تاريخ الفيزياء
علماء الفيزياء
الفيزياء الكلاسيكية
الميكانيك
الديناميكا الحرارية
الكهربائية والمغناطيسية
الكهربائية
المغناطيسية
الكهرومغناطيسية
علم البصريات
تاريخ علم البصريات
الضوء
مواضيع عامة في علم البصريات
الصوت
الفيزياء الحديثة
النظرية النسبية
النظرية النسبية الخاصة
النظرية النسبية العامة
مواضيع عامة في النظرية النسبية
ميكانيكا الكم
الفيزياء الذرية
الفيزياء الجزيئية
الفيزياء النووية
مواضيع عامة في الفيزياء النووية
النشاط الاشعاعي
فيزياء الحالة الصلبة
الموصلات
أشباه الموصلات
العوازل
مواضيع عامة في الفيزياء الصلبة
فيزياء الجوامد
الليزر
أنواع الليزر
بعض تطبيقات الليزر
مواضيع عامة في الليزر
علم الفلك
تاريخ وعلماء علم الفلك
الثقوب السوداء
المجموعة الشمسية
الشمس
كوكب عطارد
كوكب الزهرة
كوكب الأرض
كوكب المريخ
كوكب المشتري
كوكب زحل
كوكب أورانوس
كوكب نبتون
كوكب بلوتو
القمر
كواكب ومواضيع اخرى
مواضيع عامة في علم الفلك
النجوم
البلازما
الألكترونيات
خواص المادة
الطاقة البديلة
الطاقة الشمسية
مواضيع عامة في الطاقة البديلة
المد والجزر
فيزياء الجسيمات
الفيزياء والعلوم الأخرى
الفيزياء الكيميائية
الفيزياء الرياضية
الفيزياء الحيوية
الفيزياء العامة
مواضيع عامة في الفيزياء
تجارب فيزيائية
مصطلحات وتعاريف فيزيائية
وحدات القياس الفيزيائية
طرائف الفيزياء
مواضيع اخرى
نشأة علم فلك الأشعة السينية
المؤلف: والتر لوين ووارن جولدستين
المصدر: في حب الفيزياء
الجزء والصفحة: ص215–221
2024-01-16
1210
الآن بإمكانك فهم السبب وراء اقتراح برونو روسي في عام 1959، حين خطرت له فكرة الذهاب إلى الفضاء الخارجي للبحث عن الأشعة السينية، استخدام صاروخ قادر على الخروج من الغلاف الجوي للأرض تمامًا. لكن فكرته للبحث عن الاشعة السينية كانت جامحة؛ إذ لم تكن توجد أية أسباب نظرية سليمة للاعتقاد بانبعاث أي أشعة سينية من مصادر خارج المجموعة الشمسية. لكن هكذا كان روسي وقد أقنع مارتن أنيس طالبه سابقا ومؤسس شركة «أمريكان ساينس آند إنجنيرينج»، بالإضافة إلى أحد أفراد طاقمه ريكاردو جاكوني بأن الفكرة جديرة بالتنفيذ.
هكذا، صمم جاكوني وزميله فرانك باوليني أنابيب جايجر مولر خاصة، بإمكانها رصد الأشعة السينية ويمكن تركيبها في المقدمة المخروطية لصاروخ في الواقع، وضعوا ثلاثة من هذه الأنابيب في صاروخ وقد أطلقوا عليها كواشف مساحات شاسعة، لكن المساحة الشاسعة في تلك الأيام كانت تعني حجم بطاقة الائتمان وراح المسؤولون في شركة «أمريكان ساينس آند إنجنيرينج» يبحثون عن تمويل لدعم تلك التجربة ماديا، إلا أن ناسا رفضت مشروعهم.
عدل جاكوني في مقترح المشروع بوضع القمر كهدف، ثم سلمه لمختبرات كمبريدج للأبحاث التابعة للقوات الجوية. وكانت الحجة التي بني عليها المقترح أن الأشعة السينية الشمسية يفترض أن تنتج ما يُعرف بانبعاث الفلورسنت من سطح القمر، مما يسهل تحليل سطح القمر كيميائيا. كما توقعوا انبعاث أشعة انكباح من سطح القمر بفضل الإلكترونات التي تحتوي عليها الرياح الشمسية وبالنظر إلى قرب مسافة القمر إلى الأرض، يمكن رصد الأشعة السينية. وقد كانت تلك حركة ذكية، وذلك لأن شركة «أمريكان ساينس آند إنجينيرينج» حصلت بالفعل على دعم لمشروعات أخرى كثيرة من القوات الجوية بعضها مشروعات سرية، وقد كانت الشركة على علم بأن الهيئة كانت مهتمة بالقمر. وعلى أية حال، هذه المرة قبل مقترح مشروعهم.
وبعد فشل إطلاق الصاروخ مرتين خلال عامي 1960 و1961، كانت المهمة المحددة للصاروخ الذي أطلق قبل دقيقة واحدة من منتصف ليلة الثامن عشر من يونيو من عام 1962 هي محاولة رصد الأشعة السينية الواردة من القمر والبحث عن مصادر الأشعة السينية خارج المجموعة الشمسية. وقد قضى الصاروخ ست دقائق على ارتفاع أعلى من 80 كيلومترًا (أعلى من 250,000 قدم)، حيث تمكنت أنابيب جايجر مولر من رصد أشعة سينية يتراوح مدى طاقتها ما بين 1.5 وستة آلاف إلكترون فولت دون تداخل مع الغلاف الجوي للأرض. هكذا كانت طريقة مراقبة الفضاء بالصواريخ في ذلك الزمن؛ حيث ترسل صواريخ خارج الغلاف الجوي، بحيث تمسح السماء لخمس أو ست دقائق فقط، ثم تعود أدراجها إلى الأرض.الأمر المذهل أن أنابيب جايجر مولر عثرت على أشعة سينية على الفور – لكنها لم تكن منبعثة من القمر وإنما من مكان ما خارج المجموعة الشمسية.
هل كانت أشعة سينية آتية من الفضاء العميق؟ ما السبب؟ ما من أحد يفهم هذا الاكتشاف. قبل هذه الرحلة، كان العلماء قد اكتشفوا للتو نجمًا محددًا تنبعث منه الأشعة السينية، وهو الشمس. وإذا كانت الشمس تقع على مسافة 10 سنوات ضوئية مثلا، وهي مسافة قريبة جدا بمقاييس علم الفلك، فإن المعدات التي كانت داخل الصاروخ في تلك الرحلة التاريخية كانت أقل حساسية بمليون مثل من المستوى اللازم لرصد الأشعة السينية. كانوا جميعًا على علم بذلك. ومن ثم، أيا كان موقع ذلك المصدر، فلا بد أن الأشعة السينية المنبعثة منه كانت أعلى بمقدار مليون مثل من تلك المنبعثة من الشمس على الأقل – وهذا لو أنه كان قريبا من الأرض. إلا أنه لم يُسمع قط عن أجرام فلكية تنبعث منها أشعة سينية بمقدار أعلى بمليون أو مليار مرة من الشمس على الأقل. كما أن الفيزياء كانت تفتقر إلى تفسير لوصف مثل هذا الجرم. بعبارة أخرى كانت تلك بمثابة ظاهرة جديدة في السماء.وهكذا، ولد مجال علمي جديد في الثامن عشر والتاسع عشر من يونيو من عام 1962، مجال علم فلك الأشعة السينية.
هنا، شرع علماء الفيزياء الفلكية يرسلون صواريخ كثيرة مزودة بكواشف لتحديد موقع مصدر الأشعة السينية بدقة واكتشاف ما إذا كانت هناك مصادر أخرى. وبالنظر إلى أن هناك دائما عامل شك في قياس مواقع الأجرام السماوية، يتحدث علماء الفلك عن «مربع خطأ»، وهو عبارة عن مربع تصوري في قبة السماء تقاس أضلاعه بالدرجات، أو الدقيقة أو الثانية القوسية. ومن ثم يوسّع العلماء نطاق هذا المربع بحيث تبلغ احتمالية وقوع الجرم السماوي داخل ذلك المربع 90 في المائة. وعلماء الفلك مولعون بمربعات الخطأ وذلك لأسباب واضحة فكلما صغر حجم المربع، كان موقع الجرم السماوي أدق وهذا أمر بالغ الأهمية في علم فلك الأشعة السينية، بحيث كلما كان مربع الخطأ أصغر، زادت احتمالات القدرة على إيجاد النظير البصري لمصدر الأشعة السينية. ومن ثم، تصغير المربع لأقصى درجة ممكنة هو إنجاز مهم.
يكتب آندي لورانس، الأستاذ بجامعة إدينبرغ مدونة في علم الفلك تحت اسم «The Astronomer» التي نشر عليها ذكريات عمله على أطروحته، التي كانت تدرس مئات مخططات من لمواقع مصادر الأشعة السينية في الكون، فكتب يقول: «ذات ليلة حلمتُ أنني مربع خطأ، ولم أستطع إيجاد مصدر الأشعة السينية الذي كان من المفترض أن أشمله. فاستيقظتُ والعرق يتصبب مني». لا بد أنك تعرف السبب.
كان حجم مربع الخطأ لمصدر الأشعة السينية الذي اكتشفه كل من ريكاردو جاكوني، وهرب جورسكي، وفرانك باوليني، وبرونو روسي حوالي 10 درجات × 10 درجات، أو 100 درجة مربعة. والآن، ضع نصب عينيك أن الشمس تقع في الجهة الأخرى على بعد نصف درجة. وقد انطوى عامل الشك في تحديد مصدر الأشعة السينية على مربع خطأ مساحته تعادل مساحة الشمس 500 مرة؛ وقد تضمن مربع الخطأ هذا أجزاء من كوكبتي العقرب وكوكبة مسطرة النقاش وجزءا بسيطا من كوكبة المجمرة. ومن ثم من الواضح أنهم كانوا عاجزين عن تحديد في أي من تلك الكوكبات يقع مصدر الأشعة السينية.
وفي أبريل من عام 1963، أجرى فريق هربرت فريدمان في مختبر أبحاث البحرية الأمريكية في واشنطن العاصمة تعديلا مهما على موقع مصدر الأشعة السينية؛ لقد اكتشفوا أنه يقع في كوكبة العقرب. وهذا سبب تسمية 1–Sco X التي يُعرف بها هذا المصدر الآن؛ حيث يرمز حرف X إلى «X–rays» الأشعة السينية، ويرمز رقم 1 إلى أنه أول مصدر للأشعة السينية يُكتَشَف في كوكبة العقرب. إحدى المعلومات ذات الأهمية التاريخية، وإن لم تُذكر قط، أن 1–Sco X يقع على بعد 25 درجة من منتصف الخطأ الوارد في الورقة البحثية لجاكوني وآخرين، والتي كانت إيذانًا بنشأة علم فلك الأشعة السينية. حين اكتشف علماء الفلك مصادر جديدة للأشعة السينية في كوكبة سيجنوس (أو الطائر)، أطلق عليها 1–Cygnus X (أو 1–Cyg X اختصارا)، أو 2 Cyg X– إلى آخره؛ كما أطلق على أول مصدر اكتشف في كوكبة الجاثي (أو هرقل) اسم 1 Her وأطلق على تلك التي اكتشفت في كوكبة قنطورس Cen X–1. وهكذا على مدار ثلاثة أعوام، اكتشف أكثر من عشرة مصادر للأشعة السينية بالاستعانة بالصواريخ باستثناء مصدر واحد وهو 1–Tau X، الذي يقع في كوكبة الثور؛ إذ لم يعرف أحد ماهية ذلك المصدر، ولا الكيفية التي يطلق بها الأشعة السينية بتلك الكميات الضخمة التي مكنتنا من رصدها من على بعد آلاف السنين الضوئية.
وقد كان ذلك الاستثناء سديم السرطان، وهو واحد من أكثر الأجرام السماوية غرابة. إنه جرم سماوي مميز على بعد 6000 سنة ضوئية من الأرض، وهو عبارة عن بقايا خلابة المنظر لانفجار مستعر أعظم وقع في عام 1054، سجله علماء فلك صينيون (وربما سجله الأمريكيون الأصليون في رسومهم الصورية، في شكل نجم فائق السطوع يظهر في السماء فجأة، من العدم تقريبا في كوكبة الثور يدور بعض الخلاف حول موعده المحدد، رغم زعم كثيرين أنه وقع في الرابع من يوليو). في ذلك الشهر كان ذلك الجرم السماوي هو الأشد سطوعًا في السماء بعد القمر، حتى إنه كان يظهر في وضح النهار على مدار أسابيع، فيما ظل يسطع في سماء الليل على مدار العامين اللاحقين.
لكن، ما إن تلاشت رؤيته حتى نسيه العلماء على ما يبدو حتى القرن الثامن عشر، حين وجده عالما الفلك جون بيفس وشارل مسييه، كل على حدة. في ذلك الوقت كانت بقايا المستعر الأعظم قد اتخذت شكل جسم سديمي (يشبه السحاب). وقد وضع مسيبه فهرس صورٍ فلكيًّا مهما يضم أجراما مثل المذنبات والسدم والعناقيد النجمية – وعلى رأس ذلك الفهرس سديم السرطان 1–M. في عام 1939، اكتشف العالم نيكولاس مايال من مختبر ليك في كاليفورنيا الشمالية أن 1–M هو بقايا مستعر أعظم وقع في عام 1054. واليوم، بعد نحو ألف عام من الانفجار، ما زالت أشياء عجيبة تحدث داخل سديم السرطان حتى إن بعض علماء الفلك يُكرسون حياتهم المهنية بالكامل لدراسته.
علم فريق هيرب فريدمان أن القمر كان سيمر أمام سديم السرطان مباشرة في السابع من يوليو من عام 1964، خافيًا إياه عن الرؤية. ويستخدم علماء الفلك مصطلح «الحجب» للتعبير عن إخفاء الرؤية. أي أن القمر كان سيحجب سديم السرطان عن الرؤية. كان فريدمان يريد التأكد من أن سديم السرطان هو مصدر انبعاث الأشعة السينية، بالإضافة إلى أمله في إثبات شيء آخر – شيء أهم كثيرا.
وفي عام 1964، جدد علماء الفلك اهتمامهم بنوع من الأجرام النجمية التي افترض وجودها للمرة الأولى في ثلاثينيات القرن العشرين، لكنها لم تُرصد قط، وهي النجوم النيوترونية. وقد قدّر أن تلك الأجرام الغريبة، هي إحدى المراحل الأخيرة في حياة النجم، والتي ربما تنشأ أثناء انفجار المستعر الأعظم ويتشكل أغلبها من النيوترونات. وإن كان لها وجود فعلي، فإنها ستكون بالغة الكثافة حتى إن النجم النيوتروني الذي تعادل كتلته كتلة الشمس لن يتعدى نصف قطره عشرة كيلومترات – أي إن عرضه 12 ميل، إن كان لك أن تتخيل شيئًا كهذا في عام 1934 (بعد عامين من اكتشاف النيوترونات)، استحدث فالتر بادي وفريتز زفيكي مصطلح «Supernova» أو المستعر الأعظم، وطرحًا أن النجوم النيوترونية ربما تشكلت في انفجارات المستعرات العظمى. وعليه، اعتقد فريدمان أن مصدر الأشعة السينية في سديم السرطان ربما لم يكن سوى نجم نيوتروني. ولو كان اعتقاده صحيحًا، لاختفت انبعاثات الأشعة السينية التي كان يراها على الفور عند مرور القمر أمام سديم السرطان.
قرر فريدمان أن يُطلق مجموع من الصواريخ، واحدا تلو الآخر تزامنا مع مرور القمر أمام سديم السرطان. ونظرًا لمعرفتهم موقع القمر بدقة إذ يتحرك عبر السماء، واستطاعتهم توجيه العدادات في ذلك الاتجاه تمكنوا من مراقبة تراجع في الأشعة السينية عند اختفاء سديم السرطان. وهكذا خلال ذلك الحدث الفلكي، التقطت کواشفهم بالفعل تراجعا وكانت تلك الملاحظة أول عملية رصد بصري قاطع لمصدر أشعة سينية. لقد كانت تلك النتيجة بالغة الأهمية، وذلك لأنه بمجرد نجاحنا في هذا الرصد البصري، راودنا الأمل في اكتشاف الآلية التي يعمل وفقًا لها ذلك المصدر الغامض القوي للأشعة السينية.
ومع ذلك، أصيب فريدمان بخيبة أمل؛ فبدلا من أن يختفي انبعاث الأشعة السينية فجأة بينما يمر القمر أمام سديم السرطان، راحت الأشعة السينية تختفي تدريجيا، مما يدل على أنها كانت تأتي من السديم بأكمله وليس من جرم واحد في داخله. وهذا يعني أنه لم يكتشف نجمًا نيوترونيا. ومع ذلك، يوجد نجم نيوتروني واحد مميز داخل سديم السرطان، لكنه لا يطلق أشعة سينية؛ فالنجم النيوتروني يدور حول محوره بمعدل ثلاثين دورة في الثانية. لكن قبل خمسة وأربعين عاما لم يكن لدينا في الفضاء تلسكوب أشعة سينية مداري للتصوير، لذلك كان علينا أن نكون على درجة عالية من الإبداع. (فعقب اكتشاف جوسلين بيل النجوم النباضة الراديوية في عام 1967، رصد فريق فريدمان أخيرًا نبضات الأشعة السينية – التي كانت تبلغ ثلاثين نبضة في الدقيقة – من النجم النيوتروني الواقع في سديم السرطان).
وبينما كان فريدمان يراقب حجب سديم السرطان، كان جورج كلارك (الذي صار صديقي فيما بعد) في معهد ماساتشوستس للتكنولوجيا في تكساس يستعد لرحلة ليلية بالمنطاد على ارتفاع شاهق بحثًا عن أشعة سينية من المصدر 1–Sco X. لكنه ما إن سمع عن النتائج التي توصل إليها فريدمان – إذ كانت الأخبار تنتشر بسرعة حتى بدون إنترنت. حتى غير خطته بالكامل ليقرر أن تكون الرحلة في ضوء النهار بحثًا عن أشعة سينية بطاقة تربو على 15 ألف إلكترون فولت من سديم السرطان؛ وقد وجد ما أراد البحث عنه كذلك!
يصعب التعبير بالكلمات عن مدى ما انطوى عليه كل ذلك من إثارة؛ إذ كنا نستقبل فجر عهد جديد في الاستكشاف العلمي وكنا نشعر وكأننا نزيح ستارًا يخفي وراءه كل تلك العوالم العجيبة من الكون. وفي الواقع، بإطلاق كواشفنا بعيدًا إلى كل ذلك الارتفاع، وبالسفر إلى الفضاء، وبالوصول إلى أعلى طبقات الغلاف الجوي حيث تخترق الأشعة السينية الغلاف دون أن يمتصها الهواء، كنا نزيل عن أعيننا تلك الحجب التي كانت تُغشيها منذ ميلاد التاريخ الإنساني. لقد كنا نعمل داخل نطاق طيفي جديد تماما.
كثيرًا ما يحدث ذلك في تاريخ علم الفلك. ففي كل مرة نسمع عن أجرام سماوية تطلق انبعاثات جديدة أو مختلفة، كان علينا أن نغير بعضًا من المفاهيم التي نعرفها عن النجوم، ودورات حياتها كيفية نشأتها وحياتها وأسباب موتها)، وعن تشكل العناقيد النجمية وتطورها، وعن المجرات، وحتى عن العناقيد المجرية. بين لنا علم الفلك الراديوي، على سبيل المثال، أن مراكز المجرات تطلق تدفقات من المادة المتأينة على بعد آلاف السنوات الضوئية؛ كما اكتشف أن النجوم النباضة، والكوازارات، والمجرات الراديوية هي سبب اكتشاف إشعاع الخلفية الكونية الميكروي، الذي غير رؤانا عن الأيام الأولى من عمر الكون تغيرًا جذريًا. كما اكتشف علم فلك أشعة جاما بعضًا من أقوى وأبعد الانفجارات الحسن الحظ في الكون والتي تُعرف بانفجارات أشعة جاما، والتي ينبعث منها توهج يحتوي على أشعة سينية، وضوء مرئي وكل أنواع الإشعاعات حتى الموجات الراديوية.
كنا نعي أن اكتشاف الأشعة السينية في الفضاء سيغير مفهومنا عن الكون، لكننا لم نكن نعرف كيف. في كل مكان ننظر إليه بمعداتنا الحديثة، كنا نرى أشياء جديدة؛ ربما لا يكون ذلك مفاجأةً. لكن حين شرع علماء الفلك البصري يستقبلون صورًا من تلسكوب هابل الفضائي، كانوا مفعمين بالرغبة وبأسباب الرهبة، وربما كانوا متعطشين للمزيد، وإن لم يكن ذلك واضحا إلا أنهم في الأساس كانوا في خضم توسيع نطاق أداة تعود إلى مئات السنين في مجال يرجع إلى آلاف السنين. فقد كنا، نحن علماء فلك الأشعة السينية، نشهد بزوغ فجر مجال علمي جديد. وما من أحدٍ كان يعلم إلى أين سيؤدي، أو ما الذي سنكتشفه.
وكم كنت محظوظا حين دعاني برونو روسي إلى معهد ماساتشوستس للتكنولوجيا في يناير من عام 1966 قبيل ميلاد ذلك المجال، وقد التحقتُ بفريق جورج كلارك على الفور. وكان جورج عالم فيزياء حاد الذكاء، وذا شخصية رائعة، وقد تشكلت بيننا علاقة صداقة لباقي سنوات حياتي. وإلى الآن أكاد لا أصدق حظي الحسن الذي منحني صديقا حميما ومسارًا مهنيا جديدا في شهرٍ واحد.