المرجع الالكتروني للمعلوماتية
المرجع الألكتروني للمعلوماتية


Untitled Document
أبحث عن شيء أخر المرجع الالكتروني للمعلوماتية

أبو فروة الحصان (Horse chestnut (Aesculus hippocastanum
28/9/2022
صبيح مولى حويطب
2023-02-23
مقياس "آبي" للانكسار Abbe refractometer
11-9-2017
التـنميـة ومفهومـها
16-1-2022
نضوج التربة
18-4-2016
مبدأ حياد القاضي من المبادئ العامة في الاثبات
21-6-2016


الموت والحياة  
  
2224   03:28 مساءاً   التاريخ: 24-03-2015
المؤلف : محمد الصالح السليمان
الكتاب أو المصدر : الرحلات الخيالية في الشعر العربي الحديث
الجزء والصفحة : ص120-123
القسم : الأدب الــعربــي / الأدب / الشعر / العصر الحديث /


أقرأ أيضاً
التاريخ: 24-03-2015 1841
التاريخ: 15-12-2019 5020
التاريخ: 15-12-2019 1038
التاريخ: 1-10-2019 1267

لقيت مسألة الموت والحياة اهتماماً كبيراً من شعراء الرحلة الخياليّة وتباينت مواقفهم منها، وبدا نزوعهم في معالجة هذه المسألة رومانتيكياً تغلّفه غلالة من الألم والتشاؤم. ولم تكن هذه النزعة نتيجة الواقع العربي فحسب فقد كان الشعراء متأثّرين بالشعر الغربي ولا سيما الرومانتيكي.

ولعلّ أبرز من عالج هذه المسألة الشاعر محمد عبد المعطي الهمشري الذي وقف على شرفة التساؤل عن مصير الإنسان، فراح يتنقّل في شاطئ الأعراف ليعاني الأهوال، ولكن من غير استسلام للرؤية السوداوية، فقد راح يجترح الحياة وسط الموت، والنور وسط الظلمة.

ومن خلال هذه الثنائيات الضديّة يثبت لنا تشبّثه بالحياة وتعلّقه بها، وهذه الثنائيات هي:

الموت والحياة، والحبّ والكراهيّة، والنور والظلام، والموسيقا والزفيف، والجمال والقبح.

والشاعر يتشبّث بالحبّ، فهو صنو الحياة يقول:

أيّها الحبُّ أنتَ للموتِ موتٌ ... ذُو غِلابٍ على البِلى مُستخفُّ

أنتَ صُنو الحياةِ وارِثةِ المو ... تِ ونور على الإلهِ يرفُّ

سوفَ تبقى بعدَ الفَناءِ سَبوحاً ... في فضاءٍ من الأثيرِ يشفُّ(1)

 

فالشاعر يرى في الحبّ سبيلاً إلى الخلاص، لأنّه يمثّل نزوع الإنسان إلى الخلود، وبالحبّ تصفو نفسه، ويخلد، ويستطيع الانتصار على الفناء.

ويعرض شفيق معلوف لمسألة الموت والحياة من خلال أسطورة الفينيق، فيبدي إعجابه بهذا الطائر الذي يقبل الموت من أجل حياة جديدة، وينعى على طيور أخرى ضعيفة منطوية على نفسها لا تعرف سوى الموت يقول:

مَا عجبي لفينِق مُوقدٍ ... لنفسهِ النّارَ على المحرقة

ولا لرُخّ رأسهُ في العُلى ... ورجُلهُ على الثّرى مُوثقة

ولا لعنقاءٍ وقدْ أمعنَتْ ... في نومِها الدّهري مُستغرقة

بلْ لطُيورٍ مِثْلِها ضخمةٍ ... أوكارُها الجماجمُ الضيّقة(2)

 وفي موضع آخر من أناشيد عبقر يخاطب لقمان نسوره السبعة، ويعبّر عن تشبثه بالحياة في مواجهة الموت، فيقول:

فخلّني أحظَ بأمنيّتي ... وخلّني أجنِ الغراسَ الّتي

نصبْتُها منذُ عامْ

كمْ ليَ في الحياةِ مِنْ مأربٍ ... فالشّطُّ ما لاصقَهُ مَركبي

لألقيَ المِرسَاة

كلاّ ولا أفرغْتُها كأسي ... حتّى بعينيَّ أرى نفْسي

تفارقُ الحياة(3)

 

فالموت لدى شفيق معلوف بلاء نازل وشحوب بعد الزهو والنضار، وظلمة بعد نور، ولكن مهما بلغت سطوة هذا الموت وسلطانه فإنّه لا يصل إلى الأحلام الخالدة التي تنطق بها أرواح الموتى، يقول في نشيد العبقريّين:

لكنّما احلامُنَا لمْ تَزلْ ... ترقُصُ سكْرى فوقَ غُلفِ المُقلْ

حاملة للنّاسِ خمرَ الهَوى ... مُشعّةً خلفَ كؤوسِ الأملْ(4)

 

ويرى نسيب عريضة الحياة عبثاً وفوضى، لذا يجزع عندما يرى الأيام تنقضي ما بين غروب وفجر، وإذا كان الموت مصير هذه النفس فمن العبث قضاؤها في جهد وجدّ، أو خمول وكسل، فهي ضياع وتيه لذا يقول:

ما نفعُ جَهْدٍ ووجْدٍ ... ما بينَ ليلٍ وفجرِ

إنْ سرتَ أو طرتَ إنّا ... باقونَ في تيهِ قَفرِ(5)

 

ولا يكاد فوزي معلوف يميّز بين صرخة الولادة وشهقة الموت، يقول:

إنّ بين السّريرِ والنّعْشِ خطوا ... تٍ دَعَوْهَا الوجودَ وهي بعكسِهْ(6)

 

ولعلّ معلوف يردّد هنا صرخة المعرّي حيث يقول:

غيرُ مجدٍ في ملتي واعتقادي ... نوحُ باكٍ ولا ترنُّمُ شَادِي

وشبيهٌ صوتُ النعيّ إذا قيـ ... سَ بصوتِ البشيرِ في كلّ نادِي

أبكَتْ تِلكُمُ الحَمامةُ أمْ غنَّـ ... تْ على فرعِ غصْنِها الميَّادِ(7)

 

فالمعرّي يرقى إلى مستوى إنساني حين يدرك أنّ الولادة والموت هما طرفان لظاهرة واحدة هي الحياة.

ومعلوف يدانيه في التعبير حين يرى ظاهرة الوجود الممتدّة بين المهد واللحد هي العدم عينه، ومثل هذه الرؤية العميقة لا تأتي إلاّ لروح شاعريّة مترعة بالعمق الإنساني الشفّاف الذي يجلو صدأ الغموض عن فلسفة الحياة والموت ليصل إلى هذا السرّ العظيم، ولذا بات الفرق معدوماً بين الموت والحياة في رؤيته ما دام يشعر أنّه عبد لكليهما مقيّد بهما، ولا خلاص من هذه العبودية إلاّ بالحريّة والخلود، ذلك الحلم الذي داعب مخيّلة الإنسان منذ بدء الخليقة، وسيظل إلى أن يرث الله الأرض ومَنْ عليها.

ويظهر الشكّ واضحاً في قصيدة "المعرّي يُبْصر" لأنيس المقدسي فالقصيدة تعبّر عن الشكّ في وجود محرّك للكون مدير له، لأنّ الكون كلّه محض تكرار أو دائرة مغلقة ولا معنى لها، يقول الشاعر:

يقولُونَ الحياةُ بَدتْ قديماً ... بلا مُحيٍ سِوى كرِّ الدّهورِ

فلا قصدٌ لشيءٍ في البَرايا ... وليسَ لهنَّ مِن بارٍ قديرِ

وكلّ حوادثِ الأيامِ طَلٌّ ... وكلُّ بداءةٍ مثلُ المصيرِ

ودائرةُ الحياةِ بلا نظام ... ولا غرضٍ تدور ولا مديرِ(8)

 

ويرتبط الموت والحياة ارتباطاً وثيقاً بالعقيدة الدينية عند عبد الفتاح رواس القلعجي في ملحمة (القيامة)، فالموت طريق موصل إلى ساعة القيامة، ولكنّه ليس الموت المرتبط بالإنسان فحسب، بل الموت الكوني الذي يموت فيه الموت نفسه ويبقى بارئ الكون فقط، يقول الشاعر:

قَبضَ اللهُ حياةَ الطّيرِ والوحشِ

وما في الأرضِ مِنْ جنسِ الهوامِ

قبضَ اللهُ نفوسَ الجانِ

قبضَ القادرُ أرواحَ الملائكِ

وعلى الكرسي ماتَ الموتُ

ثمّ في راحتهِ اللاتنتهي

ارتصّ الزّمانُ بالمكانِ

ادّغَما

ثمّ ماتا(9)

أما صورة الحياة فهي صورة نوعيّة تلبس الخلود ثوباً، ذلك الحلم القديم، ولكنّه خلود ذو وجهين متناقضين: الأوّل: يمثل السعادة والهناء والرخاء لا تملّ النفوس هناءته.

والثاني: خلود الحسرة والعذاب والألم والشدّة والكرب والعويل والصراخ، خلود تجدّد من أجل العذاب (كلّما نضجتْ جلودهُمْ بدّلناهُمْ جلوداً غيرها) (10) ويضمنّها الشاعر شعره، فيقول:

كلّما.. نَضجَت من الجمرِ جلودُهُمْ

بدّلها اللهُ جلوداً أخرى(11)

ويعمّق الشاعر حسّ الخلود المأسوي لدى أهل النار وخلود السعادة لأهل الجنّة في آخر أبواب الملحمة حين يذبح الموت، ليتأبّد فرح أهل الجنّة وحزن أهل النار، ولتنتهي بذبح الموت مأساة الإنسان وأمل الإنسان، وتكون الدنيا حلماً تقطعه صرخة الولادة وشهقة الموت.

***

لقد نظر شعراء الرحلات إلى الموت والحياة نظرات متباينة، فهما -أي الموت والحياة-ندّان متلازمان لدى محمد عبد المعطي الهمشري والموت ضرورة طبيعيّة لاستمرار الحياة. فلم يعد الموت بعد الرحلة لدى الهمشري ذلك الجانب المرعب في حياتنا ما دام ثمّة حياة أخرى نصنعها بالحبّ والجمال، في حين لم تتجاوز رؤية شفيق معلوف النظرة السطحيّة للمسألة، ولم يعمّق أفكاره أو يستفد من الرمزيّة الشفّافة التي تنبض بها أسطورة الفينيق أو الرخ أو العنقاء، وكانت الرؤية أكثر شفافية لدى فوزي في قصيدته (على بساط الريح) إذ بدا التلازم واضحاً بين الموت والحياة واندغامهما في قيد الشاعر المثقل لروحه فكلاهما مستعبد له، فالحياة في ظلّ العبوديّة موت للإنسان، والموت ما لم يقد للخلود عبودية. وبقيت النزعة الشكوكية غالبة على رؤية المقدسي ونسيب عريضة، في حين انتصرت عقيدة الحياة لدى عبد الفتاح القلعجي وإن كانت ذات بعدين متباينين: شقيّ وسعيد.

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

(1) شرف، عبد العزيز، الهشري شاعر أبولو، ص:120.

(2) المعلوف، شفيق، عبقر، ص: 269-270.

(3) المصدر نفسه ص:300

(4) المصدر نفسه، ص:316

(5) عريضة، نسيب، الأرواح الحائرة، ص:188.

(6) المعلوف، فوزي، على بساط الريح، ص:150

(7) المعري، أبو العلاء، سقط الزند، تصحيح: إبراهيم الزين، دار الفكر، بيروت، 1965، ص:7.

(8) المقدسي، أنيس، المورد الصافي، ع 10، ص:330.

(9) القلعجي، عبد الفتاح، القيامة، ص:21

(10) سورة النساء، آية: 56.

(11) المصدر السابق، ص:135.

 

 





دلَّت كلمة (نقد) في المعجمات العربية على تمييز الدراهم وإخراج الزائف منها ، ولذلك شبه العرب الناقد بالصيرفي ؛ فكما يستطيع الصيرفي أن يميّز الدرهم الصحيح من الزائف كذلك يستطيع الناقد أن يميز النص الجيد من الرديء. وكان قدامة بن جعفر قد عرف النقد بأنه : ( علم تخليص جيد الشعر من رديئه ) . والنقد عند العرب صناعة وعلم لابد للناقد من التمكن من أدواته ؛ ولعل أول من أشار الى ذلك ابن سلَّام الجمحي عندما قال : (وللشعر صناعة يعرف أهل العلم بها كسائر أصناف العلم والصناعات ). وقد أوضح هذا المفهوم ابن رشيق القيرواني عندما قال : ( وقد يميّز الشعر من لا يقوله كالبزّاز يميز من الثياب ما لا ينسجه والصيرفي من الدنانير مالم يسبكه ولا ضَرَبه ) .


جاء في معجمات العربية دلالات عدة لكلمة ( عروُض ) .منها الطريق في عرض الجبل ، والناقة التي لم تروَّض ، وحاجز في الخيمة يعترض بين منزل الرجال ومنزل النساء، وقد وردت معان غير ما ذكرت في لغة هذه الكلمة ومشتقاتها . وإن أقرب التفسيرات لمصطلح (العروض) ما اعتمد قول الخليل نفسه : ( والعرُوض عروض الشعر لأن الشعر يعرض عليه ويجمع أعاريض وهو فواصل الأنصاف والعروض تؤنث والتذكير جائز ) .
وقد وضع الخليل بن أحمد الفراهيدي للبيت الشعري خمسة عشر بحراً هي : (الطويل ، والبسيط ، والكامل ، والمديد ، والمضارع ، والمجتث ، والهزج ، والرجز ، والرمل ، والوافر ، والمقتضب ، والمنسرح ، والسريع ، والخفيف ، والمتقارب) . وتدارك الأخفش فيما بعد بحر (المتدارك) لتتم بذلك ستة عشر بحراً .


الحديث في السيّر والتراجم يتناول جانباً من الأدب العربي عامراً بالحياة، نابضاً بالقوة، وإن هذا اللون من الدراسة يصل أدبنا بتاريخ الحضارة العربية، وتيارات الفكر العربية والنفسية العربية، لأنه صورة للتجربة الصادقة الحية التي أخذنا نتلمس مظاهرها المختلفة في أدبنا عامة، وإننا من خلال تناول سيّر وتراجم الأدباء والشعراء والكتّاب نحاول أن ننفذ إلى جانب من تلك التجربة الحية، ونضع مفهوماً أوسع لمهمة الأدب؛ ذلك لأن الأشخاص الذين يصلوننا بأنفسهم وتجاربهم هم الذين ينيرون أمامنا الماضي والمستقبل.