من خصائص الفساد الإداري تغليب المصلحة الخاصة على المصلحة العامة
المؤلف:
صباح عبد الكاظم شبيب الساعدي
المصدر:
دور السلطات العامة في مكافحة ظاهرة الفساد الإداري في العراق
الجزء والصفحة:
ص 75-77
2025-10-29
63
تشير جميع التعريفات الى أن هدف الفساد الإداري هو تغليب المصلحة الخاصة على المصلحة العامة، والمصلحة العامة عبارة مرنة، لكنها وبغض النظر عن وجهات النظر المختلفة تمثل المصلحة العليا والمشتركة لمجتمع معين في وقت معين وفي ظل نظام سياسي معين إن تغليب المصلحة الخاصة على المصلحة العامة يعني الإضرار بها، فالموظف يجب أن يعمل للمصلحة العامة دون الغاء مصلحته الخاصة ودون تغليبها على المصلحة العامة، فالوظائف العامة تكليف للقائمين بها هدفها خدمة المواطنين تحقيقاً للمصلحة العامة طبقاً للقوانين والأنظمة المعمول بها وهو ما تنص عليه الدساتير والقوانين في معظم دول العالم(1). لذلك لا يجوز تكييف الوظيفة العامة بأنها حق للموظف العام، اذ ليس القصد من استخدام الموظفين هو إلحاقهم بعمل يرتزقون منه ومنحهم بعض المزايا والحقوق، وإنما الهدف الأصلي من ذلك إنشاء هيئة تتولى تسيير مرافق الدولة وتنفيذ أهدافها العامة في خدمة الشعب، فالوظيفة العامة خدمة وطنية تناط بالموظف العام، عناصرها مجموعة من الواجبات يتحملها الموظف مقابل ما تكفله له الوظيفة من حقوق، والشائع أن المشرع ينظم واجبات الموظف بإلزامه بأداء أعمال معينة وحظر بعض التصرفات عليه، بمعنى أن الواجبات تقسم الى التزامات محددة إيجابية وأخرى سلبية ممنوعه عليه (2).
وعند قيام الموظف العام بأي فعل فاسد فأنه يسبب ضرراً بالمصلحة العامة، والضرر الذي يلحق المصلحة العامة يتمثل بالآثار التي يتركها الفساد في المجالات كافة، فالفساد كما يصفه المتخصصون (يعود بالوبال على النطاق العالمي وأنه يدمر قيماً هائلة من الاقتصاد القومي، ويعوق تطور الدول ويدمر المشروعات ويشوه التنافس، ويؤثر في سياسة الدول ذات المراكز القيادية، ويقوض أسس الديمقراطية، كما يستغله الإجرام المنظم والإرهاب) (3).
وهو يؤثر بشكل كبير في كفاءة أنشطة الدولة وشرعيتها، وتبين الحالات المتطرفة مخاطر التسامح مع قدر من الفساد الذي يفضي الى الظلم ويقوض الشرعية السياسية للدولة، وهو شاهد على وجود مشكلات عميقة في تعاملات الدولة مع القطاع الخاص، وانحرافات يوجدها المسؤولون ليولدوا (البراطيل)(4).
كما يؤدي الفساد الى كارثة من حيث تكلفته الاقتصادية والاجتماعية، فقد أظهرت إحدى الفضائح أن %70 من ميزانية دولة معينة قد ضاعت في أنشطة كلها تلاعب وفساد، وقد لا تتضرر المصلحة العامة ضرراً مادياً جراء الفساد في حالات معينة، لكن مجرد الإخلال بواجبات الوظيفة يعتبر ضرراً معنوياً لأنه يترك آثاراً سيئة على علاقة المواطن بالدولة من ذلك أن آثاره تمتد لتمس المفاهيم والاتجاهات والقيم الاجتماعية ويؤدي الى اللامساواة الاجتماعية والاقتصادية، ويلحق الضرر بجهود الإصلاح الإداري ويؤدي الى فقدان الثقة بين السلطة والأفراد (5) .
ويشكل الفساد أحد عوامل الضعف في بعض الدول وخاصة النامية منها مما يجبرها على الاقتراض من (صندوق النقد الدولي ) لتلبية حاجاتها الأساسية تحت شروط تعسفية وتدخلية، رغم أنها غير قادرة على تسديدها، الأمر الذي يجعلها رهن وضع لا يسمح لها بتراكم رأس المال المحلي الذي تستطيع من خلاله بناء قاعدة إنتاجية على العكس من بعض الدول التي رفضت الاقتراض واستطاعت الخروج من أزمتها بتبني سياسة إصلاحية، كما يؤثر الفساد في النظام العام من خلال تكوين عزلة سياسية وعدم استقرار ونفور عام يصل الى الهياج الشعبي الذي يؤدي الى احتمال تغيير نظام الحكم في الدولة، ومثاله ما حصل في المكسيك حينما رفعت الأحزاب الشيوعية شعار (ضد الفساد نقف نحن المعارضين) (6).
ويؤدي الفساد الى زيادة التهرب الضريبي والذي يؤدي الى عجز الميزانية لأن الأموال التي يتم التهرب من دفعها كان من المفترض أن تكون في الخزينة، كما يؤدي الى زيادة تكاليف الخدمات، فقد أكدت دراسة للبنك الدول أن أكثر من %10% كلفة إضافية في بعض الدول، وفي العراق ارتفعت التكاليف الرأسمالية الى %50 نتيجة العمولات التي تفرض كرشاوى أو مساومات (7). مما تقدم يتبين لنا أن الفساد الإداري يتصف بخصائص معينة تميزه عن غيره من الظواهر السلبية الأخرى فهو سلوك منحرف يقوم به موظف عام مستغلاً سلطته العامة لمصلحته الخاصة على حساب المصلحة العامة، وهو يشكل ظاهرة اجتماعية سلبية تنتشر وتستشري في الدولة والمجتمع مسببة أضرار كبيرة وآثاراً سيئة.
______________
1- أنظر - م / 3 من قانون انضباط موظفي الدولة والقطاع العام رقم / 14 لسنة 1991 التي نصت على أن: ( الوظيفة العامة تكليف وطني وخدمة اجتماعية يستهدف القائم بها المصلحة العامة وخدمة المواطنين في ضوء القواعد القانونية النافذة)، و م / 30 من دستور 1970 الملغى التي نصت على ( أ. الوظيفة العامة أمانة مقدسة وخدمة اجتماعية قوامها الالتزام المخلص الواعي بمصالح الجماهير وحقوقها وحرياتها وفقاً لأحكام الدستور والقانون ). ومن الملفت للنظر أن دستور 2005 لم ينص على تعريف الوظيفة العامة.
2- للمزيد عن واجبات الموظف العام، أنظر د. سامي جمال الدين الإدارة والتنظيم الإداري، الإسكندرية، مؤسسة حورس الدولية للنشر والتوزيع، 2004، ص 507
3- أنظر بيتر أيغن شبكات الفساد العالمية ترجمة محمد جديد ط1 ، قدمس للنشر والتوزيع دمشق 2005 ، ص 21
4- أنظر سوزان و روز أكرمان الفساد والحكم، ترجمة فؤاد سروجي، ط1، الأهلية للنشر، عمان، 2003، ، ص51 وما بعدها.
5- أنظر الفساد في الحكومة تقرير الندوة الإقليمية التي عقدتها دائرة التعاون الفني للتنمية ( DTCD ) ومركز التنمية الإجتماعية والشؤون الإنسانية (CSDHA ) بالأمم المتحدة، لاهاي، 1989 ، ص 7 وما بعدها.
6- انظر: عماد صلاح عبد الرزاق الشيخ ،داود الفساد والإصلاح منشورات اتحاد الكتاب العرب دمشق 2003، ص 167 وما بعدها.
7- انظر موقع www.worldbank.net
الاكثر قراءة في القانون الاداري
اخر الاخبار
اخبار العتبة العباسية المقدسة