تاريخ الفيزياء
علماء الفيزياء
الفيزياء الكلاسيكية
الميكانيك
الديناميكا الحرارية
الكهربائية والمغناطيسية
الكهربائية
المغناطيسية
الكهرومغناطيسية
علم البصريات
تاريخ علم البصريات
الضوء
مواضيع عامة في علم البصريات
الصوت
الفيزياء الحديثة
النظرية النسبية
النظرية النسبية الخاصة
النظرية النسبية العامة
مواضيع عامة في النظرية النسبية
ميكانيكا الكم
الفيزياء الذرية
الفيزياء الجزيئية
الفيزياء النووية
مواضيع عامة في الفيزياء النووية
النشاط الاشعاعي
فيزياء الحالة الصلبة
الموصلات
أشباه الموصلات
العوازل
مواضيع عامة في الفيزياء الصلبة
فيزياء الجوامد
الليزر
أنواع الليزر
بعض تطبيقات الليزر
مواضيع عامة في الليزر
علم الفلك
تاريخ وعلماء علم الفلك
الثقوب السوداء
المجموعة الشمسية
الشمس
كوكب عطارد
كوكب الزهرة
كوكب الأرض
كوكب المريخ
كوكب المشتري
كوكب زحل
كوكب أورانوس
كوكب نبتون
كوكب بلوتو
القمر
كواكب ومواضيع اخرى
مواضيع عامة في علم الفلك
النجوم
البلازما
الألكترونيات
خواص المادة
الطاقة البديلة
الطاقة الشمسية
مواضيع عامة في الطاقة البديلة
المد والجزر
فيزياء الجسيمات
الفيزياء والعلوم الأخرى
الفيزياء الكيميائية
الفيزياء الرياضية
الفيزياء الحيوية
الفيزياء العامة
مواضيع عامة في الفيزياء
تجارب فيزيائية
مصطلحات وتعاريف فيزيائية
وحدات القياس الفيزيائية
طرائف الفيزياء
مواضيع اخرى
الكوارث الكونية والنجوم النيوترونية والثقوب السوداء
المؤلف: والتر لوين ووارن جولدستين
المصدر: في حب الفيزياء
الجزء والصفحة: ص241–249
2024-01-18
1302
تتخذ النجوم النيوترونية موقعها في قلب تاريخ علم فلك الأشعة الكونية مباشرة؛ وتنطوي على كثير من المتعة فكثيرًا ما تزيد درجات حرارة سطح هذه النجوم عن مليون كلفن؛ أي أنها أسخن من سطح الشمس بحوالي مائة مرة.
اكتشف جيمس تشادويك النيوترون في عام 1932 (الإنجاز الذي تسلم عنه جائزة نوبل في الفيزياء عام 1935). عقب هذا الاكتشاف الاستثنائي، الذي رأى كثير من علماء الفيزياء أنه أكمل صورة البنية الذرية افترض كل من فالتر بادي وفريتز زفيكي أن النجوم النيوترونية تشكلت خلال مستعرات عظمى. وقد تبين أنهما كانا على حق. فالنجوم النيوترونية تنشأ نتيجة أحداث كارثية في المراحل الأخيرة من عمر النجوم العملاقة، وهي أحد الأحداث الأسرع والأشد عجبًا والأعنف في الكون الذي نعرفه – إنه المستعر الأعظم من النوع الثاني (الذي ينهار فيه قلب النجم).
لا يبدأ النجم النيوتروني كنجم يشبه الشمس، وإنما في صورة نجم أكبر من حجم الشمس بثماني مرات على الأقل. وفي مجرتنا يوجد حوالي مليار نجم نيوتروني، إلا أنه قياسًا بأعداد النجوم اللانهائية المختلفة الموجودة في مجرتنا، فإن العدد مليار هذا يمكن أن يدل عن ندرة وجود تلك النجوم في مجرتنا وشأن كثير من الأشياء في عالمنا – وفي الكون بأكمله – لا يمكن للنجوم أن «تحيا» إلا بفضل قدرتها على تحقيق توازن معقول بين القوى بالغة الشدة. يولد الاحتراق النووي في النجوم. ضغطا في قلب النجم، حيث ينتج عن التفاعلات الحرارية النووية، التي تتم في درجات حرارة تصل إلى عشرات الملايين من الدرجات على مقياس كلفن، كميات هائلة من الطاقة. فدرجة حرارة قلب الشمس تبلغ 15 مليون كلفن، ومعدل إنتاجها للطاقة يعادل ما تنتجه مليار قنبلة هيدروجينية في الثانية.
في حالة النجوم المستقرة، يكون هذا الضغط متوازنا بفعل الجاذبية الناجمة عن ضخامة كتلة النجم. فإذا لم تكن هاتان القوتان – قوة دفع الفرن النووي الحراري إلى الخارج، وقبضة الجاذبية الجاذبة إلى الداخل – متوازنتين، فلن يكون النجم مستقرا. على سبيل المثال، نعلم أن عمر الشمس إلى الآن يبلغ حوالي خمسة ملايين عاما وأنها من المفترض أن تعيش خمسة ملايين عامًا أخرى. وتتغير النجوم إلى حد عجيب في المراحل الأخيرة من حياتها. فعندما تستنفذ النجوم معظم الوقود النووي في قلبها، فإن كثيرًا من تلك النجوم تبدأ المراحل الأخيرة من عمرها بعرض عنيف، وينطبق هذا بنحو خاص على النجوم العملاقة. وبشكل ما، يشبه المستعر الأعظم الأبطال التراجيديين على المسرح، الذين عادةً ما ينهون حياتهم العظيمة بنوبة تطهير وجداني، أحيانا ما تكون عنيفة وصاخبة، وتثير مزيجًا من الشفقة والخوف لدى الجمهور، حسبما يقول أرسطو.
يمثل المستعر الأعظم من النوع الثاني (حيث ينهار قلب النجم) أشد حوادث هلاك النجوم على الإطلاق، وهو أحد أكثر ظواهر الكون نشاطاً على الإطلاق. وسأحاول هنا شرحها شرحًا منصفا. بينما يخبو لهب المواقد النووية في قلب تلك النجوم الضخمة تدريجيا – فما من وقود يمكن أن يبقى إلى الأبد! – ويضعف الضغط الذي تولده، تتغلب قوة الجاذبية السرمدية الشديدة للكتلة الباقية من النجم عليه.
ورغم ما تنطوي عليه عملية نفاد الوقود من قلب النجم من تعقيد، فإنها لا تخلو من الروعة. فشأن معظم النجوم، تبدأ النجوم العملاقة بحرق الهيدروجين وتخليق الهيليوم. فالنجوم تعتمد على الطاقة النووية – بالاندماج النووي وليس الانشطار؛ حيث تندمج أربع نويات (بروتونات) هيدروجين معًا مُشكلةً نواة هيليوم في درجات حرارة عالية جدا، مما يولّد حرارة. وحين ينفد الهيدروجين من تلك النجوم، يتقلص قلب النجم بفعل قوة الجاذبية، مما يرفع درجة الحرارة إلى مستويات كافية لبدء تحول الهيليوم إلى عنصر الكربون. بالنسبة للنجوم التي تزيد كتلتها عن كتلة الشمس عشر المرات، بعد انتهاء مرحلة احتراق الكربون تبدأ مرحلة احتراق الأوكسجين، ثم احتراق النيون، ثم احتراق السيليكون، حتى لا يتبقى في قلب النجم في النهاية سوى الحديد. بعد كل دورة احتراق، يتقلص قلب النجم، وترتفع درجة حرارته، لتبدأ الدورة التالية. تقل الطاقة الناتجة عن كل دورة عن الطاقة الناتجة عن الدورة السابقة، كما يقل زمن الدورة عن الدورة السابقة. على سبيل المثال قد تستغرق دورة احتراق الهيدروجين عشرة ملايين عام في درجة حرارة 35 مليون كلفن تقريبا، أما دورة الاحتراق الأخيرة، وهي دورة احتراق السيليكون، فقد تستغرق بضعة أيام في درجة حرارة ثلاثة ملايين كلفن (وهذا يتوقف على الكتلة الدقيقة للنجم). خلال كل دورة، يحرق النجم معظم نتائج الدورة السابقة في عملية إعادة تدوير مثالية!).
وتنتهي عملية الاحتراق حين ينتج الحديد عن انصهار السيليكون، ونواة الحديد هي النواة الأكثر استقرارًا بين كل عناصر الجدول الدوري. وانصهار الحديد إلى عنصر أثقل لا يولد طاقة، وإنما يستلزم طاقة، وهكذا يتوقف موقد إنتاج الطاقة عند هذا الحد. وسرعان ما ينمو القلب المشكل من الحديد الآن بينما ينتج النجم مزيدًا من الحديد.
وببلوغ كتلة القلب المُشكل من عنصر الحديد 1.4 كتلة شمسية، يكون قد بلغ حدا سحريا من نوع ما، ويُطلق على هذا الحد حد تشاندراسيخار (الذي سمي تيمنا بالعالم العظيم تشاندرا). عند هذا الحد، لا يستطيع الضغط داخل القلب نفسه الصمود أمام الضغط الشديد الناتج عن قوة الجاذبية فينهار القلب على نفسه، مسببا انفجار مستعر أعظم للخارج.
تخيل جيسا جرارًا يحاصر قلعة كانت شامخة في يوم ما، ثم تبدأ جدرانها الخارجية في الانهيار (تحضرني بعض من مشاهد المعارك في سلسلة أفلام «سيد الخواتم»، حين تقتحم جيوش الأورك، التي لا حصر لها على ما يبدو، جدران إحدى القلاع في الفيلم.) ينهار قلب النجم في زمن يُقاس بالميللي ثانية، وتسقط مادته – بل تندفع بسرعات مهولة تعادل حوالي ربع سرعة الضوء – مما يرفع درجة الحرارة داخل النجم إلى درجة لا تصدق قد تبلغ حوالي 100 مليون كلفن، أسخن من قلب الشمس بحوالي عشرة آلاف مرة.
أما إذا كان نجما فرديًا أقل ضخامة من الشمس بحوالي 25 مرة (لكن كتلته أكبر من كتلة الشمس بحوالي عشر مرات) فإن الانهيار يُنتج في مركزه جرمًا جديدا تماما؛ إنه النجم النيوتروني. كذلك ينتهي المطاف بالنجوم الفردية التي تتراوح كتلتها ما بين ثمانية إلى عشرة أمثال كتلة الشمس إلى نجوم نيوترونية، لكن عملية التطور النووي التي تحدث في قلبها (والتي لن نتطرق إليها هنا) تختلف عن السيناريو المذكور آنفا.
وفي ظل ارتفاع كثافة القلب المنهار على نفسه، تندمج الإلكترونات والبروتونات؛ هكذا تُلاشي الشحنة السالبة للإلكترون الشحنة الموجبة للبروتون، ليتحد الجسيمان مكونين نيوترونا ونيوترينو. وهكذا تختفي النويات في كتلة تُعرف بالمادة النيوترونية المتحللة (أخيرًا مصطلح معقد). أنا أحب اسم الضغط المقابل: الضغط الانحلالي النيوتروني. فإذا زادت كتلة هذا النجم النيوتروني المحتمل لتصبح أكبر من ثلاثة كتل شمسية، وهو ما سيكون عليه الحال إذا كانت كتلة النجم الفردي ويُطلق عليه النجم السلف أكبر من كتلة الشمس بخمس وعشرين مرة، فإن الجاذبية تتغلب حتى على الضغط الانحلالي النيوتروني؛ ويمكنك تخمين ما سيحدث بعد ذلك.
حسنًا، أظن أنك خمنت ماذا يمكن أن ينتج عن ذلك عدا ثقب أسود؟ ذلك المكان الذي لا توجد فيه المادة بأي صورة يمكننا فهمها؛ ذلك المكان الذي، حال اقترابك منه، تشتد فيه الجاذبية لدرجة لا يستطيع معها أي إشعاع أو ضوء، أو أشعة سينية، أو أشعة جاما، أو نيوترينوات، أو أي شيء النفاذ منه. أما عملية التطور في الأنظمة النجمية الثنائية فيمكن أن تكون مختلفة جذريًا، وذلك أن في الأنظمة الثنائية قد يزول الغلاف المحيط بالنجم العملاق في مرحلة مبكرة، ومن ثم لا يمكن أن يزداد حجم قلب النجم بنفس المعدل الذي يحدث في النجم الفردي. وفي هذه الحالة، حتى النجوم التي يبلغ حجمها أربعين مرة حجم الشمس قد تُخلّف وراءها نجما نيوترونيا.
وهنا أود أن أؤكد على أن الخط الفاصل بين النجوم المحتضرة التي تشكل النجوم النيوترونية وتلك التي تُشكّل الثقوب السوداء ليس واضحًا؛ بل يتوقف على عدة متغيرات غير كتلة النجم المحتضر وحدها على سبيل المثال، يشكل الدوران النجمي عاملا متغيرًا مهما أيضًا.
لكن الثقوب السوداء موجودة فعلا، وليست من ابتداع خيال العلماء المضطربين ومؤلفي الخيال العلمي وهي آسرة إلى حدٍ لا يُصدق بالإضافة إلى ذلك، تشكل الثقوب السوداء جزءًا محوريًا من عالم الأشعة السينية. دعوني أقول إن الثقوب السوداء حقيقية، بل وربما تشكل نواة كل مجرة عملاقة إلى حد منطقي في هذا الكون.
دعونا الآن نرجع إلى انهيار قلب النجم. ما إن يتشكل النجم النيوتروني – تذكر أننا نتحدث هنا عن مدى زمني يُقدر بالميللي ثانية – حتى ترتد عنه المادة النجمية التي تكون مستمرة في محاولة الإسراع إلى داخله مما يُشكل موجة صدمة باتجاه الخارج، والتي ستتوقف في النهاية بسبب استنزاف الطاقة بفعل عملية انشطار نويات الحديد المتبقية. (تذكر أن الطاقة تتحرر عند اندماج عناصر خفيفة مشكلة نواة الحديد، ومن ثم فإن انشطار نواة الحديد يستهلك طاقة). وعند اندماج الإلكترونات والبروتونات خلال عملية انهيار قلب النجوم لتصبح نيوترونات تنتج النيوترينوات كذلك خلال هذه العملية. بالإضافة إلى ذلك، في درجة حرارة القلب شديدة السخونة التي تصل إلى حوالي 100 مليار كلفن تنتج ما يُعرف بالنيوترينوات الحرارية. تحمل النيوترينوات حوالي 99 في المائة من مجموع الطاقة المتحررة من انهيار قلب النجم (وهو ما يعادل جول). أما نسبة الواحد في المائة المتبقية من الطاقة (والتي تعادل 1044 جول) فغالبًا ما تكون في صورة طاقة حركية للمادة النجمية المقذوفة.
تنفذ النيوترينوات عديمة الكتلة ومحايدة الشحنة الكهربية عبر جميع أنواع المادة تقريبا، لذا ينفذ معظمها من قلب النجم. ومع ذلك، نظرًا للكثافة العالية جدا للمادة المحيطة، تنقل النيوترينوات واحدًا في المائة من طاقتها إلى المادة المحيطة، التي تلفظ بعيدا فيما بعد بسرعات تصل إلى 20,000 كيلومتر في الثانية. ويُحتمل أن نظل نرى بعضا من هذه المادة لآلاف السنين بعد الانفجار – نطلق على ذلك بقايا المستعر الأعظم (مثل سديم السرطان).
إن انفجار المستعر الأعظم مبهر؛ إذ يبلغ لمعانه الضوئي عند أقصى سطوع حوالي 2010 جول في الثانية. وهذا يعادل لمعان الشمس 300 مليون مرة، ومن ثم يمكنك رؤية أحد أروع المشاهد التي تقع في السماء عند حدوث هذا المستعر الأعظم في مجرتنا (وهو حدث لا يقع إلا بمتوسط مرتين في القرن). وفي يومنا هذا، وبالاستعانة بتلسكوبات آلية ذاتية التشغيل تكتشف مئات الآلاف من المستعرات العظمى سنويا في ذلك العالم الصاخب للمجرات القريبة منا نسبيا.
يطلق المستعر الأعظم من النوع الثاني مائتي مرة مثل الطاقة التي أطلقتها الشمس خلال الخمسة ملايين عام الماضية، وكل تلك الطاقة تتحرر في غضون ثانية تقريبًا وتتشكل 99 بالمائة من تلك الطاقة في النيوترينوات!
وهذا ما حدث عام 1054، وقد نتج عن هذا الانفجار ألمع نجم في السماء خلال الألف عام الماضية – نجم شديد السطوع لدرجة أنه ظل يرى في وضح النهار لأسابيع. يخبو المستعر الأعظم، الذي يمثل ومضة كونية في الفضاء بين النجمي، في غضون سنوات قليلة مع انخفاض درجة حرارة الغاز وتبدده. ومع ذلك، لا يختفي الغاز تماما. فذلك الانفجار الذي حدث في عام 1054 أنتج نجما نيوترونيا وحيدًا، بالإضافة إلى سديم السرطان، الذي ما زال إلى اليوم أحد الأجرام دائمة التغير، والأروع في السماء بأسرها، كما أنه مصدر متدفق بالبيانات الجديدة والصور الفريدة والاكتشافات الرصدية. وبالنظر إلى أن كثيرًا من الأحداث الفلكية تقع على مدى زمني شاسع، كثيرًا ما نعتبره مدى زمنيًّا جيولوجيا – ملايين ومليارات السنين – فإن اكتشاف حدث يقع بسرعة بالغة على مدى ثوانٍ أو دقائق أو حتى أعوام قليلة يكون مثيرًا جدًّا. ففي سديم السرطان أجزاء يتغير شكلها كل بضعة أيام، كما رصد تلسكوب هابل الفضائي ومرصد تشاندرا للأشعة السينية أن بقايا المستعر الأعظم A1987 (الذي يقع في سحابة ماجلان الكبرى) يتغير شكلها بطرق يمكننا رصدها.
كذلك، التقطت ثلاثة مراصد نيوترينو مختلفة على الأرض انفجارات نيوترينوية متزامنة من المستعر الأعظم A1987، والذي وصلنا الضوء المنبعث منه في الثالث والعشرين من فبراير من عام 1987. ورغم صعوبة التمييز ما بين النيوترينوات، فقد رصدت تلك المعدات الثلاث إجمالي خمسة وعشرين نيوترينو في ثلاث عشرة ثانية، من بين حوالي 300 تريليون (1014×3) نيوترينو انهمرت في تلك الثلاث عشرة ثانية على كل متر مربع من الكرة الأرضية يواجه موقع المستعر الأعظم مباشرة. لقد قذف المستعر الأعظم في الأساس ما يقرب من 1058 نيوترينو، وهو عدد مهول لا يمكن تخيله – لكن بالنظر إلى بعده عن الأرض (بحوالي 170,000 سنة ضوئية)، لم يصل منه إلى الأرض سوى 1028×4 نيوترينو – أقل من إجمالي النيوترينوات بحوالي 30 قيمة أسية. تنفذ منها أكثر من 99.9999999 في المائة عبر كوكب الأرض. ويتطلب إيقاف نصف هذه النيوترينوات سنة ضوئية من الرصاص (أي حوالي 1310 كيلومترًا من الرصاص).
وكان النجم الأصلي للمستعر الأعظم A1987 قد نفث سحابة من الغاز قبل حوالي عشرين ألف عامٍ من الانفجار، مما كوّن حلقات حول النجم، وظلت الحلقات خفية حتى ثمانية أشهر من انفجار المستعر الأعظم. وكانت سرعة الغاز الملفوظ بطيئة نسبيا – حوالي ثمانية كيلومترات في الثانية – لكن على مدار السنين بلغ نصف قطر سحابة الغاز مسافة ثلثي سنة ضوئية، أي حوالي ثمانية أشهر ضوئية.
وهكذا، وقع انفجار المستعر الأعظم، وبعد ثمانية أشهر التقت الأشعة فوق البنفسجية الناجمة عن الانفجار (والتي تتحرك بسرعة الضوء بالطبع) بحلقة المادة فأشعلتها – إن جاز التعبير – فبدأت الحلقة تصدر ضوءًا مرئيا.
لكن الأمر لم يقتصر على الضوء المرئي، وإنما الأشعة السينية كذلك. فقد انتقل الغاز الملفوظ من المستعر الأعظم في الانفجار بسرعة 20,000 كيلومتر في الثانية، أقل من سرعة الضوء بخمس عشرة مرة. وبالنظر إلى أننا نعلم المسافة التي تبعدها الحلقة الآن، فيمكننا كذلك توقع متى تلتقي المادة الملفوظة من المستعر الأعظم بالحلقة بالتقريب، وهو ما حدث بعد أكثر من أحد عشر عاما بقليل، مما أدى إلى انبعاث أشعة سينية. وبالطبع علينا أن نتذكر أننا رغم حديثنا عن هذا المستعر الأعظم كما لو أنه حدث خلال العقود القليلة الماضية، وبالنظر إلى وقوع المستعر الأعظم A1987 في سحابة ماجلان الكبرى، فهذا يعني أنه حدث منذ حوالي 170,000 سنة.
وإلى يومنا هذا، لم يُرصد أي نجم نيوتروني في بقايا المستعر الأعظم 1987A. لكن بعض العلماء يعتقدون أن ثقبا أسود قد تشكل خلال انهيار قلب النجم بعد بدء تكون نجم نيوتروني في عام 1990 تراهنتُ مع ستان ووسلي، الأستاذ بجامعة كاليفورنيا، في سانتا كروز، وهو أحد الخبراء العالميين في المستعرات العظمى، على ما إذا كان نجم نيوتروني سيُكتشف هنا من عدمه خلال خمس سنوات؛ وقد خسرت الرهان الذي كان بقيمة مائة دولار.
كذلك ينتج عن تلك الظواهر المبهرة المزيد؛ ففي ذلك الأتون فائق الحرارة في قلب المستعر الأعظم تعمل أشكال أكثر تعقيدًا من الاندماج النووي على تصادم النويات معًا مشكلةً عناصر أثقل كثيرًا من الحديد، ينتهي بها المطاف في سحب غازية، ربما تلتحم في النهاية وتصبح جزءًا من نجوم وكواكب جديدة. إن أجساد البشر وجميع الحيوانات مكونة من عناصر تشكلت في النجوم. ولولا تلك الأفران النجمية، ولولا تلك الانفجارات بالغة العنف، التي بدأت بالانفجار العظيم نفسه، لما صار لدينا كل تلك العناصر الكيميائية التي يزخر بها الجدول الدوري. إذن، ربما يمكننا تشبيه المستعر الأعظم من النوع الثاني الذي ينهار فيه قلب النجم بنيران غابة سماوية (نيران محدودة النطاق بالطبع) يؤدي فيها احتراق نجم إلى تهيئة الظروف لميلاد نجوم وكواكب جديدة.
إن النجوم النيوترونية أجرام استثنائية بكل المقاييس؛ إذ يبلغ قطرها حوالي اثني عشر ميلًا (أصغر من بعض الكويكبات التي تدور بين المريخ والمشتري)، وأصغر بحوالي مائة ألف مرة من الشمس، ومن ثم أكثر كثافة بـ 300 مليار (1014×30) مرة من متوسط كثافة الشمس. فقد يزن مقدار ملعقة شاي من النجم النيوتروني 100 مليون طن على الأرض.
من جوانب إعجابي بالنجوم النيوترونية أن مجرد ذكر اسمها أو كتابته يستحضر طرفي النقيض في الفيزياء، ضآلة الحجم وضخامته تلك الأشياء الدقيقة لدرجة أننا نعجز عن رؤيتها، في أجسام عالية الكثافة لدرجة أن عقولنا تقف عاجزة عن فهمها.
إن النجوم النيوترونية تدور، بل إن بعضها يدور بمعدلات مذهلة، ولا سيما في بداية نشأتها. والسبب هو نفسه الذي يجعل المتزلجات على الجليد يدرن بمعدل أسرع وأذرعهن مفرودة مما يفعلن وأذرعهن مضمومة إلى أجسادهن. يصف علماء الفيزياء هذا بحفظ الزخم الزاوي. وشرح الزخم الزاوي بالتفصيل لا يخلو من التعقيد، إلا أنه يمكن فهم الفكرة ببساطة.
فما علاقة كل هذا بالنجوم النيوترونية؟ الإجابة ببساطة أن كل الأجسام في الكون تدور؛ ومن ثم، فإن النجم الذي انهار متحولا إلى نجم نيوتروني كان يدور؛ لقد ألقى بمعظم مادته في الانفجار لكنه احتفظ بكتلة أو كتلين شمسيتين تركزتا بعد ذلك في جرم أصغر حجمًا من النجم الأصلي ببضعة آلاف مرة. وبما أن الزخم الزاوي محفوظ، يزداد التردد الدوراني للنجوم النيوترونية بمعامل مليون كحد أدنى.
يكمل أول نجمين نيوترونيين اكتشفتهما جوسلين بيل دورة كاملة حول محوريهما في غضون 1.3 ثانية. أما النجم النيوتروني الواقع في سديم السرطان، فيدور حول محوره حوالي 30 مرة في الثانية. أما أسرع نجم نيوتروني اكتشف حتى الآن، فيكمل 716 دورة حول محوره في كل ثانية وهذا يعني أن سرعة دوران النجم عند خط منتصفه تبلغ 15 في المائة من سرعة الضوء!
إن دوران جميع النجوم النيوترونية حول محاورها والمجالات المغناطيسية الشديدة لكثير منها، تثمر عن ظاهرة نجمية بالغة الأهمية تُعرف بـ«النوابض» – وهي اختصار لمصطلح «النجوم النابضة». والنباض هو نجم نيوتروني تنبعث من قطبيه المغناطيسيين – اللذين يختلفان كما في حالة كوكب الأرض عن القطبين الجغرافيين، وهما النقطتان اللتان تقعان عند نهايتي المحور الذي يدور حوله النجم – حزمة من الموجات الراديوية تسبح تلك الموجات الراديوية عبر الفضاء خلال دوران النجم. وهكذا، قد يرى المراقب للمسار الذي تسلكه الحزمة، أن النجم ينبض بانتظام، إذ إن المراقب لا يرى الحزمة إلا للحظة قصيرة. وأحيانًا ما يطلق علماء الفلك على ذلك تأثير الفنار، وذلك لسبب لا يخفى على أحد. ويوجد حوالي ستة نجوم نيوترونية فردية معروفة، ينبغي عدم خلطها بالنجوم النيوترونية في الأنظمة الثنائية، تطلق نبضات تتضمن نطاقا بالغ الاتساع من الطيف الكهرومغناطيسي، بما في ذلك موجات راديو، وضوء مرئي، وأشعة سينية، وأشعة جاما. والنجم النابض الواقع في سديم السرطان أحد هذه النجوم.
اكتشفت جوسلين بيل أول نباض في عام 1967، حين كانت طالبة دراسات عليا في كمبريدج بإنجلترا. ولم تدرك هي ومشرفها، أنتوني هيويش، في البداية سبب انتظام نبضات النجم التي لم تكن تمكث سوى 0.04 ثانية، وكانت الفترة الزمنية بين النبضات 1.3373 (ثانية الفاصل الزمني). وفي البداية، أطلقا على النباض 1–LGM اختصارًا لاسم Little Green Men (بمعنى الكائنات الخضراء الصغيرة) في إشارة إلى أن تلك النبضات المنتظمة ربما تكون صادرة عن كائنات تعيش خارج كوكب الأرض. وسرعان ما اكتشفت بيل LGM آخر بفاصل زمني بين نبضاته يبلغ 1.2 ثانية وقد أصبح من الواضح أن تلك النبضات لم تكن صادرة عن كائنات فضائية. فلم ترسل حضارتان مختلفتان تمامًا إشارات للأرض بالفاصل الزمني نفسه تقريبا؟ وبعد فترة قصيرة من نشر بيل وهيويش النتائج التي توصلا إليها، أدرك توماس جولد الأستاذ في جامعة كورنيل أن النباضات ما هي إلا نجوم نيوترونية دوارة.