1

المرجع الالكتروني للمعلوماتية

تاريخ الفيزياء

علماء الفيزياء

الفيزياء الكلاسيكية

الميكانيك

الديناميكا الحرارية

الكهربائية والمغناطيسية

الكهربائية

المغناطيسية

الكهرومغناطيسية

علم البصريات

تاريخ علم البصريات

الضوء

مواضيع عامة في علم البصريات

الصوت

الفيزياء الحديثة

النظرية النسبية

النظرية النسبية الخاصة

النظرية النسبية العامة

مواضيع عامة في النظرية النسبية

ميكانيكا الكم

الفيزياء الذرية

الفيزياء الجزيئية

الفيزياء النووية

مواضيع عامة في الفيزياء النووية

النشاط الاشعاعي

فيزياء الحالة الصلبة

الموصلات

أشباه الموصلات

العوازل

مواضيع عامة في الفيزياء الصلبة

فيزياء الجوامد

الليزر

أنواع الليزر

بعض تطبيقات الليزر

مواضيع عامة في الليزر

علم الفلك

تاريخ وعلماء علم الفلك

الثقوب السوداء

المجموعة الشمسية

الشمس

كوكب عطارد

كوكب الزهرة

كوكب الأرض

كوكب المريخ

كوكب المشتري

كوكب زحل

كوكب أورانوس

كوكب نبتون

كوكب بلوتو

القمر

كواكب ومواضيع اخرى

مواضيع عامة في علم الفلك

النجوم

البلازما

الألكترونيات

خواص المادة

الطاقة البديلة

الطاقة الشمسية

مواضيع عامة في الطاقة البديلة

المد والجزر

فيزياء الجسيمات

الفيزياء والعلوم الأخرى

الفيزياء الكيميائية

الفيزياء الرياضية

الفيزياء الحيوية

الفيزياء العامة

مواضيع عامة في الفيزياء

تجارب فيزيائية

مصطلحات وتعاريف فيزيائية

وحدات القياس الفيزيائية

طرائف الفيزياء

مواضيع اخرى

علم الفيزياء : الفيزياء الحديثة : علم الفلك : مواضيع عامة في علم الفلك :

البحث عن الحياة في المجموعة الشمسية

المؤلف:  نيل ديجراس تايسون ودونالد جولدسميث

المصدر:  البدايات

الجزء والصفحة:  الجزء الخامس الفصل السادس عشر (ص227-ص223)

29-1-2023

1368

أوجدت إمكانية وجود حياة خارج كوكب الأرض ألقابًا وظيفية جديدة، تنطبق فقط على عدد قليل من الأفراد لكنها قابلة للنمو بصورة مفاجئة. فالمتخصصون في «علم الأحياء الفلكية» أو «علم الفلك الأحيائي» يتعاملون مع القضايا المتعلقة بفكرة وجود حياة خارج كوكب الأرض، بصرف النظر عن الشكل الذي عليه تلك الحياة. وفي الوقت الحالي ليس بوسع علماء الأحياء الفلكية سوى التخمين بشأن الحياة خارج الأرض أو محاكاة الظروف الموجودة خارج الأرض، ثم إما تعريض أشكال الحياة الأرضية لها، واختبار كيف تستطيع تحمل هذه المواقف القاسية غير المألوفة، أو تعريض مزيج من الجزيئات غير الحية لها، على نحو شبيه بما حدث في تجربة ميلر - يوري الكلاسيكية أو أبحاث فاختر شاوسر. وقد أوصلنا هذا المزيج من التخمين والتجريب إلى عدد من النتائج المقبولة بشكل عام، التي إلى الحد الذي تصف به الكون الفعلي - لها تداعيات مهمة للغاية. والآن يؤمن علماء الأحياء الفلكية أن وجود الحياة في أرجاء الكون يتطلب:

(۱) مصدرًا للطاقة.

(۲) نوعًا من الذرات يسمح بوجود بني معقدة.

 (۳) محلولاً سائلاً تستطيع الجزيئات أن تطفو فيه ويتفاعل بعضها مع بعض.

(٤) وقتا كافيًا كي تنشأ الحياة وتتطور.

في هذه القائمة القصيرة يعد المتطلبان الأول والرابع أيسر الموانع في طريق نشوء الحياة. فكل نجم في الكون يوفر مصدرًا للطاقة، وجميع النجوم، عدا أضخمها، التي لا تتجاوز نسبتها الواحد بالمائة، تعيش مئات ملايين - وربما مليارات - الأعوام. فشمسنا، على سبيل المثال، أمدت الأرض بإمداد ثابت من الحرارة والضوء على مر الخمسة مليارات عام الماضية، وستستمر في عمل هذا خمسة مليارات عام قادمة إضافة إلى ذلك ندرك الآن أن الحياة يمكنها التواجد بشكل كلي دون الحاجة لضوء الشمس، وذلك بأن تحصل على الطاقة من الحرارة المنبعثة من باطن الأرض والتفاعلات الكيميائية. إن الحرارة المنبعثة من باطن الأرض تنشأ في جزء منها بسبب النشاط الإشعاعي لنظائر عناصر مثل البوتاسيوم والثورميوم واليورانيوم، التي تتحلل على مدى فترات زمنية تقدر بمليارات الأعوام، وهو مدى زمني يقارب عمر النجوم الشبيهة بشمسنا.

على الأرض، تفي الأرض بالمتطلب الثاني الخاص بالحاجة لذرة تسمح بوجود بنى معقدة، وذلك من خلال عنصر الكربون. فذرات الكربون يمكنها الارتباط بذرة أو ذرتين أو ثلاث أو أربع ذرات أخرى، وهو ما يجعلها العنصر الجوهري في بنية جميع صور الحياة التي نعرفها. وعلى النقيض من ذلك ليس بوسع ذرة الهيدروجين الارتباط إلا بذرة أخرى وحيدة، بينما لا يرتبط الأكسجين إلا بذرة واحدة أو اثنتين. ولأن ذرات الكربون قادرة على الارتباط بما يصل إلى أربع ذرات أخرى، فهي تشكل «العمود الفقري» لجميع الجزيئات، عدا البسيطة، الموجودة داخل الكائنات الحية، كالبروتينات والسكريات.

 إن قدرة الكربون على تكوين جزيئات معقدة جعلت منه أحد العناصر الأربعة الأكثر وفرة في جميع أشكال الحياة على الأرض، إلى جانب الهيدروجين والأكسجين والنيتروجين. وقد رأينا أنه على الرغم من أن العناصر الأربعة الأكثر وفرة في القشرة الأرضية لا تشترك مع هذه العناصر إلا في عنصر وحيد، فإن العناصر الستة الأكثر وفرة في الكون تتضمن العناصر الأربعة الأكثر وفرة في الحياة الأرضية، إلى جانب الغازين الخاملين الهيليوم والنيون. هذه الحقيقة تدعم الفرضية القائلة إن الحياة على الأرض بدأت داخل النجوم، أو في أجسام تشبه تركيبتها تركيبة النجوم. وعلى أي حال، تشهد حقيقة أن الكربون يشكل نسبة بسيطة من سطح الأرض، وفي الوقت نفسه يشكل حصة كبيرة من أي كائن حي، على الدور المحوري للكربون في إضفاء البنية على الحياة.

 هل الكربون عنصر أساسي للحياة في أرجاء الكون؟ ماذا عن عنصر السليكون، الذي كثيرًا ما يظهر في روايات الخيال العلمي كذرة بنيوية أساسية لأشكال الحياة العجيبة؟ ترتبط ذرات السليكون - مثل ذرات الكربون - بما يصل إلى أربع ذرات أخرى، لكن طبيعة هذه الروابط تضعف فرصة السليكون في أن يوفر الأساس البنيوي للجزيئات المعقدة. فالكربون يرتبط بروابط ضعيفة نوعًا ما مع العناصر الأخرى، وبهذا تتكسر الروابط بين الكربون والأكسجين، والكربون والهيدروجين، والكربون والكربون، مثلا بسهولة نسبية. يمكن هذا الجزيئات القائمة على الكربون من تكوين أنواع جديدة بينما تتصادم وتتفاعل بعضها مع بعض، وهو جزء أساسي من نشاط الأيض الخاص بأي شكل من أشكال الحياة. وعلى العكس، يرتبط السليكون بقوة مع أنوع عديدة من الذرات الأخرى، وبالأخص الأكسجين. إن القشرة الأرضية تتكون في أغلبها من صخور السليكات، المكونة بالأساس من ذرات السليكون والأكسجين، والمترابطة بقوة كافية للاستمرار ملايين الأعوام، ومن ثم هي غير قادرة على المشاركة في تكوين أنواع جديدة من الجزيئات. إن اختلاف الطريقة التي ترتبط بها ذرات الكربون والسليكون مع الذرات الأخرى يدعم بقوة توقعنا بأن تكون أغلب أشكال الحياة خارج الأرض - إن لم يكن جميعها - معتمدة على الكربون لا السليكون. وخلاف الكربون والسليكون، لا يوجد سوى أنواع غريبة نسبيًّا من الذرات قادرة على الارتباط بما يصل إلى أربع ذرات أخرى، وهي أندر بكثير على مستوى الكون من الكربون والسليكون. ومن الناحية الحسابية من المستبعد للغاية أن تقوم الحياة على ذرات كالجيرمانيوم بالصورة ذاتها التي تستخدم بها الحياة الأرضية الكربون.

المتطلب الثالث ينص على أن جميع أشكال الحياة تحتاج إلى محلول سائل تستطيع الجزيئات الطفو فيه والتفاعل بعضها مع بعض. هذا يعني أن «السائل» يمكن من الطفو والتفاعل من خلال ما يطلق عليه الكيميائيون اسم «المحلول». فالسوائل تسمح بوجود تركيزات عالية نسبيًّا من الجزيئات، بيد أنها لا تفرض قيودًا على حركتها. وعلى النقيض تحبس المواد الصلبة الذرات والجزيئات في أماكنها في الواقع، يظل بإمكانها الاصطدام والتفاعل بعضها مع بعض، لكن هذا يحدث على نحو أبطأ بكثير عن السوائل. أما في الغازات، فستتحرك الجزيئات بحرية أكبر عن السوائل، وبمقدورها الاصطدام دون موانع لكن عمليات الاصطدام والتفاعل تحدث بتواتر أقل بكثير عما هو الحال في السوائل؛ لأن كثافة السائل تفوق كثافة الغاز بألف ضعف أو أكثر. وكما كتب أندرو مارفل: «لو أتيح لنا الوقت والمكان الكافيان»، فقد نجد أن الحياة تنشأ في الغازات بدلا من السوائل. في الكون الحقيقي، البالغ من العمر 14 مليار عام فقط، لا يتوقع علماء الأحياء الفلكية أن يجدوا حياة بدأت في الغاز. بل على العكس هم يتوقعون أن تتكون جميع أشكال الحياة غير الأرضية في جيوب من السوائل، تحدث داخلها عمليات كيميائية معقدة بينما تتصادم الأنواع المتباينة من الجزيئات لتكون أنواعًا جديدة.

هل يجب أن يكون ذلك السائل هو الماء؟ نحن نعيش على كوكب مائي، تغطي محيطاته قرابة ثلاثة أرباع سطحه. هذا يجعلنا متفردين داخل المجموعة الشمسية، بل قد يندر أن يوجد كوكب مثل كوكبنا في أي مكان بمجرة درب التبانة. إن الماء، الذي يتكون من جزيئات اثنين من أكثر العناصر وفرة في الكون، يظهر على الأقل بكميات متواضعة في المذنبات والنيازك وأغلب كواكب المجموعة الشمسية وأقمارها من ناحية أخرى، لا يوجد الماء السائل في أي مكان بالمجموعة الشمسية إلا على كوكب الأرض وتحت السطح الجليدي لأكبر أقمار المشتري يوروبا في المحيط الذي يغطي القمر بأسره والذي يعد وجوده إلى الآن أمرًا مفترضًا لم يتم التحقق منه بعد هل يمكن لمركبات أخرى أن توفر فرصا أفضل للبحار أو البحيرات السائلة، يمكن داخلها أن تجد الجزيئات سبيلها إلى الحياة؟ أكثر ثلاثة مركبات من حيث الوفرة يمكنها الاحتفاظ بحالتها السائلة في نطاق من درجات الحرارة هي النشادر والإيثان والكحول الميثيلي. يتكون كل جزيء للنشادر من ثلاث ذرات هيدروجين وذرة نيتروجين ويتكون الإيثان من ذرتي كربون وست ذرات هيدروجين، بينما يتكون الكحول الميثيلي من أربع ذرات هيدروجين وذرة كربون وذرة أكسجين. عند تدبر احتمالات ظهور الحياة خارج كوكب الأرض من المنطقي التفكير في كائنات تستخدم النشادر أو الإيثان أو الكحول الميثيلي بالطريقة عينها التي تستخدم بها الأرض الماء، بوصفه السائل الأساسي الذي نشأت الحياة داخله على الأرجح، والذي يوفر الوسط الذي تستطيع الجزيئات أن تطفو فيه حتى تحقق هدفها الأسمى تملك كواكب الشمس الأربعة الكبرى كميات مهولة من النشادر، بجانب كميات أصغر من الكحول الميثيلي والإيثان، كما أن أكبر أقمار زحل تايتان قد يملك بحيرات من الإيثان السائل على سطحه البارد.

إن اختيار نوع بعينه من الجزيئات بوصفه السائل الأساسي للحياة يعني على الفور وجود متطلب آخر للحياة: أن تظل هذه المادة في الحالة السائلة. فليس بوسعنا توقع ظهور الحياة في الغطاء الجليدي للقطب الجنوبي، أو في السحب الغنية ببخار الماء؛ لأننا بحاجة إلى السوائل كي تمكن الجزيئات من التفاعل بكثرة تحت ضغوط الغلاف الجوي المماثلة لتلك الموجودة على سطح الأرض، يظل الماء بحالته السائلة بين درجتي الصفر والمائة درجة مئوية (أي ما بين 32 و212 درجة فهرنهايتية). البدائل الثلاثة الأخرى تظل في حالة سائلة في درجات أقل بكثير من درجة الماء. فالنشادر - على سبيل المثال - يتجمد عند درجة - 78 مئوية ويتبخر عند درجة. -,33 وهذا يمنع النشادر من أن يكون المحلول السائل الذي يستضيف الحياة على الأرض، لكن في عالم تقل درجة حرارته بـ 75 درجة عن عالمنا، حيث لا يصلح الماء لأن يكون المحلول المستضيف للحياة، قد يكون النشادر هو الحل السحري.

إن الملمح الأكثر أهمية وتمييزا للماء لا يتمثل في سمعته المستحقة بوصفه «السائل الكوني»، التي عرفناها من دروس الكيمياء المدرسية، ولا في نطاق درجات الحرارة العريض الذي يحتفظ فيه بسيولته. بل تكمن الخاصية الأكثر لفتا للنظر في حقيقة أنه بينما كل الأشياء - ومن بينها الماء - تنكمش وتصير أعلى كثافة مع البرودة، فإنه حين - تهبط درجة حرارة الماء لما دون 4 درجات مئوية فهو يتمدد، ويصير أقل كثافة بشكل مطرد كلما هبطت الحرارة نحو الصفر. وبعد ذلك، حين يتجمد الماء عند درجة الصفر المئوي، يتحول إلى مادة أقل كثافة من الماء السائل. فالجليد يطفو على السطح، وهو أمر مفيد للغاية للأسماك. وفي الشتاء حين تهبط درجة حرارة الهواء الخارجي لما دون درجة التجمد، يغوص الماء البالغ حرارته 4 درجات إلى القاع ويظل هناك؛ لأنه أعلى كثافة من الماء الأبرد بالأعلى، بينما تتكون طبقة طافية من الجليد ببطء شديد على السطح، لتعزل الماء الأدفأ بالأدنى.

دون هذا الانعكاس في الكثافة تحت مستوى الأربع درجات مئوية، كانت البحيرات والبرك ستتجمد من أسفل إلى أعلى، لا من أعلى لأسفل. فكلما هبطت حرارة الهواء الخارجي دون درجة التجمد، كان السطح الأعلى للبحيرة سيبرد ويغوص للقاع، بينما ترتفع المياه الأدفأ من الأسفل. وستتسبب عملية الحمل الحراري هذه في الهبوط سريعا بدرجة حرارة الماء إلى الصفر المئوي بينما يبدأ السطح في التجمد. بعد ذلك سيغوص الثلج الصلب الأعلى كثافة إلى القاع. وحتى إذا لم يتجمد الماء الموجود كله من الأسفل للأعلى في موسم واحد، فسيؤدي تراكم الجليد في الأعماق إلى تجمد البحيرة بالكامل على مدار عدة أعوام. وفي عالم كهذا، ستأتي رياضة صيد السمك عبر فتحات الجليد بحصيلة أقل مما تأتي به الآن؛ لأن كل الأسماك ستكون ميتة؛ أسماك مجمدة. وسيجد صيادو السمك. عبر فتحات الجليد أنفسهم على طبقة من الجليد إما مغمورة تحت الجزء المتبقي من الماء السائل أو على قمة جسم متجمد بالكامل من المياه. ولن نكون بحاجة إلى كاسحات الجليد لاجتياز مياه القطب الشمالي المتجمدة؛ فالمحيط القطبي بأكمله إما سيكون متجمدًا صلبًا، أو ستكون الأجزاء المتجمدة فيه قد غرقت للقاع وسيمكنك الإبحار بسفينتك دون عوائق. وستتمكن من التزلج على أسطح البحيرات المتجمدة دون خوف من الوقوع عبر فتحات الجليد. وفي هذا العالم المختلف ستغرق مكعبات وجبال الجليد في الأعماق، وبهذا في أبريل من عام 1912، كانت السفينة تايتانيك - غير القابلة للغرق كما قيل عنها – ستتمكن من الإبحار بسلام نحو مرفأ مدينة نيويورك.

من ناحية أخرى، ربما نكون منحازين قليلا في تحليلنا هذا. فأغلب محيطات الأرض ليست في خطر التجمد، سواء من أعلى إلى أسفل أو من أسفل إلى أعلى. وإذا غاص الجليد فقد يصير المحيط المتجمد الشمالي صلبًا، وقد يحدث الأمر عينه للبحيرات العظمى وبحر البلطيق. كان من شأن هذا التأثير أن يجعل من البرازيل والهند القوتين العالميتين العظميين، على حساب أوروبا والولايات المتحدة، لكن الحياة على الأرض كانت ستستمر وتزدهر بشكل طبيعي.

دعونا، في الوقت الحالي، نتبنى الفرضية القائلة إن للماء مزية كبيرة على منافسيه الأساسيين؛ النشادر والكحول الميثيلي، حتى إن أغلب الكائنات غير الأرضية، إن لم يكن جميعها، عليها الاعتماد على نفس السائل الذي تعتمد عليه الحياة الأرضية. لنأخذ جولة بين جيراننا مسلحين بهذا الافتراض، إلى جانب الوفرة العامة للمواد الخام للحياة، ووفرة ذرات الكربون، إضافة إلى المدد الزمنية الطويلة المتاحة للحياة كي تنشأ وتتطور، ونلقي السؤال السرمدي: أين توجد الحياة؟ وبطريقة أخرى معاصرة هي: أين يوجد الماء؟

إذا طلب منا الحكم على الأمور من واقع المظهر الجافَّ غير الودود لكواكب مجموعتنا الشمسية، فقد نخلص إلى أن الماء، مع وفرته على الأرض، يعد سلعة نادرة في بقية أرجاء المجرة. لكن من بين جميع الجزيئات التي يمكن تكوينها من ثلاث ذرات، يعد الماء الأكثر وفرة بمراحل، وهو ما يرجع في الأساس إلى أن العنصرين اللذين يتكون منهما الماء، الهيدروجين والأكسجين، يشغلان المركزين الأول والثالث على قائمة العناصر الأكثر وفرة. يعني. هذا أنه بدلًا من التساؤل عن سبب وجود الماء على بعض الكواكب، علينا التساؤل عن سبب عدم امتلاكها جميعًا لمقادير كبيرة من هذا الجزيء البسيط.

 كيف اكتسبت الأرض محيطات الماء الموجودة بها؟ ينبئنا التاريخ القديم نسبيًّا للقمر بأن أجسامًا عديدة اصطدمت بالقمر على مدار تاريخه. ومن المنطقي أن نتوقع مرور الأرض باصطدامات مشابهة. بل في الواقع، يؤكد حجم الأرض الكبير وجاذبيتها القوية أنها تعرضت لاصطدامات أكثر بكثير - ومن قبل أجسام أكبر - من القمر. وهكذا استمر الحال، منذ مولد الأرض وحتى وقتنا الحالي. فعلى أي حال، لم تظهر الأرض بغتة من الفراغ النجمي، أو ظهرت للوجود ككرة تامة الاستدارة. إنما نما كوكبنا داخل السحابة الغازية المتكثفة التي كونت الشمس والكواكب الأخرى. خلال هذه العملية نمت الأرض من خلال التحام عدد مهول من الجسيمات الصلبة الصغيرة وفي النهاية من خلال الاصطدامات المتوالية للكويكبات الغنية بالمعادن والمذنبات الغنية بالماء بها. كم بلغ معدل هذه الاصطدامات؟ قد يكون معدل الاصطدامات المبكرة كبيرًا حتى إنه أتى إلينا بالماء الموجود في جميع المحيطات يحيط عدم اليقين (والخلاف) بهذه الفرضية. فالماء الذي رصدناه في المذنب هالي يحوي نسبة من الديوتيريوم، وهو نظير للهيدروجين تحمل نواته نيوترونا إضافيًا، أعلى من تلك التي يحويها الماء الموجود على الأرض. وإذا جاءت محيطات الأرض من المذنبات، فلا بد أن المذنبات التي اصطدمت بالأرض بعد تكون المجموعة الشمسية بقليل كان لها تركيب كيميائي مختلف بشكل ملحوظ عن المذنبات اليوم، أو على الأقل مختلف عن طبقة المذنبات التي ينتمي المذنب هالي إليها.

على أي حال، حين نضيف إسهامات المذنبات إلى بخار الماء المنبعث في الغلاف الجوي بفعل الثورات البركانية، لن يكون لدينا نقص في السبل التي استطاعت الأرض اكتساب مخزونها من مياه السطح من خلالها.

إذا أردت زيارة مكان خالٍ من الماء والهواء، فلن تحتاج إلى النظر أبعد من القمر. فالضغط الجوي للقمر المقارب للصفر، إضافة إلى أيامه التي يصل طولها إلى أسبوعين أرضيين وتتجاوز الحرارة فيها مائتي درجة فهرنهايتية، تسبب تبخر أي مياه بسرعة. وخلال الليالي القمرية التي يصل طول إحداها إلى أسبوعين أرضيين، تنخفض درجة الحرارة لما دون المائتين وخمسين درجة تحت الصفر، وهو ما يكفي لتجميد أي شيء. ولهذا أخذ رواد أبوللو الذين زاروا القمر معهم كل الماء والهواء ونظم) تكييف الهواء) التي احتاجوها في رحلتهم من وإلى القمر

لكن من المستغرب أن تكتسب الأرض كل هذا القدر العظيم من الماء، بينما القمر القريب منها لا يحمل أي مياه أحد التفسيرات المحتملة المؤكد صحته جزئيا على الأقل، هو أن الماء تبخر من سطح القمر أسرع بكثير عن الأرض؛ لأن للقمر جاذبية أقل بكثير. وهناك إمكانية أخرى تقترح أن البعثات المرسلة إلى القمر لن تحتاج في نهاية المطاف إلى أن تجلب معها الماء أو أيا من المنتجات المتنوعة المشتقة منه. فمشاهدات السفينة المدارية القمرية كليمنتين التي حملت أداة لرصد النيوترونات المنتجة حين تصطدم الجسيمات النجمية المتحركة بسرعة بذرات الهيدروجين تدعم القناعة المعتنقة لوقت طويل القائلة باحتمال وجود ترسبات جليدية عميقة أسفل الفوهات الموجودة قرب القطبين الشمالي والجنوبي للقمر. وما دام القمر يستقبل عددًا طبيعيًا من الاصطدامات كل عام من الحطام الكوكبي، فمن المفترض أن يشمل مزيج الاصطدامات هذا – من حين لآخر – مذنبات ضخمة غنية بالماء، كالتي تضرب الأرض لأي حجم يمكن أن تصل هذه المذنبات؟ تحتوي المجموعة الشمسية على عدد وفير من المذنبات التي يمكن أن تذوب إلى بركة في حجم بحيرة إيري.

ومع أننا لا نستطيع أن نتوقع من البحيرة المتكونة حديثًا أن تصمد لعدة أيام قمرية ملتهبة في درجة حرارة قدرها 200 درجة، فإن أي مذنب يتصادف هبوطه في قاع فوهة عميقة قرب أي من قطبي القمر (أو يسبب هو الفوهة نفسها) سيظل محاطا بالظلام لأن الفوهات العميقة قرب القطبين هي الأماكن الوحيدة على القمر التي لا ترى ضوء الشمس. (إذا اعتقدت أن للقمر جانبًا مظلمًا على الدوام فهذا يعني أنك ضللت من جهات عدة، من ضمنها ألبوم بينك فلويد الجانب المظلم للقمر الصادر عام 1973.) وكما يعرف قاطنو القطبين على الأرض المحرومون من ضوء الشمس، فالشمس في تلك المناطق لا ترتفع عاليًا في السماء في أي وقت من اليوم أو أي فصل من فصول العام. الآن تخيل أنك تعيش في قاع فوهة ترتفع حافتها لأعلى من أعلى ارتفاع يمكن لضوء الشمس الوصول إليه. وفي ظل عدم وجود هواء ينشر ضوء الشمس نحو الظلال، ستعيش في ظلام أبدي. لكن حتى في الظلام البارد يتبخر الجليد ببطء. فقط انظر لمكعبات الثلج في درج المجمد بعد عودتك من إجازة طويلة ستجد أن حجمها صار أصغر بشكل ملحوظ عما تركتها عليه. ومع ذلك، إذا كان الجليد مختلطًا بجسيمات صلبة جيدًا (كما هو الحال في المذنبات)، يستطيع البقاء آلاف وملايين الأعوام في قيعان الفوهات القطبية القمرية.

وأي مركز قد ننشئه على القمر سيستفيد من الوجود قرب هذه البحيرة. وبجانب المزية الأساسية المتمثلة في إذابة الجليد ثم ترشيحه ثم شرب الماء، نستطيع أيضًا الاستفادة من فصل الهيدروجين الموجود في الماء عن الأكسجين. وبإمكاننا استخدام الهيدروجين إلى جانب بعض من الأكسجين كمكونات نشطة لوقود الصواريخ مع الاحتفاظ بالقدر المتبقي من الأكسجين للتنفس. وفي وقت الفراغ بين البعثات الفضائية ربما نختار ممارسة التزلج على الجليد.

مع أن كوكب الزهرة يماثل الأرض في الحجم والكتلة، فإن هناك عدة سمات تميز هذا الكوكب الشقيق لكوكبنا عن بقية كواكب المجموعة الشمسية، أبرزها غلافه الجوي الكثيف السميك العاكس المؤلف من ثاني أكسيد الكربون، الذي يجعل الضغط الجوي على سطح الكوكب أضعاف الضغط على الأرض. وفيما عدا المخلوقات البحرية التي تقطن الأعماق وتستطيع العيش في ضغوط مشابهة فإن جميع المخلوقات الأرضية ستنسحق وتموت لو عاشت على سطح الزهرة. إلا أن أغرب الملامح المميزة للزهرة تتمثل في الفوهات الحديثة نسبيًّا الموزعة على نحو متناسق على سطحه. هذا الوصف البريء من الظاهر يعني أن الكوكب تعرض منذ وقت قريب لكارثة شاملة أعادت ضبط تاريخ الفوهات - ومن ثم تمنعنا من تحديد عمر السطح من خلال الفوهات الموجودة على سطحه - وذلك بمحو جميع الأدلة على الاصطدامات السابقة. ربما تكون ظاهرة جوية كاسحة كبيرة، على غرار فيضان شمل سطح الكوكب بأسره، هي التي تسببت في هذا. لكن أيضًا يمكن لنشاط جيولوجي شامل، على غرار تدفق للحمم البركانية أن يحول سطح الكوكب بالكامل إلى حلم لشركات السيارات الأمريكية؛ كوكب ممهد بالكامل. وبصرف النظر عن طبيعة الحدث الذي أعاد ضبط تاريخ الفوهات فمن المؤكد أنه توقف بغتة. لكن ثمة أسئلة مهمة تحديدا بشأن مياه الكوكب، تظل دون إجابة. فإذا حدث فيضان غمر كوكب الزهرة بأكمله أين ذهب كل هذا الماء؟ هل غاص أسفل السطح؟ هل تبخر في الغلاف الجوي؟ أم هل تكون هذا الفيضان من مادة أخرى غير الماء؟ وحتى لو لم يحدث فيضان، فمن المفترض أن كوكب الزهرة حصل على مقدار مساو من الماء كشقيقه كوكب الأرض، فما الذي حدث لهذا الماء؟

الإجابة المحتملة هي أن كوكب الزهرة فقد ماءه بسبب حرارته الشديدة، وهي النتيجة التي يمكن عزوها إلى غلافه الجوي. فمع أن جزيئات ثاني أكسيد الكربون تسمح للضوء المرئي بالمرور، فإنها تحبس الأشعة تحت الحمراء بفعالية شديدة. وعلى هذا يستطيع ضوء الشمس اختراق الغلاف الجوي للزهرة، حتى لو قلل انعكاس الغلاف الجوي من مقدار الضوء الذي يصل إلى سطح الكوكب. يتسبب ضوء الشمس في تسخين سطح الكوكب، الذي يشع أشعة تحت الحمراء تعجز عن الإفلات. فجزيئات ثاني أكسيد الكربون تحبس الأشعة تحت الحمراء بينما تستمر هذه الأشعة في تسخين الطبقة الدنيا من الغلاف الجوي وسطح الكوكب أدناها. يطلق العلماء على الاحتباس الحراري للأشعة تحت الحمراء تأثير الصوبة، حيث يشبهون الغلاف الجوي بالنوافذ الزجاجية التي تسمح للضوء المرئي بالعبور لكنها تمنع جزءًا من الأشعة تحت الحمراء. شأن كوكب الزهرة وغلافه الجوي، تشهد الأرض هذا الاحتباس الحراري، الضروري لأشكال عديدة من الحياة، الذي يسبب ارتفاع درجة الحرارة بخمس وعشرين درجة فهرنهايتية عما لو لم يكن الغلاف الجوي موجودًا. يحدث القدر الأعظم من الاحتباس الحراري بسبب التأثير المزدوج لجزيئات الماء وثاني أكسيد الكربون. وبما أن الغلاف الجوي للأرض به واحد على عشرة آلاف من جزيئات ثاني أكسيد الكربون الموجودة في الغلاف الجوي للزهرة، يعد الاحتباس الحراري هنا شيئًا لا يذكر مقارنة بالوضع هناك. لكننا مع ذلك نستمر في إضافة المزيد من ثاني أكسيد الكربون لغلافنا الجوي من خلال حرق الوقود الحفري، مما يزيد من تأثير الاحتباس الحراري، وبهذا نجري دون قصد تجربة كوكبية نرى من خلالها التأثيرات الضارة الناتجة عن احتباس المزيد من الحرارة. على كوكب الزهرة، تسبب الاحتباس الحراري للغلاف الجوي، والناتج بالكامل عن جزيئات ثاني أكسيد الكربون، في رفع درجة الحرارة بمئات الدرجات، وهو ما جعل سطح كوكب الزهرة يصل إلى درجة حرارة متقدة تقارب الخمسمائة درجة مئوية (900 درجة فهرنهايتية)، وبهذا يكون أشد كواكب المجموعة الشمسية حرارة.

كيف وصل الزهرة لهذه الحالة المؤسفة؟ يستخدم العلماء المصطلح الملائم الاحتباس الحراري المتزايد لوصف ما حدث حين رفعت الأشعة تحت الحمراء المحتبسة بفعل الغلاف الجوي للزهرة من درجة الحرارة وشجعت الماء السائل على التبخر. أدى الماء المتبخر في الغلاف الجوي إلى حبس المزيد من الأشعة تحت الحمراء بفعالية أكبر، وهو ما عزز من عملية الاحتباس الحراري، وأدى بدوره إلى دخول المزيد من الماء للغلاف الجوي، الذي عزز تأثير الاحتباس الحراري أكثر. قرب قمة الغلاف الجوي للزهرة تحطم الأشعة فوق البنفسجية الآتية من الشمس جزيئات الماء إلى ذرات هيدروجين وأكسجين. وبسبب الحرارة العالية تتمكن ذرات الهيدروجين من الإفلات، بينما تتحد ذرات الأكسجين الأثقل بذرات أخرى، ولا تعود لتكون الماء ثانية. وبمرور الوقت تبخر كل الماء الذي كان موجودًا على - أو بالقرب من - سطح الزهرة - ولم يعد إلى الكوكب ثانية.

تحدث عمليات مشابهة على الأرض، لكن بمعدلات أقل بكثير؛ لأن حرارة الغلاف الجوي لدينا أقل بكثير. تشغل محيطاتنا الضخمة السواد الأعظم من سطح الأرض، مع أن عمقها المتواضع يمكنها فقط من أن تمثل واحدًا على خمسة آلاف من الكتلة الإجمالية للأرض. لكن حتى هذه النسبة اليسيرة تمكن المحيطات من أن تزن 1.5 كوينتيليون (مليون التريليون) طن، 2 بالمائة منها متجمدة. وإذا مرت الأرض بعملية احتباس حراري كتلك التي حدثت في الزهرة، فسيحبس غلافنا الجوي مقدارًا أكبر من الطاقة الشمسية، وهو ما سيرفع حرارة الهواء ويجعل المحيطات تتبخر بسرعة في الغلاف الجوي بينما تغلي بشكل مستمر. سيكون هذا سيئًا. فبالإضافة إلى السبل البديهية التي يمكن أن تفنى بها الحياة النباتية والحيوانية على الأرض، سيكون أحد مسببات هذا الهلاك هو زيادة ثقل الغلاف الجوي للأرض بثلاثمائة ضعف بفضل بخار الماء الذي يحويه؛ أي إننا سننسحق ونشوى بواسطة الهواء الذي نتنفسه.

إن ولعنا بالكواكب – وجهلنا بها – لا يقتصر على كوكب الزهرة وحده. فمن المؤكد أن المريخ، بمجاري أنهاره الطويلة الجافة المتعرجة المحفوظة لوقتنا هذا وسهول فيضاناته ودلتا أنهاره وشبكات روافده وأخاديده التي حفرتها الأنهار كان فيما مضى جنة بدائية عامرة بالمياه الجارية. وإذا كان لأي مكان آخر في المجموعة الشمسية خلاف الأرض أن يتفاخر بموارد مياهه المزدهرة، فلا بد أن هذا المكان هو المريخ. لكن لأسباب غير معروفة للمريخ اليوم سطح جاف تماما. إن الفحص الدقيق للزهرة والمريخ، أقرب كوكبين لنا، يجبرنا على النظر إلى الأرض بمنظور جديد والتعجب من مدى قابلية مخزون المياه السطحية لدينا للزوال سريعا.

EN

تصفح الموقع بالشكل العمودي