من خصائص الفساد الإداري سلوك منحرف
المؤلف:
صباح عبد الكاظم شبيب الساعدي
المصدر:
دور السلطات العامة في مكافحة ظاهرة الفساد الإداري في العراق
الجزء والصفحة:
ص 62-66
2025-10-30
35
إن الفساد سلوك منحرف Deviation Conduct لأنه عمل غير سوي وله علاقة بالجانب الأخلاقي مهما كانت صورة ذلك الفساد سواء كانت جريمة كالرشوة، أو مخالفة وظيفية والسلوك Behavior من المصطلحات الغامضة لوجود مصطلحات قريبة منه وواسعة الانتشار كالنشاط Activity والتصرف Conduct، كما أنه ليس ظاهراً في أغلب الاحوال بحيث يخضع للملاحظة المباشرة بل يكون خفياً عندما لا يقترن بفعل نوايا) فقط)، فضلا عن انه يخضع في تحليله وتفسيره لوجهات نظر متعددة حتى في إطار علم النفس ذاته. ويعتبر السلوك الوصف الموضوعي لما يصدر من الكائن الحي أو الطريقة التي يتصرف بها، فكلمة السلوك قريبة في معناها من كلمة نشاط إلا أن النشاط أعم وأشمل لأنه تعبير عام عن كل ما يصدر من الخلايا أو من الكائن الحي كله وليس من الضروري أن يشير ذلك إلى غرض معين، أما كلمة السلوك فتستخدم عادة على ما يصدر من الكائن الحي كله لا مجرد جزء صغير منه متضمناً غرضاً معين، مثل استجابة الكائن الحي إذا هدده خطر، لذلك يعرف السلوك كمفهوم عام بأنه ( تلك الاستجابات الحركية والغددية الصادرة عن عضلات وغدد الكائن الحي) (1).
أما السلوك الإنساني كمفهوم خاص فهو تلك النشاطات أو الاستجابات الصادرة عن الفرد خلال تفاعله مع الآخرين، سواء كان ذلك السلوك ظاهراً يمكن مشاهدته من قبل الغير ، أو غير ظاهر يتعذر مشاهدته وملاحظته من قبل الغير ويستدل على حصوله من خلال ملاحظة نتائجه، ومن أمثلة الأنشطة الظاهرة: العمل، التعبير اللفظي الكتابة، الأكل والشرب وكل أنواع النشاط الفسيولوجي، أما السلوك الباطني غير الظاهر فهو: النشاط العقلي - التفكير ، التذكر ، التأمل، الإدراك، الميول ، والنشاط الوجداني - الفرح والحزن واللذة والألم، والنشاط الانفعالي - الخوف والقلق والغضب.... الخ. وكثيراً ما يكون هناك ازدواج بين السلوك الظاهر وغير الظاهر عندما يقترن التفكير بالقيام بفعل معين، كما أن هناك نوعين من السلوك هما: السلوك الفطري الموروث والسلوك المكتسب، وقد ظهرت عدة مدارس فكرية تناولت السلوك الإنساني بالدراسة والتحليل ومن أبرزها (2) .
1. المدرسة السلوكية :- ورائدها (Watson) والتي تؤكد على دراسة السلوك الظاهر للكائن الحي باستخدام الملاحظة والقياس العلمي وترفض فكرة وجود السلوك الإنساني الذي تقف وراءه وتحركه أسباب غير ظاهرة كالدوافع والانفعالات والأغراض والرغبات والغرائز والاستعدادات الفطرية والشعور، وذلك لنظرتها الآلية للإنسان.
2. المدرسة الفرضية :- ويتزعمها ماك دوكال (McDougall) وتفترض أن السلوك الإنساني هو سلوك هادف أي أن له غرضاً أو هدفاً معيناً يسعى إلى تحقيقه وان هناك دافعأن يثير ذلك السلوك، لذلك فهي لا تقبل التفسير الآلي كما في المدرسة السلوكية وتنطلق من البحث عن الدوافع الأساسية المسببة للسلوك والغرض منه باعتباره الأساس في دراسة تفسير السلوك الإنساني.
3 . مدرسة التحليل النفسي Psychoanalysis: ويتزعمها (فرويد) الذي أكد أن للنفس البشرية جوانب لاشعورية إضافة إلى الجوانب الشعورية، وعليه فأن تفسير السلوك الإنساني والتنبؤ به يجب أن يستند على دراسة الدوافع الشعورية والدوافع اللاشعورية معاً، وتركز هذه المدرسة أيضا على الجوانب الانفعالية للفرد بهدف التعرف على الدوافع الحقيقية المحركة للسلوك فهي ترى أن السلوك البشري سلوك حتمي طالما تقف وراءه أسباب تبرر حدوثه، وهو ما يطلق علية فرويد مبدأ حتمية السلوك Psychic Determinism) حيث يرى أن هناك عدة دوافع أو رغبات أو غرائز فطرية محركة للسلوك الإنساني، إلا أنه أرجعها جميعاً إلى غريزتين رئيستين هما (الحياة) والجنس) و (الموت والعدوان).
4. مدرسة الجشطلت نظرية المجال -Gestalt وأبرز مؤسسيها (Wertheimer) وهي ترفض دراسة السلوك من خلال تحليله إلى عناصر جزئية وترى أن السلوك الإنساني وحدة تنظيمية متكاملة العناصر وأن كل تغيير يحدث في أي عنصر من هذه العناصر سيؤدي إلى تغيير الوحدة كلها، وقد أكدت هذه المدرسة على أن دراسة السلوك الإنساني لا تنحصر في دراسة الفرد لوحده، وإنما تتطلب دراسة البيئة الاجتماعية المحيطة بالفرد وتحليل مكوناتها لأنها من المحددات الأساسية للسلوك البشري، وهذا يعني أن البيئة تساهم في تحديد نمط السلوك الإنساني فضلا عن العوامل الداخلية للفرد. وخلاصة القول أن للسلوك البشري خصائص معينة هي (3): -
1. إنه مسبب أي أن هناك أسباباً تكمن وراء حدوثه.
2. إنه موجه وهادف للوصول إلى غايات محددة أو إشباع رغبات معينة.
3. إنه واقعي تحركه دوافع (Motives) متعددة ومتنوعة ومتغيرة، تعبر عن حاجات أو رغبات معينة يسعى الفرد إلى إشباعها.
وهذا يعني أن السلوك الإنساني متجدد ومتنوع ومتغير تبعاً لتنوع وتغير الدوافع المحركة له والأهداف التي يسعى إلى تحقيقها، ويلاحظ من الخصائص الثلاث أنها تمثل عناصر متداخلة ومترابطة مع بعضها يؤثر كل منها ويتأثر بالعناصر الأخرى، حيث يمكن أن تشبه تلك العلاقة المتداخلة مخطط دائري مغلق، فوجود السبب يؤدي إلى ظهور الدافع أو المحرك الذي يثير السلوك والذي يتجه باتجاه معين مستهدفاً إشباع أو إرضاء الدوافع فيزول السبب وينتهي السلوك، وإذا ما عاود السبب بالظهور مرة أخرى فأن الفرد سيفضل تكرار السلوك ذاته الذي حقق الغرض المقصود ، أما إذا اخفق السلوك في تحقيق هدفه فأن الفرد سيلجأ إلى تغيير أو تعديل سلوكه بسلوك آخر بديل حتى يشبع حاجته (4).
أما الانحراف فهو لغة: كل سلوك يتضمن معنى الخروج عن القواعد والمعايير المرسومة، أو انتهاك لقواعد العرف السائدة في المجتمع، وهو سلوك ملحوظ ومميز عن السلوك الاجتماعي المقبول واصطلاحا له أكثر من مفهوم (5): -
المفهوم الأول - الانحراف بمعناه الواسع هو انتهاك المعايير السائدة في المجتمع، ويرى مؤيدو هذا المفهوم أن الانحراف يشير إلى التصرفات السيئة للأفراد المنحرفين، وأن جميع صنوف الانحراف عن المعايير الاجتماعية تواجه بالرفض من جانب المجتمع.
المفهوم الثاني: يركز أنصار هذا المفهوم أمثال ( فرويد وهو بز) على أن الانحراف هو فشل عوامل الضبط الاجتماعي في حسم الصراع القائم بين الرغبات والغرائز الفردية والضغوط التي يفرضها المجتمع، وفي تهذيب الغرائز والسيطرة عليها.
المفهوم الثالث ينظر إلى الانحراف باعتباره مجموعة من الاختلالات والتناقضات الكامنة في البنى الاجتماعية والاقتصادية والسياسية للمجتمع ولذلك يطلق عليه الانحراف البنائي. إن مفهوم الانحراف قد مر بمراحل متعددة فبدأ بالتعريف الواسع وأعتبر أنه انتهاك للقيم والقواعد والخروج من حدود التسامح العام في المجتمع، ثم بدأ تعريف المفهوم يضيق إلى الحد الذي اعتبر فيه مرتبطاً بالتفاوت بين الفرص والتطلعات أو الثقافة وأخيراً ربط مفهوم الانحراف بقضية معينة من القضايا الاجتماعية المرتبطة بالبناء الاجتماعي وانطلاقا من هذه المفاهيم يمكن تعريف السلوك المنحرف بأنه (كل سلوك يترتب عليه انتهاك للقيم والمعايير التي تحكم سير المجتمع، سواء كانت هذه القيم والمعايير معلومة أو غير معلومة، والفعل المنحرف يترتب عليه إلحاق الأذى والضرر بالآخرين وممتلكاتهم الخاصة والعامة).
وعليه فأن السلوك المنحرف من وجهة النظر القانونية هو انتهاك للقوانين والأنظمة والقيم الاجتماعية التي تحكم علاقة الأفراد ببعضهم أو علاقتهم بالدولة أو بالمجتمع ، وأن . جميع أنواع الانحراف تواجه بالرفض من قبل المجتمع، وأن شدة الرفض متفاوتة تبدأ بأبسطتها وتنتهي بأشدها حسب أشكال وصور الانحراف (6). وبما أن صور الفساد الإداري هي أما جرائم أو مخالفات إدارية، فهي اذن انتهاك للقوانين والأنظمة والقيم الاجتماعية لذلك فهو سلوك منحرف، ومعنى ذلك وجود خلل أخلاقي لدى الشخص الفاسد بغض النظر عن الأسباب الأخرى، وما يؤكد ذلك أن هناك اشخاصاً يعيشون ظروف الشخص الفاسد نفسها مع وجود الأسباب نفسها لكنهم لم يرتكبوا أفعالاً فاسدة (7) . وقد أكد الكثير من الكتاب أن الفساد ضعف أخلاقي Moral Weakness (8) أو هو إنحراف أخلاقي للموظفين(9).
ويستخدم البعض مصطلح (الانحراف الإداري ) للدلالة على الفساد الإداري، فقد عرف د. أحمد عبد العزيز الألفي الانحراف الإداري بأنه - خروج الموظف عن مقتضيات الوظيفة العامة والقواعد المحددة التي يتعين عليه الالتزام بها رغبة في تحقيق نفع له على حساب هذه الوظيفة.
أما مكملان فيرى أن الموظف العام يرتكب الانحراف عندما يحصل على نقود أو خدمة في مقابل قيامة بعمل يجب عليه القيام به بحكم وظيفته بدون مقابل، أو في قيامه بعمل لا يجب عليه بحكم وظيفته القيام به، وعرفه موروبيرجر بأنه: - قبول الموظفين لرشاوى بسيطة مقابل جميل يقومون به في عملهم الإداري، وعرفه الفقيه الفرنسي -Acoc بأنه سوء استخدام السلطة التي تمنح للموظف العام، حيث يستعمل بعض الموظفين سلطته التقديرية في حالات ولأسباب غير تلك التي من أجلها منح هذه السلطة(10).
يتبين لنا مما تقدم أن الفساد الإداري سلوك انساني منحرف يتخذ صوراً متعددة، اما جرائم أو مخالفات إدارية، وبذلك تكون له علاقة كبيرة بالجانب الاخلاقي، فهو إنحراف أخلاقي أكثر مما هو إنحراف وظيفي.
____________
1- للمزيد، أنظر: عبد الكريم محسن باقر وكريم محمد حمزة علم النفس الإداري، بغداد، دار التقني للطباعة والنشر، 1984، ص 66.
2- أنظر: عبد الكريم محسن باقر وكريم محمد حمزة علم النفس الإداري، بغداد، دار التقني للطباعة والنشر، 1984 ، ص70.
3- أنظر عبد الكريم محسن باقر وكريم محمد حمزة علم النفس الإداري، بغداد، دار التقني للطباعة والنشر، 1984، ص 71 وما بعدها.
4- عبد الكريم محسن باقر وكريم محمد حمزة علم النفس الإداري، بغداد، دار التقني للطباعة والنشر، 1984 ، ص 73.
5- أنظر:- د. أحمد محمد عبد الهادي، الانحراف الإداري في الدول النامية، الإسكندرية، مركز الإسكندرية للكتاب، 1997، ص 9 وما بعدها.
6- د. أحمد محمد عبد الهادي، الانحراف الإداري في الدول النامية، الإسكندرية، مركز الإسكندرية للكتاب، 1997، ، ص 12.
7- نذكر مثالين، الأول: فترة الحصار الاقتصادي فهناك من لم يرتكب أي فعل فاسد رغم حاجته لتوفير متطلبات الحياة، والثاني فترة ما بعد 9/ 4 / 2003، فهناك الكثير ممن لم يمارس الفساد رغم الانفلات الأمني على عكس الذين عاثوا في الأرض فسادا .
8- أنظر : p9. ،1988، University of California، Controlling Corruption Robert ligaard ..4
9- أنظر مقال منشور بهذا الصدد على الموقع: www.iraqipapers.com
الاكثر قراءة في القانون الاداري
اخر الاخبار
اخبار العتبة العباسية المقدسة