العلاقة بين الفساد الإداري وجريمة غسل الأموال
المؤلف:
صباح عبد الكاظم شبيب الساعدي
المصدر:
دور السلطات العامة في مكافحة ظاهرة الفساد الإداري في العراق
الجزء والصفحة:
ص 82-90
2025-10-28
46
اقترن مصطلح غسل الأموال (Money laundering) أو (de Largent Blanchiment) باللغة الفرنسية وتعني (تبييض الأموال) بداية بجريمة الاتجار بالمخدرات وبمرور الزمن اتسع مجاله ليرتبط بكافة الجرائم الاقتصادية بما فيها جرائم الفساد، ويرجع في أصله إلى المافيا الأمريكية حيث استخدمت هذا التعبير عندما كانت توظف عائدات جرائمها في غسل السيارات والملابس لتضفي عليها صفة المشروعية بعد إدخالها في هذه الأنشطة المشروعة (1).
وغسل الأموال هو عمليات اقتصادية ومالية مركبة تهدف الى إضفاء الشرعية على اموال (غير مشروعة أو قذرة) متحصلة من انشطة إجرامية بإخفاء المصدر الإجرامي لها، مما يتيح للجناة الانتفاع بها في هدوء وطمأنينة وادخالها في دائرة التعامل الاقتصادي والمالي القانوني، وهي من الجرائم الخطرة والعابرة للحدود في كثير من الأحيان، وتمارس بشكل منظم ودقيق من قبل شبكات دولية ومحلية ومن أشهرها شبكات الجريمة المنظمة، لأن لديهم القدرة على الإخفاء والتمويه على الأموال الكبيرة التي يحصلون عليها جراء ارتكابهم جرائم التهريب أو السرقة أو الاحتيال أو التزوير، مما يصعب عليهم الإبقاء عليها فيلجأون إلى غسلها (2). وغالباً ما تكون جريمة غسل الأموال النتيجة النهائية والطبيعية للفساد، فعندما تزداد الأموال التي يحصل عليها من ممارسات الفساد يتم اللجوء إلى غسلها، حيث أنها جريمة تابعة تفترض ابتداء ارتكاب جريمة أولية نتج عنها أموال غير مشروعة، ثم تأتي المرحلة التالية وهي عملية غسل تلك الأموال القذرة لتطهيرها بإحد أساليب الغسل، كما أنها من الجرائم العمدية التي لا ترتكب بطريق الخطأ كما هو الحال مع جرائم الفساد الإداري(3).
وهذا ما نصت عليه صراحة اتفاقية الأمم المتحدة لمكافحة الاتجار غير المشروع بالمخدرات والمؤثرات العقلية لسنة 1988 في م /3/ ب /1 بالقول: أن يكون الفعل قد ارتكب عمداً وكذلك اتفاقية الامم المتحدة لمكافحة الفساد في م / 24 التي نصت على أن دون المساس بأحكام م23 من هذه الاتفاقية تنظر كل دولة طرف في اعتماد ما قد يلزم من تدابير تشريعية وتدابير اخرى لتجريم القيام عمدا عقب ارتكاب اي من الافعال المجرمة وفقا لهذه الاتفاقية دون المشاركة في تلك الجرائم بإخفاء ممتلكات او مواصلة الاحتفاظ بها....)(4). إن غسل الأموال يتم عن طريق عمليات في الغالب قانونية مثل عملية إيداع مبلغ من النقود في حساب مصرفي وعملية تحويل مبالغ مالية من دولة الى اخرى (5) ، لذلك فمن الصعوبات التي تواجه وضع تعريف قانوني محدد لغسل الأموال، هو تحديد الضوابط اللازمة لكي يوصف النشاط بالنظر الى الظروف الخارجية المحيطة به بعدم المشروعية، ومن هذه الضوابط طبيعة محل العملية كونها اموال متحصلة من مصدر إجرامي والغرض الذي يسعى مرتكب الفعل الى تحقيقه من عملية الغسل وهو إخفاء المصدر غير المشروع للأموال (6)
وبالنظر للطبيعة السرية لعملية غسل الأموال، فمن الصعب تحديد حجم الأموال التي تخضع لعملية الغسل سنوياً، وحسب تقرير للبوليس الأوروبي يتراوح حجم الأموال التي يجري غسلها بين 500 مليار و 1300 مليار يورو سنوياً، أي ما يوازي 2-5 من الناتج المحلي العالمي (7) ، وبلغت الأموال التي تم غسلها في بريطانيا والدول الأوربية نحو (300) مليار دولار في عام 1997 اختصت بريطانيا بمبلغ (226) مليون دولار، وقدر تقرير لوزارة الخزانة الأمريكية في سنة 1989 حجم الأموال التي تم غسلها سنوياً بنحو 300 مليار دولار (8) .
فجوهر عملية غسل الأموال هو قطع الصلة بين الأموال المتحصلة عن أنشطة إجرامية وبين مصدرها غير المشروع، فهي تهدف إلى إضفاء الشرعية على أموال ناتجة عن مصدر غير مشروع، ويترتب على نجاح هذه العملية سهولة تحرك هذه الأموال في المجتمع دون الخشية من مصادرتها ومن ثم يفلت الجناة من العقاب، وتختلف هذه الأموال عن الأموال السوداء Largent noire التي تتسم بمشروعية مصدرها إلا أنه يتم الاحتفاظ بها سراً للتهرب من الضرائب على الدخل (9).
لم تعرف اتفاقية (فينا لمكافحة الاتجار غير المشروع بالمخدرات والمؤثرات العقلية لسنة 1988) غسل الأموال، إنما تعرضت إلى ما يتعلق به في الديباجة وبمعرض تعريف المصطلحات الواردة فيها ومن بينها (المتحصلات)، ويقصد بها أية أموال مستمدة أو حصل عليها بطريق مباشر أو غير مباشر من ارتكاب جريمة منصوص عليها في الفقرة 1 من المادة 3 من الاتفاقية (10). وتضمنت تشريعات دول الاتحاد الأوربي تعريفاً لغسل الأموال لم يخرج عن الإطار العام للاتفاقيات والوثائق الدولية والإقليمية، ظهر فيه واضحاً تعداد الأشكال أو صور السلوك محل التجريم والتي متى ما تحقق واحد أو أكثر منها أعتبر غسيلاً للأموال ومن ذلك القانون الفرنسي الذي أدخل التجريم على كل الأموال الناشئة عن أية جناية أو جنحة دون تحديد (11). أما التشريعات العربية بشأن غسل الأموال فقد عرفتها من المنظور الاقتصادي وعددت آليات الغسل (12).
أما التشريعات العراقية فقد نص قانون مكافحة غسل الأموال رقم 93 لسنة 2004 الصادر بموجب أمر سلطة الائتلاف المؤقتة (المنحلة) في م3 ما يأتي (كل من يدير أو يحاول أن يدير تعاملاً مالياً يوظف عائدات بطريقة ما لنشاط غير قانوني عارفاً بأن المال المستخدم هو عائدات بطريقة ما لنشاط غير قانوني او كل من ينقل او يرسل او يحيل وسيلة نقدية أو مبالغ تمثل عائدات بطريقة ما لنشاط غير قانوني عارفاً بذلك....) يعاقب بغرامة لا تزيد على 40 مليون دينار عراقي او ضعف قيمة المال المستخدم في التعامل أيهما أكثر او الحبس لمدة لا تزيد على 4 سنوات او كليهما .
كما عرفته م/35 - أولاً من أمر سلطة الائتلاف المؤقتة (المنحلة رقم 10 لسنة 2005 لإصدار قانون تنظيم أعمال التأمين بأنه يقصد بغسيل الأموال في أنشطة التأمين لأغراض هذه المادة تحويل أية أموال متأتية من عمل غير مشروع أو استبدالها أو استخدامها أو توظيفها بأية وسيلة لجعلها أموالاً مشروعه دون تحديد المصدر الحقيقي لها أو تحديد مالكها أو في حالة أعطاء معلومات غير صحيحة عنها(13).
وتتميز جريمة غسل الاموال بالخصائص الآتية:
1- أنها جريمة عالمية، فالغالب أنها ترتكب في إطار إقليم دولة واحدة إلا أن ثورة الاتصالات الحديثة رافقها انتشار الجرائم عالمياً، ومنها جرائم غسل الأموال حيث تتضمن في مراحلها عمليات نقل وتهريب الأموال غير المشروعة من دولة إلى أخرى، وقد استفاد غاسلو الأموال من الحدود المفتوحة بعد نفاذ اتفاقية التجارة العالمية ومن التكنولوجيا الحديثة التي توفر قنوات اتصال مباشرة بأسواق المال العالمية ومن عمليات الخصخصة والأسواق الحرة عبر العالم والمراكز المصرفية والتحويلات الالكترونية. وتجري يومياً عبر العالم عمليات مصرفية الكترونية أو فعلية يتم من خلالها غسل ملايين الدولارات وأصبح باستطاعة غاسلي الأموال نقل وتهريب الأموال النقدية مهما بلغ حجمها من والى أية بقعة في أرجاء (القرية العالمية) ليتم خلطها بأموال ومشاريع اقتصادية تتسم بالمشروعية ليقوموا من جديد بعد أن تكتسب هذه الصيغة بإمداد عصابات الجريمة المنظمة بها وهكذا تستمر العمليات في حلقة دائمة.
2- أنها جريمة منظمة فكما في الجريمة المنظمة، فهناك تعدد الجناة الذين ساهموا فيها بإراداتهم بحيث تصبح النتيجة الجرمية نتيجة تضافر جهود هؤلاء الأشخاص الذين مارس كل منهم جزءاً من مجموع العناصر المكونة للركن المادي للجريمة مع توافر الإرادة لتحقيق النتيجة الركن) (المعنوي)، وبالنظر إلى جريمة غسل الأموال فيمكن وصفها بالجريمة المنظمة لتوافر خواص الوحدة المادية والمعنوية فيها، فهذه الجريمة بتفاصيلها لا يمكن تصور ارتكابها من قبل فرد واحد فهي تستلزم بطبيعتها شبكة متصلة من الأفراد أو المنظمات التي تقوم بأفعال من شأنها اسباغ المشروعية على الأموال غير المشروعة(14).
3- يستخدم غاسلو الأموال التقنيات الحديثة ولم تقتصر أساليبهم على الطرق التقليدية، فهي تخضع للتطوير والتحديث بالقدر الذي تتطور فيه وسائل الاتصال والتكنولوجيا، فبعد أن كانوا يستخدمون الطرق التقليدية من إيداع أموال لا يوجب القانون التبليغ عنها ، أو إفساد إدارات وموظفي البنوك من أجل التغاضي عن إيداعات كبيرة أو شراء الموجودات الثمينة كالسيارات والطائرات والعقارات والمعادن الثمينة واللوحات الفنية، حيث أخذوا يستخدمون وسائل جديدة وحديثة كالأنترنيت وأنظمة الحوالات الالكترونية وأجهزة الصراف الآلي (Atm) وأنظمة التحويل النقدي العلمية مثل ( Fed wire chips wift) وغير ذلك(15).
4- تمتاز بضخامة المبالغ التي يجري التعامل بها إذ أن تجارة المخدرات وحدها تدر سنوياً ما يقارب 700 مليار دولار (16).
5- تمر عملية غسل الأموال بعمليات متتالية ومعقدة ومركبة وأهمها المراحل الثلاث التالية: التوظيف أو الإدخال أو الإيداع (Placement ) و التمويه أو التغطية (Layering) و الدمج ntegration) ) (17) . وفيما يتعلق بعلاقة غسل الأموال بالفساد الإداري فأن عملية غسل الأموال تؤدي إلى ضخ أموال غير مشروعة في اقتصاد الدولة بتحويلها إلى شكل آخر من أشكال الثروة من خلال المراحل التي ذكرناها، وتعد جرائم الفساد الإداري من الجرائم المنتجة للأموال القذرة، ذلك أن الفساد الإداري بما يعنيه من استغلال الموظفين سلطتهم يؤدي إلى انتشار الرشوة والاختلاس والابتزاز وما الى ذلك من صور الفساد مما يؤدي إلى تضخم ثرواتهم، ويدفعهم ذلك إلى غسلها من خلال أنشطة مشروعة حتى لا يتم التعرف على حقيقة مصدرها (18)
ومن ثم يمكن القول بأن جريمة غسل الأموال تغطي كل أنماط الجرائم الواقعة على المال العام وبذلك تعد بمثابة نشاط تكميلي لها، فالغسل لا يرد إلا على مال غير مشروع، غير أن تحديد ما هو مشروع وما هو غير مشروع يختلف من بلد لآخر، وإن كان يوجد إجماع على تجريم الاتجار في المخدرات، وهو ما أدى إلى ربط تجريم غسل الأموال باتفاقية فينا لسنة 1988(19).
ويعتبر بعض الباحثين أن مكافحة جريمة غسيل الأموال أصبحت عنصراً أساسياً في الحرب ضد الفساد (20)، لأن هذه الأموال متحصله من أنشطة إجرامية، ومن ثم فان المبدأ الواجب التطبيق هو عدم إتاحة الفرصة لمرتكب الجريمة للتمتع بثمرة جريمته كما لو كانت مستمدة من مصدر مشروع (21). لأن غسل الأموال هو النافذة التي يهرب منها الفساد لذلك يجب غلق هذه النافذة لمحاصرة الفساد وعدم السماح للفاسدين أن يفلتوا من العقاب وينتفعوا بعوائد الجريمة.
فهي تعمل بمثابة منشط للفساد ولشبكات الجريمة المنظمة، فالفاسدون من المسؤولين بحاجة إلى تبييض ما يحصلون عليه من رشوة أو أموال عامة، وشبكات الجريمة المنظمة بحاجة إلى تبييض ثمار جرائمها، فضلا عن مخاطر جريمة غسل الأموال اقتصادياً حيث تؤدي إلى انخفاض قيمة العملة في الدولة التي ترتكب فيها وزيادة التضخم وتعرض أسواق المال لأزمات قد تؤدي إلى انهيارها، وإفساد المناخ الاستثماري، فالمشروعات ذات المصادر المشروعة لا تستطيع أن تصمد في مواجهة المشروعات ذات المصادر غير المشروعة، مما يمكن الأخيرة من التحكم في الأسواق واحتكارها (22)
كما تؤثر على مركز الدولة أمام الهيئات الدولية المانحة، فانتشار الفساد السياسي والإداري وما يصحبه من تهريب الأموال بقصد الغسل دفع صندوق النقد الدولي إلى إعلان رغبته في تغيير سياسته الاقراضية للدول النامية بحجة أنها لم تستفد من عمليات الإقراض على نحو كامل بسبب انتشار الفساد - وهذا ما نلاحظه حالياً بشأن العراق حيث تمتنع الدول المانحة من تقديم الأموال بسبب الفساد الإداري المنتشر بشكل واسع (23) . وتؤدي إلى إفساد الجهاز المصرفي مما يؤدي إلى عدم الثقة بالمؤسسات المالية لأن الذين يحصلون على أموالهم من مصادر مشروعة غالباً ما يشعرون بالنفور من امتزاج أموالهم داخل المصارف مع تلك المستمدة من أنشطة إجرامية، فمبدأ الثقة في الجهاز المصرفي أساسه نظافة الأموال التي يديرها المصرف، والغالب أن تتم عملية غسل الأموال عن طريق تهريبها إلى الخارج، مما يجعل منها نزيفاً للاقتصاد القومي لمصلحة الاقتصاديات الأجنبية الخارجية، وفي ذلك حرمان للبلاد من العوائد الايجابية التي من الممكن أن تحصل عليها عند استثمار هذه الأموال متمثلاً في القيمة المضافة للدخل القومي (24) .
فالبعد عبر الوطني لجريمة غسيل الأموال من أهم السمات التي تتسم بها، حيث أن الجريمة الأولية للحصول على المال تتم في بلد معين ثم يتم إيداع الأموال في مصارف دولة أخرى لتعود مرة ثانية وتستثمر في بلد ثالث (25).
فلقد استفادت شبكات الجريمة عبر الحدود بشكل خاص من توسع السوق المالي على المستوى العالمي واستغلت الفوارق بين أنظمة الرقابة المطبقة داخل الدول واحتمالات نقل الأموال بسرعة ومن دون خطر الاكتشاف، فهي تعمد إلى القيام بأكثر نشاطاتها في تبييض المال في الدول أو المناطق (جنات تبييض المال) التي هي أقل تعرضاً للرقابة في ما يتعلق بتطبيق القوانين التي تحرم تبييض المال على المستوى الدولي. وهي غالباً ما يطبق فيها نظام السرية المصرفية، وسهولة أنشاء وإدارة أنواع الشركات أو المؤسسات كافة التي تعرف بال(ترست) (TRUST) والتي تسهل عملية غسل المال، فغالباً ما تستعمل مؤسسات الترست لإخفاء مبالغ ضخمة تحول إليها من شركات تسيطر عليها شبكات الجريمة المنظمة (26) .
واجتماعياً فأن غسل الأموال يمكن المنظمات الإجرامية من إعادة استخدام هذه الموارد في ارتكاب المزيد من الجرائم التي تحقق لها المزيد من الأرباح، وتؤثر سلباً في الطبقات الاجتماعية فتتزايد الهوة بينها، ويزداد العداء من قبل الطبقات الفقيرة الشريفة للطبقات التي حصدت أموالاً غير مشروعة ونجحت في تمويه وإخفاء مصدرها لتعود الأموال مرة أخرى في شكل مشروع ويتغير النسيج الاجتماعي ويفقد المواطن انتماءه للوطن (27).
وسياسياً حيث تسعى المنظمات الإجرامية بفضل هذه الأموال المغسولة إلى التسلل إلى مواقع اتخاذ القرار من خلال تقلد بعض المناصب السياسية الهامة مثل التسلل إلى المجالس النيابية والمحلية، فيؤثرون في سن القوانين التي تخدم مصالحهم غير المشروعة وبذلك ينتشر الفساد ويستعصي علاجه، أو تملك وسائل الإعلام والسيطرة عليها، أو الاستعانة بالأموال غير المشروعة في إحداث الفساد الإداري من خلال عمليات الرشوة (28).
وأخلاقياً تؤدي إلى انهيار القيم الأخلاقية، مثل قيم العمل والكسب المشروع، والى سيادة قيم سلبية مثل الرغبة في الإثراء السريع بأية وسيلة ولو كانت غير مشروعة، ولعمليات غسل الأموال علاقة وثيقة بانتشار البطالة، حيث أن تهريب الأموال إلى الخارج لغسلها يؤدي إلى نقل جزء من الدخل القومي إلى الدول الأخرى، ومن ثم تعجز الدول التي هرب منها رأس المال عن توفير فرص العمل من خلال الإنفاق على الاستثمارات اللازمة لذلك (29).
وبذلك يتضح أن جريمة غسل الأموال تمثل خطراً جسيماً على القيم الأساسية للنظام الاجتماعي والسياسي والاقتصادي والأخلاقي، مما اقتضي تجريمها، لهذا اتجه المجتمع الدولي إلى الاهتمام بذلك فتم عقد الكثير من الاتفاقيات الدولية والإقليمية خلال العقدين الأخيرين من القرن الماضي(30).
لقد انتشرت ظاهرة غسل الأموال في العراق أثناء فترة الحصار الاقتصادي في عقد التسعينيات من القرن الماضي من خلال تجارة السوق السوداء والتهريب والسرقات وغيرها، وقد تراكمت أموال طائلة في بنوك عربية وأجنبية باسم أشخاص، واستثمارات عقارية مختلفة وشركات وهمية لا تحمل أسماء السراق أنفسهم، مما الحق الضرر الفادح في ميزانية الدولة العراقية وأثرت بشكل كبير في تجاوز العديد من المعضلات المالية التي يواجهها العراق فيما لو استثمرت تلك الأموال المهربة داخل العراق (31) وازدادت الظاهرة بشكل كبير بعد 2003/4/9 بسبب الظروف الأمنية وفتح الحدود مما سهل تهريب الأموال خارج العراق، فقد اتهمت هيئة النزاهة بعض المسؤولين في الدولة بالسرقة والاختلاس وخيانة الأمانة غير أن أغلبهم غادر العراق(32). إن عمليات سرقة البنوك ودوائر الدولة من قبل أفراد أطلق عليهم (الحواسم) (33)، وعمليات التهريب والسرقة والرشوة والاختلاس المستمرة أنتجت أموالاً طائلة في حوزة مرتكبي هذه الجرائم، وبما أن العراق حالياً غير قادر على استيعاب الاموال في المصارف أو في مجال الاستثمار لذلك لجأوا الى تهريبها خارج العراق وغسلها هناك، لذلك نرى ضرورة مصادقة السلطة التشريعية على اتفاقية الأمم المتحدة لمكافحة الفساد لما فيها من نصوص تتعلق بغسل الأموال وأهمها المادة / 23 الخاصة بغسل العائدات الإجرامية (34).
كما تقع على الدولة مسؤولية ملاحقة المتهمين بغسل الاموال وفق الإجراءات القانونية، فأن ما نراه اليوم هو وجود قصور كبير في متابعة هذه الحالات، كما يرى البعض أن السياسيين لم يهتموا بهذا الأمر حتى يشك المرء بأن بعضهم مستفيد من هذه الظاهرة، علماً أن العراق من قدامى البلدان المشاركة في الشرطة الدولية (الإنتربول) لملاحقة المطلوبين للعدالة في أية دولة مشاركة فيها(35).
_____________
1- للمزيد أنظر:- د. حسام الدين محمد أحمد، شرح القانون المصري رقم 80 لسنة 2002 بشأن مكافحة غسل الأموال في ضوء الاتجاهات الحديثة، دراسة مقارنة لتشريعات الدول العربية ودول الاتحاد الأوربي والولايات المتحدة الأمريكية، الطبعة الثانية، دار النهضة العربية القاهرة 2003، ص 21
2- للمزيد، أنظر د. شريف سيد كامل مكافحة جرائم غسل الأموال في التشريع المصري، ط1، القاهرة، دار النهضة العربية، 2002، ص 31 وما بعدها و داود خير الله، الفساد كظاهرة عالمية وآليات ضبطها، ندوة الفساد والحكم الصالح في البلاد العربية التي أقامها مركز دراسات الوحدة العربية في بيروت بتاريخ 20.23 ايلول 2004 منشور في مجلة المستقبل العربي، العدد 309 السنة/27، تشرين الثاني 2004 ص 81 و د. إبراهيم حامد طنطاوي، المواجهة التشريعية لغسل الأموال في مصر، دراسة مقارنة، دار النهضة العربية، 2003 ، ص 7.
3- للمزيد انظر د. هدى حامد قشقوش جريمة غسل الأموال في نطاق التعاون الدولي، القاهرة، دار النهضة العربية، 2002، ص 19.
4- وكانت م 23 من الاتفاقية جاءت بعنوان ( غسل العائدات الإجرامية ) حيث نصت على أن تعتمد كل دولة طرف وفقا للمبادىء الاساسية لقانونها ما قد يلزم من تدابير تشريعية وتدابير أخرى لتجريم الأفعال التالية عندما ترتكب عمداً ) وعددت حالات غسل الأموال.
5- تعتبر سويسرا بما لديها من نظام سرية المصارف ملاذا لعمليات غسيل الأموال ولكن وضعت مؤخراً ضوابط للتبليغ عن عمليات غسيل الأموال للمزيد، أنظر الموقع www.annabaa.org
6- ولهذا تسمى جريمة ( ذوي الياقات البيضاء) لأن سمات محترفيها لا تتواءم مع السمات الجرمية التي حددتها نظريات علم الإجرام والعقاب التقليدية أنظر د. شريف سيد كامل، المصدر السابق، ص 32 و 33.
7- أنظر د داود خير الله، مصدر سابق، ص 82
8- أنظر د. إبراهيم حامد طنطاوي، المصدر السابق، ص ص 6و7.
9- انظر: د. حسام الدين محمد أحمد، مصدر سابق، ص 8.
10- أنظر:- د. محمد عبد الغريب المواجهة الجنائية لغسيل الأموال، ندوة مركز بحوث ودراسات مكافحة الجريمة ومعاملة المجرمين، كانون الثاني 1997، كلية الحقوق جامعة القاهرة، ص 31
11- أنظر د. حسام الدين محمد أحمد، شرح القانون المصري رقم 80 لسنة 2002 بشأن مكافحة غسل الأموال في ضوء الاتجاهات الحديثة، دراسة مقارنة لتشريعات الدول العربية ودول الاتحاد الأوربي والولايات المتحدة الأمريكية، الطبعة الثانية، دار النهضة العربية القاهرة 2003 ، ص ص 26،27
12- قانون رقم/80 لسنة / 2002 بشأن مكافحة غسل الأموال المصري، وقانون تجريم غسل الأموال الإماراتي رقم 4 لسنة 2002، وقانون مكافحة تبييض الأموال اللبناني لسنة 2001، إلا أن قانون مكافحة غسيل الأموال الكويتي رقم 35 لسنة 2002، ذكر جميع الأموال والعائدات المتحصلة من أية جريمة دون تحديد للمزيد -انظر د حسام الدین محمد احمد، مصدر سابق، ص 25
13- منشور في الوقائع العراقية العدد 3995 في 3/آذار/2005.
14- أنظر:- أروى فايز الفاعوري وإيناس محمد قطيشات المصدر السابق، ص 30 وما بعدها.
15- فقد حذر تقرير اصدرته عدة هيئات أمريكية مالية من أن الشبكات الإجرامية أخذت تستخدم التقنيات الحديثة في غسل الأموال منها بطاقات الهاتف المدفوعة مسبقا وبطاقات الهدايا وغيرها، أنظر الموقع www.annabaa.org/nbanews
16- أروى فايز الفاعوري وإيناس محمد قطيشات، جريمة غسيل الأموال المدلول العام والطبية القانونية دراسة مقارنة الطبعة الأولى دار وائل للنشر عمان 2002 ، ص 34.
17- للمزيد، انظر: د شريف سيد كامل الجريمة المنظمة في القانون المقارن، ط 1 القاهرة، دار النهضة العربية 2001 ، ص 34 وما بعدها وأنظر أيضان أروى فائز الفاعوري وإيناس محمد قطيشات مصدر سابق، ص 70 وما بعدها، وكذلك د. حسام الدين محمد أحمد مصدر سابق، ص 28.
18- د. إبراهيم حامد طنطاوي، مصدر سابق، ص.9 . وقد بلغت الأموال الناتجة عن الفساد الإداري في مصر عام 2003( 2،623 ) مليار جنيه، مقارنةً ب (6) مليون جنيه عام 1995، مما يعني أن ظاهرة غسل الأموال تساهم في إفساد النظام الإداري، انظر:- د. هدى حامد قشقوش جريمة غسل الأموال في نطاق التعاون الدولي، القاهرة، دار النهضة العربية، ، ص10.
19- د. إبراهيم حامد طنطاوي، المواجهة التشريعية لغسل الأموال في مصر، دراسة مقارنة، دار النهضة العربية، 2003 ، ص 10.
20- للمزيد :أنظر op.cit.p53. W.Paattii Ofosu. Amaah
21- د. إبراهيم حامد طنطاوي، المواجهة التشريعية لغسل الأموال في مصر، دراسة مقارنة، دار النهضة العربية، 2003 ، ص 10.
22- أنظر داود خير الله، الفساد كظاهرة عالمية وآليات ضبطها، ندوة الفساد والحكم الصالح في البلاد العربية التي أقامها مركز دراسات الوحدة العربية في بيروت بتاريخ 20.23 ايلول 2004 منشور في مجلة المستقبل العربي، العدد 309 السنة/27، تشرين الثاني 2004 ، ص 59 وما بعدها.
23- جدير بالذكر أن مصر قد رفع اسمها من قائمة الدول غير المتعاونة في مجال غسيل الأموال من قبل منظمة العمل المالي الدولي في 2004/2/27 نتيجة الجهود التي بذلتها في هذا الاتجاه للمزيد من التفصيل، أنظر الموقع: www.tit.net
24- أنظر د. إبراهيم حامد طنطاوي، مصدر سابق ص، 11 وما بعدها.
25- أنظر د. هدى حامد قشقوش جريمة غسل الأموال في نطاق التعاون الدولي، القاهرة، دار النهضة العربية، 2002 ، ص 15
26- أنظر داود خير الله، مصدر سابق، ص 60.
27- أنظر د. إبراهيم حامد طنطاوي، مصدر سابق، ص 12.
28- أنظر د. هدى حامد قشقوش، مصدر سابق، ص 11.
29- د. إبراهيم حامد طنطاوي، مصدر سابق، ص 12
30- للمزيد انظر: د. حسام الدين محمد أحمد، شرح القانون المصري رقم 80 لسنة 2002 بشأن مكافحة غسل الأموال في ضوء الاتجاهات الحديثة، دراسة مقارنة لتشريعات الدول العربية ودول الاتحاد الأوربي والولايات المتحدة الأمريكية، الطبعة الثانية، دار النهضة العربية القاهرة 2003 ، ص 43 وما بعدها و د. هدى حامد قشقوش، مصدر سابق، ص 43.
31- لقد أتهم وزير المالية السابق السيد علي علاوي دولاً إقليمية وشبكات دولية ومصارف بتسهيل عمليات الفساد الإداري في المؤسسات العراقية عبر تغاضيها أو إسهامها في نقل بلايين الدولارات من دون التأكد من مصادرها أنظر: صحيفة المؤتمر الوطني 10 تشرين الأول 2005.
32- أنظر جريدة الصباح العدد/ 9،881 /تموز/ 2006.
33- أسم أطلقه رئيس النظام السابق على الحرب الأخيرة قبل وقوعها، لذلك سميت جميع الفعاليات غير المشروعة (السرقة، النهب، التهريب.... الخ ) التي حدثت أثناء الحرب وبعدها ومن قام بها بالحواسم .
34- تجدر الإشارة الى أن هناك قانوناً نموذجياً لمكافحة غسل الأموال معداً في جامعة الدول العربية، كما أن هناك تشريعا نموذجيا للأمم المتحدة، فضلا عن الاتحاد الدولي لمكافحة غسيل الأموال على مستوى العالم والذي يضم 64 دولة، أنظر الموقع:- www.tit.net
35- باسم الهاشمي، ملاحقة الأموال العراقية المهربة خارج العراق مقال منشور في جريدة الصباح، العدد 881، 9 تموز 2006 ص 13
الاكثر قراءة في القانون الاداري
اخر الاخبار
اخبار العتبة العباسية المقدسة