1

المرجع الالكتروني للمعلوماتية

تاريخ الفيزياء

علماء الفيزياء

الفيزياء الكلاسيكية

الميكانيك

الديناميكا الحرارية

الكهربائية والمغناطيسية

الكهربائية

المغناطيسية

الكهرومغناطيسية

علم البصريات

تاريخ علم البصريات

الضوء

مواضيع عامة في علم البصريات

الصوت

الفيزياء الحديثة

النظرية النسبية

النظرية النسبية الخاصة

النظرية النسبية العامة

مواضيع عامة في النظرية النسبية

ميكانيكا الكم

الفيزياء الذرية

الفيزياء الجزيئية

الفيزياء النووية

مواضيع عامة في الفيزياء النووية

النشاط الاشعاعي

فيزياء الحالة الصلبة

الموصلات

أشباه الموصلات

العوازل

مواضيع عامة في الفيزياء الصلبة

فيزياء الجوامد

الليزر

أنواع الليزر

بعض تطبيقات الليزر

مواضيع عامة في الليزر

علم الفلك

تاريخ وعلماء علم الفلك

الثقوب السوداء

المجموعة الشمسية

الشمس

كوكب عطارد

كوكب الزهرة

كوكب الأرض

كوكب المريخ

كوكب المشتري

كوكب زحل

كوكب أورانوس

كوكب نبتون

كوكب بلوتو

القمر

كواكب ومواضيع اخرى

مواضيع عامة في علم الفلك

النجوم

البلازما

الألكترونيات

خواص المادة

الطاقة البديلة

الطاقة الشمسية

مواضيع عامة في الطاقة البديلة

المد والجزر

فيزياء الجسيمات

الفيزياء والعلوم الأخرى

الفيزياء الكيميائية

الفيزياء الرياضية

الفيزياء الحيوية

الفيزياء العامة

مواضيع عامة في الفيزياء

تجارب فيزيائية

مصطلحات وتعاريف فيزيائية

وحدات القياس الفيزيائية

طرائف الفيزياء

مواضيع اخرى

علم الفيزياء : الفيزياء الحديثة : علم الفلك : مواضيع عامة في علم الفلك :

أفكار مبكرة حول العدم

المؤلف:  فرانك كلوس

المصدر:  العدم

الجزء والصفحة:  الفصل الأول (ص14- ص19)

2023-02-04

1374

حيرت إشكالية الخلق من العدم، الكينونة واللاكينونة، كل الثقافات المعروفة. فقبل الميلاد بحوالي 1700 سنة، ورد في «أنشودة الخلق» بالريجفدا

في البدء لم يكن هناك وجود ولا عدم.

لم تكن هناك أيضًا مملكة الفضاء ولا السماء من وراءها.

ما الذي كان يتحرك؟ وأين؟

طرح فلاسفة الإغريق هذه الأسئلة للنقاش. رفض طاليس نحو عام 600 قبل الميلاد وجود العدم: فمن وجهة نظره لا يمكن أن يظهر شيء من العدم، ولا يمكن أن يختفي شيء إلى عدم. وقد عمم هذا المبدأ ليشمل الكون بأسره: فلا يمكن أن يكون الكون قد بزغ من عدم.

تعارض مفهوم العدم مع قوانين المنطق، وطرح طاليس السؤال: هل التفكير في العدم يجعل منه شيئًا؟ فجاءت الإجابة من وجهة نظر رجال المنطق الإغريق أنه يمكن أن: يوجد العدم «فقط» في حال عدم وجود أحدهم لتأمله. ظاهريًا أُجيب سؤالي، الخاص بإمكانية أن يوجد عدم إذا لم يوجد أي شخص يعرف بوجود العدم، بالإثبات قبل ثلاثة آلاف عام، مع أن الإجابة تبدو لي تأكيدًا بديهيًّا وليست مبنية على الحجج. استمرت رحلتي البحثية لكن تبين أنه لم يقدم. أحد بعد طاليس تعريفًا للعدم بخلاف أنه غياب الأشياء. بعد انتهاء طاليس من قضية العدم، انتقل إلى طبيعة الأشياء. وقد تنبأ بنجاح بكسوف الشمس الذي وقع في الثامن والعشرين من مايو عام 585 ق.م، الأمر الذي كان يعد إنجازا هائلًا ويشهد لمقدرته. لا عجب إذن أن لاقت أفكاره مثل هذا التقدير الكبير. أكد طاليس أنه طالما يستحيل ظهور الأشياء من العدم، فمن المؤكد وجود كيان جوهري منتشر انتشارًا واسعًا تجسدت منه كل الأشياء. أثار سؤال من أين أتى كل شيء؟» سؤالاً آخر لنفترض أننا أزلنا كل شيء من منطقة ما في الفضاء، هل ما سيتبقى هو العدم الأولي؟ قدم طاليس حلًّا لهذا اللغز أيضًا فكان ظنه الأساسي هو الماء. إن الجليد والبخار والسائل هي ثلاث صور للماء، ومن ثم ظن طاليس أن الماء يمكنه أن يأخذ عددًا لانهائيا من الصور الأخرى، فيتكثف على صورة صخور وكل شيء آخر. فمع الاختفاء الظاهري لبرك المياه، ثم تساقطها فيما بعد على صورة أمطار، بزغت بهذا فكرة التبخر ومعها الاعتراف بالدورة التي يمر بها الماء. ومن وجهة نظر طاليس يكون الفضاء فارقًا عندما تتحول كل مادة فيه إلى شكلها الأولي، وهو الماء السائل مثل المحيط من ثم، يحتوي الماء كل شكل ممكن للمادة. والآن بعد ثلاثة آلاف، عام تعد هذه الفكرة غير نافعة، لكن الأفكار الحديثة المتعلقة بالفراغ تقوم على المبدأ ذاته بافتراض أن الفراغ يحتوي على «بحر» عميق لا نهاية له من الجسيمات الأساسية.

 بعد مرور ثمان وسبعين عامًا من الوعي، عاد طاليس إلى فكرة الفراغ الدائم في عام 548 ق. م لكن فكرة وجود جوهر أولي يتغلغل في كل شيء، أو «مادة أصلية»، استمرت. غير أن طبيعة المادة الأصلية خضعت للنقاش. أصر هرقليطس من ناحية على أن المادة الأصلية هي النار. إذن من أين جاءت النار؟ الإجابة هي أن النار أبدية، وهي بهذا مماثلة لفكرة الإله الخالق لهذا العالم. وعلى النقيض، أكد أنا كسيمينس أن المادة الأصلية هي الهواء؛ إذ يمكن تصور الهواء على أنه ممتد إلى ما لا نهاية على خلاف الماء، ويعطيه انتشاره اللامحدود الأولوية في أن يكون المصدر الكوني لكل المواد.

 في منتصف القرن الخامس ق.م تعرض أمبيدوكليس لسؤال هل الهواء مادة أم فضاء فارغ؟ شهد الأمر ظهور بدايات طرق التجريب مع استخدام أداة معروفة باسم «هيدرا»؛ وهي قارورة زجاجية مفتوحة عند أحد طرفيها ولها انتفاخ كروي الشكل عند طرفها الآخر. يحتوي الانتفاخ على ثقوب يمكن أن ينسال منها الماء، ما دام الطرف الآخر مفتوحًا. إذا سددت الفتحة بإصبعك لا يتدفق أي ماء. وإذا أفرغت الهيدرا من الماء ثم غطستها، سيتدفق الماء إليها ويعيد ملأها ما دام الطرف الأعلى مفتوحًا، أما إذا سددت الطرف المفتوح بإصبعك فلا يدخل ماء عبر الثقوب ولا يخرج هواء أيضًا. يبرهن هذا على أن الهواء والماء يوجدان في نفس المساحة؛ فلا يستطيع الماء أن يدخل ما لم يخرج الهواء؛ فالهواء مادة وليس فضاء فارغا. وظل هذا هو المعتقد السائد إلى أن جاء تورشيللي في القرن السابع عشر وفسر ما يحدث.

شكل :1-1 (أ) قارورة ذات ثقوب في جزئها الكروي السفلي تحتوي على ماء. حين تكون مغلقة من الأعلى، يظل الماء داخلها، لكن إذا فُتحت، (ب)، يتسرب الماء خارجا من الثقوب. (ج) تُغلق القارورة ثم توضع في حوض من الماء، فلا يدخلها أي ماء. (د) تُفتح القارورة من أعلى فيدخل الماء من الثقوب الموجودة في جزئها السفلي (هـ) تغلق القارورة مجددًا ويصير بالإمكان رفع القارورة من الوعاء دون أن يتسرب منها الماء.

 

توسع أمبيدوكليس في مفهوم المادة الأصلية لتشتمل على أربعة عناصر: الهواء والماء والنار والأرض. وقدم أفكارًا أولية حول القوى: ففي رأيه تنقسم القوة إلى قوى حب وخلاف؛ الصورة الأولية لقوى التجاذب والتنافر. وقطعًا كان هو أول من فرق بين المادة والقوى، لكنه ظل مصرا على استحالة وجود الفضاء الخاوي كثير من أشكال المادة حبيبية. وعندما تتكدس الأجسام الكروية معا فإنها تترك مسافات بينها وبما أنه لا توجد إمكانية لوجود فراغ في الفضاء «الخاوي»، استحدث أمبيد وكليس الأثير؛ الأخف من الهواء، الذي يملأ هذه المسافات، بل كل الفضاء. بل إنه تخيل أن هذا الأثير المنتشر في كل الأرجاء قادر على نقل التأثير من جسم إلى آخر؛ ما يشبه مجال الجاذبية في الفكر الحديث.

رفض أنا كساجوراس أيضًا إمكانية وجود الفضاء الخاوي وخلق شيء من العدم. ووفقًا لرأيه فإن الخليقة نظام انبثق عن الفوضى، وليس كونا ماديا ظهر من العدم. إن تحول الفوضى إلى نظام يحمل اعترافًا بتطور الأشياء وتغيرها، كما هو الحال عندما يتحول الطعام إلينا. وقد طرح الافتراض بوجود عناصر أساسية – في الوقت الذي يتغير فيه تركيبها الإجمالي - فكرة البذور وولد المذهب الذري. ويرى أناكساجوراس أنه لا وجود لأصغر ذرة، فلا حد لانشطار المادة، ومن ثم لا حاجة إلى القلق بشأن الفراغات بين الأجسام الكروية المتلامسة، ولا حاجة إلى الأثير الذي يملأ الفجوات.

استمر إبيقور، وأيضًا ديموقريطوس وليوكيبوس، على رفضهم لإمكانية أن ينبثق شيء عن العدم. وهم يعتبرون مبتكري فكرة الذرات؛ التي هي بذور أساسية صغيرة غير مرئية تشيع في المادة. ومن هنا تولدت فكرة إمكانية وجود فراغ؛ مسافة فارغة يمكن أن تتحرك فيها الذرات. كان الاعتقاد هو أنه إذا كان يوجد شيء ما في نقطة ما، فلا يمكن إذن للذرة أن تتحرك إلى هذا المكان؛ فلكي تكون الحركة ممكنة لا بد أن يكون هناك فراغ يمكن أن تتحرك فيه الذرات. بل تخيلوا أيضًا كونًا مُفَرَّغا لانهائيا مليئًا بذرات متحركة بالغة الصغر لدرجة تمنعها من أن تُرى بمفردها لكنها تتكدس معًا في تكوينات مرئية. إن الذرات في حالة حركة مستمرة، لكن صورتها الإجمالية ضبابية وتبدو ساكنة. تشبه الصورة بيت النمل: فهو يُرى من بعيد ككومة ساكنة، لكن عند الاقتراب منه يتضح أنه يتكون من ملايين النمل دقيق الحجم الذي يتحرك حركة مستعرة.

على الرغم من أن أفكار أتباع المذهب الذري أكثر شبهًا للصورة التي نملكها اليوم عن المادة، فإن أفكار أرسطو المخالفة هي التي سادت طيلة ألفي عام. رأى أرسطو أن الفراغ لا بد أن يكون منتظمًا ومتناظرًا تمامًا؛ بحيث يستحيل تمييزه من الأمام أو الخلف، أو اليمين أو اليسار أو من أعلاه أو أسفله ظهر هذا المبدأ أيضًا في «أنشودة الخلق» بالريجفدا التي تغنت قائلة:

أكان هناك أسفل؟

أكان هناك أعلى؟

من منظور هذه الفلسفة لا يمكن للشيء أن يسقط أو يتحرك، وإنما يوجد في حالة ساكنة فحسب، وهي الفكرة التي ستشكل في نهاية المطاف أساس ميكانيكا نيوتن. غير أن أرسطو رأى أن مثل هذه الخصائص تنكر وجود العدم وصاغ الحجج المنطقية التي تنكر وجود العدم في أوضح صورها. إذا كان الفضاء الفارغ شيئًا، وإذا وضعنا جسما ما في هذا الفضاء الفارغ، عندئذ سيصبح لدينا شيئان في نفس المكان والزمان. إذا كان هذا ممكناً، فسيعمم الأمر بحيث يسمح لأي شيء بأن يوجد في نفس مكان وجود أي شيء آخر، وهذا هراء. لذا من وجهة نظر أرسطو بدا أن المنطق يقضي بعدم اعتبار الفضاء الخاوي شيئًا، ومن ثم فهو غير موجود. وقد عرَّف الفراغ بأنه غياب أي جسم، وما كانت العناصر الأساسية للأشياء موجودة بلا انتهاء، فلا يمكن إذن أن يوجد مكان فارغ تماما. باختصار رفض منطق أرسطو وجود الفراغ وقاد إلى الحكمة الشائعة القائلة إن الطبيعة تمقت الخواء. واعتبرت هذه الحقيقة بديهية، غير أنها كانت خاطئة كما سنرى الآن.

لم هذا المقت؟

ظل القول إن الطبيعة تمقت الفراغ مقبولاً طيلة ألفي عام، حتى انقضاء السواد الأعظم من العصور الوسطى؛ لأن هذا القول كان التفسير الأبسط، والبديهي في ظاهره، لنطاق كامل من الظواهر اليومية. حاول أن تشفط الهواء من ماصة، سيأتيك الهواء مندفعا من الطرف الآخر، وسيشبه الأمر محاولة شفط الهواء من الغرفة بأكملها. سد أحد طرفي الماصة بأصبعك واشفط الهواء من الطرف الآخر: لن يحدث تفريغ بل ستنثني الماصة على نفسها. أو ضع طرف الماصة في كوب عصير واشفط، ما سيحدث هو أنك ستشرب العصير. إنك لن تخلق فراغًا عن طريق شفط الهواء، بل يبدو أن السائل يرتفع ضد الجاذبية كي يملأ الفجوة. من السهل، بل ربما من الطبيعيأن نظن أن الفراغ الذي في سبيله للتكون يسحب السائل إلى أعلى ومن ثم يستحيل تكون الفراغ. هكذا يظن كثير من الأطفال، لكن الإجابة الصحيحة عكس ما يبدو تمامًا. تطلب إماطة اللثام عن التفسير الحقيقي جهود جاليليو وبعضًا من أمهر عقول القرن السابع عشر.

 ثمة أمثلة أخرى تؤدي ظاهريًّا إلى النتيجة نفسها. ضع طبقين مسطحين مبللين أحدهما فوق الآخر. سيكون من السهولة بمكان أن تدفع أحدهما بحيث ينزلق بعيدًا عن الآخر، لكن إذا حاولت جذب الطبق العلوي فسيكون ذلك غاية في الصعوبة التفسير الساذج لهذا هو أنك تخلق بهذا الصنيع فراغا بين الطبقين، وما كانت «الطبيعة تمقت الفراغ»، سيكون من الصعب جدًّا أن تفصلهما.

وبالعودة إلى الماصة بعد أن تشفط لثانية أو ثانيتين، ضع إصبعك عند الطرف العلوي للماصة واترك الطرف الآخر في العصير، فتجد عمودًا من السائل داخل الماصة. ارفع إصبعك فتجد العصير ينزل مرة أخرى إلى الكوب: لماذا إذن لم يحدث هذا عندما يغطي إصبعك طرف الماصة العلوي؟ الإجابة مرة أخرى هي «مقت الفراغ». لماذا لم ينقسم عمود السائل إلى نصفين بحيث يسقط النصف السفلي إلى أسفل ويظل النصف العلوي في الماصة؟ عُلل ذلك بأن هذا يتطلب تكون فراغ عند الفارق بين القسمين، على الأقل إلى أن ينزل الجزء السفلي من عمود السائل من الماصة. وعلى ما يبدو فإن بقاء عمود السائل كان دليلًا آخر على مقت الطبيعة لتكوين الفراغ.

سادت هذه التعليلات طيلة ألفي عام، وهي خاطئة وما زاد من صعوبة اكتشاف التعليل الصحيح هو أن الكثيرين اعتبروا مقت الفراغ أمرًا بديهيا؛ نظرًا لأن الله ما كان ليخلق عدمًا. وإذا أصررت على العكس بأن وجود الفراغ ممكن، عندئذ عليك أن تنتقي كلماتك بحذر كي تتحاشى الاتهام بالهرطقة. ثمة حجة بديلة سارت على الشكل الآتي: الله كلي القدرة، من ثم يمكنه أن يخلق أي شيء أو لا شيء؛ أن تقول إن الله ما كان ليخلق العدم فإنك تحد من قدرات الله، ومن ثم يمكن أن يوجد الفراغ. اعتقد جاليليو، الذي جابه مثل هذه المشكلات فيما بعد، أن الفراغ ممكن، وكان أول من اقترح اختبار الفكرة عن طريق إجراء التجارب إن فكرة اختبار الأفكار المجردة بالطريقة التجريبية كانت فكرة ثورية وخطيرة أيضًا فغالبًا ما كان ينتهي الحال بالهراطقة بالإعدام على خازوق. ونتيجة لهذه التجارب، باتت أسباب المقت الظاهري واضحة وباتت خصائص الفراغ مفهومة. في تلك الأثناء، ومع اتساع الفهم، اخترع العديد من الأدوات التي نألفها اليوم.

 

EN

تصفح الموقع بالشكل العمودي