علم الحديث
تعريف علم الحديث وتاريخه
أقسام الحديث
الجرح والتعديل
الأصول الأربعمائة
الجوامع الحديثيّة المتقدّمة
الجوامع الحديثيّة المتأخّرة
مقالات متفرقة في علم الحديث
أحاديث وروايات مختارة
الأحاديث القدسيّة
علوم الحديث عند العامّة (أهل السنّة والجماعة)
علم الرجال
تعريف علم الرجال واصوله
الحاجة إلى علم الرجال
التوثيقات الخاصة
التوثيقات العامة
مقالات متفرقة في علم الرجال
أصحاب النبي (صلى الله عليه وآله)
اصحاب الائمة من التابعين
اصحاب الائمة من علماء القرن الثاني
اصحاب الائمة من علماء القرن الثالث
علماء القرن الرابع الهجري
علماء القرن الخامس الهجري
علماء القرن السادس الهجري
علماء القرن السابع الهجري
علماء القرن الثامن الهجري
علماء القرن التاسع الهجري
علماء القرن العاشر الهجري
علماء القرن الحادي عشر الهجري
علماء القرن الثاني عشر الهجري
علماء القرن الثالث عشر الهجري
علماء القرن الرابع عشر الهجري
علماء القرن الخامس عشر الهجري
تحمّل الحديث وصوره / السماع
المؤلف:
الشيخ الدكتور صبحي الصالح
المصدر:
علوم الحديث ومصطلحه
الجزء والصفحة:
ص 88 ـ 93
2025-09-08
50
الفَصْلُ الخَامِسُ: تَحَمُّلُ الحَدِيثِ وَصُوَرُهُ:
أَوَّلاً - السَّمَاعُ:
من المشافهة والسماع المباشر - على طريقة الرعيل الأول من الرُوَّاةِ - انتقل طلاب العلم إلى أخذ الحديث عن طريق القراءة، أو الإجازة، أو المناولة، أو المكاتبة، أو الإعلام، أو الوصيّة، أو الوجادة. وهذه الصور السبع - مع إضافة السماع إليها - هي صور التحمّل الثمان التي تحدّد مناهج القوم في التعليم (1).
ولعلّ من نافلة القول أن نشير مرّة أخرى إلى أنّ السماع أعلى هذه الصور وأرفعها وأقواها، غير أنّ من الضروري أن ننظر الآن إلى السماع نظرة خاصّة من زاوية المُحَدِّثِينَ، ومن خلال تعاريفهم واصطلاحاتهم. عندئذٍ يتبيّن لنا أنّ السماع هو أن يسمع المتحمّل من لفظ شيخه، سواء أَحَدَّثَهُ الشيخ من كتاب يقرؤه أم من محفوظاته وسواء أَأَمْلَى عليه أم لم يُمْلِ عليه (2).
ومن المعروف في لسان العرب أنّ قول الراوي: حَدَّثَنَا فلان أو أخبرنا أو أنبأنا أو ذكر لنا أو قال لنا تفيد معنى التحديث، فهي عند علماء اللغة تساوي قول الراوي: «سَمِعْتُ فُلاَنًا قَالَ: سَمِعْتُ فُلاَنًا». وأوشك كثير من المُحَدِّثِينَ أن يجروا على طريقة علماء اللغة في اصطلاحاتهم، حتّى لم يُفَرِّقُوا بين العبارات المذكورة، وراح كلّ يستخدم إحدى هذه العبارات على سواء، وروي عن كثير من المتقدّمين أنّهم كانوا «يقولون في غالب حديثهم الذي يَرْوُونَهُ (أَخْبَرَنَا) وَلاَ يَكَادُونَ يَقُولُونَ: (حَدَّثَنَا)» (3). وقال رجل للإمام أحمد: يا أبا عبد الله، إنّ عبد الرزّاق (4) ما كان يقول: (حَدَّثَنَا)، كان يقول: (أَخْبَرَنَا)، فقال أحمد بن حنبل: «حَدَّثَنَا وَأَخْبَرَنَا وَاحِدٌ» (5).
وقد يكون إيثار هؤلاء المتقدّمين (أَخْبَرَنَا) على الألفاظ الأخرى التي تفيد التحديث لغة بسبب شيوعها وكثرة استعمالها (6).
وقد يكون التعبير بـ«أَخْبَرَنَا» أوسع وأشمل من التلفظ بغيرها، فَنُعَيْمٌ بْنُ حَمَّادٍ (7) يَقُولُ: «مَا رَأَيْتُ ابْنَ الْمُبَارَكِ (8) يَقُولُ قَطُّ: (حَدَّثَنَا)، كَأَنَّهُ يَرَى (أَخْبَرَنَا) أَوْسَعَ!»(9).
وإذ تساوت هذه العبارات جميعًا في إفادة التحديث والسماع، فلا ضير أن يقول القاضي عياض (10) بقول علماء اللغة، فيرى أن لا خلاف - عندما يكون السماع من لفظ المسمع أو من كتاب - أن يقول السامع: (حَدَّثَنَا) و(أَخْبَرَنَا) و(قَالَ لَنَا) و(ذَكَرَ لَنَا فُلاَنٌ)(11).
غير أنّ نُقَّادَ الحديث يفضّلون دفع كلّ لبس وإبهام، فيقولون: ينبغي أن يُبَيِّنَ السماع كيف كان، فما سُمِعَ من لفظ المُتَحَدِّثِ قيل فيه (حَدَّثَنَا)، وما قُرِئَ عليه قال الراوي فيه: (قَرَأْتُ) إن كان سمعه بقراءته، ويقول فيما سمعه بقراءة غيره (قُرِئَ وَأَنَا أَسْمَعُ)(12).
والأكثرون على تقديم لفظ (سَمِعْتُ) على الألفاظ الباقية، إذ لا يكاد أحد بقولها في أحاديث الإجازة والمكاتبة، ولا في تدليس ما لم يسمعه، فكانت لذلك أرفع من سواها(13).
ثمّ يتلوها قول: (حَدَّثَنَا وَحَدَّثَنِي) ثُمَّ (أَخْبَرَنَا وَأَخْبَرَنِي) (14) مع ضرورة التمييز بين حالتي الإفراد والجمع. وفي ذلك يقول عبد الله بن وهب (15) صاحب مالك(16):«إِنَّمَا [هُوَ] أَرْبَعَةٌ: إِذَا قُلْتُ: (حَدَّثَنِي) فَهُوَ مَا سَمِعْتُهُ مِنَ الْعَالِمِ وَحْدِي، وَإِذَا قُلْتُ: (حَدَّثَنَا) فَهُوَ مَا سَمِعْتُهُ مَعَ الْجَمَاعَةِ، وَإِذَا قُلْتُ: (أَخْبَرَنِي) فَهُوَ مَا قَرَأْتُ عَلَى الْمُحَدِّثِ، وَإِذَا قُلْتُ (أَخْبَرَنَا) فَهُوَ مَا قُرِئَ عَلَى الْمُحَدِّثِ وَأَنَا أَسْمَعُ» (17).
وَيَلِي لَفْظَيْ التَّحْدِيثِ وَالإِخْبَارِ (نَبَّأَنَا وَأَنْبَأَنَا) وهما قليلان في الاستعمال (18)، والنيّة هي الفارقة بين جميع هذه الاصطلاحات على الحقيقة (19) ولذلك تشدّد الرُّوَّاةُ مع المدلّسين فلم يقبلوا منهم حَدِيثًا حتّى يقول قائلهم: (حَدَّثَنِي) أو (سَمِعْتُ) (20).
وصيغة الإفراد في التحديث أعلى العبارات في نظر الحافظ ابن كثير (774 هـ) ففي قول الراوي (حَدَّثَنَا) أو (أَخْبَرنَا) احتمال أن يكون في جمع كثير، وربّما لا يكون الشيخ قصده بذلك، ولا يعيّن قصد الشيخ له إلّا الإفراد (21).
وقول المُحَدِّثِ: أعلى مَنْزِلَةً من قوله: (حَدَّثَنَا فُلاَنٌ عَنْ فُلاَنٍ) إذ كانت «عَنْ» مُسْتَعْمَلَةً في تدليس ما ليس بسماع (22).
وقد لاحظ بعض الشعراء المتأخّرين هذا حين قال:
يَتَأَدَّى إِلَيَّ عَنْكَ مَلِيحٌ ... مِنْ حَدِيثٍ وَبَارِعٌ مِنْ بَيَانِ
بَيْنَ قَوْلِ الفَقِيهِ «حَدَّثَنَا سُفْيَانُ» فَرْقٌ وَبَيْنَ «عَنْ» سُفْيَانِ (23).
ويجوز أخيرًا في السماع أن يقول الرَّاوِي: (قَالَ لَنَا فُلاَنٌ) أو (قَالَ لِي) أو (ذَكَرَ لِي)، إذ هي في الاتّصال مثل (حَدَّثَنَا) وإن كانت أشبه بسماع المذاكرة (24).
وأضعف هذه العبارات جميعًا أن يقول الرَّاوي (قَالَ) أو (ذَكَرَ) من غير (لِي)؛ لأنّها توهم التدليس. وإلى هذا أشار حَمَّادٌ حين قال: «إِنِّي أَكْرَهُ إِذَا كُنْتُ لَمْ أَسْمَعْ مِنْ أَيُّوبَ(25) حَدِيثًا أَنْ أَقُولَ: (قَالَ أَيُّوبُ كَذَا وَكَذَا)، فَيَظُنُّ النَّاسُ أَنِّي قَدْ سَمِعْتُهُ مِنْهُ"»(26).
وكانت عبارة شُعبة بن الحجاج أشدّ في ذلك وأعنف حين قال: «لأَنْ أَزْنِيَ أَحَبُّ إِلَيَّ مِنْ أَنْ أَقُولَ: (قَالَ فُلاَنٌ)، وَلَمْ أَسْمَعْ مِنْهُ!» (27).
ونعود مرّة أخرى لِنُؤَكِّدَ أنّ جميع هذه الألفاظ عند علماء اللسان عبارة عن التحديث، وأنّها في الأصل مثل: (سَمعت فلانًا قال: سمعت فلانًا)، وإنّما الخلاف فيها بين نُقَّادِ الحديث في استعمالها من جهة العرف والعادة (28).
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
(1) " التدريب ": ص 129.
(2) قارن بتعريف السماع في " التدريب ": ص 129.
(3) " الجامع لأخلاق الراوي ": 6/ 112 وجه 1. وفي هذه الصفحة يذكر الخطيب من هؤلاء المتقدّمين الذين لا يفرقون بين «حَدَّثَنَا» و «أَخْبَرَنَا» ويقولون: الثانية دون الأولى: حماد بن سلمة، وَهُشَيْمٌ بن بشير، وعبد الله بن المبارك، وعبد الرزاق بن همام، ويزيد بن هارون، ويحيى بن يحيى النيسابوري، وإسحاق بن راهويه، وعمر بن عوف، وأبا مسعود أحمد بن الفرات، ومحمد بن أيوب بن يحيى بن الضريس. وقارن بـ " الكفاية ": ص 284، 285.
(4) هو العالم الفقيه الكبير عبد الرزاق بن همام بن نافع، المُتَوَفَّى سَنَةَ 211 هـ.
(5) " الكفاية ": ص 286. ويظهر أن أحمد بن حنبل وإسحاق بن راهويه أدخلا عبارة «حَدَّثَنَا» وطلبا من أهل العلم أن يستعملوها في رواياتهم وإن كانا يقولان بِتَسَاوِي جميع هذه العبارات في إفادة التحديث والسماع. قال محمد بن رافع: «كَانَ عَبْدُ الرَّزَّاقِ يَقُولُ «أَخْبَرَنَا» حَتَّى قَدِمَ أَحْمَدُ بْنُ حَنْبَلٍ وَإِسْحَاقُ بْنُ رَاهَوَيْهِ فَقَالاَ لَهُ: قُلْ" حَدَّثَنَا ". فَكُلُّ مَا سَمِعْتُ مِنْ هَؤُلاَءِ قَالَ " حَدَّثَنَا "، وَمَا كَانَ قَبْلَ ذَلِكَ قَالَ: " أَخْبَرَنَا"». انظر " الكفاية ": ص 286.
(6) " الكفاية ": ص 284.
(7) هو نُعَيْمٌ بْنُ حَمَّادٍ بن معاوية بن [الحارث]، الخُزاعي المروزي أبو عبد الله نزيل مصر، أول من جمع المسند. توفّي محبوسًا بسامراء سَنَةَ 228 هـ " الرسالة المستطرفة ": ص 37.
(8) هو الإمام الكبير عبد الله بن المبارك، أبو عبد الرحمن، تُوُفِّيَ سَنَةَ 181 هـ.
(9) " الكفاية ": ص 285.
(10) هو العالم الثقة الكبير. القاضي عياض بن موسى صاحب "الشفا في شمائل المصطفى" و" الإلماع في أصول السماع " ومنه نسخة في الظاهرية. حديث 406. تُوُفِّيَ سَنَةَ 544 هـ.
(11) " اختصار علوم الحديث ": ص 122.
(12) " الجامع لأخلاق الراوي ": 6/ 112 وجه 1. وقد عقد الخطيب لذلك فصلاً في " الكفاية ": ص 299 - 201.
(13) " الكفاية ": ص 284.
(14) " التدريب ": ص 130.
(15) هو الإمام الحافظ عبد الله بن وهب بن مسلم، أبو محمد الفهري مولاهم، المصري الفقيه، أحد الأئمّة الأعلام، حَدَّثَ عن خلق كثير بمصر والحرمين وَصَنَّفَ" مُوَطَّأً" كبيرًا. قال فيه أبو زُرعة: «نظرت في ثلاثين ألف حديث لابن وهب، ولا أعلم أنّي رأيت له حديثًا لا أصل له. توفي ابن وهب سَنَةَ 197 هـ. راجع ترجمته في "تذكرة الحفاظ": 1/ 204 - 206.
(16) مالك بن أنس بن مالك بن أبي عامر الأصبحي.
(17) " الكفاية ": ص 294، وفي الإسناد أحمد بن عبد الرحمن قَالَ: «سَمِعْتُ عَمِّي»، وعمّه هو ابن وهب الذي ترجمنا له في الحاشية قبل السابقة.
(18) " التدريب ": ص 120.
(19) " الكفاية ": ص 287.
(20) " الكفاية ": ص 292.
(21) " اختصار علوم الحديث ": ص 122.
(22) " الكفاية ": ص 289.
(23) " الكفاية ": ص 291.
(24) " الكفاية ": ص 130.
(25) هُوَ أَيُّوبُ السَّخْتَيَانِي.
(26) " الكفاية ": ص 290.
(27) " الكفاية ": ص 210.
(28) " الكفاية ": ص 288.
الاكثر قراءة في علوم الحديث عند العامّة (أهل السنّة والجماعة)
اخر الاخبار
اخبار العتبة العباسية المقدسة

الآخبار الصحية
