علم الحديث
تعريف علم الحديث وتاريخه
أقسام الحديث
الجرح والتعديل
الأصول الأربعمائة
الجوامع الحديثيّة المتقدّمة
الجوامع الحديثيّة المتأخّرة
مقالات متفرقة في علم الحديث
أحاديث وروايات مختارة
علم الرجال
تعريف علم الرجال واصوله
الحاجة إلى علم الرجال
التوثيقات الخاصة
التوثيقات العامة
مقالات متفرقة في علم الرجال
أصحاب النبي (صلى الله عليه وآله)
اصحاب الائمة من التابعين
اصحاب الائمة من علماء القرن الثاني
اصحاب الائمة من علماء القرن الثالث
علماء القرن الرابع الهجري
علماء القرن الخامس الهجري
علماء القرن السادس الهجري
علماء القرن السابع الهجري
علماء القرن الثامن الهجري
علماء القرن التاسع الهجري
علماء القرن العاشر الهجري
علماء القرن الحادي عشر الهجري
علماء القرن الثاني عشر الهجري
علماء القرن الثالث عشر الهجري
علماء القرن الرابع عشر الهجري
علماء القرن الخامس عشر الهجري
الترحّم والترضّي.
المؤلف: محمد علي صالح المعلّم.
المصدر: أصول علم الرجال بين النظريّة والتطبيق.
الجزء والصفحة: ص 491 ـ 494
2024-02-13
1158
ذكر بعضهم أنّ الترحّم والترضّي من المشايخ الأجلّاء على شخص كاشف عن حسنه ووثاقته. وقد استشكل السيّد الاستاذ قدس سره على هذه الدعوى بأمور:
1 ـ انّ الترحّم ـ وهو طلب الرحمة من الله تعالى ـ دعاء، وهو أمر مرغوب فيه ومندوب إليه كالدعاء للوالدين بخصوصهما ولجميع المؤمنين، وليس هذا مختصّا بشخص دون آخر، فلا ملازمة بينه وبين الوثاقة أو الحسن.
2 ـ انّ الامام الصادق عليه السلام قد ترحّم على كلّ من زار الامام الحسين عليه السلام، ووردت روايات كثيرة بأسانيد متعدّدة في أنّه عليه السلام طلب المغفرة لزوّار جدّه الحسين عليه السلام.
3 ـ أنّ الامام الصادق عليه السلام ترحّم على بعض الأشخاص عرفوا بالفسق كإسماعيل الحميري وغيره.
4 ـ انّ النجاشي ترحّم على بعض معاصريه من المشايخ، وهو محمد بن عبد الله بن محمد بن عبيد الله البهلول، بعد ما ذكر انّه رأى شيوخه يضعّفونه، وانّه لأجل ذلك لم يروِ عنه (1)، وقد مرّ البحث في ذلك.
وعلى هذا فلا يمكن الأخذ بهذه الدعوى.
ولكن يمكن القول إنّ المسألة فيها بحث، وخلاصته أنّ الدعاء وطلب المغفرة لشخص ما يختلف بحسب الحالات والمقامات، فتارة يدعى لشخص بالغفران، وتارة بالرحمة، وثالثة بالرضوان، وهذه الأنحاء الثلاثة من الدعوات مختلفة في نظر العرف، بل في الواقع أيضا، وأدناها مرتبة هو طلب الغفران، والأرفع منها طلب الرحمة، وإن كان طلب الرحمة بمعناه اللغوي هو طلب الستر والغفران إلّا أنّه في نظر العرف أعلى مرتبة من طلب الغفران.
ثم الأعلى من هاتين المرتبتين طلب الرضوان، فإنّه لا يقال في حقّ شخص: «رضي الله عنه» إلّا في مقام التعظيم والاكبار.
وقد فسّر قوله تعالى: {لَقَدْ رَضِيَ اللهُ عَنِ الْمُؤْمِنِينَ} بأنّ الرضوان هنا بمعنى إعطائهم الثواب، ولا يلازم ذلك الذنب، وعليه فالترضّي أعلى درجة من المرتبتين السابقتين، وهناك مرتبة أعلى من الجميع وهي قولهم: «كرّم الله وجهه» ويعبّر بها في مقام التنزيه، وقد دأب بعض العامّة على التعبير بهذا عن أمير المؤمنين عليه السلام، وعلّل ذلك بنزاهته عن السجود للأصنام، وليس الكلام في هذه المرتبة، بل في المراتب الثلاث الاولى ودلالتها.
والتحقيق في المقام أن يقال: إنّ الدعاء بطلب المغفرة لا دلالة فيه على التوثيق، ولم يقل به أحد، ومحلّ الكلام هو الترحّم والترضّي.
فأمّا الترحّم فالظاهر أنّه مورد اهتمام من العرف، فلا يترحّم على كلّ أحد وإن كان لا يفرق فيه بحسب اللغة، فكلّ شخص يمكن أن يدعى له بالرحمة.
وأمّا الترضّي فهو في اللغة بمعنى الرضا أي قبله الله وأراد ثوابه، وهو لا يطلق على كلّ أحد، فلا يقال لمن يتجاهر بالفسق مثلا: «رضي الله عنه» وإنّما يقال لمن كان في رتبة عالية من الجلالة والقداسة، كسلمان، وأبي ذرّ، والمقداد، وعمّار وأمثالهم، وعلى هذا تختلف العبائر باختلاف الحالات والمقامات.
فالمرتبة الاولى وهي طلب الغفران يفرض فيها العصيان والخطأ فيطلب الستر والتجاوز عن خطإه.
والمرتبة الثانية وهي طلب الرحمة كالأولى مع زيادة التعطّف والرقّة.
والمرتبة الثالثة وهي طلب الرضا، فالنظر فيها إلى الأعمال الصالحة فقط فيطلب الثواب والأجر عليها، فكأنّما لا يرى له خطأ أو عصيان.
وأمّا المرتبة الرابعة فمقام أعلى وهو التنزيه عن المعصية.
وقد يعبر عن حالة بلفظ اخرى عناية ومجازا.
وبناء على هذا فيمكن التفصيل بين هذه العبائر، فإذا صدر الترضّي من الامام عليه السلام فلا شكّ في دلالته على التوثيق، وكذلك الحال في صدوره من الأعلام العارفين بمداليل الألفاظ في حقّ معاصريهم، والظاهر أنّه يعدّ توثيقا، ولا سيما مع الاكثار منه، فنفس الترضّي علامة على التوثيق، والاكثار منه تأكيد له.
وعلى فرض عدم دلالته على التوثيق صراحة، فلا أقل هو كاشف عن الحسن، فأمّا ما ذكره السيّد الاستاذ قدس سره من المناقشات فالإيراد في طلب المغفرة في محلّه، وأمّا في طلب الرحمة فهو وارد بحسب اللغة لا بحسب العرف، وأمّا الترضّي فلا إشكال عليه، لا لغة ولا عرفا وكلامه قدس سره لا يشمله.
وبقيّة ما أورده السيّد الاستاذ قدس سره أخصّ من المدعى فإنّ كلامه في طلب المغفرة والرحمة، وكلامنا في الترضّي، وقلنا: إنّه كاشف عن الحسن، إن لم نقل الوثاقة، وترحّم الامام الصادق عليه السلام على زوّار الحسين عليه السلام مورد خاصّ بزوّاره عليه السلام. وقد ورد في الكافي، وكامل الزيارات بأسانيد متعدّدة، منها ما عن معاوية بن عمّار أنّه عليه السلام قال: اللهمّ اغفر لي ولإخواني زوّار قبر الحسين..(2) وهذا خارج عمّا نحن فيه.
وامّا ما ذكره من ترحّم الامام الصادق عليه السلام على السيّد الحميري فقد كفانا مؤنة الحديث عنه، ما كتب من الدراسات الخاصة حول هذه الشخصية الفذّة ومنها ما كتبه العلّامة السيد محمد تقي الحكيم في كتابه القيم شاعر العقيدة، ومنها ما حقّقه المرحوم العلّامة الأميني حول السيّد الحميريّ في كتابه الخالد الغدير، وإذا كان ثمّت ما يقال عنه في بدايات حياته، الا أنّه مات وهو نقي الاثواب (3).
وأمّا ما ذكره بالنسبة إلى ترحّم النجاشي على أحد المشايخ المعاصرين له مع تضعيفه إيّاه، فهو وإن كان صحيحا، إلّا أنّ الكلام في الترضّي لا في الترحّم، ولم يرد في كلام النجاشي أو غيره أنّه ضعّف شخصا ثمّ ترضّى عنه، مضافا إلى انّه قرن الترحّم بطلب المسامحة له حيث قال: رحمه الله وسامحه، ثم انّ الشخص المعني هو أحمد بن محمد بن عبد الله بن الحسن بن عبّاس (عيّاش) الجوهري (4)، وليس هو محمد بن عبد الله بن محمد بن عبيد الله بن البهلول، فوقع السهو من قلمه الشريف.
__________________
(1) معجم رجال الحديث ج 1 ص 74 الطبعة الخامسة.
(2) كامل الزيارات ص 116 الباب 40 الحديث 2 طبع النجف الاشرف.
(3) سلسلة حديث الشهر ـ الحلقة الحادية عشر شاعر العقيدة ص 141 الطبعة الاولى 1369 ه والغدير في الكتاب والسنة والأدب الجزء 2 ص 213 ـ 290 الطبعة الثالثة.
(4) رجال النجاشي ج 1 ص 225 الطبعة الاولى المحققة.