الضوابط التي تحكم تنفيذ الأحكام الأجنبية الصادرة في الجريمة المنظمة |
2834
12:11 صباحاً
التاريخ: 30-6-2019
|
أقرأ أيضاً
التاريخ: 25/9/2022
1956
التاريخ: 27-6-2019
6272
التاريخ: 24-3-2016
3169
التاريخ: 30-1-2018
2493
|
سرعان ما شعرت بعض الدول بخطورة إفلات الجناة من العقاب بسبب عدم جواز تطبيق نظام تسليم المجرمين، عمدت إلى البحث عن صيغة أخرى تمكن الحكم الجزائي من اتخاذ مجراه عن طريق التنفيذ، فمنها من لجأت إلى تضمين تشريعاتها أحكاما خاصة بتنفيذ الحكم الجزائي الأجنبي ومنها من لجأت إلى الاعتماد على الاتفاقيات والترتيبات الثنائية والمتعددة الأطراف في هذا المجال.
لكن رغم أهمية التعاون الدولي في تنفيذ الأحكام الجزائية الأجنبية في مكافحة الجريمة( 1)، وخاصة الجريمة المنظمة العابرة للحدود، إلا أنه لا ينبغي أن لا يعامل الحكم الجزائي الأجنبي شأنه شأن الحكم الوطني، فلابد من توافر شروط معينة حتى يكون الحكم الجزائي الأجنبي قابلا للتنفيذ في إقليم الدولة، وتقرير حالات لا يجوز فيها تنفيذ هذا الحكم.
أولا: شروط تنفيذ الأحكام الأجنبية الصادرة في الجريمة المنظمة.
على الرغم من الأهمية البالغة التي يحظى بها الاعتراف بالأحكام الجزائية الأجنبية في في مكافحة الجريمة، خاصة تلك التي لها أبعادا عبر وطنية، إلا أن الاتجاه الغالب بالنسبة للتشريعات الجزائية هو عدم تضمين تشريعاتها الداخلية أحكاما خاصة بمسألة الاعتراف بالقوة التنفيذية للحكم الجزائي الصادر عن دولة أخرى لتبق الاتفاقيات الثنائية أو المتعددة الأطراف، هي المصدر الذي من خلاله يمكن استقاء الأساس القانوني لهذا التعاون.
وبالرجوع إلى التشريع الجزائري، نجد أنه قد ساير الاتجاه الغالب في التشريعات الأخرى بعدم تخصيص أحكام خاصة بمسألة تنفيذ الأحكام الجزائية الأجنبية(2)، إذ اكتفى المشرع بالتطرق فقط إلى نظام تسليم المجرمين، وهو ما يشكل حلقة غير كاملة من شأنها أن تحول دون تحقيق الفعالية المرجوة في مكافحة الجريمة المنظمة العابرة للحدود.
ومع ذلك فإن تنفيذ الأحكام الجزائية الأجنبية في الجزائر يجد له تجسيدا واقعيا من خلال بعض الاتفاقيات التي أبرمتها الجزائر والمتعلقة بالتعاون القضائي في المجال الجزائي كما هو الحال في اتفاقية الرياض العربية للتعاون القضائي.
نصت الاتفاقية، المذكورة أعلاه، على الشروط التي يتعين توافرها من أجل مد التعاون الدولي بين الدول الأطراف في مجال تنفيذ الأحكام الجزائية في دولة غير الدولة التي أصدرت هذه الأحكام، عندما يكون المحكوم عليهم من مواطني الدولة المطلوب منها التنفيذ وذلك في حالة توافر الشروط الآتية:
"- أن تكون العقوبة المحكوم بها سالبة للحرية لا تقل مدتها أو المدة المتبقية منها أو القابلة للتنفيذ عن ستة أشهر،
- أن تكون العقوبة من أجل إحدى الجرائم التي لا يجوز فيها التسليم طبقا للمادة ( 41 ) من هذه الاتفاقية،
- أن تكون العقوبة من أجل فعل معاقب عليه لدى الطرف المتعاقد المطلوب منه التنفيذ لديه بعقوبة سالبة للحرية لا تقل مدتها عن ستة أشهر،
- أن يوافق على طلب التنفيذ كل من الطرف المتعاقد الصادر عنه الحكم والمحكوم عليه " (3) .
يلاحظ أن هذه الاتفاقية اقتصرت التعاون في هذه الحالة على تنفيذ الحكم في شقه المتعلق بسلب الحرية، دون أن تتطرق إلى الجانب المالي للحكم، وخاصة الغرامة، التي تلعب دورا ايجابيا في تجريد الجماعات الإجرامية المنظمة من الأموال المتحصل عليها من الإجرام والتي يمكن إقحامها مستقبلا في عالم الإجرام.
وفي هذا السياق أيضا، تم عقد اتفاقية في إطار الاتحاد الأوروبي للاعتراف بصلاحية الأحكام الجزائية عالميا، وذلك إيمانا من قبل الدول الأعضاء بضرورة إتباع سياسة جزائية مشتركة من أجل حماية المجتمع وتدعيم الترا بط بينها في إطار احترام الكرامة الإنسانية وتعزيز إعادة تأهيل المذنبين(4)، وذلك بغض النظر عن مضمون الحكم المراد تنفيذه، سواء تضمن عقوبة سالبة للحرية أو عقوبة مالية تتمثل في الغرامة أو المصادرة أو عقوبة تكميلية(5).
ثانيا: إعمال مبدأ تنفيذ الأحكام الأجنبية الصادرة في الجريمة المنظمة.
تتكفل الاتفاقيات الدولية، الثنائية ومتعددة الأطراف، بتحديد الحالات التي يجوز فيها إعمال مبدأ تنفيذ الأحكام الجزائية الأجنبية الصادرة في الدعوى العمومية الناشئة عن الجريمة، بصفة عامة، والجريمة المنظمة العابرة للحدود بصفة خاصة، أو بتحديد الحالات التي لا يجوز فيها ذلك، وهذا أمر بديهي ومنطقي على أساس أن الاعتراف بهذه الأحكام لا يكون يصوره مطلقة شأنه شأن الأحكام الوطنية.
ومثال ذلك ما نصت عليه اتفاقية الرياض العربية للتعاون القضائي، فقد حددت الحالات التي يجوز فيها تنفيذ الأحكام الجزائية الأجنبية تحديدا سلبيا، وذلك بذكر الحالات التي لا يجوز فيها هذا التنفيذ، والمتمثلة فيما يلي:
"- إذا كان نظام تنفيذ العقوبة لدى الطرف المتعاقد طالب التنفيذ لا يتفق ونظام التنفيذ لدى الطرف المتعاقد الصادر فيه الحكم،
- إذا كانت العقوبة قد انقضت بمضي المدة وفق قانون الطرف المتعاقد الصادر لديه الحكم أو الطرف المتعاقد طالب التنفيذ،
- إذا كانت العقوبة تعد من تدابير الإصلاح والتأديب أو الحرية المراقبة أو العقوبات الفرعية والإضافية وفقا لقوانين ونظام الطرف المتعاقد طالب التنفيذ " (6) .
______________
1- رغم أهمية التعاون الدولي في تنفيذ الأحكام الجزائية الأجنبية في مكافحة الجريمة، إلا أن الفقهاء قد اختلفوا في ذلك فالاتجاه التقليدي يقوم على إنكار أي قيمة للأحكام الجزائية، في غير الدولة التي أصدرتها، بحيث يرى أنصار هذا الاتجاه ضرورة أن تظل هذه الأحكام في الإقليم الذي صدرت فيه دون جواز عبورها لهذا النطاق لكي يعتد بها في إقليم دولة أخرى، واستدلوا على ذلك بأن السلطة الوطنية ليست لها أدنى مصلحة في تنفيذ حكم أجنبي، وأن الإجراءات التي وضعتها الدولة إنما جاءت من أجل ضمان استتباب الأمن في إقليمها، وبالتالي فإن الاعتراف بالحكم الجزائي الأجنبي يؤدي إلى حلول القانون الأجنبي محل القانون الوطني على الرغم من الاختلاف الذي يمكن أن يكون بين القانون الذي صدر في ظله الحكم والقانون الذي سينفذ هذا الحكم في ظله، باعتبار أن القانون الجزائي يعد تعبيرا عن إرادة الأمة وتجسيدا لعاداتها وتقاليدها وأفكارها، إضافة إلى انتفاء شرط وحدة الخصوم للدفع بقوة الشيء المقضي به على اعتبار أن ذاتية النيابة العامة مختلفة من دولة إلى أخرى. بينما يقوم الاتجاه الحديث على فكرة حتمية الاعتراف بالأحكام الجزائية الأجنبية، ذلك أن تنفيذ هذه الأحكام يحقق مصلحة وطنية قبل المصلحة الدولية، بأن لا تصير الدولة ملاذا وملجأ للمجرمين، إضافة إلى أن العالم يتجمع اليوم في تكتلات سياسية واقتصادية فرضتها عدة اعتبارات بعضها يرجع إلى التاريخ والمصير المشترك، والبعض الآخر يرجع إلى العادات والمصالح المشتركة وهو ما يتطلب تحقيق وحدة العدالة الجزائية بإيجاد إطار قانوني قضائي عالمي يكون للحكم الجزائي فيه قيمة أيا كان مكان صدوره، زيادة على تحقيق مبدأ المساواة بين الأفراد المواطنين والأجانب بضمان مبدأ عدم جواز مآخذة الشخص مرتين على ارتكابه نفس الفعل أو ذات الواقعة. للمزيد راجع:
- جمال سيف فارس، التعاون الدولي في تنفيذ الأحكام الجنائية الأجنبية، دراسة مقارنة، دار النهضة العربية، القاهرة مصر، سنة 2007. ص 73 وما يليها.
2- لم يتضمن القانون الجزائي أحكاما خاصة بمسألة تنفيذ الأحكام الجزائية الأجنبية، وهذا بخلاف الأحكام المدنية الأجنبية أين نجد أن قانون الإجراءات المدنية والإدارية نص صراحة على القوة التنفيذية للسندات الأجنبية التي تعد الأحكام إحداها. للمزيد راجع:
المواد من 605 إلى 608 من القانون رقم 08- 09 المؤرخ في 25 فبراير 2008 ، يتضمن قانون الإجراءات المدنية والإدارية، ج. ر.ج .ج ،ع 21 بتاريخ 23 أفريل 2008 .
3- المادة 58 من اتفاقية الرياض العربية للتعاون القضائي. )
4-V. Préambule du Convention européenne sur la valeur internationale des jugements
répressifs, série des traités européens-N 70 CONSEIL DE L’ EUROPE, la Haye, 28 . v. 1970.
5- V.Art 1. Ibid.
6- المادة 59 من اتفاقية الرياض العربية للتعاون القضائي.
|
|
5 علامات تحذيرية قد تدل على "مشكل خطير" في الكبد
|
|
|
|
|
لحماية التراث الوطني.. العتبة العباسية تعلن عن ترميم أكثر من 200 وثيقة خلال عام 2024
|
|
|