1

x

هدف البحث

بحث في العناوين

بحث في اسماء الكتب

بحث في اسماء المؤلفين

اختر القسم

القرآن الكريم
الفقه واصوله
العقائد الاسلامية
سيرة الرسول وآله
علم الرجال والحديث
الأخلاق والأدعية
اللغة العربية وعلومها
الأدب العربي
الأسرة والمجتمع
التاريخ
الجغرافية
الادارة والاقتصاد
القانون
الزراعة
علم الفيزياء
علم الكيمياء
علم الأحياء
الرياضيات
الهندسة المدنية
الأعلام
اللغة الأنكليزية

موافق

الحياة الاسرية

الزوج و الزوجة

الآباء والأمهات

الأبناء

مقبلون على الزواج

مشاكل و حلول

الطفولة

المراهقة والشباب

المرأة حقوق وواجبات

المجتمع و قضاياه

البيئة

آداب عامة

الوطن والسياسة

النظام المالي والانتاج

التنمية البشرية

التربية والتعليم

التربية الروحية والدينية

التربية الصحية والبدنية والجنسية

التربية العلمية والفكرية والثقافية

التربية النفسية والعاطفية

مفاهيم ونظم تربوية

معلومات عامة

الاسرة و المجتمع : الحياة الاسرية : مشاكل و حلول :

بذاءة الاطفال

المؤلف:  د. علي القائمي

المصدر:  الأسرة والطفل المشاكس

الجزء والصفحة:  ص211ــ219

8/12/2022

1326

من جملة المسائل التي تتعرض لها الاسرة هي الكلمات البذيئة التي تصدر من الطفل، وكثيراً ما يشعر الأب أو الأم بالحرج من جراء تفوهه بكلمات بذيئة امام الآخرين. فهو قد يتلفظ بمثل هذه الكلمات في كل مجلس دون تمييز بين القريب والغريب بمجرد ان يرى شيئاً يجري خلافاً لإرادته، وقد يقترن ذلك بالبكاء أيضاً مما يتسبب في ازعاج الآخرين وسلب راحتهم. اما الجذور الاساسية لمثل هذا التصرف، والتي سنشير إليها ضمن بحثنا هذا، فهي متباينة وتنم عن سوء الوضع التربوي والأخلاقي للطفل، وتسبب الخجل للوالدين والمربين. ولهذا يبدو من الضروري المسارعة لايجاد حل لها واجتثاثها من سلوك الطفل.

سلوك مثل هؤلاء الاطفال 

يتسم الطفل البذيء في كلامه بانعدام الصبر وقلة التحمل والحساسية المفرطة وسرعة الاستثارة والانهيار لأدنى سبب، والمبادرة الى افراغ ما في جعبته على شكل سُباب وشتائم. وفي الظروف الطبيعية يخفي مثل هذا الطفل مشاعره العدائية الا انه عندما تنفد طاقته يزيح عن وجهه قناع الحياء ويفصح كما شاء عما يكن في نفسه.

وطفل كهذا لا يظهر سلوكه في جميع الحالات على صورة سباب بل ويعمد عند الاستطاعة الى تعجيز خصمه وارغامه على الخضوع لرأيه. واذا ما حانت له الفرصة يهاجم ويضرب ليكون بعدها في راحة وسكينة، ولكن اذا حالت دون ذلك الظروف تراه يلجأ الى الشتائم والكلام االفاحش.

وفي بعض الحالات تنتابه نوبة من الغضب فيركل الارض برجله ويصرخ ويشتم نفسه والآخرين بصوت مرتفع. وهو على كل الاحوال لايتمتع بوضع طبيعي من حيث الهدوء والاستقرار.

الطفل واستعمال الالفاظ

ان طبيعة البحث تتطلب منا تسليط المزيد من الضوء على بعض أبعاده، ولهذا فاننا نلقي في ما يلي نظرة على مستوى معلومات الطفل ومدى معرفته بمداليل الكلمات والالفاظ المتداولة.

من المسلمات ان الطفل في مطلع أمره عاجز عن الكلام الا انه وبالتزامن مع نموه يسمع شيئا فشيئا بعض الكلمات من ابويه فيتكون في ذهنه مفهوماً اجمالياً عنها. وخلال السنة الاولى من عمره يصبح الطفل قادراً على فهم الكثير من معاني الكلمات من خلال الاصوات التي تصدر عن ابويه والاشخاص المحيطين الا انه يبقى عاجزاً عن الافصاح عنها، وعندما يبدأ بالنطق يقوم بتلفظ بعض الكلمات بشكل متقطع. وبعد هذه المرحلة، أي عند حوالي سن الثالثة من عمره يبدأ باصطياد الكلمات والمصطلحات.

يقترن تعلم الكلمات في بعض الاحوال بنوع من التأثير والاثارة التي تتركها هذه الكلمات حين استعمالها على السامع، ويطلع من خلال ذلك على حسن وقبح الكثير من المفاهيم فيجعل منها سلاحاً يشهره في سبيل بلوغ مقاصده وتحقيق مطاليبه.

وخلال الاستخدام المتكرر للكلمات يدرك الطفل تدريجياً ما هي الكلمات التي تترك تأثيرات سلبية، الكلمات التي تسر السامعين، وما هي الكلمات التي يستخدمها ليلفت اليه نظر أبويه، والكلمات التي يستثير بها حفيظتهما .

عدم الاطلاع التام

ومع هذا فهو ليس على تلك الدرجة من النضج بحيث يدرك كل معاني الكلمات، فقد يستخدم كلمة لايعرف معناها ويستشف حسنها وقبحها من خلال مواقف الوالدين منها وردود افعالهما، ويخطط على اساس ذلك لحياته المقبلة.

ومعنى هذا ان حساسية الوالدين والمحيطين تعتبر بالنسبة للطفل بمثابة المؤشر الذي يدرك من ورائه ما ينبغي له علمه. وهذا ما يتيح المجال للوالدين والمربين لاستخدام نفس هذه المسألة في معالجة هذا السلوك وذلك من خلال التظاهر بعدم بداء أي نوع من التأثر أو الحساسية ازاء الكلمات التي يتفوه بها لأن هذا الاسلوب يرغم الطفل على تناسي تلك الكلمات او تركها. وسيأتي بيان ذلك في موضع آخر. أما ما يجب التركيز عليه في هذا الموضع فهو ضرورة التفات الابوين الى اقوالهما وافعالهما لأنها تمثل بالنسبة للطفل درساً مؤثراً بحكم كونها من اغنى المصادر التربوية والتعليمية التي يستمد منها معلوماته.

هدف البذاءة

وهنا تبدو لنا هذه المسألة جديرة بالذكر وهي لماذا تصدر البذاءة من الطفل؟ ولماذا يشتم الآخرين ومنهم ابواه واخته واخوه ولماذا تتفاقم هذه الظاهرة أحياناً حتى تطاله هو شخصياً أي أنه لايعفي منها احداً حتى نفسه؟

ان دراسة نمط التفكير الذي يحكم سلوك مثل هؤلاء الاشخاص تظهر لنا جملة من النقاط التي يمكن من خلالها التعرف على بعض مقاصد الطفل واهدافه من هذا التصرف، ونشير في ما يلي الى نماذج منها.

١ -البغض: تظهر التجارب ان احد اسباب البذاءة الصادرة من الاطفال هو البغض والخصام, فكما ذكرنا سابقاً أي فيما لو كانت لدى الطفل قدرة التصدي لمن يعلم منه البغضاء فهو لا يتورع عن مواجهته بالضرب والعنف، الا انه حينما يفتقد مثل هذه القدرة يلجأ الى التعبير عن بغضه باستخدام السباب والشتائم والكلام البذيء.

الطفل يسمع هذه الالفاظ النابية من الآخرين وقد لايفقه معناها لكنه يعلم انها اذا قيلت للآخرين تثير غضبهم وعلى هذا الاساس يستخدم هذه الكلمة السيئة انطلاقاً مما تحمله من معان مؤذية.

٢ -التعبير عن الغضب: تعتري الطفل حالة من الغضب احياناً عند سماعه لكلام أو رأي أو حين رؤيته لموقف ما ولايرى سبيلاً يعبر به عن غضبه سوى التلفظ بالكلام البذيء. وهذا التصرف يختلف عن موضوع العداوة ذات الابعاد المسبقة والكراهية القديمة، بينما لا تمثل هنا الا ظاهرة فورية ودفاعية.

يتميز مثل هؤلاء الاطفال بالكتمان واخفاء الكلمات والتعابير النابية الى ان يحين موعدها المناسب. فاذا تمكن من خصمه اثناء فورة الغضب عضه وضربه واذا لم يتمكن منه شتمه.

٣ ـ الاحتقار والسخرية: يلاحظ أحياناً ان أب الطفل أو أمه يثنون على طفل اخر ويحمدون خصاله، ومن طبيعة الطفل انه يعتبر مثل هذه الثناء نوعا من الاهانة له، ولا يرى في مدح سواه الا احتقاراً لشخصيته. ولهذا السبب نراه يركن الى احد الزوايا ويكثر من شتم الشخص المذكور. أو قد يقوم الأب أو الأم بمكاشفته بمحاسن الطفل الآخر، فيأخذ هو بشتمه حتى في حالة غيابه ويستعمل في ذلك أقذع الالفاظ والشتائم لغرض النيل منه وتحطيم شخصيته.

كما ونلاحظ أيضاً أن التلاميذ الكسالى يصوغون مختلف التعبيرات التي يؤذون بها التلاميذ الأذكياء ويسخرون منهم أيضاً، والغرض النهائي هو تسكين الانفعال الداخلي الشديد في نفوسهم.

٤ -الانتقام: وقد يكون هدف الكلام البذيء في بعض الموارد هو الانتقام. فاذا تعرض الطفل للضرب من قبل ابيه مثلاً قد لا يجرؤ على مقالته بالمثل، ولايمكنه فعل شيء سوى البكاء والأنين، ولكن ما ان يخرج الأب من البيت حتى يتحول الى اسد على امه ويبدأ باطلاق الشتائم واللعنات عليه انتقاماً مما لقيه منه. وهكذا الحال أيضاً بالنسبة للطفل الذي يلقى العقوبة من المعلم أو المدير.

4- التنفيس عن العقد: ان الطفل الذي يستشعر الحرمان في حياته، كأن يكون مثلاً قد عجز عن الفوز في مسابقة، أو تعرض للاحتقار بين الآخرين ولم تكن له قدرة الدفاع عن نفسه، او ان وضعه العام لايتيح له مجاراة الآخرين، يحاول التعويض عن ذلك باستخدام العبارات النابية. أو أنه حينما يعجز عن التغلب على المعاناة المتواصلة التي يقع فيها يضطر لاستخدام الكلمات البذئية لكي ينفس عن معاناته.

٦ -الضغط على الآخرين واخضاعهم: الطفل يدرك عادة الوضع الذي يعيشه أبويه ويعلم مدى مكانتهما بين الآخرين. وحينما تكون لديه مطاليب يحاول طرحها أمامهم واذا رأى انها لاتلبى يعمد الى الضغط والكلمات القبيحة لغرض تلبية مطاليبه.

أي ان الكلمات البذيئة تستخدم من قبل الطفل في بعض الحالات كأداة للضغط على الآخرين، واخضاعهم؛ فهو يريد من خلال التفوه بهذه الكلمات ارغام المقابل على تنفيذ رأيه.

٧ -الاختبار: في بعض الحالات يحاول الطفل اختبار والديه ليرى مدى حساسية كل واحد منهما، وما هي الامور التي تثيرهما. فيبادر عن قصد للتلفظ ببعض الكلمات النابية ليغضبهما واذا نجح في مسعاه يظل يتخذ من هذا الاسلوب سلاحاً يشهره وقت الحاجة.

٨ -الشغب وسوء الاخلاق: واخيراً قد تحيط بالطفل ظروف يلمس فيها انعدام الأمن ويشعر بالخوف من امر مبهم فيندفع لاشعورياً نحو توفير مستلزمات الأمن لنفسه، ولهذا يأتي بالكلمات والافعال التي من شأنها اثارة غضب الآخرين من اجل وضع حد للقلق الذي يعاني منه. وهو يعكس في حقيقية امره المقولة الشائعة «جلده يحكه» لأنه يسعى من خلال الكناية والاستخفاف بوالديه والتلفظ بالكلمات القبيحة اثارة غضبهما ليقوم احدهما اليه ويشبعه ضرباً، فيشعر من بعدها بالراحة.

مواضع الاستعمال

وبناء على هذه الحالة التي صورناها تتبين لنا المواضع التي يحاول فيها الطفل استخدام الكلمات النابية لتحقيق اهدافه. الا ان ما تم التركيز عليه يختص بالغايات والمطاليب التي يستغلها لمثل هذه الكلمات، اما في ما يلي فسيكون التركيز على الموارد والحالات التي يستخدم فيها الطفل كلامه القبيح.

يتبين من خلال الدراسات ان مواضع استعمال الكلمات القبيحة اكثر ما تكون في الحالات والظروف التالية، وعلى اولياء الامور الحد جهد الامكان من حصول مثل هذه الظروف، والمواضع هي:

١ -عدم القدرة على بلوغ الهدف: يركز الطفل كل جهوده احياناً لتوفير المستلزمات الأولية لبلوغ هدف يصبوا إليه الا ان الظروف تحول دون ذلك فيظل محروماً منه، وتراه يضطر في مثل هذه الحالة الى افراغ كل ما لديه من شتائم وكلام قبيح، لينفس عن عقدته.

قد يكون الهدف الذي يسعى نحوه الطفل كبيراً في نفسه بحيث يكون على استعداد للبذل في سبيله، ولكن حينما يتعسر عليه بلوغه يصير تافهاً في نفسه الى درجة انه يصب عليه كل الشتائم واللعنات.

٢ -مواجهة الموانع والمعوقات: وهذه أيضاً حالة أخرى من حالات الاخفاق في بلوغ الهدف، فالطفل الذي يخصر عليه تناول الحلوى أو أي شيء آخر يحبه، يسعى للتعبير عن استيائه بكل اسلوب ممكن، كالسخط والغضب وركل الارض برجليه ويحتمل أيضاً ان يسب ويشتم.

وربما لايخلو الأب أو الأم من التقصير في هذا المجال؛ فقد يصدر منهما ومن غير سبب وجيه ما يؤذي الطفل ويجعلون في طريقه بعض الموانع والمعوقات التي تؤديبه الى التضحية بعزة نفسه والاستهانة بشخصيته.

٣ -الشعور بانعدام الموازين: ان الشعور بضياع الموازين يجعل الطفل في حالة اضطراب وشعور بالضغط. والطفل الذي يعيش في ضياع وحيرة يشعر بالألم، وهذا ما يدفعه للتلفظ ببعض الكلمات المستهجنة لانه يرى في ذلك راحة لنفسه. وتتجلى مظاهر سوء سلوكه بضرب الأبواب وركل الارض برجله والتمرد والعصيان. وكذلك يرى وجوب ان يعاقب على بعض تصرفاته السيئة ولكنه حينما لايلقى العقوبة يبقى في وضع بعيد عن الاستقرار ويريد ان يتحدد موقفه بشكل قطعي وان يلقى العقوبة جزاء عصيانه، والا فانه يواصل شتائمه وكلماته البذيئة.

٤ -الشعور بالفشل: قد يلجأ الطفل الذي يتعرض لظروف الفشل والهزيمة الى انتهاج اسلوب الكلمات النابية ويكثر من البذاءة في القول على سبيل مواساة نفسه، فهناك الكثير من الناس الذين لم يحققوا أي امتياز في الحياة ولم ينجحوا في امر من الامور، وانما تعرضوا لظروف ذاقوا فيها طعم الفشل وشعروا باليأس، ومن البديهي ان لا يعيش مثال هؤلاء الاطفال حياة طبيعية، بل هم كثيرو التذمر والشتم، وكثيراً ما يلعنون الاخرين.

٥ -وجود الضغوط: هنالك إطفال يجدون انفسهم في مواجهة ضغوط هائلة وضربات قاتلة، وقد يعيشون ظروفاً تجعل الآخرين يلقون عليهم باللوم والتقريع باستمرار اضافة الى ما يحيط بهم من مصاعب. ومما يزيد الطين بلة التشدد المتزايد من قبل الابوين بحيث يبدو وكأنهم لا يستطيعون التحرك الا باذنهما، ومن الطبيعي ان لايجد مثل هؤلاء الاطفال امامهم من سبيل لتخفيف وطأة الضغوط لا من خلال المجابهة التي لا تتيسر لهم على الدوام، أو عن طريق الشتائم واللعنات الخفية والمعلنة.

٦ -التهريج: الكلام البذيء الذي يصدر من الطفل له في بعض الأحيان دوافع من التهريج واثارة ضحك الآخرين لتكون له وجهة مقبولة عندهم.

تنبثق اسس هذه الظاهرة منذ وقت الطفولة المبكرة حينما يتلفظ الطفل وهو لايزال صغيراً ببعض الكلمات البذيئة فيثير استحسان الأبوين والمحيطين به بسبب جذابية كلامه ويلقى منهم التشجيع. وحينما يلمس الطفل طعم النجاح من جراء هذا الفعل ولا يستطيع بعد ذلك ان يتركه أو يكف عنه. ولغرض الشعور بمزيد من النجاح والحصول على تشجيع اكثر حرارة نراه يكرر ذلك التهريج في مواضع أخرى. ومن الطبيعي انه يصبح لاحقاً في وضع يكون قد كبر ولم تعد تلك الكلمات قبيحة بالنسبة له، هذا من جهة، ومن جهة اخرى لايمكنه ترك هذه العادة بسهولة. وبهذا يكون الوالدان والمحيطون هم السبب في ايجاد مثل هذا التصرف الطفولي الشاذ.

7ـ الوصول إلى طريق مغلق: قد يجد الطفل نفسه في بعض الظروف وقد انسدت جميع طرق الخلاص بوجهه ولم يعد امامه من مفر سوى سبيل الشتم والكلام القبيح، اذ يجد فيه المهرب الوحيد من حيرته وهو الاسلوب الوحيد الذي يعيد إليه الاستقرار والسكينة.

يصدق هذا الامر على الكبار أيضاً؛ فالإنسان يدافع عن نفسه ما وجد الى ذلك سبيلاً. ولكن حينما تضيق به سبل الدفاع لهذا السبب او ذاك تراه يتخذ أساليب أخرى ومنها اسلوب الشتم.