبي مسلم.
{ وَنَحْشُرُهُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ أَعْمَى} أي: أعمى البصر عن ابن عباس وقيل أعمى عن الحجة عن مجاهد يعني أنه لا حجة له يهتدي إليها والأول هو الوجه لأنه الظاهر ولا مانع منه ويدل عليه قوله { قَالَ رَبِّ لِمَ حَشَرْتَنِي أَعْمَى وَقَدْ كُنْتُ بَصِيرًا} قال الفراء يقال أنه يخرج من قبره بصيرا فيعمى في حشره وقد روى معاوية بن عمار قال سألت أبا عبد الله (عليه السلام) عن رجل لم يحج وله مال قال هو ممن قال الله {ونحشره يوم القيامة أعمى} فقلت سبحان الله أعمى قال أعماه الله عن طريق الحق فهذا يطابق قول من قال إن المعنى في الآية أعمى عن لا يهتدي لشيء منها .
{ قَالَ كَذَلِكَ أَتَتْكَ آيَاتُنَا فَنَسِيتَهَا} هذا جواب من الله سبحانه لمن يقول لم حشرتني أعمى ومعناه كما حشرناك أعمى جاءك محمد (صلى الله عليه وآله وسلّم) والقرآن والدلائل فأعرضت عنها وتعرضت لنسيانها فإن النسيان ليس من فعل الإنسان فيتوعد عليه { وَكَذَلِكَ الْيَوْمَ تُنْسَى} أي: تصير بمنزلة من ترك كالمنسي بعذاب لا يفنى وقيل: معناه كما حشرتك أعمى لتكون فضيحة كنت أعمى القلب فتركت آياتي ولم تنظر فيها وكما تركت أوامرنا فجعلتها كالشيء المنسي تترك اليوم في العذاب كالشيء المنسي { وَكَذَلِكَ نَجْزِي مَنْ أَسْرَفَ وَلَمْ يُؤْمِنْ بِآيَاتِ رَبِّهِ} أي: وكما ذكرنا نجزي من أشرك وجاوز الحد في العصيان ولم يؤمن ب آيات ربه أي لم يصدق بحجج ربه وكتبه ورسله {ولعذاب الآخرة أشد} من عذاب الدنيا وعذاب القبر {وأبقى} أي: أدوم لأنه لا يزول وعذاب الدنيا وعذاب القبر يزول.
{ أَفَلَمْ يَهْدِ لَهُمْ كَمْ أَهْلَكْنَا قَبْلَهُمْ مِنَ الْقُرُونِ} يعني كفار مكة والمعنى أ فلم يبين لهم طريق الاعتبار كثرة إهلاكنا القرون قبلهم بتكذيبهم رسلنا فيعتبروا ويؤمنوا وقوله {يمشون في مساكنهم} يريد أهل مكة كانوا يتجرون إلى الشام فيمرون بمساكن عاد وثمود ويرون علامات الإهلاك وفي هذا تنبيه لهم وتخويف أي أ فلا يخافون أن يقع بهم مثل ما وقع بأولئك {إن في ذلك} أي: في إهلاكنا إياهم {لآيات} أي: لعبرا ودلالات {لأولي النهى} أي: لذوي العقول الذين يتدبرون في أحوالهم.
{ولو لا كلمة سبقت من ربك} في تأخير العذاب عن هؤلاء الكفار إلى يوم القيامة وهو قوله { لَكَانَ لِزَامًا وَأَجَلٌ مُسَمًّى} أي: لكان العذاب لزاما لهم واقعا في الحال واللزام مصدر وصف به قال قتادة الأجل المسمى قيام الساعة وقال غيره هو الأجل الذي كتبه الله للإنسان أنه يبقيه إليه وقيل إن عذاب اللزام كان يوم بدر قتل الله فيه رءوس الكفار ولو لا ما قدر الله تعالى من آجال الباقين ووعدهم من عذاب الآخرة لكان ذلك القتل الذي نالهم يوم بدر لازما لهم أبدا في سائر الأزمان.
_____________
1- تفسير مجمع البيان ،الطباطبائي،ج7،ص63-66.
{ قالَ اهْبِطا مِنْها جَمِيعاً بَعْضُكُمْ لِبَعْضٍ عَدُوٌّ فَإِمَّا يَأْتِيَنَّكُمْ مِنِّي هُدىً فَمَنِ اتَّبَعَ هُدايَ فَلا يَضِلُّ ولا يَشْقى }. ضمير قال للَّه تعالى ، واهبطا لآدم وزوجه ، والمراد ببعضكم لبعض ذرية آدم وإبليس ، وبالهدى أمر اللَّه ونهيه ، ومن أطاع اللَّه في أمره ونهيه فهو من الهادين المهتدين في الدنيا ، ومن السعداء الآمنين في الآخرة . ومر مثله في الآية 36 من سورة البقرة .
{ ومَنْ أَعْرَضَ عَنْ ذِكْرِي فَإِنَّ لَهُ مَعِيشَةً ضَنْكاً }. وتسأل : ان ظاهر الآية يدل على أن اللَّه قضى وقدر ان يعيش العصاة الطغاة في حرج وضيق من العيش ، مع أن الذي نراه انهم كلما ازدادوا عصيانا وطغيانا ازدادوا جاها ومالا ؟
وأجاب المفسرون بأن المراد بالضنك والضيق هنا قلق النفس واضطرابها على ما في اليد وحذرها من العواقب والمفاجئات ، ومن الضراء بعد السراء .
ويلاحظ بأن هذا القلق شامل لكل من في يده شيء من حطام الدنيا مطيعا كان أو عاصيا ، لأن الطبيعة عمياء لا تميز بين الطيب والخبيث ، وحوادثها لا ترحم صغيرا ولا ضعيفا ، ولا تبالي بمصير الأخيار والأولياء .
والأرجح في الجواب ما ذكرناه في ج 3 ص 94 بعنوان : الرزق وفساد الأوضاع ، وفي ص 131 من المجلد المذكور بعنوان : هل الرزق صدفة أو قدر ؟ ومجمله ان الفقر من حكم الأرض ، لا من حكم السماء ، مما كسبت أيدي الناس الذين أماتوا الحق والعدل . . ولو أنهم أقاموا شريعة اللَّه لما وجد على ظهرها فقير .
{ونَحْشُرُهُ يَوْمَ الْقِيامَةِ أَعْمى } . قال بعض المفسرين ، المراد بالعمى هنا العمى عن الحجة والدليل . وقال آخر : بل العمى عن الجنة . . والصحيح ان المراد به المعنى الظاهر ، وهو ذهاب البصر بدليل قوله : { قالَ رَبِّ لِمَ حَشَرْتَنِي أَعْمى وقَدْ كُنْتُ بَصِيراً } . ولا موجب للتأويل { قالَ كَذلِكَ أَتَتْكَ آياتُنا فَنَسِيتَها وكَذلِكَ الْيَوْمَ تُنْسى } . انك تهمل اليوم كما أهملت العمل من قبل ، وبالاختصار من ساء عمله في الدنيا ساء مصيره في الآخرة . .
وهذه الآية من أوضح الأدلة على أن العمل في الدنيا أصل ، وثواب الآخرة فرع ، وانه لا سبيل إلى نعيمها إلا العمل الصالح . . وعلى الرغم من أن القرآن الكريم يربط الإسلام بالحياة ، والجزاء بالعمل فان كثيرا من شبابنا يقولون :
الدين خرافة وأساطير . . وعذرهم في ذلك جهلهم بالإسلام ، وبعدهم عن معرفة حقائقه وأسراره .
{ وكَذلِكَ نَجْزِي مَنْ أَسْرَفَ } في طلب الدنيا ، وأخذها من غير حل { ولَمْ يُؤْمِنْ بِآياتِ رَبِّهِ } الدالة على وجوده ، ونبوة أنبيائه ، وانزال كتبه ، أو يؤمن بذلك كله ، ولكنه لا يلتزم بالعمل . { ولَعَذابُ الآخِرَةِ } ومنه سرابيل القطران وطعام الزقوم ، وشراب الحميم ، والضرب بمقامع الحديد أشدّ وأبقى من وقع العمى والنسيان .
{ أَفَلَمْ يَهْدِ لَهُمْ كَمْ أَهْلَكْنا قَبْلَهُمْ مِنَ الْقُرُونِ يَمْشُونَ فِي مَساكِنِهِمْ } . المراد بيهد يبين ويوجد طرق الهداية ، وضمير لهم يعود إلى المشركين ، والمعنى كيف أشرك الذين عاصروا محمدا ( صلى الله عليه واله وسلم ) ، وأصروا على الشرك بعد ان دعاهم إلى التوحيد ، مع أن اللَّه قد بيّن وأوجد طرق الهداية إلى التوحيد ، ومنها إهلاك الأمم الماضية كقوم نوح وعاد وثمود ، فقد كانوا أشد منهم قوة ، وأكثر مالا ، وأعز نفرا ، فبعث اللَّه إليهم رسلا مبشرين ومنذرين ، كما بعث محمدا إلى مشركي قريش ، فعصوا وتمردوا ، فأهلكهم اللَّه بكفرهم وتمردهم ، وهم في ديارهم آمنون مطمئنون ، فهل أمن مشركو قريش أن يأتيهم بأس اللَّه على غفلة كما أتى الذين من قبلهم { إِنَّ فِي ذلِكَ لآياتٍ لأُولِي النُّهى } ان ما حل بالماضين عبرة وعظة لأصحاب العقول من الحاضرين .
{ ولَوْ لا كَلِمَةٌ سَبَقَتْ مِنْ رَبِّكَ لَكانَ لِزاماً وأَجَلٌ مُسَمًّى }. المراد بالكلمة والأجل المسمى قضاؤه تعالى بتأخير العذاب ، والمعنى لولا قضاؤه وحكمته جل وعز بتأخير العذاب على مشركي قريش إلى أجل مسمى لوقع عليهم لا محالة.
_______________
1- التفسير الكاشف، ج 5، محمد جواد مغنية، ص 251-253.
قوله تعالى:{ قَالَ اهْبِطَا مِنْهَا جَمِيعًا بَعْضُكُمْ لِبَعْضٍ عَدُوٌّ} تقدم تفسير مثله في سورتي البقرة والأعراف.
وفي قوله:{قال اهبطا} التفات من التكلم مع الغير إلى الغيبة والإفراد ولعل الوجه فيه اشتمال الآية على القضاء والحكم وهو مما يختص به تعالى قال:{والله يقضي بالحق}: غافر: 20، وقال:{إن الحكم إلا لله}: يوسف: 67.
قوله تعالى:{ فَإِمَّا يَأْتِيَنَّكُمْ مِنِّي هُدًى فَمَنِ اتَّبَعَ هُدَايَ فَلَا يَضِلُّ وَلَا يَشْقَى} في الآية قضاء منه تعالى متفرع على الهبوط ولذا عطف بفاء التفريع، وأصل قوله:{فإما يأتينكم} فإن يأتكم زيد عليه ما ونون التأكيد للإشارة إلى وقوع الشرط كأنه قيل: إن يأتكم مني هدى - وهو لا محالة آت - فمن اتبع{إلخ}.
وفي قوله:{فمن اتبع هداي} نسبة الاتباع إلى الهدى على طريق الاستعارة بالكناية، وأصله: من اتبع الهادي الذي يهدي بهداي.
وقوله:{فلا يضل ولا يشقى} أي: لا يضل في طريقه ولا يشقى في غايته التي هي عاقبة أمره، وإطلاق الضلال والشقاء يقضي بنفي الضلال والشقاء عنه في الدنيا والآخرة جميعا وهو كذلك فإن الهدى الإلهي هو الدين الفطري الذي دعا إليه بلسان أنبيائه، ودين الفطرة هو مجموع الاعتقادات والأعمال التي تدعو إليها فطرة الإنسان وخلقته بحسب ما جهز به من الجهازات، ومن المعلوم أن سعادة كل شيء هو ما تستدعيه خلقته بما لها من التجهيز لا سعادة له وراءه، قال تعالى:{ فَأَقِمْ وَجْهَكَ لِلدِّينِ حَنِيفًا فِطْرَتَ اللَّهِ الَّتِي فَطَرَ النَّاسَ عَلَيْهَا لَا تَبْدِيلَ لِخَلْقِ اللَّهِ ذَلِكَ الدِّينُ الْقَيِّمُ:} الروم: 30.
قوله تعالى:{ وَمَنْ أَعْرَضَ عَنْ ذِكْرِي فَإِنَّ لَهُ مَعِيشَةً ضَنْكًا وَنَحْشُرُهُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ أَعْمَى } قال الراغب: العيش الحياة المختصة بالحيوان وهو أخص من الحياة لأن الحياة يقال في الحيوان وفي الباري تعالى وفي الملك ويشتق منه المعيشة لما يتعيش منه، قال تعالى:{ نَحْنُ قَسَمْنَا بَيْنَهُمْ مَعِيشَتَهُمْ فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا}{معيشة ضنكا} انتهى، والضنك هو الضيق من كل شيء ويستوي فيه المذكر والمؤنث، يقال: مكان ضنك ومعيشة ضنك وهو في الأصل مصدر ضنك يضنك من باب شرف يشرف أي ضاق.
وقوله:{ومن أعرض عن ذكري} يقابل قوله في الآية السابقة:{فمن اتبع هداي} وكان مقتضى المقابلة أن يقال:{ومن لم يتبع هداي} وإنما عدل عنه إلى ذكر الإعراض عن الذكر ليشير به إلى علة الحكم لأن نسيانه تعالى والإعراض عن ذكره هو السبب لضنك العيش والعمى يوم القيامة، وليكون توطئة وتمهيدا لما سيذكر من نسيانه تعالى يوم القيامة من نسيه في الدنيا.
والمراد بذكره تعالى أما المعنى المصدري فقوله:{ذكري} من إضافة المصدر إلى مفعوله أوالقرآن أومطلق الكتب السماوية كما يؤيده قوله الآتي:{أتتك آياتنا فنسيتها} أوالدعوة الحقة وتسميتها ذكرا لأن لازم اتباعها والأخذ بها ذكره تعالى.
وقوله:{فإن له معيشة ضنكا} أي ضيقة وذلك أن من نسي ربه وانقطع عن ذكره لم يبق له إلا أن يتعلق بالدنيا ويجعلها مطلوبه الوحيد الذي يسعى له ويهتم بإصلاح معيشته والتوسع فيها والتمتع منها، والمعيشة التي أوتيها لا تسعه سواء كانت قليلة أو كثيرة لأنه كلما حصل منها واقتناها لم يرض نفسه بها وانتزعت إلى تحصيل ما هو أزيد وأوسع من غير أن يقف منها على حد فهو دائما في ضيق صدر وحنق مما وجد متعلق القلب بما وراءه مع ما يهجم عليه من الهم والغم والحزن والقلق والاضطراب والخوف بنزول النوازل وعروض العوارض من موت ومرض وعاهة وحسد حاسد وكيد كائد وخيبة سعي وفراق حبيب.
ولو أنه عرف مقام ربه ذاكرا غير ناس أيقن أن له حياة عند ربه لا يخالطها موت وملكا لا يعتريه زوال وعزة لا يشوبها ذلة وفرحا وسرورا ورفعة وكرامة لا تقدر بقدر ولا تنتهي إلى أمد وأن الدنيا دار مجاز وما حياتها في الآخرة إلا متاع فلو عرف ذلك قنعت نفسه بما قدر له من الدنيا ووسعه ما أوتيه من المعيشة من غير ضيق وضنك.
وقيل: المراد بالمعيشة الضنك عذاب القبر وشقاء الحياة البرزخية بناء على أن كثيرا من المعرضين عن ذكر الله ربما نالوا من المعيشة أوسعها وألقت إليهم أمور الدنيا بأزمتها فهم في عيشة وسيعة سعيدة.
وفيه أنه مبني على مقايسة معيشة الغني من معيشة الفقير بالنظر إلى نفس المعيشتين والإمكانات التي فيهما ولا يتعلق نظر القرآن بهما من هذه الجهة البتة، وإنما تبحث الآيات فيهما بمقايسة المعيشة المضافة إلى المؤمن وهو مسلح بذكر الله والإيمان به من المعيشة المضافة إلى الكافر الناسي لربه المتعلق النفس بالحياة الدنيا الأعزل من الإيمان ولا ريب أن للمؤمن حياة حرة سعيدة يسعه ما أكرمه ربه به من معيشة وإن كانت بالعفاف والكفاف أو دون ذلك، وليس للمعرض عن ذكر ربه إلا عدم الرضا بما وجد والتعلق بما وراءه.
نعم عذاب القبر من مصاديق المعيشة الضنك بناء على كون قوله:{فإن له معيشة ضنكا} متعرضا لبيان حالهم في الدنيا وقوله:{ونحشره يوم القيامة أعمى} لبيان حالهم في الآخرة والبرزخ من أذناب الدنيا.
وقيل: المراد بالمعيشة الضنك عذاب النار يوم القيامة، وبقوله:{ونحشره} إلخ، ما قبل دخول النار.
وفيه أن إطلاق قوله:{فإن له معيشة ضنكا} ثم تقييد قوله:{ونحشره} بيوم القيامة لا يلائمه وهو ظاهر.
نعم لو أخذ أول الآية مطلقا يشمل معيشة الدنيا والآخرة جميعا وآخرها لتقيده بيوم القيامة مختصا بالآخرة كان له وجه.
وقوله:{ونحشره يوم القيامة أعمى} أي بحيث لا يهتدي إلى ما فيه سعادته وهو الجنة والدليل على ذلك ما يأتي في الآيتين التاليتين.
قوله تعالى:{ قَالَ رَبِّ لِمَ حَشَرْتَنِي أَعْمَى وَقَدْ كُنْتُ بَصِيرًا } يسبق إلى الذهن أن عمى يوم القيامة يتعلق ببصر الحس فإن الذي يسأل عنه هو ذهاب البصر الذي كان له في الدنيا وهو بصر الحس دون بصر القلب الذي هو البصيرة، فيشكل عليه ظاهر ما دل على أن المجرمين يبصرون يوم القيامة أهوال اليوم وآيات العظمة والقهر كقوله تعالى:{إوَلَوْ تَرَى إِذِ الْمُجْرِمُونَ نَاكِسُو رُءُوسِهِمْ عِنْدَ رَبِّهِمْ رَبَّنَا أَبْصَرْنَا وَسَمِعْنَا}: الم السجدة: 12، وقوله:{اقرأ كتابك:} الإسراء: 14، ولذلك ذكر بعضهم أنهم يحشرون أولا مبصرين ثم يعمون، وبعضهم أنهم يحشرون مبصرين ثم عميا ثم مبصرين.
وهذا قياس أمور الآخرة وأحوالها بما لها من نظير في الدنيا وهو قياس مع الفارق فإن من الظاهر المسلم من الكتاب والسنة أن النظام الحاكم في الآخرة غير النظام الحاكم في الدنيا الذي نألفه من الطبيعة وكون البصير مبصرا لكل مبصر والأعمى غير مدرك لكل ما من شأنه أن يرى كما هو المشهود في النظام الدنيوي لا دليل على عمومه للنظام الأخروي فمن الجائز أن يتبعض الأمر هناك فيكون المجرم أعمى لا يبصر ما فيه سعادة حياته وفلاحه وفوزه بالكرامة وهو يشاهد ما يتم به الحجة عليه وما يفزعه من أهوال القيامة وما يشتد به العذاب عليه من النار وغيرها، قال تعالى:{ إِنَّهُمْ عَنْ رَبِّهِمْ يَوْمَئِذٍ لَمَحْجُوبُونَ:} المطففين: 15.
قوله تعالى:{ قَالَ كَذَلِكَ أَتَتْكَ آيَاتُنَا فَنَسِيتَهَا وَكَذَلِكَ الْيَوْمَ تُنْسَى} الآية جواب سؤال السائل:{ رَبِّ لِمَ حَشَرْتَنِي أَعْمَى وَقَدْ كُنْتُ بَصِيرًا} والإشارة في قوله:{كذلك أتتك} إلى حشره أعمى المذكور في السؤال، وفي قوله:{وكذلك اليوم} إلى معنى قوله:{أتتك آياتنا فنسيتها} والمعنى قال: كما حشرناك أعمى أتتك آياتنا فنسيتها وكما أتتك آياتنا فنسيتها ننساك اليوم أي إن حشرك اليوم أعمى وتركك لا تبصر شيئا مثل تركك آياتنا في الدنيا كما يترك الشيء المنسي وعدم اهتدائك بها مثل تركنا لك اليوم وعدم هدايتك بجعلك بصيرا تهتدي إلى النجاة، وبعبارة أخرى إنما جازيناك في هذا اليوم بمثل ما فعلت في الدنيا كما قال تعالى:{ وَجَزَاءُ سَيِّئَةٍ سَيِّئَةٌ مِثْلُهَا:} الشورى: 40.
وقد سمى الله سبحانه معصية المجرمين وهم المعرضون عن ذكره التاركون لهداه نسيانا لآياته، ومجازاتهم بالإعماء يوم القيامة نسيانا منه لهم وانعطف بذلك آخر الكلام إلى أوله وهو معصية آدم التي سماها نسيانا لعهده إذ قال:{ وَلَقَدْ عَهِدْنَا إِلَى آدَمَ مِنْ قَبْلُ فَنَسِيَ} فكأن قصة جنة آدم بما لها من الخصوصيات كانت مثالا من قبل يمثل به ما سيجري على بنيه من بعده إلى يوم القيامة فيمثل بنهيه عن اقتراب الشجرة الدعوة الدينية والهدى الإلهي بعده، وبمعصيته التي كانت نسيانا للعهد معاصي بنيه التي هي نسيان لذكره تعالى وآياته المذكرة، وإنما الفرق أن ابتلاء آدم كان قبل تشريع الشرائع فكان النهي المتوجه إليه إرشاديا وما ابتلي به من المخالفة من قبيل ترك الأولى بخلاف الأمر في بنيه.
متفرقات من وعيد ووعد وحجة وحكم وتسلية للنبي (صلى الله عليه وآله وسلم) متفرعة على ما تقدم في السورة.
قوله تعالى:{ وَكَذَلِكَ نَجْزِي مَنْ أَسْرَفَ وَلَمْ يُؤْمِنْ بِآيَاتِ رَبِّهِ وَلَعَذَابُ الْآخِرَةِ أَشَدُّ وَأَبْقَى } الإسراف التجاوز عن الحد والظاهر أن الواو في قوله:{وكذلك} للاستيناف، والإشارة إلى ما تقدم من مؤاخذة من أعرض عن ذكر الله ونسي آيات ربه فإنه تجاوز منه عن حد العبودية وكفر بآيات ربه فجزاؤه جزاء من نسي آيات ربه وتركها بعد ما عهد إليه معرضا عن ذكره.
وقوله:{ولعذاب الآخرة أشد وأبقى} أي من عذاب الدنيا وذلك لكونه محيطا بباطن الإنسان كظاهره ولكونه دائما لا يزول.
قوله تعالى:{ أَفَلَمْ يَهْدِ لَهُمْ كَمْ أَهْلَكْنَا قَبْلَهُمْ مِنَ الْقُرُونِ يَمْشُونَ فِي مَسَاكِنِهِمْ} إلخ، الظاهر أن{يهد} مضمن معنى يبين، والمعنى أ فلم يبين لهم طريق الاعتبار والإيمان بالآيات كثرة إهلاكنا القرون التي كانوا قبلهم وهم يمشون في مساكنهم كما كانت تمر أهل مكة في أسفارهم بمساكن عاد بأحقاف اليمن ومساكن ثمود وأصحاب الأيكة بالشام ومساكن قوم لوط بفلسطين{إن في ذلك لآيات لأولي النهى} أي أرباب العقول.
قوله تعالى:{ وَلَوْلَا كَلِمَةٌ سَبَقَتْ مِنْ رَبِّكَ لَكَانَ لِزَامًا وَأَجَلٌ مُسَمًّى} مقتضى السياق السابق أن يكون{لزاما} بمعنى الملازمة وهما مصدرا لازم يلازم، والمراد بالمصدر معنى اسم الفاعل وعلى هذا فاسم كان هو الضمير الراجع إلى الهلاك المذكور في الآية السابقة، وأن قوله:{وأجل مسمى} معطوف على{كلمة سبقت} والتقدير ولو لا كلمة سبقت من ربك وأجل مسمى لكان الهلاك ملازما لهم إذ أسرفوا ولم يؤمنوا بآيات ربهم.
واحتمل بعضهم أن يكون لزام اسم آلة كحزام وركاب وآخرون أن يكون جمع لازم كقيام جمع قائم والمعنيان لا يلائمان السياق كثيرا.
وقوله:{ولولا كلمة سبقت من ربك} تكررت هذه الكلمة منه سبحانه في حق بني إسرائيل وغيرهم في مواضع من كلامه كقوله:{ وَلَوْلَا كَلِمَةٌ سَبَقَتْ مِنْ رَبِّكَ لَقُضِيَ بَيْنَهُمْ:} يونس: 19 هود: 110 حم السجدة: 45، وقد غياها بالأجل المسمى في قوله:{ولو لا كلمة سبقت من ربك إلى أجل مسمى لقضي بينهم:} الشورى: 14، وقد تقدم في تفسير سورتي يونس وهود أن المراد بها الكلمة التي قضي بها عند إهباط آدم إلى الأرض بمثل قوله:{ وَلَكُمْ فِي الْأَرْضِ مُسْتَقَرٌّ وَمَتَاعٌ إِلَى حِينٍ:} الأعراف: 24.
فالناس آمنون من الهلاك وعذاب الاستئصال على إسرافهم وكفرهم ما بين استقرارهم في الأرض وأجلهم المسمى إلا أن يجيئهم رسول فيقضي بينهم، قال تعالى: وَلِكُلِّ أُمَّةٍ رَسُولٌ فَإِذَا جَاءَ رَسُولُهُمْ قُضِيَ بَيْنَهُمْ بِالْقِسْطِ وَهُمْ لَا يُظْلَمُونَ:} يونس: 47 وإليه يرجع عذاب الاستئصال عن الآيات المقترحة إذا لم يؤمن بها بعد ما جاءت وهذه الأمة حالهم حال سائر الأمم في الأمن من عذاب الاستئصال بوعد سابق من الله، وأما القضاء بينهم وبين النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) فقد أخره الله إلى أمد كما تقدم استفادته من قوله:{ولكل أمة رسول} الآية من سورة يونس.
واحتمل بعضهم أن يكون المراد بالكلمة وعدا خاصا بهذه الأمة بتأخير العذاب عنهم إلى يوم القيامة وقد مر في تفسير سورة يونس أن ظاهر الآيات خلافه نعم يدل كلامه تعالى على تأخيره إلى أمد كما تقدم.
ونظيره في الفساد قول الآخرين إن المراد بالكلمة قضاء عذاب أهل بدر منهم بالسيف والأجل المسمى لباقي كفار مكة وهو كما ترى.
وقوله:{وأجل مسمى} قد تقدم في تفسير أول سورة الأنعام أن الأجل المسمى هو الأجل المعين بالتسمية الذي لا يتخطا ولا يتخلف كما قال تعالى:{ مَا تَسْبِقُ مِنْ أُمَّةٍ أَجَلَهَا وَمَا يَسْتَأْخِرُونَ:} الحجر: 5، وذكر بعضهم أن المراد بالأجل المسمى يوم القيامة، وقال آخرون إن الأجل المسمى هو الكلمة التي سبقت من الله فيكون عطف الأجل على الكلمة من عطف التفسير، ولا معول على القولين لعدم الدليل.
فمحصل معنى الآية أنه لو لا أن الكلمة التي سبقت من ربك - وفي إضافة الرب إلى ضمير الخطاب إعزاز وتأييد للنبي (صلى الله عليه وآله وسلم) - تقضي بتأخير عذابهم والأجل المسمى يعين وقته في ظرف التأخير لكان الهلاك ملازما لهم بمجرد الإسراف والكفر.
ومن هنا يظهر أن مجموع الكلمة التي سبقت والأجل المسمى سبب واحد تام لتأخير العذاب عنهم لا أن كل واحد منهما سبب مستقل في ذلك كما اختاره كثير منهم.
____________
1- تفسير الميزان ،الطباطبائي،ج14،ص181-190.
المعيشة الضنكا:
مع أنّ توبة آدم قد قبلت، إلاّ أنّ عمله أدّى إلى عدم إستطاعته الرجوع إلى الحالة الأُولى، ولذا فإنّ الله سبحانه أصدر أمره لآدم وحواء كليهما وكذلك الشيطان أن يهبطوا جميعاً من الجنّة: {قَالَ اهْبِطَا مِنْهَا جَمِيعًا بَعْضُكُمْ لِبَعْضٍ عَدُوٌّ}. إلاّ أنّي اُعلمكم بأنّ طريق النجاة والسعادة مفتوح أمامكم {فَإِمَّا يَأْتِيَنَّكُمْ مِنِّي هُدًى فَمَنِ اتَّبَعَ هُدَايَ فَلَا يَضِلُّ وَلَا يَشْقَى}.
ومن أجل أن يتّضح أيضاً مصير الذين ينسون أمر الحقّ، فقد أضاف تعالى {وَمَنْ أَعْرَضَ عَنْ ذِكْرِي فَإِنَّ لَهُ مَعِيشَةً ضَنْكًا وَنَحْشُرُهُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ أَعْمَى }.
هنا {قَالَ رَبِّ لِمَ حَشَرْتَنِي أَعْمَى وَقَدْ كُنْتُ بَصِيرًا}؟ فيسمع الجواب مباشرةً: {قَالَ كَذَلِكَ أَتَتْكَ آيَاتُنَا فَنَسِيتَهَا وَكَذَلِكَ الْيَوْمَ تُنْسَى} وتعمى عينك عن رؤية نعم الله ومقام قربه.
أمّا الآية الأخيرة من الآيات محلّ البحث فهي بمثابة الإستنتاج والخلاصة إذ تقول: {وَكَذَلِكَ نَجْزِي مَنْ أَسْرَفَ وَلَمْ يُؤْمِنْ بِآيَاتِ رَبِّهِ وَلَعَذَابُ الْآخِرَةِ أَشَدُّ وَأَبْقَى}.
اعتبروا بتاريخ الماضين:
لمّا كانت عدّة بحوث في الآيات السابقة قد وردت عن المجرمين، فقد أشارت الآيات الأُولى من الآيات محلّ البحث إلى واحد من أفضل طرق التوعية وأكثرها تأثيراً، وهو مطالعة تأريخ الماضين، فتقول: {أَفَلَمْ يَهْدِ لَهُمْ كَمْ أَهْلَكْنَا قَبْلَهُمْ مِنَ الْقُرُونِ}(2) اُولئك الذين عمّهم العذاب الإلهي الأليم {يمشون في مساكنهم}.
إنّ هؤلاء يمرّون في مسيرهم وذهابهم وإيّابهم على منازل قوم عاد ـ في أسفارهم إلى اليمن ـ وعلى مساكن ثمود المتهدّمة الخربة ـ في سفرهم إلى الشام ـ وعلى منازل قوم لوط التي جُعل عاليها سافلها ـ في سفرهم إلى فلسطين ـ ويرون آثارهم، إلاّ أنّهم لا يعتبرون، فإنّ الخرائب والأطلال تتكلّم بلسان الحال وتخبر عن قصص السابقين وتحذّر أبناء اليوم وأبناء الغد وتُعوِلُ صارخة أنّ هذه عاقبة الظلم والكفر والفساد.
نعم .. {إِنَّ فِي ذَلِكَ لَآيَاتٍ لِأُولِي النُّهَى}(3).
إنّ موضوع أخذ العبرة من تأريخ الماضين من الاُمور التي يؤكّد عليها القرآن والأحاديث الإسلامية كثيراً، وهو حقّاً مَعْلَمٌ مُذكّر منبّه، فما أكثر اُولئك الأشخاص الذين لا يتأثّرون بأيّة موعظة، ولا يعتبرون بها، إلاّ أنّ رؤية مشاهد من آثار الماضين المعبّرة تهزّهم، وكثيراً ما تغيّر مسير حياتهم.
ونقرأ في حديث عن رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم): «أغفل الناس من لم يتّعظ بتغيّر الدنيا من حال إلى حال»(4) ولا يفكّر في تقلّب الليل والنهار وتعاقبهما.
الآية التالية في الحقيقة جواب عن سؤال يُثار هنا، وهو: لماذا لا يجري الله سبحانه على هذا القسم من المجرمين ما أجراه على المجرمين السابقين، فيقول القرآن: {وَلَوْلَا كَلِمَةٌ سَبَقَتْ مِنْ رَبِّكَ لَكَانَ لِزَامًا وَأَجَلٌ مُسَمًّى}.
إنّ هذه السنّة الإلهيّة التي ذكرت في مواضع عديدة من القرآن باسم (كلمة) إشارة إلى قانون الخلقة المبتني على حريّة البشر، لأنّ كلّ مجرم إذا عوقب مباشرة وبدون أن يمهل، فإنّ الإيمان والعمل الصالح سيتّصف بالجبر تقريباً، وسيكون على الأغلب خوفاً من العقاب الآني، وبناءً على هذا فسوف لا يكون وسيلة للتكامل الذي هو الهدف الأصلي.
إضافةً إلى أنّه إذا تقرّر أن يعاقب جميع المجرمين فوراً، فسوف لا يبقى أحد حيّاً على وجه الأرض: {وَلَوْ يُؤَاخِذُ اللَّهُ النَّاسَ بِظُلْمِهِمْ مَا تَرَكَ عَلَيْهَا مِنْ دَابَّةٍ}(النحل،61). وبناءً على هذا فيجب أن تكون هناك مهلة وفترة تعطى لكلّ المرتبطين بطريق الحقّ حتّى يرجع المجرمون إلى أنفسهم ويسلكوا سبيل الصلاح، ولتكون كذلك فرصة لتهذيب النفس.
إنّ التعبير بـ (أجل مسمّى) بالشكل الذي يفهم من مجموع آيات القرآن، إشارةً إلى الزمان الحتمي لنهاية حياة الإنسان(5).
وعلى كلّ حال، فإنّ الظالمين الذين لا إيمان لهم والمجرمين يجب أن لا يغترّوا بتأخير العذاب الإلهي، وأن لا يغفلوا عن هذه الحقيقة، وهي أنّ لطف الله وسنّته في الحياة، وقانون التكامل هذا، هو الذي يفسح المجال لهؤلاء.
____________
1- تفسير الامثل،ناصر مكارم الشيرازي،ج8،ص211-218.
2ـ كما قلنا سابقاً، فإنّ «قرون» جمع قرن، تعني الناس الذين يعيشون في عصر ما، ويقال أحياناً لنفس ذلك الزمان: قرن. وهي من مادّة المقارنة.3
ـ «النهى» من مادّة نهي، وهي هنا بمعنى العقل، لأنّ العقل ينهي الإنسان عن القبائح والسيّئات.
4ـ سفينة البحار ـ مادّة عبر ـ الجزء2 ص146.
5- لمزيد الإيضاح راجع البحث المفصّل الذي ذكرناه في ذيل الآية (1 و2) من سورة الأنعام. ونذكر في الضمن أنّ جملة (أجل مسمّى) من ناحية التركيب النحوي عطف على (كلمة).
|
|
دراسة يابانية لتقليل مخاطر أمراض المواليد منخفضي الوزن
|
|
|
|
|
اكتشاف أكبر مرجان في العالم قبالة سواحل جزر سليمان
|
|
|
|
|
المجمع العلمي ينظّم ندوة حوارية حول مفهوم العولمة الرقمية في بابل
|
|
|