الآيات والروايات الواردة في فناء الصفة في صفة الله
المؤلف:
السيّد محمّد الحسين الحسينيّ الطهرانيّ
المصدر:
معرفة الإمام
الجزء والصفحة:
ج5/ص47-49
2025-12-17
21
يظهر الفناء في الاوصاف بعد الفناء في الأفعال. واصول هذا الفناء، كما تفيده الروايات المأثورة عن الأئمّة الطاهرين سلام الله عليهم أجمعين، خمسة أشياء هي: الْحَياة، والْعِلْم، والقُدْرَة، والسَّمْع، والْبَصَر.
ويقوم الله بهذه الأشياء الخمسة بدل وليّه؛ أي: أنّ السالك يرى أنّ الحياة، والعلم، والقدرة، والسمع، والبصر من الله مطلقاً؛ ويدركها منه تعالى؛ فلا يستطيع أن ينسبها إلى نفسه، ولا يستطيع أن ينسبها إلى غيره من الممكنات.
وجاء في «الكافي» ضمن حديث روي عن الإمام الباقر عليه السلام أنه قال: "إنَّ اللهَ جَلَّ جَلَالُهُ قالَ: ما تَقَرَّبَ إلىَّ عَبْدٌ مِنْ عِبَادِي بِشَيْءٍ أحَبَّ إلىَّ مِمَّا افْتَرَضْتُ عليْهِ، وإنَّهُ لَيَتَقَرَّبُ إلىَّ بِالنَّافِلَةِ حتى احِبّهُ، فَإذَا أحْبَبْتُهُ كُنْتُ سَمْعَهُ الذي يَسْمَعُ بِهِ، وبَصَرَهُ الذي يَبْصُرُ بِهِ، ولِسَانَهُ الذي يَنْطِقُ بِهِ، ويَدَهُ التي يَبْطِشُ بِهَا، إنْ دَعَانِي أجَبْتُهُ، وإنْ سَألَنِي أعْطَيْتُه" (الحديث).[1]
وهذا الحديث ممّا رواه الفريقان: الشيعة والسنّة، وهو من الأحاديث المتداولة الرائجة.
وممّا يؤيّد صحّة متنه قوله تعالى في الآية المباركة: {قُلْ إِنْ كُنْتُمْ تُحِبُّونَ اللَّهَ فَاتَّبِعُونِي يُحْبِبْكُمُ اللَّهُ ويَغْفِرْ لَكُمْ ذُنُوبَكُمْ}.[2]
أجل، أنّ الإنسان قبل بلوغ هذه المرحلة، كان بين الناس، يعاشرهم ويتحدّث معهم بقواه النفسانيّة من عين، واذن، ولسان، ويد؛ وها هو الآن يعيش بينهم بنور الله؛ يعاشر ويخالط ويتحدّث، بَيدَ أنّ تلك القوى قد تغيّرت وتبدّلت؛ واستعيض عنها بنور الله؛ وها هي العين، والاذن، واللسان، واليد قد أضحت لله وليس له فيها شيء.
نقل المسعوديّ في «إثبات الوصيّة» ضمن خطبة لأمير المؤمنين عليه السلام حول انتقال النبيّ الأعظم صلّى الله عليه وآله وسلّم من آدم إلى حين ولادته، أنه صلّى الله عليه وآله هكذا يخاطب ربّه: "سُبْحَانَكَ، أيّ عَيْنٍ تَقُومُ نُصْبَ بَهَاءِ نُورِكَ؟ وتَرْقَى إلى نُورِ ضِيآءِ قُدْرَتِكَ؟ وأيّ فَهْمٍ يَفْهَمُ مَا دُونَ ذَلِكَ إِلَّا أبْصَارٌ كَشَفْتَ عَنْهَا الأغْطِيَةَ؛ وهَتْكْتَ عَنْهَا الْحُجُبَ الْعَمِيَّةَ؛ وفَرَّقْتَ أرْوَاحَهَا إلى أطْرَافِ أجْنِحَةِ الأرْوَاحِ فَنَاجَوْكَ في أرْكَانِكَ، ووَلَجُوا بَيْنَ أنْوَارِ بَهَائِكَ، ونَظَرُوا مِنْ مُرْتَقَى التُّرْبَةَ إلى مُسْتَوَى كِبْرِيَائِكَ، فَسَمَّاهُمْ أهْلُ الْمَلَكُوتِ زُوّاراً، ودَعَاهُمْ أهْلُ الْجَبَرُوتِ عُمَّاراً" (الخطبة).[3]
يلاحظ هنا أنه يقول بصراحة: أنّ تلك الأبصار التي كشفت عنها الاغطية تستطيع أن تنظر إلى بهاء نور عظمتك، وضياء قدرتك؛ وهذا لا يكون إلّا بفناء الصفة في صفات الله وأسمائه. لأنه ما لم يتحقّق مقام الفناء في صفة الإبصار، فإنّ رؤية نور الواحد الأحد محال؛ وعند الفناء، لا يكون هناك شيء آخر يحيط به ويكتنفه غير الله؛ فهو وحسب؛ وهو الذي يرى نفسه.
ومن الروايات الدالّة على فناء الصفة، رواية نقلها الصدوق في «التوحيد» عن هِشام في حديث الزنديق الذي سأل الإمام الصادق عليه السلام عن نزول الله تعالى إلى السماء الدنيا؛ فقال في جوابه: "لَيْسَ كَنُزُولِ جِسْمٍ عَنْ جِسْمٍ إلى جِسْمٍ. وواصل كلامه إلى أن قال: ولَكِنَّهُ يَنْزِلُ إلى سَمَاءِ الدُّنْيَا بِغَيْرِ مُعَانَاةٍ ولَا حَرَكَةٍ فَيَكُونَ هُوَ كَما في السَّمَاءِ السَّابِعَةِ على الْعَرْشِ كَذَلِكَ في سَمَاءِ الدُّنْيَا".
وأضاف هنا عليه السلام قائلًا: "إِنَّمَا يَكْشِفُ عَنْ عَظَمَتِهِ، ويرى أوْلِيَآءَهُ نَفْسَهُ حَيْثُ شَاء؛ ويَكْشِفُ مَا شَاءَ مِنْ قُدْرَتِهِ؛ ومَنْظَرُهُ بِالْقُرْبِ والْبُعْدِ سَوَاءٌ".[4]
أنّ كشف نفسه لأوليآئه ليس إلّا الفناء الوصفيّ، أي: الفناء في عالم البصر، وفي عالم علم الله وبصيرته؛ لأنّ رؤية الله تعالى تستحيل مع البقاء وعدم حصول الفناء الممكن، وذلك لأنّ معناه إحاطة المحدود بغير المحدود؛ وأمّا في الفناء، فليس شيء غير ذاته المقدّسة وهو البصير؛ ولذلك فهو يذكّر بأن هذا الكشف إنّما هو لأوليآئه الذين رفعوا عنهم كلّ حجاب وكشفوا كلّ غطاء.
ونقل المرحوم ابن فهد في «عُدَّة الداعي» عن وَهَب بن منبه فيما أوْحَي اللهُ إلى دَاوُدَ: يَا دَاوُدُ! ذِكْرِي لِلذَّاكرِينَ؛ وجَنَّتي لِلمُطيعينَ؛ وحُبِّي لِلمُشْتَاقِينَ؛ وأنَا خَاصَّةٌ لِلْمُحِبِّينَ.[5]
[1] روى الكلينيّ هذا الحديث بسندين متّصلين. «اصول الكافي» ج 2، ص 352، عن الطبعة الحيدريّة.
[2] الآية 31، من السورة 3: آل عمران.
[3] الشعر للمغربيّ؛ ويقول الشاعر هنا:
لمّا أشرق نور جمال الحبيب على قلبي، رأت عين قلبي الحسن في كمال الحبيب.
[4] «بحار الأنوار» كتاب الاحتجاج، الطبعة الكمباني، ج 4، ص 137. وقد نقل المجلسيّ هذه الجملات عن بعض نسخ «التوحيد» للصدوق.
[5] «عدّة الداعي» ص 186.
الاكثر قراءة في التوحيد
اخر الاخبار
اخبار العتبة العباسية المقدسة