معنى توحيد الله المتعال
المؤلف:
السيّد محمّد الحسين الحسينيّ الطهرانيّ
المصدر:
معرفة الإمام
الجزء والصفحة:
ج5/ص58-60
2025-12-17
25
إنّ الله واحد بجميع مختصّاته من الذات، والصفات، والأسماء والأفعال؛ وليست شائبة الأثنينيّة والغيريّة مشهودةً في أيّ مرتبة من هذه المراتب؛ ولا يمكن أن تكون مشهودة.
والذات المستقلّة للقيّوم بالذات، والوجود المحض البسيط الخارج عن كلّ لون من ألوان القيد والتعيّن واحد في عوالم الوجود كلّها، وذلك هو الوجود الأقدس للحقّ تبارك وتعالى.
وكلّ صفة مثل: العلم، والقدرة، والحياة، وغيرها؛ وكلّ اسم مثل: العالم، والقادر، والحي وغيرها تختصّ بالأصالة والحقيقة بذات الحقّ في العوالم جميعها؛ وأنّ ذلك العلم واحد، والقدرة واحدة، والحياة واحدة؛ وكذلك العالم، والقادر، والحيّ فإنّه واحد في كلٍّ منها أيضاً؛ وهو الذات المقدّسة للحقّ الموصوفة بهذه الصفات. فصفة العلم واحدة، واسم العالم واحد؛ وذلك لذات الحقّ المتعال.
وكلّ فعل بالأصالة والحقيقة يختصّ بالله في عوالم الوجود كلّها. كلّ موجود من الموجودات لا يمكن أن يكون له فعل بشكل مستقل؛ إلّا أن يكون ذلك الفعل بالأصالة لله؛ فالأفعال جميعها في العالم فعل واحد؛ وكلّها فعل الله.
أنّ هذه المراتب الثلاث للتوحيد: أي: التوحيد في الذات؛ والتوحيد في الأسماء والصفات، والتوحيد في الأفعال هي من خصائص الإلهيّين، وكلّهم متّفقون عليها؛ وفي ضوء هذا المبدأ، فإنّ كلّ مدرسة من مدارس الإلهيّين التي كانت أرسخ، واستطاعت أن تأتي ببرهان أقوى؛ قد أوضحت التوحيد أكثر فأكثر. ومن بين جميع الإلهيّين نجد أنّ توحيد الامّة الإسلاميّة هو الأفضل والأرسخ لانّ حامله إليها هو محمّد بن عَبْد اللهِ عليه الصلاة والسلام الذي كان قد بلغ الدرجة القصوى من التوحيد، وترك هذا الباب مفتوحاً لُامّته.
وكانت شعاراته تتجلّى في:اللهُ أكْبَرُ، وقُلْ هُوَ اللهُ أحَدٌ، ولَا إِلَهَ إِلَّا اللهُ وَحْدَهُ وَحْدَهُ، وهُوَ الأوَّلُ والآخِرُ والظَّاهِرُ والْبَاطِنُ، وهُوَ الْعليمُ وهُوَ الْحَكِيمُ وهُوَ الْحَيّ وهُوَ السَّمِيعُ وهُوَ الْبَصِيرُ والْحَمْدُ للهِ وسُبْحَانَ اللهِ وأمثالها. وهذه الشعارات صورة ناطقة تدلّ بوضوح على التوحيد الصرف الخالص لذات الحقّ المقدّسة في جميع المراتب.
لذلك فإنّ الموجودات من المُلكيّة والمَلكوتيّة، ومن النفوس القدسيّة للعوالم المجرّدة حتى الهيولي الأوّليّة ومادّة المواد لا أصالة لها؛ بل الأصالة لذاته؛ أمّا الموجودات فظلّيّة وتبعيّة ومرآتيّة؛ أي: أنها مُظهرة لوجود الله.
ولم تصدر الموجودات عن ذات الحقّ المقدّسة على نحو التولّد؛ فيكون لها استقلالها، كولادة المولود من والده؛ بل هو جلّ شأنه {لَمْ يَلِدْ}؛ وكذلك فإنّ الاصالة الملحوظة فيها هي ليست أصالتها، بل هي أصالة الحقّ؛ لأنه تعالى {لَمْ يُولَدْ}؛ إذ له وجود خالص وبسيط ووحدة بالصرافة، وله تشخّص فهو {لَمْ يَكُنْ لَهُ كُفُواً أَحَدٌ}، فَسُبْحَانَ اللهِ الْوَاحِدِ الْقَهَّارِ.
أنّ تكوين الكائنات والموجودات من العقول المجرَّدة والنفوس الكلّيّة، وصولًا إلى عالم الطبع والمادّة، كلّها لا تشكّل خروجاً عن الذات المقدّسة؛ أي: أنه تعالى لم يوجدها بإرادته الأزليّة مستقلّة، لأنّ الإيجاد الاستقلاليّ يُنأى الأحديّة والواحديّة؛ بل أنّ إيجادها على نحو ظِلّيّ وتَبَعيّ وعَرَضِيّ؛ فكلّها تمثّل ظلّ الله. ولذلك فإنّ التكوين لا يعني الإيجاد الاستقلاليّ، وأنّ المخلوق لا يعني وجوداً مستقلًّا؛ بل أنّ التكوين يعني الإيجاد الظلّيّ والعَرَضيّ والإظهار في مرآة التجلّي؛ والمخلوق يعني الوجود الظلّيّ والظهور في التجلّي؛ فالمخلوق مظهر ومَجْلَي، والتكوين ظهور وتجلّي.
الاكثر قراءة في التوحيد
اخر الاخبار
اخبار العتبة العباسية المقدسة