أقرأ أيضاً
التاريخ: 2-7-2019
2301
التاريخ: 2024-09-12
264
التاريخ: 4-7-2021
1847
التاريخ: 15-4-2017
3493
|
نظرا لخصوصية الجريمة المنظمة باعتبارها وليدة اتفاق أو تلاقي إرادات في سبيل تحقيق مآرب إجرامية، فإن تجريمها كان محل نظر في جانب من الفقه، باعتبارها نموذجا من نماذج جمعيات الأشرار أو التشكيلات العصابية، والسبب في ذلك يرجع إلى عدم صلاحية مجرد الاتفاق الإجرامي المنظم للتجريم ما لم تقع النتائج المتوخاة منه( 1)، وفي ذلك تحقيق للسياسة العامة في التجريم. التي تقتضي وقوع الفعل الإجرامي من أجل العقاب(2) فتجريم مجرد الرابطة العصابية التي تهدف إلى ارتكاب جرائم ينطوي على غموض لا يفي بمتطلبات القانون الجنائي الحديث(3) والقول بعدم تجريم الأعمال التحضيرية هو راي غالبية الشراح من أنصار المذهبين التقليدي والشخصي( 4)، اللذين قاموا بتسويق العديد من الحجج نوردها كما يلي:
أولا: تجريم مجرد الاتفاق مخالف للنظام العام.
مما لا شك أن نجاح السياسة الجزائية يرتبط ارتباطا وثيقا ومهما بسياسة التجريم(5) هذا الأخير الذي يقوم على حظر الأفعال التي تنطوي على معنى الاعتداء على حق يحميه القانون، فإذا ما تجردت هذه الأفعال من معنى العدوان ابتداء عدت مباحة. فالتجريم وفقا للنظام العام يشمل السلوك الذي من شأنه أن يمس حق أو مصلحة يحميها القانون(6) كما أن مجرد العزم على ارتكاب جريمة ما، لا يولد خطرا على نظام المجتمع و لو أمر به صاحبه، ولا يمس بالنظام العام ما لم يتخذ أفعالا مادية ملموسة من شأنها أن تعرض المصلحة العامة للخطر( 7). فالسياسة العامة في العقاب تقوم على أساس أن الأفعال التحضيرية، إذا بقيت في حدودها العادية، تبقى خارجة مبدئيا عن نطلق العقوبة الجزائية بسبب التباسها وغموضها، وكذا عدم إمكانية الاستدلال صراحة منها على قصد الفاعل في ارتكاب جريمة معينة ومحددة(8) من هذا المنطلق يرى أنصار الاتجاه المعارض للتجريم الذاتي للاتفاق الإجرامي المنظم، أن هذا التجريم لا يشترط وقوع الجرائم موضوع الاتفاق، وهو ما يؤدي إلى العقاب على مجرد أفعال تحضيرية بسيطة، وفي ذلك مخالفة صريحة للمبادئ الرئيسة التي يبنى عليها القانون الجزائي(9) في هذا السياق قضت المحكمة الدستورية المصرية بعدم دستورية المادة 48 من قانون العقوبات( 10)، فهذه المادة كانت تنص على تجريم الاتفاق الجزائي لذاته بصوره المختلفة سواء التأسيس أو الانضمام أو الاشتراك. حيث اعتبرت المحكمة أن السياسة الجزائية الرشيدة يجب أن تقوم على عناصر متجانسة، فإن قامت على عناصر متنافرة، نجم عن ذلك افتقار الصلة بين النصوص ومراميها، وبالتالي لا تؤدي على تحقيق الغاية المرجوة منها لانعدام الرابطة المنطقية بينها(11)
ثانيا: تجريم مجرد الاتفاق يتسم بطابع الغموض.
يتسم التجريم الذاتي للتشكيلات العصابية بطابع الغموض، إذ أنه يوسع من نطاق التجريم ولا يرتكز على السمات الخاصة بالتشكيل العصابي. ويرى البعض أن هذا الغموض متعمدا استنادا إلى الاعتبارات التاريخية، فهذا التجريم كان يهدف إلى قمع المعارضة السياسية، ومن ثم فإن اللجوء إلى صياغة غامضة كان بمثابة الأداة القوية والوسيلة الفعالة لتحقيق هذا القمع(12) كما هو معلوم يقوم الاتفاق الإجرامي المنظم على مجموعة من الأنشطة الإجرامية غير الواضحة المعالم و غير المحددة بنوعها أو بكمها، و القانون إنما يعاقب على مجرد الاتفاق بغض النظر عن موضوعه، من هذا المنطلق اعتبر أنصار الاتجاه المعارض أن التجريم الذي ينصب على مجرد الاتفاق الذي يستهدف المصالح المحمية قانونا مستقبلا، من شأنه أن يضفي غموضا على القيمة المحمية قانونا وعلى السلوك غير المشروع محل التجريم، و هو ما يخالف في طبيعته مبدأ الشرعية الذي يقوم في كل جوانبه على الوضوح كل ذلك من أجل المحافظة على حريات و حقوق الأشخاص في وجه السلطة التي تسعى إلى توقيع العقوبة(13) إضافة إلى ذلك فإن تجريم الاتفاق الإجرامي يؤدي إلى اتساع نطاق التجريم بشكل لا يضمن حماية الحريات والحقوق الشخصية، دون أن تتوافر في ذلك أي ضرورة اجتماعية تقتضيها مصلحة المجتمع، وهذا ما أكدته المحكمة الدستورية العليا بمصر في ذات الحكم الذي قضى بعدم دستورية المادة 48 من قانون العقوبات المصري بقولها : " من القواعد المبدئية التي يتطلبها الدستور في القوانين الجزائية، أن تكون درجة اليقين التي تنتظم أحكامها في أعلى مستوياتها، وأظهر في هذه القوانين منها في أية تشريعات أخرى، ذلك أن القوانين الجزائية تفرض على الحرية الشخصية أخطر القيود وأبلغها أثرا. ويتعين بالتالي- ضمانا لهذه الحرية - أن تكون الأفعال التي تؤثمها هذه القوانين محددة بصورة قاطعة بما يحول دون التباسها بغيرها، وأن تكون تلك القوانين جلية واضحة في بيان الحدود الضيقة لنواهيها، ذلك أن التجهيل بها أو إبهامها في بعض جوانبها لا يجعل المخاطبين بها على بينة من حقيقة الأفعال التي يتعين عليهم تجنبها (14) .
ثالثا: عدم توافر النتيجة الإجرامية في الاتفاق الإجرامي المنظم.
يتجلى السلوك الإجرامي، في الأصل، في تلاقي نشاط جماعة من الأفراد لارتكاب مشروع إجرامي( 15). يتخذ في البداية فعل التأسيس الذي يهدف إلى خلق كيان إجرامي الهدف من ورائه ارتكاب أنشطة إجرامية في المستقبل تكون بصورة غير محددة.
وطالما أن الأنشطة الإجرامية المزمع ارتكابها تتراخى فترة من الزمن، فإنه قد يحدث وأن لا يقع أي نشاط منها بأن تحل الجماعة الإجرامية المنظمة وتتفكك قبل ارتكابها لأي جريمة فيزول بذلك الخطر الذي كان محدقا بأمن واستقرار المجتمع دون أن يطالهما. من هنا يرى أنصار الاتجاه المعارض أن تجريم مجرد التأسيس أو الانضمام لجماعة إجرامية قد يؤدي إلى تجريم سلوك غير ضار، لأنه ما لم تقدم الجماعة الإجرامية على تنفيذ برنامجها الإجرامي فإن الاعتداء الفعلي على مصالح المجتمع لا يقع فنكون أمام حالة تجريم لا تصدق عليها سياسة التجريم، فالتجريم في هذه الحالة قد ينصب فقط على أعمال تحضيرية خصوصا في حالة تراجع هذه الجماعة عن مشروعها الإجرامي(16) هذا ما أشارت إليه المحكمة الدستورية العليا بمصر في ذات الحكم بقولها " إن الهدف من العقوبة الجنائية هو الزجر الخاص للمجرم جزاء لما اقترف، والردع العام للغير ليحمل من يحتمل ارتكابهم الجريمة على الإعراض عن إتيانها. وكانت الفقرة الرابعة من المادة 48 عقوبات تقرر توقيع العقوبة المحددة في حالة ارتكاب الجناية أو الجنحة محل الاتفاق على مجرد الاتفاق على اقترافها حتى ولو لم يتم ارتكابها فعلا، فإنها بذلك لا تحقق ردعا عاما ولا خاصا، بل إن ذلك قد يشجع المتفقين على ارتكاب الجريمة على الاتفاق طالما أن مجرد الاتفاق على اقترافها سيؤدي إلى معاقبتهم بذات عقوبة ارتكابها "(17)
رابعا: التجريم الذاتي للاتفاق يمس بحرية الاجتماع والراي والتعبير.
ذهب أنصار الاتجاه المعارض للتجريم الذاتي للاتفاق الإجرامي المنظم إلى القول أن تجريم مجرد تأسيس أو تنظيم جماعة إجرامية من شأنه أن يعرض حرية الاجتماع التي كفلها الدستور في معظم دول العالم( 18) للخطر، على الرغم من أن هذه الحرية لا تمتد إلى الجماعات التي تستهدف تحقيق أغراض مخالفة للقانون، إلا أن نسبة الصفة الإجرامية للجماعة، بالنظر إلى قيامها بنشاط مخالف للنظام العام، قد يؤدي إلى إساءة استخدام سلطة التجريم والتوسع فيها، بالنسبة للجماعات التي لا تستهدف من نشاطها سوى المعارضة السياسية، سواء في شكل نقابات أو جماعات دينية لها آراء غير مقبولة(19) وضرب أنصار هذا الاتجاه مثلا بالنسبة للجماعة التي تدعو إلى تعطيل أحكام الدستور، فإن تجريم مجرد إنشاء أو تأسيس هذه الجماعة من شأنه أن يطال مجرد الدعوة السلمية و التي تخلو من أي عنف، مما يشكل خطرا حقيقيا على حرية الاجتماع وحرية التعبير وٕابداء الراي، من خلال استغلال التجريم كوسيلة لقمع المعارضة السياسية(20) خلص هذا الاتجاه في الأخير، استنادا إلى الحجج والمعطيات السابقة، إلى أن الاتفاق الذي يقضي إلى تشكيل جماعة إجرامية منظمة، يخرج من دائرة التجريم، وبالتالي فإن العقاب عليه لا يكون باعتباره جريمة مستقلة قائمة بذاتها، وٕانما كوسيلة من وسائل المساهمة في الجريمة، وهو ما يتطلب أن تقع الأنشطة الإج ا رمية المزمع ارتكابها سواء في صورة تامة أو في حالة المشرع المعاقب عليه(21).
_______________
1- طارق سرور، الجماعة الإجرامية المنظمة، دراسة مقارنة، دار النهضة العربية، القاهرة مصر، سنة 2005 ص 28
2- Raphaël PARIZOT, La responsabilité pénale à l’épreuve de la criminalité organisée. Le cas symptomatique de l’association de malfaiteurs et du blanchiment en France et en Italie, L.G.D.J, Paris France, 2010. P 39.
3- حسام محمد السيد أفندي، التشكيلات العصابية في القانون الجنائي، دراسة مقارنة، دار النهضة العربية، القاهرة مصر، سنة 2011 ص 287 .
4- حسنين المحمدي بوادى، الخطر الجنائي ومواجهته تأثيما وتجريما، دار المطبوعات الجامعية، الإسكندرية مصر، سنة 2008 . ص 143
5- منصور رحماني، علم الإجرام والسياسة الجنائية، دار العلوم للنشر والتوزيع، عنابة الجزائر، سنة 2006 . ص 176
6- عبد الله سليمان، شرح ق.ع.ج (القسم العام)، الجزء الأول: الجريمة، ط السادسة، ديوان المطبوعات الجامعية الجزائر، سنة 2005 ص 116 .
7- مصطفى عبد اللطيف إبراهيم، جريمة الاتفاق الجنائي، دار الجامعة الجديدة، الإسكندرية مصر، سنة 2011 . ص .12
8- منصور رحماني، الوجيز في القانون الجنائي العام، مرجع سابق. ص 121 )
9- طارق سرور، مرجع سابق. ص 28 )
10- تم القضاء والحكم بعدم دستورية المادة 48 من قانون العقوبات المصري في القضية رقم 114 المقيدة بجدول المحكمة الدستورية لسنة 21 قضائية دستورية بتاريخ22/6/1999والحكم صدر في 02 /06/ 2001 ونشر في ج.ر.ج.م، ع 24 الصادر في 14/6/2001
11- شريف سيد كامل، الجريمة المنظمة في القانون المقارن، ط الأولى، دار النهضة العربية، القاهرة مصر، سنة 2001. ص 28
12- حسام محمد السيد أفندي، مرجع سابق. ص 287 .
13- طارق سرور، مرجع سابق. ص 29
14- شريف سيد كامل، الجريمة المنظمة في القانون المقارن، مرجع سابق. ص 166 .
15- محمد عبد الله حسين العاقل، النظام القانوني الدولي للجريمة المنظمة عبر الدول، دراسة نظرية تطبيقية، دار النهضة العربية، القاهرة مصر، سنة 2010 . ص 173.
16- طارق سرور، مرجع سابق. ص 29 .
17- شريف سيد كامل، المرجع نفسه. ص 167
18- من بين الدساتير التي كفلت حق الاجتماع الدستور الجزائري، إذ نصت المادة 41 من القانون رقم 16 – 1 المتضمن التعديل الدستوري على أن " حريات التعبير وٕانشاء الجمعيات والاجتماع مضمونة للمواطن "
19- طارق سرور، مرجع سابق. ص 30 .
20- حسام محمد السيد أفندي، مرجع سابق. ص 286 .
21- شريف سيد كامل، شرح قانون العقوبات، مرجع سابق. ص 169
|
|
مخاطر خفية لمكون شائع في مشروبات الطاقة والمكملات الغذائية
|
|
|
|
|
"آبل" تشغّل نظامها الجديد للذكاء الاصطناعي على أجهزتها
|
|
|
|
|
تستخدم لأول مرة... مستشفى الإمام زين العابدين (ع) التابع للعتبة الحسينية يعتمد تقنيات حديثة في تثبيت الكسور المعقدة
|
|
|