الولاية للّه ذاتيّة ولغيره عَرَضيّة
المؤلف:
السيّد محمّد الحسين الحسينيّ الطهرانيّ
المصدر:
معرفة الإمام
الجزء والصفحة:
ج5/ص111-115
2025-12-20
22
إنّ وَلاية الله من الصفات والأسماء من لوازم ذاته؛ وهي ولاية بالاصالة والحقيقة؛ بَيدَ أنّ الولاية الإلهيّة الكلّيّة والعامّة والمطلقة لرسول الله والأئمّة الطاهرين سلام الله عليهم تَبَعيّة وعَرَضيّة؛ ومرآتيّة وآيتيّة، وهي من الله، وقد تجلّت في هذه المرايا المتلالئة والآيات المتألّقة.
وما لم تكن الولاية موجودة، فلن يتحقّق العالم ولن يقرّ له قرار، ولن يكون له وجود وثبات، بل هو معدوم فان.
ذلك لأنّ نزول نور الهويّة الإلهيّة في اسم الله وسائر صفات الجمال والجلال يتحقّق بواسطة انعكاس نور الذات والمرايا المختلفة؛ لكي تتحقّق الكثرة في عالم الإمكان وتتّصل الموجودات بعضها ببعض، ويرتبط الحادث بالقديم؛ وهذا الأمر محال بغير الولاية.
كما أنّ الخلق والمخلوقيّة بدون صفة الخلّاقيّة واسم الله الخلّاق محال، وكذلك المرزوق والمطعوم بدون صفة الرازقيّة والطاعميّة لله محال؛ والمعلوم بدون العلم؛ والرحمة بدون الرحمن والرحيم محال؛ وكذلك إيجاد الموجودات وتربيتها فإنّه محال بدون ولاية؛ لأنّ الإيجاد والإحياء والإماتة والتربية كلّها في ظلّ الاسم وصفة الوليّ والولاية؛ ولا إمكان لتحقّقها بدون ذلك.
الولاية قائمة في كلّ كائن وموجود وفقاً لسعة هويّته الوجوديّة وضيقها، لأنّ الولاية هي عبارة عن عدم وجود حجاب ومسافة بين الخلق والخالق؛ وإذا ما وجد الحجاب والمسافة، فالخلقة ممتنعة.
فكلّ موجود هو مع الولاية ولها اعتباراً من التبنة إلى الجبال الراسيات؛ ومن الذرّة إلى الشمس ومنظومتها؛ أي: على ارتباط بحت بالله القادر، والموجِد، والعالم، والرازق.
غاية الأمر، أنّ الموجودات الضعيفة هي تحت ولاية الموجودات القويّة؛ وهذه أيضاً تحت ولاية الموجودات التي هي أقوى؛ إلى أن تصل إلى نقطة، توجِد فيها الولاية الإلهيّة الكلّيّة والمطلقة والعامّة جميع الموجودات تحت هذه الصفة والاسم، وترزقها؛ وتميتها وتحييها؛ وتفيض عليها بالعلم، والسمع، والبصر، والقدرة.
وما يلزم خلقة كافّة الموجودات الكثيرة على اختلاف درجاتها في الوجود هو الارتباط بالولاية الكلّيّة ذات السعة والإحاطة الأكثر، والقدرة والتناهي الأوسع من جميع الجهات.
وهي التي يقال لها أوَّلُ مَا خَلَقَ اللهُ، وهي الحجاب الأقرب والمرآة التامّة للذات، وصفات الجمال والجلال لله جلّ وعلا. ومنها ينطلق عالم الكثرة من المُلك والملكوت، والعقول، والنفوس، وعالم الطبع؛ وبواسطة اتّساع الولاية في شبكات عالم الإمكان المختلفة تتقمّص الموجودات لباس الوجود تدريجاً، من الأعلى إلى الأسفل، ومن القويّ إلى الضعيف، ومن الوسيع إلى الماهيّة الضيّقة.
وأنّ أوَّلُ مَا خَلَقَ اللهُ التي مرآتها أوسع من الموجودات كلّها، يمكنها أن تعبّر عن الذات والصفات بدون نقص وبخس، وهي الولاية المطلقة والكلّيّة؛ لأنها- وفقاً للافتراض- الحجاب الأقرب، وأقرب موجود إلى ساحة الكبرياء المقدّسة من حيث القرب.
وفرقها عن ذات البأرى تعالى هو أنها عَرَضِيّة ومجازيّة، والذات المقدّسة ذاتيّة وحقيقيّة، وذلك لعدم وجود أيّ مؤثّر في عالم الوجود غير الذات الإلهيّة. فالفرق بين أوَّلِ مَا خَلَقَ، وبين الموجودات الأخرى هو أنّ سعة ذلك أكثر، لا أنّ له وجوداً من ذاته؛ لا، ليس الأمر كذلك.
أنّ الكائنات والموجودات جميعها اعتباراً من أوَّلِ ما خَلَقَ إلى آخر درجة في الماهيّات الإمكانيّة الضعيفة والوضعيّة، كلّها فقيرة ومحتاجة إلى الله؛ بل هي عين الفقر والحاجة. والروح الأمين وسائر الملائكة المقرّبين كلّهم على هذه الشاكلة أيضاً. ولا يستثنى من هذه القاعدة شيء في عالم الإمكان. وكلّ شيء في العالم هو ممكن الوجود غير ذات واجب الوجود.
أنّ أوَّلَ مَا خَلَقَ اللهُ، في الوقت الذي يتفوّق على الكائنات والموجودات جميعها إنشآءً وإعداداً وقدرة، إلّا أنه يظلّ مرآة. غير أنها مرآة أوسع وأتمّ وأدلّ. ولن تنفصل عنها صفة الآيتيّة والمرآتيّة أبداً.
إذَنْ، الولاية الإلهيّة الكلّيّة هي ولاية الله عينها. فالأصل واحد، إلّا أنّ لها أصالة في الله، وتبعيّة في الوَلِيّ. الله يدلّ على نفسه؛ والوليّ يدلّ على الله.
ومعاذ الله أن يخال أحد أنّ الولاية تتمّ بإعطاء الله والاستقلال في وجود وَليّ الله، فهذا الكلام خاطئ وهو الشرك عينه.
ومن هذا المنطلق ما جاء في الرسالة 28 من رسائل الإمام أمير المؤمنين على عليه السلام في «نهج البلاغة»، وهي رسالته التي كتبها إلى معاوية، يقول فيها: "فَإنَّا صَنَائِعُ رَبِّنَا والنَّاسُ بَعْدُ صَنَائِعُ لَنَا".[1]
يقول المجلسيّ رحمة الله عليه في الجزء الثامن من «بحار الأنوار»، ص 536، طبع كمباني: هذا كلام مشتمل على أسرار عجيبة من غرايب شأنهم التي تعجز عنها العقول. ولنتكلّم على ما يمكننا إظهاره والخوض فيه، فنقول: صَنِيعَةُ الْمَلِكِ مَنْ يَصْطَنِعُهُ ويَرْفَعُ قَدْرَهُ. ومِنْهُ قَوْلُهُ تَعَإلى:
{وَاصْطَنَعْتُكَ لِنَفْسِي} أي: اخْتَرْتُكَ وأخذْتُكَ صَنيعِتي لِتَتَصَرَّفَ عَنْ إرَادَتِي ومَحَبَّتِي.
فالمعنى أنه ليس لأحد من البشر علينا نعمة، بل الله تعالى أنعم علينا، فليس بيننا وبينه واسطة، والناس بأسرهم صنايعنا، فنحن الوسائط بينهم وبين الله سبحانه.
ويقول ابن أبي الحديد في شرح «نهج البلاغة» المطبوع في عشرين جزءاً، وذلك في ج 15 ص 194: «هذا كلام عظيم، عال على الكلام، ومعناه عال على المعاني؛ وصَنِيعَةُ الْمَلِكِ مَنْ يَصْطَنِعُهُ ويَرْفَعُ قَدْرَهُ. يقول الإمام: ليس لأحد من البشر علينا نعمة، بل الله تعالى هو الذي أنعم علينا، فليس بيننا وبينه واسطة، والناس بأسرهم صنائعنا، فنحن الواسطة بينهم وبين الله تعالى. وهذا مقام جليل ظاهره ما سمعت، وباطنه أنهم عبيد الله وأنّ الناس عبيدهم- انتهى».
ويقول الشيخ محمّد عبده في هامش ص 32: آلُ النَّبِيّ اسَرَاءُ إحْسَانِ اللهِ عَلَيْهِمْ والنَّاسُ اسَرَاءُ فَضْلِهِمْ بَعْدَ ذَلِكَ.
[1] «نهج البلاغة» ج 2، طبعة عبدة ص 32، و«الاحتجاج» للطبرسيّ، طبعة النجف ج 2 ص 260.
الاكثر قراءة في التوحيد
اخر الاخبار
اخبار العتبة العباسية المقدسة