أقرأ أيضاً
التاريخ: 11-4-2017
3076
التاريخ: 2023-09-02
1305
التاريخ: 16-1-2023
1578
التاريخ: 20-6-2022
1690
|
قال الله تعالى في محكم كتابه : {يَسْأَلُونَكَ عَنِ الْخَمْرِ وَالْمَيْسِرِ قُلْ فِيهِمَا إِثْمٌ كَبِيرٌ وَمَنَافِعُ لِلنَّاسِ وَإِثْمُهُمَا أَكْبَرُ مِنْ نَفْعِهِمَا} [البقرة: 219].
قيادة غريزة الترفيه :
من الميول الغريزية للإنسان التي لا بد وأن تخضع لمراقبة تامة وقيادة صحيحة وأن يتم إشباعها في الوقت المناسب وفق برامج إرشادية منتظمة يضعها مربون أكفاء ، هو الميل إلى الترفيه عن النفس.
فعادة ما يلجأ الإنسان إلى الترفيه والترويح عن النفس ويقضي أوقات فراغه بما يفرحه ويسليه ليتحرر ولو بشكل مؤقت من قيود الروتين ويمضي عدة ساعات من النشاط والحيوية دون أن يشعر بأية مسؤولية ، وكل ذلك بهدف إزالة تعب العمل اليومي والابتعاد عن الآداب والتقاليد الاجتماعي:
والإنسان الذي يمضي في مثل هذه الظروف الحرجة وراء إشباع شهواته وإصابة اللذات وينقاد لأهوائه النفسية دونما حدود في سبيل إشباع غريزة الترفيه ، لا بد وأن يحصد نتائج سلبية وقد يواجه أحياناً آلاماً ومصائب لا تحمد عقباها.
قال أمير المؤمنين (عليه السلام): من فعل ما شاء لقي ما ساء(1).
إن ما يؤسف له أن الكثير من الناس قد سلكوا خلال القرون الماضية طرقاً خاطئة في إشباع غريزة الترفيه ، وانحرفوا عن جادة الخير والصواب نتيجة افتقارهم للمربين الأكفاء أو تجاهلهم للبرامج التربوية الصحيحة. حيث اتبع هؤلاء أهواءهم النفسية بهدف نيل اللذات العابرة ، وأقدموا خلال ساعات فراغهم على أنواع خطيرة وسيئة من التسلية تحت شعار الترفيه ، وطبعوا أنفسهم على العادات الضارة جالبين لأنفسهم التعاسة والشقاء.
وسوء التشخيص هذا لم يقتصر على العهود الماضية جالباً لها الكثير من المصائب والويلات ، بل إن ذات الأساليب المذمومة لا زالت متبعة اليوم في عالم الصناعة والآلة بشكل أكبر من ذي قبل كماً وكيفاً ، وبات سكان العالم لا سيما جيل الشباب يعانون وبنسب متفاوتة من النتائج المشؤومة لتلك العادات الضارة والهدامة.
قال النبي (صلى الله عليه وآله): خلّتان كثير من الناس فيهما مَفتُونٌ الصحة والفراغ(2).
فحينما يكون الإنسان في صحة جيدة لا يفكر أبداً بأخطار الأمراض ، وهذا ما يجعله يبتعد عن السلامة والعافية نتيجة إفراطه في تناول الطعام أو القيام ببعض الممارسات ، وهذا الإفراط يفقده صحته وسلامته. كما أنه يرتكب وتحت شعار الترفيه أعمالاً منافية للمصلحة في أوقات فراغه. معرّضاً نفسه للبؤس والشقاء في سبيل إصابة المزيد من اللذات .
ثمة نقطتان مهمتان يجب أن يلتفت إليهما الشاب بجدية ويعمل بهما بعزم وإرادة كي يقي نفسه من العواقب المشؤومة للترفيه الضار في ساعات الفراغ ، ويجنّبها الرذائل والآثام.
النقطة الأولى هي وجوب تحرير الذات من قيود تقليد الآخرين، والعمل على تشخيص الضار والمفيد من مختلف أنواع التسلية والترفيه من خلال نظرة واقعية وبالإستعانة بالتعاليم الدينية والتوجيهات العلمية، وأن لا يستسلم المرء لتأثيرات الآداب المغلوطة والعادات الذميمة لبيئته أو مجتمعه ، وأن لا يكون من أولئك الذين قال عنهم القرآن الكريم: {وَإِذَا فَعَلُوا فَاحِشَةً قَالُوا وَجَدْنَا عَلَيْهَا آبَاءَنَا} [الأعراف: 28].
النقطة الثانية هي أن لا يكون المرء عبداً لميوله النفسية وشهواته الغريزية ، وأن يكون مسيطراً على الدوام على نفسه الأمارة ، وأن يستمتع بلذات الحياة المشروعة بالمقدار الصحيح، وأن يتغاضى عن اللذات الضارة والمنافية للمصلحة ، وأن يتذكر دائماً أن عاقبة البحث عن اللذات اللامشروعة هي الفساد والانحراف.
قال أمير المؤمنين علي (عليه السلام): ضابط نفسه عن دواعي اللذات مالك، ومهملها هالك(3).
وهنا لا بد من أن نتطرق في بحثنا هذا إلى بعض أنواع الترفيه والتسلية الضارة، ونبحث في جانب من الأخطار التي يتركها الترفيه الضار على جسم الإنسان ونفسه مستندين في ذلك على التعاليم الإسلامية والبحوث العلمية، ومرادنا أن يستفيد الشاب من هذا البحث في حفظ سلامته وتأمين سعادته عن طريق اجتناب الترفيه الضار وما يترتب عليه من عواقب سيئة .
يعتبر الخمر والميسر وسيلتين ترفيهيتين خطرتين وتسليتين ضارتين اعتمدتهما الشعوب طوال قرون متمادية مما أوقعها في الكثير من المصائب والويلات. واليوم أيضاً لا زال الخمر والميسر يعدان من وسائل الترفيه والتسلية للكثير من شعوب العالم ، حيث ابتليت المجتمعات أكثر من ذي قبل بالعواقب المدمرة المترتبة على عاملي الفساد والشقاء هذين .
ولا يخفى على أحد أن المشروبات الكحولية تحظى بأهمية بالغة من الناحية الاقتصادية في البلدان التي تعمل في إنتاجها والمتاجرة بها ، فثمة أسر كثيرة تعيش على ما يدر عليها بيع الخمر من أرباح ، وثمة ضرائب هائلة تعود على الحكومات من جراء ذلك ، وبخلاصة فإن عائدات بيع الخمر والمتاجرة به ليست بالشيء الذي يستهان به.
«حتى عام 1949 كان أكثر من أربعة ملايين فرنسي يؤمنون معاشهم عن طريق إنتاج وبيع المشروبات الكحولية . ومن المؤكد أن عدد الذين يعملون في إنتاج وبيع الخمر في الحال الحاضر يفوق هذا الرقم بكثير».
«وأول ما ينبغي أن نأخذه بعين الاعتبار جموع المزارعين الفرنسيين الذين يعملون في زراعة الكرمة. فالأراضي التي زرعت بالكروم تجاوزت مساحتها المليون وخمسمائة ألف هكتار ، وهناك أراض شاسعة في شمال غرب فرنسا مزروعة بالتفاح، وتعمل مجموعات كبيرة في إنتاج شراب التفاح لم تحددها هذه الإحصائية»(4).
الميسر أو القمار شأنه شأن الخمر يعد مصدراً مالياً ذا أهمية اقتصادية كبيرة. فهناك الكثير من مراكز القمار تنتشر في العديد من بلدان العالم يرتادها الأثرياء للهو، وتحقق هذه المراكز ارباحاً خيالية تدفع جزءاً منها ضرائب للحكومات ، والجزء الكبير الآخر يتقاسمه أصحاب مراكز القمار والعاملون فيها.
إثم أكبر من نفع:
لم يتجاهل الإسلام منذ أربعة عشر قرناً البعد الاقتصادي للخمر ومنافعه المالية، فقد أشار القرآن الكريم إلى ذلك بكل صراحة، وقد حرم الإسلام الخمر والميسر لأن إثمهما أكبر من نفعهما وكذلك ليصون المسلم من الأضرار المادية والمعنوية الكبيرة التي تلحق به في مقابل منافع اقتصادية تعود عليه من جراء عاملي الفساد والإثم هذين.
قال تعالى: {يَسْأَلُونَكَ عَنِ الْخَمْرِ وَالْمَيْسِرِ قُلْ فِيهِمَا إِثْمٌ كَبِيرٌ وَمَنَافِعُ لِلنَّاسِ وَإِثْمُهُمَا أَكْبَرُ مِنْ نَفْعِهِمَا} [البقرة: 219] .
مما يؤسف له أن طلب النفع والتفكير في تحقيق الأرباح الطائلة بات الشغل الشاغل للكثير من الحكومات والشعوب التي أصبحت تهتم بمسألة العائدات والسيولة النقدية الضخمة المتأتية من الخمر ومراكز القمار غير آبهة بالأضرار التي تلحق بالشعوب من جراء ذلك.
«تجاوز عدد الحانات في فرنسا حتى عام 1949 ال 455,054 حانة ، حيث كان هناك حانة واحدة لكل 86 شخصاً ، أما اليوم فهناك محل واحد لبيع المشروبات لكل 68 شخصاً» .
«إن الأمر الذي يحظى بمزيد من الأهمية هو الوضع المالي للحكومة نفسها التي تشبع خزينتها من الضرائب المالية الباهظة التي تفرضها على انتاج وتوزيع واستهلاك الخمور. وفي مقابل هذه العائدات ما هو مدى اهتمام الدولة بمسألة ارتفاع عدد المرضى والمجانين والوفيات الطارئة وحوادث السير وانخفاض طاقة العامل على العمل» ؟.
«يقول البروفسور «بيرن» : إن الحكومة الفرنسية تفكر بحساب دخلها اليومي ، ولا يمكنها أن تأخذ بعين الاعتبار الخسارة أو للعجز القومي الذي ستواجهه بعد عامين أو خمسة أعوام أو عشرة أعوام ربما. فالحكومة الفرنسية تهتم فقط بالسيولة النقلية التي تعود عليها من الخمور. وينظر وزراء المالية في فرنسا إلى التوازن الآني في الميزانية، وهم عاجزون عن التفكير بمستقبل مطمئن(5).
إذن ، للمشروبات الكحولية والقمار نوعان من الأضرار ، نوع مشترك ونوع خاص بكل منهما أتت على ذكرهما الروايات والأحاديث الإسلامية.
كما اعترف بوجود هذه الأضرار العلماء والمفكرون الذين أجروا سلسلة من الأبحاث والتحقيقات العلمية والاختبارات التجريبية ، فدونوا اعترافاتهم في مؤلفات وكتب حملت أسماءهم. وهنا لا بد من أن نتطرق إلى أضرار الخمر والميسر بمختلف أنواعها .
من الأضرار المشتركة التي يولدها الخمر والميسر والتي تعتبر ذات أهمية بالغة من الناحيتين النفسية والاجتماعية ، العداوة والبغضاء التي تحصل بين الناس بسبب العاملين المذكورين. فالخمر والميسر يثيران روح التشائم والحقد في اعماق الإنسان، ويعكران أجواء المحبة والالفة، ويمهدان في الإنسان سبيل البغض والانتقام .
قال تعالى: {إِنَّمَا يُرِيدُ الشَّيْطَانُ أَنْ يُوقِعَ بَيْنَكُمُ الْعَدَاوَةَ وَالْبَغْضَاءَ فِي الْخَمْرِ وَالْمَيْسِرِ} [المائدة: 91].
«يقول الدكتور «إيتوف»: إن الخمر صانع كبير للخيالات والأوهام. وشارب الخمر الذي يقل عنده حس الحقيقة وتراوده أفكار باطلة ، يفسر أي حديث يدور حوله أو أية حركة يقوم بها الآخرون بالقرب منه بتفسيرات واهية ، ومن هنا تتأجج نار غضبه للاشيء ، وما أكثر الجرائم التي تقع لمثل هذا السبب»(6).
«لا يحتاج العداء والنزاع الذي يحصل أثناء لعب القمار إلى توضيح وتفسير. وينبغي أن نذكر هنا بأنه يمكن ملاحظة آثار انعكاسات الغرائز المدمرة بصورة أكثر ليونة ومرونة في أكثر المجتمعات تمدناً وأكثر الألعاب صداقة وانسجاماً» .
«ليس هناك من حاجة في لعبة البوكر لأن تتغير الدوافع المدمرة. فلعبة البوكر تعتمد أساساً على المواجهة ، وفي هذه اللعبة يستطيع كل لاعب وحسبما تجيزه قوانين اللعبة أن يسعى لفرض سيطرته على اللاعب الآخر، فبإمكانه أن يناور خصمه على ما معه ويوقعه في الخطأ ، لأن هدف اللعبة إما خداع الطرف الآخر بحقيقة ما معك أو إثبات تفوقك بما معك» .
«ولعبة الشطرنج تجسد هي الأخرى ميل الإنسان لتلطيف وتليين غرائزه المدمرة ، مع فارق أن القوى العدوانية تبرز في هذه اللعبة بشكل واضح وصريح اكثر من أي لعبة أخرى - فهذه العبة هي عبارة عن لعبة حرب أي تمثيل حرب بين بلدين» .
«يقول «آرنست جانس» في دراسة حاذقة لعلم نفس الشطرنج : من المسلم به أن هدف لاعب الشطرنج لا يقتصر فقط على بعد المواجهة في هذه اللعبة والذي تمتاز به كافة ألعاب المواجهة ، بل هناك هدف أقبح وأذم وهو الانتقام ، لأن الهدف الأساس من لعبة الشطرنج هو تضييق الخناق على الملك وقتله. ويشعر «جان هس» بالندم لأنه لعب الشطرنج خلال الفترة التي قضاها في السجن ، لأنه يعتقد أنه أبرز من خلال هذه اللعبة مشاعره السلبية»(7) .
ومن الأضرار المشتركة الأخرى للخمر والميسر والتي يمكن أن تدفع بالإنسان نحو الرذيلة والمعصية وتشجعه على ارتكاب الجرائم ، زوال الحياء .
__________________________
(2) روضة الكافي، ص152.
(3) فهرست الغرر، ص 357 .
(4) العلوم الجنائية، ص 970.
(5) نفس المصدر، ص 970.
(6) العلوم الجنائية، ص 857.
(7) إعجاز التحليل النفسي ، ص 212 .
|
|
دراسة يابانية لتقليل مخاطر أمراض المواليد منخفضي الوزن
|
|
|
|
|
اكتشاف أكبر مرجان في العالم قبالة سواحل جزر سليمان
|
|
|
|
|
المجمع العلمي ينظّم ندوة حوارية حول مفهوم العولمة الرقمية في بابل
|
|
|