الفساد الاداري في العراق في فترة الحكم الأموي
المؤلف:
صباح عبد الكاظم شبيب الساعدي
المصدر:
دور السلطات العامة في مكافحة ظاهرة الفساد الإداري في العراق
الجزء والصفحة:
ص 21-22
2025-10-28
42
أصبح معاوية بعد الصلح خليفة للمسلمين وأتخذ من دمشق عاصمة له واستمر الحكم الأموي حتى عام 132 ، وقد بني على نظام الوراثة وبوازع العصبية، فقبل أن يتوفى معاوية أوصى لأبنه يزيد بالخلافة واستمر الأمر كذلك (1) . علماً أن الصلح تضمن شرطاً هو عودة الخلافة إلى العلويين بعد وفاة معاوية - إلا أن معاوية نقض الاتفاق وأعلن يزيداً ولياً للعهد عام 56 للهجرة (2).
لقد صحب تحول الخلافة إلى الأمويين عدة مظاهر ليست من مقتضيات الخلافة كمظاهر الأبهة والجبروت فقد كان معاوية يرمي إلى جعل الخلافة ملكاً حيث قال (أنا أول الملوك) وابتدع أشياء لم يسبقه إليها أحد (3).
وكانت الدولة الأموية قوية لكن الفساد فيها منتشر حيث كان الولاة والعمال لا يختارون على أساس الكفاءة والأمانة وإنما على أسس شخصية هي القرابة والمصالح المشتركة والعداء للعلويين، فقد شمل الفساد كل شيء في الدولة، وخربت الذمم فراح كل قادر على النهب ينهب ما تصــــل إليه يداه وغابت الأخلاق وشاع الترف والانحلال، وبعد الفساد ساد الخراب فأخذت الأزمات المالية بخناق الدولة وقل انتاجها حتى أن العراق وهو أغنى أقاليمها يومئذ لم يكن يغل في عهد الحجاج أكثر من 25 ألف درهم وكانت غلته من قبل مئة وعشرين ألف درهم، ولقد واكب هذه القسوة وهذا الفساد تزييف كامل لقيم الدين وقيم الحياة (4).
ومما يذكر أن يزيد الذي هو الخليفة، كان شارباً للخمر وماجناً، ومن تصرفاته التي أضرت بالإسلام والمسلمين، حينما أمره أبوه على رأس جيش من المسلمين لقتال البيزنطيين، أنه وجد في الطريق منطقة ذات ماء عذب وهواء عليل، ووجد ديراً فيه أنواع من الخمور كما وجد عشيقة تؤانسه، فاستقر هناك وطاب له العيش في ذلك الدير فتوقف الجيش فترة وانتشر فيه الوباء وتحطمت معنوياته وجاء البعض الى يزيد ليحثه على الخروج والمسير لقتال الروم، لكنه رفض رفضا قاطعا، وهنا يقول بعض المؤرخين: إن هذا الجيش في ضخامته لو اصطدم مع البيزنطيين لكان من الممكن ان يقضي عليهم ويسجل نهايتهم إلى الأبد (5).
ولم يكن الذين من بعده بأحسن حال فقد أصبحوا ملوكاً وسلاطين على الطريقة الكروية والقيصرية باستثناء عمر بن عبد العزيز الذي كان عادلاً وتقياً وحارب الفساد في أكثر من جانب(6). فقد قام بعزل ولاة مصر وأفريقيا في أول يوم خلافته لأنهم كانوا فاسدين. كما أنه ألغى مخصصات الأمراء من بني أمية كافة ومخصصات حرسهم وخدمهم ونزع الإقطاعيات الزراعية منهم جميعاً وردها إلى بيت المال لأنه رأى أن هذا الثراء الفاحش لم يجلبوه بعرق الجبين وهو حق الناس الذين سلب منهم بغير حق، وبدأ بنفسه فتخلى عن جميع أملاكه وأمواله حتى أرض فدك في خيبر التي ورثها عن أبيه حيث قطعها معاوية إلى جده مروان(7).
وفي الأيام الأخيرة حدث الانشقاق بين الأمويين وتصدعت أركان دولتهم عندما خرج يزيد بن الوليد بن عبد الملك بن مروان على ابن عمه الوليد بن يزيد بن عبد الملك، واستغل هذا الصراع مروان بن محمد بن مروان ليكون خليفة، ولم تنه خلافته الانشقاق الذي حصل، ويذكر بعضهم أن الأخطاء التي أرتكبها الأمويون في ولاية العهد كانت من الأسباب التي قضت عليهم(8).
ويمكن القول أن الدولة الأموية انهارت بسبب فساد الحكام والولاة فمما يذكر عن أحد شيوخ بني أميه أنه قال ( إنا شغلنا بلذاتنا عن تفقدنا ما كان يلزمنا، فظلمنا رعيتنا فينسوا من إنصافنا وتمنوا الراحة منا، وتحومل على أهل خراجنا فتخلوا عنا، وخربت ضياعنا فجفت بيوت أموالنا، ووثقنا بوزرائنا فآثروا مرافقهم على منافعنا ...)(9).
_____________
1- أنظر ابن الأثير الكامل، الجزء الثالث، ص 349 وما بعدها، وأنظر: د. محمد الشحات الجندي، معالم النظام السياسي في الإسلام، الطبعة الأولى، دار الفكر العربي، القاهرة، 1986 ، ص 169
2- للمزيد، أنظر - محمد باقر الصدر، دور الأئمة في الحياة الإسلامية، ط/2، أنصار الله للطباعة والنشر والتوزيع، 1425 هجرية، ص 239
3- د. علي إبراهيم حسن التاريخ الإسلامي العام القاهرة، مكتبة النهضة المصرية بدون تاريخ ، ص521.
4- خالد محمد خالد خلفاء الرسول، دار الفكر بيروت بغداد، 1986، ص 535
5- محمد تقي المدرسي، دروس وعبر من التاريخ الإسلامي، 2004، ص 61.
6- . انظر: محمد المبارك، نظام الإسلام الحكم والدولة ،ط/2، بيروت، دار الفكر، 1974 ، ص 40 :وأنظر أ. د. كمال السيد أبو مصطفى ود أسامة أحمد حماد، في تاريخ الدولة العربية الإسلامية، تاريخ صدر الإسلام والدولة الأموية، مركز الإسكندرية للكتاب، الإسكندرية 2003 ، ص 201. د. محمد الشحات الجندي، مصدر سابق، ص 171.
7- أنظر خالد محمد ،خالد مصدر سابق ص556 و ما بعدها.
8- . للمزيد أنظر: محمد الخضري بك، الدولة العباسية، تحقيق الشيخ محمد العثماني، دار القلم للطباعة والنشر، بدون سنة طبع، ص 19 وما بعدها.
9- أنظر:- المسعودي، الجزء الثاني، ص 194 ، و أنظر د. أحمد يسري حقوق الإنسان وأسباب العنف في المجتمع الإسلامي، الإسكندرية ، منشأة المعارف، 1993، ص 133.
الاكثر قراءة في القانون الاداري
اخر الاخبار
اخبار العتبة العباسية المقدسة