أقرأ أيضاً
التاريخ: 26-4-2017
3726
التاريخ:
10782
التاريخ: 11-12-2017
5696
التاريخ: 25-4-2017
2352
|
كانت الشكلية قديما تحتل مكانة هامة، كثيرا ما كان التقيد بها يؤدي إلى الإفراط في تقرير البطلان، وهذه الشكلية لم تعد تتلاءم والاتجاه الحديث في تشريعات الإجراءات الجزائية التي أصبحت تتصف بالسهولة والبساطة. ولقد أبرز التطور التاريخي للبطلان دور التشريع والقضاء في إنشاء حالات البطلان عبر مراحل زمنية متعاقبة. فيتدخل القضاء برقابته كلما أحجم التشريع عن التدخل لحماية الحريات الفردية، فيقضي بإبطال الإجراء الذي يمس حقوق الدفاع. وبناء عليه وجدت حالات بطلان نص عليها المشرع صراحة ورتب على عدم مراعاة الأحكام التي وضعها البطلان. غير أنه ومن جهة أخرى أسفر التطبيق القضائي لمختلف القواعد القانونية أن الأحكام الخاصة المنصوص عليها في القانون لا تكفي لمواجهة جميع الاحتمالات التي يجب أن يقضى بالبطلان فيها. فقام القضاء يساندهم الفقه باحتواء كل الحالات التي يوجد فيها اعتداء على حقوق الدفاع. ومن مجموع هذه المبادئ غير المنصوص عليها، وجدت نظرية جديدة في التشريع تسمى بالبطلان الجوهري التي تقضي بإبطال الإجراء الذي تم بكيفية تمس بحقوق الدفاع وتضر بمصلحة أطراف الدعوى. وعليه سوف نقسم هذا المطلب إلى فرعين، سنخصص الفرع الأول للبطلان القانوني، أما الفرع الثاني فسوف نتناول فيه البطلان الذاتي.
الفرع الاول
البطلان القانوني
هو جزاء إجرائي يترتب على مخالفة أحكام القانون، فهو بهذا، لا يتقرر إلا إذا نص عليه القانون صراحة، تأسيسا على أنه لا بطلان بغير نص، وتستمد هذه القاعدة أساس وجودها من المبدأ العام الذي يحكم قانون العقوبات والتجريم بصفة عامة وهي: "لا عقوبة بغير نص" (1) فهو إذن يجرد القاضي من كل سلطة تقديرية أو مبادرة للاجتهاد في التفسير، فدور القاضي في هذه الحالة ينحصر في تقرير البطلان في الحالات التي نص عليها القانون لا غير. فلا يتجاوز الحالات المنصوص عليها في القانون، حتى ولو كان الإجراء معيبا، ومس مصلحة جوهرية للدفاع. على الرغم من أن البطلان القانوني يؤدي إلى وضع حد لتحكم القضاة، لأنهم مقيدون بنص القانون الصريح، الذي له صفة إلزامية، مما يؤدي إلى عدم التأويل لتقرير البطلان من تلقاء أنفسهم، كما يؤدي إلى استقرار أحكام القضاء، لأنه لا يترك مجالا لتضارب الأحكام. إلا انه ثبت أن هذه الأحكام المنصوص عليها في القانون لا توفر ضمانة كافية للمصالح الجوهرية التي تحميها القواعد الإجرائية الأساسية(2)، فلا تكفي لمواجهة جميع الحالات التي فيها إخلال بقواعد جوهرية، فالحاجة مازالت تدعو إلى ضرورة التدخل بالنص الصريح الذي يحدد حالات البطلان، خاصة بالنسبة للاستجواب. وبما أنه يستحيل حصر جميع حالات البطلان في قواعد تشريعية محددة، وجدت نظرية جديدة في التشريع تسمى بالبطلان الذاتي، والتي تهدف إلى حماية الحالات التي يوجد فيها اعتداء على حقوق الدفاع.
الفرع الثاني
البطلان الذاتي
ومقتضاه أن كل مخالفة لقاعدة جوهرية من قواعد إجراءات التحقيق الابتدائي، يجب أن تفضي إلى البطلان ولو لم ينص القانون على وجوب مراعاتها(3)، مهتديا في هذا بالحكمة من النص وروحه، يحكم به القاضي كلما كان الإجراء المخالف يحمي مصلحة جوهرية، سواء كانت مقررة لمصلحة الدفاع أو مصلحة المجتمع، فالبطلان إذن يترتب على مخالفة قاعدة جوهرية ليست مجرد قاعدة إرشاد وتوجيه(4)، التي لا يترتب على مخالفتها بطلان. كما هو الحال بالنسبة للترتيب الخاص بسماع الشهود(5) والبطلان الذاتي يتميز بالمرونة، فهو يمنح القاضي سلطة كبيرة في تقدير مدى جسامة مخالفة القاعدة الإجرائية. ومما لا شك فيه أن هذا المذهب يثير مشكلة وضع معيار دقيق، للتمييز بين الإجراء الجوهري الذي يجازى على مخالفته البطلان، والإجراء غير الجوهري الأقل أهمية الذي لا يترتب على مخالفته بطلان. مما يؤدي إلى اختلاف الآراء وتضارب الأحكام(6)، كما يؤدي إلى نتائج خطيرة تبعث إلى إهمال القواعد المعتبرة غير جوهرية، لعدم وجود نص جزائي على مخالفتها، وهذا لا يتفق مع وضع قواعد تشريعية تهدر قيمتها.
القانون الجزائري كغيره من القوانين الأخرى لم يضع معيارا لتحديد الإجراءات الجوهرية، غير انه نص في المادة 159 من قانون الإجراءات الجزائية الجزائري على الإجراءات الجوهرية الخاصة بالتحقيق التي يترتب على مخالفتها البطلان إذا نتج عن هذه المخالفة مساس بحقوق الدفاع. وقد اعتبرت المحكمة العليا في قراراها الصادر في 28/11- 1989 طعن رقم 58430 أن الشكلية تعد جوهرية عندما تمس بحقوق من يتمسك بها(7) فمن الضروري الأخذ بحالتي البطلان معا لسد النقص الذي يترتب على الأخذ بالبطلان القانوني فحسب، فنجد قانون الإجراءات الفرنسي، الذي تضمن فصلا خاصا بالبطلان (المواد من 170 إلى 174 ) جمع فيه حالتي البطلان، القانوني والذاتي، فنص في المادة 170 على البطلان عند مخالفة قواعد معينة، ثم قرر البطلان عند مخالفة كل قاعدة جوهرية أخرى، خاصة تلك المتعلقة بحقوق الدفاع. وهذا ما أخذ به المشرع الجزائري، فنص في المادة 157 من قانون الإجراءات الجزائية الجزائري على القواعد التي يترتب على مخالفتها البطلان، حتى لا تصبح موضع خلاف وهي محددة في المادة 100 والمادة 105 من قانون الإجراءات الجزائية الجزائري، والمتعلقة بالضمانات الخاصة بالاستجواب الموضوعي، فألزم المحقق بمقتضى المادة 100 أن يحيط المتهم علما بالاتهام المنسوب إليه، وينبهه بأنه حر في اختيار محام، وأنه حر في عدم الإدلاء بأي إقرار، وينوه عن ذلك بالمحضر، كما ينبه المتهم إلى وجوب إخطاره بكل تغيير يطرأ على عنوانه. وإلى جانب هذه الحالات المعينة للبطلان التي تحمي مصالح مهمة للدفاع، أخذ المشرع أيضا بنظرية البطلان الذاتي، فالمادة 159 من قانون الإجراءات الجزائية الجزائري قررت بأنه يوجد أيضا بطلان في حالة مخالفة الأحكام الجوهرية، بخلاف الحالات التي نصت عليها المادة 157 من قانون الإجراءات الجزائية الجزائري عند مخالفة قاعدة أساسية تضمن تحقيق العدالة الاجتماعية. والمشرع لم يحدد المقصود بالإجراء الجوهري، بل ترك ذلك لاجتهاد الفقه والقضاء الذي يعتمد على ضوابط يتم بمقتضاها استخلاص الإجراء الجوهري الذي يترتب على عدم مراعاته البطلان، كالإجراءات التي وضعها المشرع لضمان تحقيق العدالة الجنائية، سواء اتصلت بحقوق الفرد أو المجتمع. ومن هنا يكون الإجراء جوهريا، إذا كان يهدف إلى حماية حقوق الدفاع، أو حقوق أطراف الدعوى الجزائية، أو يرمي إلى حسن سير العدالة(8) وعلى هذا الأساس نجد أن الرأي مستقر على أن استجواب المتهم قبل التصرف في الدعوى، إجراء جوهريا لتعلقه بمصلحة الدفاع. كما استقر الرأي على عدم جواز سماع الشخص الذي أدى اليمين بصفته شاهدا إذا ظهرت أدلة الاتهام ضده، وعدم جواز تحليف المتهم اليمين قبل استجوابه، رغم أن القانون لم ينص على هذه المبادئ، لكنها مستمدة من طبيعة القضاء نفسه وجوهر أعماله، فيحكم القاضي بالبطلان كلما تبين له أن الإجراء المعيب قد أخل بالضمانات الضرورية لحقوق الدفاع، كالإجراء المتعلق بإعلان الأوامر القضائية، والمواعيد التي يتطلب القانون مباشرة الإجراء خلالها، لما لها من تأثير على النتائج التي أراد المشرع تحقيقها من الإجراء.
________________
1- المستشار أحمد الشافعي:البطلان في قانون الإجراءات الجزائية، الديوان الوطني للأشغال التربوية، 2004 ، ص. 28
2- د. جلال ثروت : أصول المحاكمات الجزائية، الدار الجامعية 1992 ، ص. 160
3- د. محمد الفاضل: قضاء التحقيق، مطبعة جامعة دمشق، 1965 ، ص. 314
4- د. مأمون محمد سلامة: الإجراءات الجنائية في التشريع المصري، دار الفكر، 1980 ، ص. 234
5- أحمد الشافعي: المرجع السابق، ص. 234
6- إدوار غالي الذهبي : الإجراءات الجناية ، الناشر ، مكتبة غريب 1990 ، ص. 775
7- المجلة القضائية للمحكمة العليا، العدد الثاني 1994 ، ص. 262
8- أحمد الشافعي: المرجع السابق، ص. 33
|
|
"عادة ليلية" قد تكون المفتاح للوقاية من الخرف
|
|
|
|
|
ممتص الصدمات: طريقة عمله وأهميته وأبرز علامات تلفه
|
|
|
|
|
المجمع العلمي يعلن إطلاق المسابقة الجامعية الوطنية لأفضل بحث تخرّج حول القرآن الكريم
|
|
|