المرجع الالكتروني للمعلوماتية
المرجع الألكتروني للمعلوماتية


Untitled Document
أبحث عن شيء أخر المرجع الالكتروني للمعلوماتية



الفساد العام  
  
983   03:21 مساءاً   التاريخ: 24-03-2015
المؤلف : محمد الصالح السليمان
الكتاب أو المصدر : الرحلات الخيالية في الشعر العربي الحديث
الجزء والصفحة : ص137-142
القسم : الأدب الــعربــي / الأدب / الشعر / العصر الحديث /


أقرأ أيضاً
التاريخ: 24-03-2015 2474
التاريخ: 24-03-2015 2224
التاريخ: 23-03-2015 2127
التاريخ: 15-12-2019 712

شيوع الفساد العام في المجتمع والإشارة الى مكامنه ومحاولة إيجاد الحلول الناجعة للحؤول دون اتساع دائرته، من المواضيع التي حفل بها الشعر العربي الحديث..

فها هو الفراتي يشير في حواره مع إبليس إلى المفاسد التي انتشرت في مجتمعه من خلال تظلّم إبليس ومحاولته نفي تهمة الإغواء عن نفسه، فيقول:

هلِ الشيّطانُ يَحدُوكمْ ... إلى الماخورِ والسُّكْرِ

متى أصبحتُ قائدكمْ ... إلى التّدميرِ والقتلِ

متى أمسيتُ رائدكُمْ ... إلى التّضليلِ والختْلِ

متى يوماً تصبّتني ... بها المرأةُ والكرسي

متى كنتُ كهذي النّا ... س لمْ أعبُدْ سوى نفسي(1)

ولم يترك الفراتي مفسدة في مجتمعه إلا هاجمها في رحلته الخياليّة، حتى الصوفيّة لم تفلت من قبضته إذ عدّها واحدة من مفاسد المجتمع الإسلامي. حيث عزفت عن دينها الصحيح ولجّت في غياهب الجهل والشعوذة، فسيطرت على أفهام البسطاء والسذّج من الناس.

أمّا الهوني فغالبية أفكاره في الرحلة تدور حول نقد القيم الاجتماعيّة الفاسدة. فما أخرجه عن الأرض إلاّ فساد أهلها فيها، واختلاط الطالح بالصالح، حتى غدا كريم النفس والطباع كخسيسها، وتبرز حدّة هذا الشعور بالإحباط في حوار الشاعر مع الملك إذ غدا الختل طابعاً لبني البشر يرى في وجوههم، فيقول:

وقلْتُ: لَهُ باللهِ كيفَ عرفتني ... فقالَ: على جبهاتكُمْ طابَعُ الختْلِ(2)

 

كما يستعيد الهوني إلى الذاكرة اتّهام الملائكة للبشر بالإفساد في الأرض فيقول:

فقلتُ ألا زِلتم تقولونَ هكذا؟ ... وقد قُلتُمُ في آدمَ القَولَ مِنْ قبل

ولمّا أرادَ الله إسنادَ مُلكهِ ... لآدمَ قلتُمْ يُفسدُ الأرضَ بالقتلِ

فقالَ: نعم قُلنا بأمرِ إلهِنا ... وإنّ الذي قلناهُ حُقّقَ بالفعلِ(3)

 

وعندما يشكو الشاعر حاله لأبيه آدم التي دفعت به إلى الخروج عن عالم الأرض الفاسد إلى السماء لالتماس الطهر يعدّد كثيراً من المفاسد الاجتماعيّة التي سادت على وجه البسيطة وغيرت حالها، يقول:

وصارُوا كأنّ القومَ لا همّ عندهُم ... مِنْ الدّينِ والدّنيا سوى الشّربِ والأكلِ

ولو يا أبي شاهدْتَهمْ لوجدتَهمْ ... طغَوا وبغوا واستبدلُوا العلمَ بالجهلِ

وصارَ لديهِمْ صاحبُ العَدلِ ظالماً ... وذو الظّلم يُدعى بينهم مِن ذوي العدلِ(4)

وهكذا يعمّق الهوني رؤيته نحو المجتمع الفاسد في مكان انطلق إليه على جناح الخيال، وربّما لم ينطلق هذه الانطلاقة إلاّ عندما يئس من صلاح بني البشر على الأرض فالتمس الصلاح في السماء بعيداً، ولكن هيهات هيهات فإنّ المكوث في السماء يحتاج إلى تطهّر من الجسد المثقل بأدران الماديّة، وهذا لا يتمّ إلا بالموت، وهنا تقترن المثاليّة عند الهوني بالموت، فيتحوّل الموت، تلك المأساة خلاصاً لذيذ المعاناة عنده، لأنّ فيه الخلاص من هذا المجتمع الفاسد، فيقول:

فقلتُ: أبي أبغِي المكوثَ بساحِكمْ ... مللْتُ لعمري عيْشَةَ الضّنكِ والذّلّ

فقالَ: مكوثُ المرءِ عندي محرّمٌ ... إذا لمْ يُطهّرْ بالمماتِ من الغلّ

فقلتُ: سلامُ اللهِ ثمّ تركتُهمْ ... وأُرجعْتُ رغم الأنفِ للعالمِ السفلي(5)

 

ويركّز عبد الفتاح القلعجي في ملحمة القيامة على المفاسد الاجتماعيّة التي ساقت عجلة القيامة قُدماً للوصول إلى ساعة النهاية الدنيويّة والبداية الأخرويّة فتراه يعدّد بعض هذه المفاسد التي أصابت المجتمعات الإنسانيّة، فيقول:

الشيّخُ: وتتالتْ إرهاصاتُ الناقورِ

وأوحَلَ في الطغيانِ القتلة

انفجرتْ في الأرضِ حروبٌ

غُسِلَتْ بالدّمْ(6)

ولقد تحوّل المجتمع في ملحمة القيامة إلى كتلة من المفاسد لا تكاد تخلو من نقيصةٍ في الكون إلاّ تلبّست أهل الساعة الذين قال عنهم النبيّ صلّى الله عليه وسلّم: "إنهم شرار الناس"(7).

وفي هذا الاتهام أكبر طعنة يوجّهها القلعجي للمجتمعات الإنسانيّة التي يقول عن أرواح البشر فيها:

"ثمّ تسربلَهُ الرّوحُ الشيّطانيّ" (8)

إذاً عبّر هؤلاء الشعراء عن القيم الاجتماعيّة التي سادت مجتمعاتهم الإنسانيّة رغم أنّهم حلّقوا بعيداً عنها فهم لم ينسوا ساعة أنّهم أبناؤها فكشفوا كثيراً من القيم الفاسدة التي سببّت لهم هذه الحالة النفسيّة المأزومة وربّما أرادوا بطرف خفيّ الدعوة إلى نقيضها وبناء الحياة الأمثل والأفضل، وعليه لا بدّ أن تكون هناك دعوة للقيم الأخلاقية الفاضلة.

فساد الأخلاق:

ومن أبرز هذه الأمراض الاجتماعيّة ما يتجلّى في اختلال المفاهيم حيث يختلط الفاضل بالرديء حتّى ما يبقى إلاّ خيط واهٍ يميّز بينها نحو قول شفيق معلوف:

فاندسّتِ الكبرياءْ ... تحتَ حجابِ الحسبْ

وتحتَ سترِ الإباءْ ... غلغلَ وجهُ الغضبْ

وانقلبَ العنادُ ... بينَ الورى حزمَا

وصارَ الاستبدادُ ... في عرفِهمْ عَزْما

وأصبحَ الجشعُ ... أسمى مَزايا الرّوحِ(9)

 

ويتعمّق هذا الاختلال الذي يتّهم به شفيق المجتمع المعاصر في حادثه تاريخيّة رمزيّة. في نشيد حلم هراء. هذا المخلوق الأسطوري الذي يوحي الأحلام للبشر.

وفيه قصّة حلمه الذي أوحاه لأميّة بن أبي الصّلت الشاعر الجاهلي الذي كان يهيّئ نفسه للنّبوّة. إذ كشف له عن سريرته السوداء العفنة المبطّنة بالحسد والحقد اللذين ينهشان شفافية الروح فيها، وإن بدت ظاهراً هيّنة ليّنة فإنها تتجلى عن حقيقتها تحت مخاض الرياء في قلبه، فهاله ما رأى فيها، فيقول:

أذاكَ قلبي أنا ... تاللهِ قلْ يا هُراءْ

إذا قلوبُ الورَى ... كانَتْ وقلبي سَواءْ

وكانَ ما بِي بِهِمْ ... لا كُنتُ في الأنبياءْ(10)

 

ويوجّه شفيق في (أبناء إبليس) طعنة عنيفة للمجتمع الذي ينصاع وراء مثل هذه المفاسد التي يمثّلها أبناء إبليس كحبّ المال والبخل الذي يصل درجة العبادة، يقول:

شيطانُ شِعْري انْبرَى ... وقالَ هلْ مَنْ تَرى

غيرَ زلنبورِ ... مذهَبِ الأغلالِ

مفضّضِ النّيرِ ... معبوْدِ أهلِ المَالِ

فهو إذا ما نَصبْ ... ميزانَه في يديْهْ

تنشبُ حربُ الذّهبْ ... والرّوحُ في كفتيهْ(11)

 

ولكنّ الحضيض في الأخلاق الفاسدة ذلك الخلق الذميم الذي تسير كلّ الأخلاق الفاسدة والنواقص تحت لوائه إنّه الكذب، ذلك الخُلق الذي لا يدانيه خلق من الأخلاق الفاسدة. ولعلّه يتوافق في هذا الرأي مع الحديث الشريف في قوله صلى الله عليه وسلم: "يطبع المؤمن على الخلال كلّها إلاّ الخيانة والكذب"(12).

يقول شفيق:

وبانَ مسوطُ ... فُجاءةً يقتربْ

كأنّ مُديةً ... من شفتيهِ تثِبْ

إنْ يروِ مصلتاً ... ذاكَ اللسانِ الذربْ

يَغصّص بريقهِ ... وجفنُهُ يضطْربْ

كأنّ بعضَهُ ... ببعضِهِ يحتجبْ

وسارَ رافعاً ... رايتَهُ المشرعة

فسارَ خلفهُ ... إخوتهُ الأربعة(13)

 

وأمّا سيطرة الشهوة على المجتمع فهي من أفتك الأمراض التي تحلّ عُرى المحبّة والتعاون وتؤدي إلى انهيار المجتمعات الإنسانية، يقول شفيق على لسان شيطان الشهوة:

وذاكَ أعورْ ... أطلّ ينظُرْ

مِنْ ظاهِر الهّوهْ ... وقالَ: إنّي أنا

حامِي ذمارِ الخنَا ... والعُهر والشهوة

شرارتي في العُيون ... حريقةُ الدّمِ

أنا مُثيرُ الجنُونْ ... والفمُ لصقَ الفم

ما اتكأ العاشِقوُنْ ... إلاّ على مِعْصَمي

كمْ ذاقَ خمري عاشقٌ فالتوى ... مُعربداً في سكراتِ الهوَى

مهدّماً ببعضهِ بعضَهُ ... وهْوَ على الأنقاضِ يمشي السّوى(14)

 

والفراتي يوجّه سياط نقده اللاذع لمجتمعه ولمفاسده الاجتماعيّة حين يستقرئ ذلك في مرآة إبليس في قصيدته (في حانة إبليس) فيقول:

وجالَ الطّرفُ في المرآ ... ةِ يستقري الأعاجيبا

فلمْ يُبصِرْ سِوى ذئبٍ ... يطارِدُ مثلَهُ ذيبا

ولمْ أُبصرْ سِوى الأنثى ... يجدُّ وراءَ ها الفحلُ

وغيرَ العُرسِ في الدّنيا ... لدى الزّوجينِ لا يحلو(15)

فدلالات المعنى تنقد أبناء المجتمع الذين يضيّعون حياتهم جرياً وراء شهواتهم، سواءٌ أكانت شهوة المال أم القتل أم الاغتصاب أم الشبق الجنسي الذي لا يشبع.

لقد أسهم شعراء الرحلات الخياليّة في عكس معاناة الإنسان، هذه المعاناة التي تبدأ بأعماقه وما يدور فيها من صراع بين الخير والشرّ منتصرين لنوازع الخير وقوتّه التي تمثلت بالروح مقابل المادة -اللهمّ-إلاّ الزهاوي الذي وجد الشرّ في قوى الغيب والدين، كما ندّد الشعراء بالمفاسد الخلقّية ودعوا في المقابل إلى القيم المثالية العليا التي ترفع شأن الإنسان، ولم يكونوا بمنأى عن الحياة السياسيّة التي عاشوا همومها ففضحوا المستعمر ودعوا إلى مقاومته.

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

(1) الفراتي، محمد، النفحات، ص: 274-275

(2) الهوني، إبراهيم، الديوان، ص: 36.

(3) المصدر السابق، ص:37.

(4) المصدر نفسه ص: 39.

(5) المصدر نفسه، ص:40.

(6) القلعجي، عبد الفتاح، القيامة، ص:10.

(7) ابن حنبل، أحمد، المسند، حديث رقم 3930.

(8) المصدر السابق، ص:13.

(9) المعلوف، شفيق، عبقر، ص: 196-197.

(10) المصدر السابق، ص:229.

(11) المصدر نفسه: ص: 207-208.

(12) ابن حنبل، أحمد، المسند، حديث رقم 21149.

(13) المصدر السابق، ص:200-201.

(14) المصدر نفسه، ص: 210-211

(15) الفراتي، محمد، النفحات، ص: 273.

 





دلَّت كلمة (نقد) في المعجمات العربية على تمييز الدراهم وإخراج الزائف منها ، ولذلك شبه العرب الناقد بالصيرفي ؛ فكما يستطيع الصيرفي أن يميّز الدرهم الصحيح من الزائف كذلك يستطيع الناقد أن يميز النص الجيد من الرديء. وكان قدامة بن جعفر قد عرف النقد بأنه : ( علم تخليص جيد الشعر من رديئه ) . والنقد عند العرب صناعة وعلم لابد للناقد من التمكن من أدواته ؛ ولعل أول من أشار الى ذلك ابن سلَّام الجمحي عندما قال : (وللشعر صناعة يعرف أهل العلم بها كسائر أصناف العلم والصناعات ). وقد أوضح هذا المفهوم ابن رشيق القيرواني عندما قال : ( وقد يميّز الشعر من لا يقوله كالبزّاز يميز من الثياب ما لا ينسجه والصيرفي من الدنانير مالم يسبكه ولا ضَرَبه ) .


جاء في معجمات العربية دلالات عدة لكلمة ( عروُض ) .منها الطريق في عرض الجبل ، والناقة التي لم تروَّض ، وحاجز في الخيمة يعترض بين منزل الرجال ومنزل النساء، وقد وردت معان غير ما ذكرت في لغة هذه الكلمة ومشتقاتها . وإن أقرب التفسيرات لمصطلح (العروض) ما اعتمد قول الخليل نفسه : ( والعرُوض عروض الشعر لأن الشعر يعرض عليه ويجمع أعاريض وهو فواصل الأنصاف والعروض تؤنث والتذكير جائز ) .
وقد وضع الخليل بن أحمد الفراهيدي للبيت الشعري خمسة عشر بحراً هي : (الطويل ، والبسيط ، والكامل ، والمديد ، والمضارع ، والمجتث ، والهزج ، والرجز ، والرمل ، والوافر ، والمقتضب ، والمنسرح ، والسريع ، والخفيف ، والمتقارب) . وتدارك الأخفش فيما بعد بحر (المتدارك) لتتم بذلك ستة عشر بحراً .


الحديث في السيّر والتراجم يتناول جانباً من الأدب العربي عامراً بالحياة، نابضاً بالقوة، وإن هذا اللون من الدراسة يصل أدبنا بتاريخ الحضارة العربية، وتيارات الفكر العربية والنفسية العربية، لأنه صورة للتجربة الصادقة الحية التي أخذنا نتلمس مظاهرها المختلفة في أدبنا عامة، وإننا من خلال تناول سيّر وتراجم الأدباء والشعراء والكتّاب نحاول أن ننفذ إلى جانب من تلك التجربة الحية، ونضع مفهوماً أوسع لمهمة الأدب؛ ذلك لأن الأشخاص الذين يصلوننا بأنفسهم وتجاربهم هم الذين ينيرون أمامنا الماضي والمستقبل.