الوحدة الحقيقيّة للوجود والموجود والكثرة الاعتباريّة لهما قمّة
المؤلف:
السيّد محمّد الحسين الحسينيّ الطهرانيّ
المصدر:
معرفة الله
الجزء والصفحة:
ج3/ ص197-199
2025-08-19
506
يجب التذكير ببعض النقاط:
النقطة الاولى: إن كلام السبزواريّ قدّس سرّه في اعتباره قول «وحدة الوجود ووحدة الموجود في عين كثرتيهما» أفضل الأقوال الأربعة وأحسنها، وأن هذا التوحيد مختصّ بمن سَمّاهم بأخصّ الخواصّ؛ يُثير هنا سؤالًا وهو: هل الكثرة التي ذكرها هنا هي اعتباريّة أم حقيقيّة؟ فإن أجاب: أنّها اعتباريّة، فهذا يعني القول الثاني، وهو توحيد بعض الصوفيّة الذي سمّاه بتوحيد الخاصّ. وجميع الصوفيّة، موضع إشارته، يحاولون جهد إمكانهم إثبات الكثرة الاعتباريّة هذه، لا إنكار أصل الكثرة، وإن كان ذلك بنحو الاعتبار. فهل بإمكانكم الإشارة إلى فرد من أيّة فرقة كان ينفي حتى الكثرة الاعتباريّة للوجود والموجود؟ ولو قال أحد ما بهذا لطردوه من زمرة العقلاء ولم يُحسب لقوله أيّ حساب.
وإذا أجاب: أنّها كثرة حقيقيّة، كما هي كذلك بالفعل وكما صرّح بذلك هو نفسه، وكما هو واضح وجليّ من خلال المراسلات بين العَلَمين الآيتين: المرحوم آية الحقّ وسند التوحيد والعرفان الحاجّ السيّد أحمد الطهرانيّ الكربلائيّ والمحقّق المدقّق والحكيم الفيلسوف المرحوم الحاجّ الشيخ محمّد حسين الكمبانيّ الأصفهانيّ قدّس الله أسرارهما، بل أن جلّ نزاعهما كان حول هذه المسألة، حيث يصرّ آية الله الكمبانيّ على إثبات الوحدة والكثرة الحقيقيّتين، في حين يحاول آية الله الكربلائيّ تفنيد ذلك وذرّ رماد ادّعاءاته في رياح الفَناء ويوضّح قائلًا إنّه مع وجود الوحدة الحقّة الحقيقيّة والوجود بالصرافة، فلا معنى أصلًا للتعدّد الحقيقيّ، ولا وجود للكثرة الحقيقيّة إلّا في غيابت جهنّم وزوايا نار الشرك، لا في جنّة التوحيد والمعرفة حيث لا وجود للكثرة فيها؛ وعلى هذا فسيظهر أمامنا نفس الإشكال في الحال، وهو: أن الوحدة الواقعيّة لا يمكن لها أن تجتمع مع الكثرة الواقعيّة. أن الوحدة والكثرة نقيضتان متضادّتان. بعبارة أخرى أن مفهوم الوحدة عكس مفهوم الكثرة وهما نقيضان متضادّان؛ وعليه، كيف يتسنّى لنا الإقرار بكون الكثرة حقيقيّةً في نفس الوقت الذي فرضنا فيه الوحدة على أنّها حقيقيّة؟
وعلى أساس من ذلك، نرى أنّه يتوجّب علينا وضع قول ذوق المتألّهين بأنّ: وحدة الوجود وكثرة الموجود أمر حقيقيّ، وقول صدر المتألّهين بأنّ: وحدة الوجود والموجود في عين كثرتيهما كلاهما حقيقيّان، جانباً، وبعد رفضنا القسم الأوّل نشهد أنفسنا مضطرّين إلى قبول ما نقله بعض الصوفيّة واتّخذوه توحيداً خاصّاً وهو: أن وحدة الوجود ووحدة الموجود الحقيقيّة تكونان بمعيّة كثرة الوجود وكثرة الموجود الاعتباريّة؛ واعتباره أعلى أقسام التوحيد والمعيار البارز في ذلك.
النقطة الثانية: إن وجود الخالق والمخلوق، والآمر والمأمور، والراحم والمرحوم في هذه الصورة واضح وجليّ جدّاً، ولا مجال لإنكار ذلك أو التشكيك فيه على الإطلاق.
وأدلّ مثال على ذلك هو الإنسان بقواه الباطنيّة والظاهريّة. فالنفس الناطقة لأيّ فرد من أفراد البشر لها حسّ مشترك وقوّة مفكّرة وخوف وحافظة، وتمتلك كذلك حاسّة البصر والسمع والشمّ. وهذه القوى بمجموعها تمثّل عين النفس الناطقة وهما كيان واحد، من جهة الوحدة؛ إلّا أنّهما، وباعتبار التعيُّنات والظهورات، ظهرتا وتَعيَّنتا على هذه الشاكلة.
والحقّ كلّ الحقّ أنّنا لا نملك إلّا أن نعترف بوحدتنا ووحدانيّتنا؛ وفي نفس الوقت فإنّ التعدّد والتعيُّن وتكاثر القوى أمر لا يقبل التفنيد أو الإنكار.
إن النفس الوحدانيّة عندنا تأمر القوى الباطنيّة وبالتالي القوى الظاهريّة، وهكذا، وعن طريق ذلك تصدر عنّا ما ندعوها بالأفعال والتي تكتسب طابع الكثرات وتسمّى بها؛ لكن، مع ذلك تبقى وحدتنا في هذه الأفعال والقوى محتفظة بمنزلتها ومكانتها. وعلى هذا فإنّ قوانا الباطنيّة هي نحن لكن بصورة تلك الظهورات؛ وقوانا الظاهريّة كذلك كالنظر والسمع هي نحن لكن بصورة هذه الظهورات.
إن التعدّد في قوانا والتي توجب العزلة مغلوط. إنّها الوحدة التي تتجلّى وتظهر في مظاهرها وتجلّياتها؛ وهكذا الأمر بالنسبة إليه سبحانه: فهو نفسه لا غيره يظهر في هذه الآيات والمرايا والمظاهر والتجلّيات. أن التعدّد الذي يؤدّي إلى العزلة مغلوط وغير صحيح؛ إنّها الوحدة في ثوب الكثرة؛ الوحدة الحقيقيّة في الكثرة الاعتباريّة.
فالحقّ سبحانه وتعالى، هو الخالق في المرتبة العليا، وهو المخلوق في المرتبة الدنيا. والآمر في المقام الأعلى، والمأمور في المقام الأدنى. وهو الراحم في الافق المبين والمرحوم في نشأة أسفل السافلين.
الاكثر قراءة في التوحيد
اخر الاخبار
اخبار العتبة العباسية المقدسة