تاريخ الفيزياء
علماء الفيزياء
الفيزياء الكلاسيكية
الميكانيك
الديناميكا الحرارية
الكهربائية والمغناطيسية
الكهربائية
المغناطيسية
الكهرومغناطيسية
علم البصريات
تاريخ علم البصريات
الضوء
مواضيع عامة في علم البصريات
الصوت
الفيزياء الحديثة
النظرية النسبية
النظرية النسبية الخاصة
النظرية النسبية العامة
مواضيع عامة في النظرية النسبية
ميكانيكا الكم
الفيزياء الذرية
الفيزياء الجزيئية
الفيزياء النووية
مواضيع عامة في الفيزياء النووية
النشاط الاشعاعي
فيزياء الحالة الصلبة
الموصلات
أشباه الموصلات
العوازل
مواضيع عامة في الفيزياء الصلبة
فيزياء الجوامد
الليزر
أنواع الليزر
بعض تطبيقات الليزر
مواضيع عامة في الليزر
علم الفلك
تاريخ وعلماء علم الفلك
الثقوب السوداء
المجموعة الشمسية
الشمس
كوكب عطارد
كوكب الزهرة
كوكب الأرض
كوكب المريخ
كوكب المشتري
كوكب زحل
كوكب أورانوس
كوكب نبتون
كوكب بلوتو
القمر
كواكب ومواضيع اخرى
مواضيع عامة في علم الفلك
النجوم
البلازما
الألكترونيات
خواص المادة
الطاقة البديلة
الطاقة الشمسية
مواضيع عامة في الطاقة البديلة
المد والجزر
فيزياء الجسيمات
الفيزياء والعلوم الأخرى
الفيزياء الكيميائية
الفيزياء الرياضية
الفيزياء الحيوية
الفيزياء العامة
مواضيع عامة في الفيزياء
تجارب فيزيائية
مصطلحات وتعاريف فيزيائية
وحدات القياس الفيزيائية
طرائف الفيزياء
مواضيع اخرى
العالم المادي
المؤلف: جون جريبين
المصدر: المجرات
الجزء والصفحة: الفصل السادس (ص69 – ص81)
2023-03-04
1199
مم تتكون المجرَّات؟ الإجابة الواضحة هي أنها تتكون من النجوم الحارة الساطعة، وسُحب الغاز والغبار الباردة المظلمة. وهذه بالأساس هي نفس نوعية المادة التي تتكون منها الأرض، وتتكون منها أجسادنا؛ وأعني بهذا المادة الذرية. والذرات تتكون من نوى كثيفة، مكونة من بروتونات ونيوترونات تحيط بها سُحب من الإلكترونات، بحيث يقابل كلُّ بروتون داخل النواة إلكتروناً داخل السحابة. وداخل النجوم، تُنتزع الإلكترونات بعيدًا عن النوى كي تشكّل نوعًا من المادة يُعرف باسم البلازما؛ حيث أنها لا تزال في جوهرها نفس نوعية المادة العادية. البروتونات والنيوترونات تنتمي إلى عائلة من الجسيمات تُعرَف إجمالاً باسم الباريونات، وكثيرًا ما يُستخدم مصطلح «المادة الباريونية» من جانب الفلكيين للإشارة إلى المادة التي تتكون منها النجوم وسحب الغاز والكواكب والبشر. أما الإلكترونات فهي تنتمي إلى عائلة أخرى تُعرف باسم اللبتونات، لكن بما أن كتلة الإلكترون أقل من واحد على الألف من كتلة البروتون أو النيوترون، فإن الباريونات تهيمن من حيث الكتلة على هذا النوع من المادة المألوفة.
أحد الإنجازات الاستثنائية لعلم الكونيات الحديث هو أنه قادر على أن يخبرنا بمقدار المادة الباريونية الموجودة في الكون؛ أو بالأحرى، يخبرنا بما يجب أن يكون عليه متوسط كثافة تلك المادة على مستوى الكون. واستنادًا إلى النسبية العامة، يقيس علماء الكونيات مثل هذه الكثافات باستخدام معامل يحمل اسم الحرف اليوناني أوميجا (Ω) والذي يرتبط بالانحناء الكلي للمكان. وأيسر وسيلة لفهم هذا الأمر هو تشبيه الانحناء الثلاثي الأبعاد للمكان بالطريقة التي يمكن بها لسطح ثنائي الأبعاد أن ينحني. إن سطح الأرض مثال على سطح مغلق منحن على نفسه على سطح مغلق كهذا، إذا تحركت في الاتجاه ذاته لفترة كافية من الوقت، فسينتهي بك المطاف إلى نفس النقطة التي بدأت منها.
شكل 6-1: قد يتوافق المكان مع أحد هذه الأشكال الهندسية الثلاثة. وهي ممثلة هنا بواسطة أشكال مكافئة لها في بعدين.
أيضًا هناك مثال على السطح المفتوح، وهو شكل السرج، الذي يمكن بسطه إلى ما لا نهاية في جميع الاتجاهات. وبين هاتين الإمكانيتين تماما هناك السطح المنبسط، الشبيه بسطح مكتبي، الذي ليس به أي انحناء على الإطلاق. تخبرنا معادلات أينشتاين بأنه اعتمادًا على مقدار المادة التي يحتوي عليها المكان، فإن المكان الثلاثي الأبعاد الخاص بنا يمكن أن يكون إما مغلقًا، كما في حالة السطح الثنائي الأبعاد لكرة، وإما مفتوحًا، كسرج الحصان، وإما منبسطا، كسطح المكتب. الكون المنبسط يتوافق مع قيمة مقدارها 1 لمعامل الكثافة أوميجا، أما الكون المغلق فيتطلب كثافةً أعلى للمادة، فيما يتطلب الكون المفتوح كثافةً أقل للمادة. يقيس علماء الكونيات الكثافات كنسبة مئوية من هذا المعامل. على سبيل المثال، إذا كان مقدار المادة الباريونية في الكون نصف المقدار المطلوب كي يكون الكون منبسطا (وهو ما ليس عليه الحال)، فهنا نقول إن Ω (المادة الباريونية) = 0.5
كل المادة الباريونية الموجودة في الكون جرى تصنيعها في الانفجار العظيم من الطاقة الصافية بما يتفق والمعادلة: الطاقة تساوي الكتلة مضروبة في مربع سرعة الضوء، والتي يمكن بطبيعة الحال أن تُعاد كتابتها على نحو معكوس؛ بحيث إن الكتلة تساوي الطاقة مقسومة على مربع سرعة الضوء. إن حساب مقدار المادة الباريونية المنتجة في الانفجار العظيم عملية يسيرة للغاية، بشرط أن نكون على يقين من أن حرارة الانفجار العظيم كانت تبلغ مليار درجة على الأقل، والدليل على هذا يأتينا من هسيس الضوضاء الراديوية الضعيف الذي يمكن رصده قادمًا من كل الاتجاهات من الفضاء. فهذه الخلفية من الضوضاء الراديوية تُفسّر بوصفها الإشعاع المتخلف عن الكرة النارية للانفجار العظيم ذاته، وقد أزيحت إزاحة حمراء بمعامل قدره ألف، بحيث باتت تظهر الآن على صورة إشعاع ميكروي ذي درجة حرارة قدرها 2.7 درجة فوق الصفر المطلق (2.7 درجة كلفينية)، ومن هذه المشاهدات يمكننا العودة بالزمن إلى الوراء لحساب الحرارة التي كان عليها الكون في أي زمن في الماضي، حين كان أصغر حجمًا ومن ثم أقل من حيث الإزاحة الحمراء. فبعد مرور ثانية واحدة على مولد الزمن، كانت درجة الحرارة 10 مليارات درجة كلفينية، وبعد مائة ثانية من البداية كانت تبلغ مليار درجة كلفينية، وبعد ساعة واحدة قلت الحرارة إلى 170 مليون درجة كلفينية. وعلى سبيل المقارنة تبلغ درجة الحرارة في قلب الشمس نحو 15 مليون درجة مئوية.
في مثل هذه الظروف تكون المادة في حالة بلازما، كما الحال داخل الشمس، ويتقاذف الإشعاع بين الجسيمات المشحونة كهربيًّا وإشعاع الخلفية الميكروي نفسه يأتينا من زمن تلا بداية الكون بنحو 300 ألف عام، حين كان الكون قد برد لبضعة آلاف درجة كلفينية، بما يساوي تقريبًا حرارة سطح الشمس اليوم. بعد ذلك، ارتبطت الإلكترونات السالبة الشحنة بالبروتونات الموجبة الشحنة داخل الذرات المتعادلة الشحنة وصار بإمكان الإشعاع التدفق عبر الفضاء، تماما مثلما يتدفق من سطح الشمس.
إن الظروف في المراحل اللاحقة لهذه الكرة النارية الكونية مشابهة للغاية للظروف داخل القنابل النووية المنفجرة، والتي خضعت للدراسة على كوكب الأرض. وقد تمكن علماء الكونيات، متسلحين بفهمهم للكيفية التي تعمل بها الانفجارات النووية، من حساب أن الخليط الباريوني الذي ظهر من الانفجار العظيم كان يتكون في نحو 75 بالمائة منه من الهيدروجين و25 بالمائة من الهليوم، مع آثار طفيفة من الليثيوم. لكن من الطريقة التي تتفاعل بها الجسيمات الباريونية مع الضوء تحت الظروف المتطرفة ومن قياسات إشعاع الخلفية الكوني، يستطيع علماء الكونيات أيضًا حساب أن المقدار الإجمالي للمادة الباريونية المنتجة في الانفجار العظيم، والموجود في الكون؛ يبلغ فقط 4 بالمائة من الكثافة التي يتطلبها الكون المنبسط. بعبارة أخرى: Ω (المادة الباريونية) = 0.04
الخطوة البديهية التالية هي مقارنة هذا التنبؤ لمقدار المادة الباريونية الموجود في الكون بالمقدار الذي يمكننا رؤيته في المجرَّات والنجوم الساطعة، وهذه عملية حسابية تقريبية مبنية على فهمنا لسطوع النجوم وكتلها وعلى عدد النجوم الموجودة في المجرات؛ حيث أنها تشير إلى أن نحو خُمس المادة الباريونية - أي أقل من واحد بالمائة من المقدار الإجمالي للمادة المطلوبة كي يكون الكون منبسطا - موجود في المادة الساطعة، بينما الأربعة أخماس الأخرى موجودة في سحب الغاز والغبار الموجودة بين النجوم، أو ربما على صورة نجوم ميتة مُنطَفِئة، وبعض هذا موجود على صورة نوع من الضباب الشفاف من الهيدروجين والهليوم يحيط بالمجرات مثل مجرتنا. ومع ذلك، كما ذكرت من قبل، فنحن نعلم من الكيفية التي تدور بها المجرات حول نفسها، ومن الكيفية التي تتحرك بها عبر الفضاء، أنها واقعة تحت هيمنة مقدار من المادة أعظم كثيرا من هذا. وهذه المادة يمكن فقط أن تكون مادةً مظلمة باردة غير باريونية من نوع ما تتألف من جسيم أو جسيمات لم يسبق أن جرى اكتشافها في أي تجربة على الأرض من قبل قطُّ. يُطلق على هذه المادة اسم: «المادة المظلمة الباردة»، ويُعَدُّ رصد هذه المادة أحد المهام الأكثر إلحاحا أمام فيزيائيي الجسيمات اليوم.
تأتينا الأدلة على وجود المادة المظلمة الباردة من الكيفية التي تتحرك بها المجرات؛ كيفية دورانها حول نفسها وكيفية تحرُّكها عبر الفضاء. من الممكن قياس دوران أي مجرة قرصية باستخدام تأثير دوبلر المألوف، الذي يبين الكيفية التي تتحرك بها النجوم الموجودة على الجانب الآخر من المجرَّة مقتربةٌ منَّا مع دوران المجرة، بينما النجوم الموجودة على الجانب الآخر تتحرك مبتعدة عنا، وهذا يصلح فقط في حالة المجرات التي ترى من جهة الحافة تقريبًا، لكنَّ هناك عددًا وفيرًا من هذه المجرات للدراسة. إن تأثير دوبلر يزيد الإزاحة الحمراء على أحد جانبي القرص، بينما يقلّلها على الجانب الآخر؛ وبذا يبين قياس الإزاحة الحمراء في مواضع مختلفة على امتداد القرص الكيفية التي تتحرك بها النجوم حول مركز المجرّة. النقطة الحاسمة هنا هي أنه خارج النواة المركزية للمجرة القرصية، حيث تحدث أمور أخرى مثيرة للاهتمام، تكون سرعة الدوران ثابتة على طول المسافة نحو حافة القرص المرئي؛ فكل النجوم في القرص تتحرك بالسرعة عينها من حيث الكيلومتر لكل ثانية، وهذا يختلف تماما عن الكيفية التي تدور بها كواكب المجموعة الشمسية في مداراتها حول الشمس.
شكل 6-2: الخريطة الميكرونية للسماء كما صوّرها مسبار ويلكينسون لقياس تباين الأشعة الكونية.
الكواكب أجرام صغيرة تدور حول كتلة مركزية ضخمة، وتهيمن جاذبية الشمس على حركتها؛ ولهذا السبب فإن السرعة التي تتحرك بها الكواكب بالكيلومتر لكل ثانية، تتناسب عكسيًّا مع مربع المسافة بينها وبين مركز المجموعة الشمسية. يبعد المشتري عن الشمس مسافة أكبر من تلك التي يبعدها كوكب الأرض عنها؛ ومن ثُمَّ فهو يتحرك على نحو أبطأ من كوكب الأرض، كما أن مداره حول الشمس أكبر. لكن جميع النجوم في قرص أي مجرّة تتحرك بالسرعة عينها. لا تزال النجوم البعيدة عن المركز لها مدارات أكبر؛ ومن ثَمَّ فهي لا تزال تستغرق وقتًا أكبر كي تتم دورة كاملة حول المجرة؛ حيث أن النجوم كلها تتحرك بالسرعة المدارية عينها عبر الفضاء.
وهذا تحديدا هو نمط السلوك المتوافق مع الحركة المدارية لأجسام خفيفة نسبيا مطمورة داخل مقدار أكبر من المادة الممارسة لقوة الجاذبية؛ مثل حبات الزبيب التي تدور داخل رغيف من خبز الزبيب والنتيجة الطبيعية هي أن المجرات القرصية، بما فيها مجرة درب التبانة، تدور داخل سُحب أكبر بكثير، أو هالات، من مادة مظلمة غير مرئية. إنها مادة منتشرة من نوع ما؛ لذا لا بد أن تكون على صورة جسيمات أشبه بجسيمات الغاز التي لها كتلة وتؤثر على المادة المعتادة تأثيرًا جذبيًّا، لكنها لا تتفاعل مع المادة المعتادة بأي طريقة أخرى على سبيل المثال، من خلال الكهرومغناطيسية) وإلا كُنَّا قد لاحظناها في هذه الصورة، تكون جسيمات المادة المظلمة الباردة موجودة في كل مكان، بما في ذلك المكان الذي تقرأ فيه هذه الكلمات، وهي تمر باستمرار عبر جسدك دون أن تؤثر فيه. فهناك آلاف، وربما عشرات الآلاف من جسيمات المادة المظلمة الباردة في كل متر مكعب من كل شيء، وأيضًا في كل متر مكعب من «العدم»، وهو ذلك المسمى الذي يُطلق على الفضاء الخاوي.
شكل 6-3: تمثيل تخطيطي لـ «منحنى الدوران التقليدي الذي يُرَى في أي مجرة قرصية.
أيضًا تكشف المادة المظلمة الباردة عن وجودها من خلال تأثيرها على العناقيد المجريَّة، ومن الممكن استخدام إزاحة دوبلر التي لا تُقدر بثمن كي نعرف الطريقة التي تتحرك بها المجرَّات المنفردة داخل العناقيد المجرِّيَّة نسبةً إلى مركز العنقود، ونطاق السرعات الخاص بكل المجرات داخل أي عنقود إن العناقيد المجرية توجد فقط بفضل الجاذبية التي تحافظ على تماسكها، ودون الجاذبية كان من شأن تمدد الكون أن يسحب المجرات بعضها بعيدًا عن بعض وينشرها عبر الفضاء، لكنَّ هناك حدودًا لمقدار تأثير قيد الجاذبية هذا. فإذا ألقيت كرةً في الهواء، فستعاود الكرة السقوط إلى الأرض؛ لأن الجاذبية تسحبها لأسفل، لكن إذا تمكَّنْتَ من إلقاء الكرة بقوة كافية فستفلت من كوكب الأرض تمامًا وتواصل طريقها عبر الفضاء. يُطلَق على الحد الأدنى من السرعة الرأسية المطلوب لعمل ذلك اسم: سرعة الإفلات، وهي تعتمد فقط على كتلة الجسم الذي تحاول الإفلات منه ومدى بعدك عن مركز الكتلة. على سطح الأرض تبلغ سرعة الإفلات 11.2 كيلومترًا في الثانية، وإذا جمعت الكتل الخاصة بكل المجرَّات الموجودة داخل العنقود المجري، والتي يُستدَلُّ عليها من واقع سطوعها - مع تضمين هامش ملائم لهالات المادة المظلمة الخاصة بها - يمكننا حساب سرعة الإفلات من العنقود المجري. ويتضح لنا أنه كي يحافظ العنقود على قبضته الجذبية على المجرَّات الموجودة به، فلا بد من أن يكون هناك المزيد من المادة المظلمة في «الفضاء الخاوي» الموجود بين المجرات، إضافة إلى المادة المظلمة الموجودة في الهالات الخاصة بالمجرَّات المنفردة؛ فالكون كله مملوء بضباب غير مرئي من المادة المظلمة الباردة.
بوضع كل هذه الأدلة معًا من الممكن أن نحسب أن هناك من المادة المظلمة الباردة في الكون ما يساوي ستة أضعاف المادة الباريونية. بعبارة أخرى: Ω (المادة المظلمة الباردة) = 0.23. وبإضافة هذا الرقم إلى المقدار المعروف للمادة الباريونية في الكون نجد أن 27 بالمائة من مقدار المادة المطلوب لجعل الكون منبسطا قد تمَّ الوفاء به؛ أي إن Ω (المادة) = 0.27
كان من الممكن أن يسبب هذا إحراجًا لعلماء الكونيات؛ لأنه وقت تنقيح هذه الحسابات حتى مستوى الدقة الذي أوردته هنا، في حدود نهاية القرن العشرين، كانت هناك أدلة أخرى على أن الكون منبسط بالفعل. وقد جاءت هذه الأدلة من دراسات إشعاع الخلفية الميكروي الكوني، التي أجرتها المعدات المحمولة على المناطيد والأقمار الصناعية التي تحلق فوق طبقات الغلاف الجوي الحاجبة. وهذه المعدات تتمتع في وقتنا الحالي بدرجة عالية من الدقة؛ بحيث إنها تستطيع التقاط أي تفاوتات في حرارة الإشعاع من مكان لآخر في السماء، بحيث ترصد البقع الحارة والباردة (نسبيًّا) التي انطبعت على الإشعاع حين كان عمر الكون بضع مئات الآلاف من الأعوام. قبل أن يبرد الكون إلى النقطة التي أمكن فيها للذرات المتعادلة كهربيًّا أن تتكون كان الإشعاع والجسيمات المشحونة كهربيًّا للمادة مرتبطة معًا بطريقة ما، بحيث إن الاختلافات في كثافة المادة في الأماكن المختلفة من الكون كانت مرتبطة باختلافات في درجة حرارة الإشعاع. وبعد نحو 300 ألف عام على الانفجار العظيم، حين برد الكون إلى درجة الحرارة الحرجة، انفصل الإشعاع والمادة كلٌّ منهما عن الآخر، وتُرك الإشعاع وهو مطبوع عليه نمط من البقع الحارة والباردة تتوافق مع نمط تفاوتات الكثافة في المادة الباريونية في ذلك الوقت؛ وكأنه حفرية للتوزيع الواسع النطاق للباريونات عند وقت الانفصال. ولأن الضوء يتحرك بسرعة محدودة، ففي خلال 300 ألف عام لا يمكنه أن يقطع أكثر من 300 ألف سنة ضوئية؛ لذا في الوقت المنقضي بين الانفجار العظيم وبين الانفصال كانت أكبر مناطق الكون التي أمكنها أن تتسم بأي مقدار من التجانس الداخلي قد نمت بحيث بلغ حجمها 300 ألف سنة ضوئية عرضًا، وهذا يعني أن أكبر الرقع المتجانسة التي يمكن رؤيتها في خريطة إشعاع الخلفية في السماء، تتوافق مع الرقع الكونية التي كان حجمها 300 ألف سنة ضوئية عرضًا عند وقت الانفصال.
شكل 6-4: طيف إشعاع الخلفية الكوني المقيس بواسطة القمر الصناعي «مستكشف الخلفية الكونية».
ومنذ ذلك الوقت تدفّق الإشعاع عبر الفضاء دون أن يتفاعل مباشرةً. مع المادة؛ حيث أنه تأثر بانحناء المكان. نحن نعلم أن الأجرام الضخمة كالشمس تحني الضوء المار قرب حافتها، وهذا مشابه للغاية للكيفية التي تحني بها العدسة أشعة الضوء؛ يمكنها أن تجعل صور الأجسام البعيدة تبدو أكبر من حقيقتها (كما الحال عند النظر عبر التليسكوب)، أو أصغر (كما الحال عند النظر من الطرف الآخر للتليسكوب)، ويستطيع الزمكان المنحني عمل الشيء ذاته، اعتمادًا على طبيعة الانحناء. وباستخدام النسبية العامة يكون من الممكن حساب مقدار الكبر الذي ينبغي أن تكون عليه أكبر البقع المتجانسة في إشعاع الخلفية في نظر معداتنا اليوم، لو أن مساحتها كانت تبلغ 300 ألف سنة ضوئية عرضًا وقت الانفصال. يعتمد الحجم المرصود على الانحناء الفعلي، لكن لو كان الكون مفتوحًا فمن المفترض أن نرى تضخيمًا، وإذا كان مغلقا فمن المفترض أن نرى بقعا أصغر حجمًا، أما لو كان منبسطا، فينبغي ألا يكون هناك أي تأثير. وتبين القياسات أن الكون منبسط بشكل مؤكِّد تقريبًا، لكنه قد يكون منغلقا بدرجة بسيطة. بعبارة أخرى: Ω = 1.
لكننا، مع ذلك، نعرف أن المقدار الإجمالي للمادة في الكون يقلُّ عن ثلث المقدار المطلوب كي يكون الكون منبسطا. كان من الممكن أن يكون هذا الأمر مصدر إحراج كبير، لكن في الوقت الذي بدأ فيه قلق علماء الكونيات بشأن هذا اللغز، بينت الدراسات الخاصة بالمستعرات العظمى أن تمدُّدَ الكون آخذ في التسارع، والمقدار الذي يتسارع به تمدد الكون يتطلب وجود ثابت كوني - الطاقة المظلمة المعروفة باسم لامدا (Ʌ) - ذي قوة معينة، وهذا يتوافق مع كثافة كتلة تكافئ 73 بالمائة من كثافة الكتلة المطلوبة لجعل الكون منبسطا. بعبارة أخرى: (Ʌ) Ω = 0.73، وكان هذا هو المطلوب بالضبط. لم يَعُدِ اكتشاف أن Ω (المادة) = 0.27 مصدرًا للإحراج، بل تحول إلى انتصار. وعند وضع كل شيء في الاعتبار، سيكون لدينا معادلة بسيطة للغاية، وحقيقية جدا، وهي:
كان السيد ميكوبر (من رواية ديفيد كوبرفيلد سيقول عن هذا: «النتيجة السعادة. ولأسباب بديهية، تُعرف هذه الحزمة كلها باسم «علم كونيات المادة والطاقة المظلمة»، وهو أحد الانتصارات العظيمة للعلم.
المرحلة التالية في تطوير فهمنا للكون - وهو الأمر الذي لا يزال لم يكتمل بعد – هي تفسير أصل نوعية المجرات التي نراها في الكون في إطار علم كونيات المادة والطاقة المظلمة. لكن قبل أن نتمكن من عمل هذا نحتاج إلى إحصاء محتويات العالم المادي - أي الأنواع المختلفة من المجرَّات التي علينا تفسير منشئها - نظرًا لأن هذه المجرات للأسف، لا تنقسم على نحو تام إلى مجرَّات قرصية وأخرى بيضاوية.
الأجزاء المرئية للمجرَّات الحلزونية كمجرة درب التبانة تشكل البنية الكلاسيكية ذات الجزأين الخاصة بالقرص والانتفاخ النووي المركزي، مع أنه في بعض الحالات يكون الانتفاخ صغيرًا للغاية. الأذرع الحلزونية خصائص القرص الأكثر وضوحًا للعين، لكن الكمية الضخمة من الغبار والغاز تماثلها في الأهمية؛ لأنها تمثل المادة الخام لتكون النجوم الفتِيَّة الحارة بالقرص والمعروفة باسم: «نجوم التصنيف 1». أما النجوم الموجودة داخل الانتفاخ المركزي وفي العناقيد الكروية حول أي مجرة قرصية، فهي النجوم الأقدم المعروفة باسم: «نجوم التصنيف 2». قد تمتلك المجرات الحلزونية قضبانًا مركزية، وقد لا تمتلك، وقد تكون هذه القضبان ملمحًا مؤقتًا يظهر لدى كل المجرات الحلزونية في وقت ما من تطورها. المجرَّات الأشد سطوعًا هي مجرات حلزونية، ومن المتفق عليه الآن أن كل المجرات القرصية بها ثقوب سوداء في قلوبها، كذلك الثقب الموجود في مركز مجرة درب التبانة. وقد تحتوي أكبر المجرات الحلزونية على ما يصل إلى 500 مليون نجم.
المجرات القرصية العديمة الأذرع الحلزونية (التي تُعرف أحيانًا، لأسباب تاريخية، بالمجرات العدسية) لا تزال تملك بنية القرص والانتفاخ الأساسية، لكنها تفتقد سُحْبَ الغبار. وهذه المجرَّات تتألف في أغلبها من نجوم التصنيف 2، ونستنتج من هذا أنها استهلكت كل المادة المكونة للنجوم واستقرت في مرحلة كهولة هادئة. والمجرات العدسية البعيدة التي تُرى من زوايا مختلفة يمكن بالكاد التمييز بينها وبين المجرات البيضاوية، لكن لو أمكن قياس دورانها من خلال تأثير دوبلر فسيكون هذا مؤشرًا أكيدًا على طبيعتها الحقيقية كمجرات عدسية.
المجرات البيضاوية لا تدور حول نفسها ككل، وإنما تدور نجوم منفردة فيها حول مركز المجرَّة. في المجرَّات البيضاوية القريبة التي يمكن دراستها تفصيلا يكون من الممكن تبين تيارات من النجوم تسير في مدارات مختلفة صوب اتجاهات مختلفة، على غرار تيارات النجوم الموجودة في مجرة درب التبانة ولكن بحجم أكبر. وهذا التنوع من تيارات النجوم ذات الاتجاهات المختلفة هو ما يعطي المجرات البيضاوية شكلها الإجمالي الذي هو - تحديدًا - أشبه بالكرة الممطوطة أو المنضغطة. تهيمن على هذه المجرات (نجوم التصنيف 2) القديمة، وهي من الظاهر تبدو شبيهة بانتفاخ المجرة القرصية لكن دون قرص. بعض المجرّات البيضاوية على الأقل تحوي غبارا، عادة في الحلقات الموجودة حول مركز المجرَّة، لكن لا تحدث في هذه الحلقات عملية تكون النجوم بصورة كبيرة في الوقت الحاضر. ومع أن أشد المجرَّات سطوعًا هي المجرات الحلزونية، فإن أكبر المجرَّات حجمًا هي المجرَّات البيضاوية العملاقة التي تحوي أكثر من تريليون نجم، ويبلغ عرضها مئات من الكيلو فرسخ الفلكي. لكن أصغر المجرَّات في الكون أيضًا يبدو أنها مجرات بيضاوية، وتحوي فقط بضعة ملايين من النجوم، وعادةً ما يكون عرضُها كيلو فرسخًا فلكيًّا واحدًا أو نحو ذلك، وأصغر هذه المجرَّات القزمة تناهز أكبر العناقيد النجمية الكروية في الحجم، وهو ما يُعَدُّ دليلا على الأرجح على أصل العناقيد الكروية. ولا يمكننا رؤية مثل هذه المجرَّات البالغة الصغر إلا في المناطق القريبة منا؛ حيث إن نصف المجرَّات العشرين أو نحو ذلك القريبة منا هي مجرات بيضاوية قزمة ومن المرجح بشدة أن تكون أغلب المجرَّات في الكون مجرَّات قزمة كهذه، لكننا نعجز عن رؤيتها بسبب وقوعها على مسافات عظيمة.