x
هدف البحث
بحث في العناوين
بحث في اسماء الكتب
بحث في اسماء المؤلفين
اختر القسم
موافق
الحياة الاسرية
الزوج و الزوجة
الآباء والأمهات
الأبناء
مقبلون على الزواج
مشاكل و حلول
الطفولة
المراهقة والشباب
المرأة حقوق وواجبات
المجتمع و قضاياه
البيئة
آداب عامة
الوطن والسياسة
النظام المالي والانتاج
التنمية البشرية
التربية والتعليم
التربية الروحية والدينية
التربية الصحية والبدنية والجنسية
التربية العلمية والفكرية والثقافية
التربية النفسية والعاطفية
مفاهيم ونظم تربوية
معلومات عامة
مشكلة الهروب من المدرسة
المؤلف: د. محمد أيوب شحيمي
المصدر: مشاكل الاطفال...! كيف نفهمها؟
الجزء والصفحة: ص21 ــ 31
26-1-2023
6029
هذه المشكلة تعد مشكلة اجتماعية - تربوية، وبالتالي اقتصادية، تقلق الكثيرين من الأهل ورغم أن النسبة التي تشير إليها الإحصاءات لحالة الهروب من المدرسة هي نسبة ضئيلة، لكن ذلك لا يمنع كونها مشكلة، يجب البحث عن أسبابها وجذورها لمحاولة علاجها ووضع حد لها، خاصة وأن الهاربين من المدرسة سيشكلون دفعاً جديدا لعدد الأميين الجاهلين في المجتمع أو قد ينحرف قسم كبير منهم إلى أعمال تضر بهم شخصياً وتلحق ضرراً بالمجتمع.
ويلاحظ أنه في المناطق المتخلفة لا يبدي الأهل كثيراً من الاهتمام لمسألة ترك الدراسة في المرحلة الابتدائية طالما أن أولادهم يقومون بمساعدتهم في العمل الزراعي أو التجاري وبالتالي فهم في نظرهم - منتجون - ويغيب عن بال هؤلاء الأهل أنه لو أتم هؤلاء الأطفال تعليمهم لكانوا من المنتجين أكثر، ولكانوا من المساهمين أكثر في تطور المجتمع وكانوا أقدر على التعامل مع المحيط الذي يعيشون فيه.
أسباب الهروب من المدرسة:
أسباب الهروب من المدرسة كثيرة منها:
أـ الأسباب الصحية:
قد يضطر الطفل للغياب لأسباب صحية بدافع المعالجة والنقاهة (الاستراحة في البيت) لفترات متعددة، مما يجعله يتأخر عن اللحاق برفاقه الذين نالوا قسطاً أكبر من التعليم، وشرح لهم المزيد من الدروس، مما يتسبب في تخلفه في بعض أو معظم المواد، حيث ينال الدرجات المنخفضة، فيشعر بالإحباط والفشل ويتوتر، ولا يجد أمام هذه الحالة النفسية الأليمة مندوحة من ترك المدرسة، والهروب من واقع لا يرضاه ولم يستطع معالجته بطرق منطقية واعية. وهذا النوع من الهروب دليل على سوء التكيف مع الجو الدراسي السائد في الصف.
ب- المعاملة السيئة:
وقد تكون المعاملة السيئة، أو القاسية، والسخرية من قبل المدرسين والمسؤولين التربويين هي السبب في الهروب، للتخلص من الإهانة والقصاص وذلك كما نرى في هذه الحالة من حالات ترك المدرسة، التي عرضت علي خلال عملي التربوي. وهذا موجز لوصف الحالة: كان خليل تلميذا مجتهداً في المرحلة الابتدائية، وهو محط أنظار الرفاق جميعاً يأمر فيطاع، يحظى باحترام من هم في سنه، وهم يولونه أمر تنظيم اللعب والرحلات يُصلح بين التلامذة إذا ما حدث خصام بينهم، مسموع الكلمة، كل سماته تؤهله للقيادة، الأول في تصنيف الدرجات. كل المعلمين في المدرسة يعرفون همته ونشاطه وخليل هذا في الصف الرابع الابتدائي، من أسرة فقيرة تعلق أهمية كبرى على نجاحه يتيم الأب، تعمل والدته في الحقل، وفي تربية الأبقار وبيع حليبها لتنفق عليه وعلى أخوته. لم تقم حفلة من الحفلات المدرسية إلاّ وكان نجماً من نجومها.
لعدة أيام متوالية تبدل أمر خليل فقد أهمل دروسه وفروضه المدرسية وانطوى على نفسه، لم تدرس حالته الاجتماعية في الوقت المناسب، لم تجرِ إدارة المدرسة حتى مجرد استقصاء للأسباب الجوهرية الكامنة وراء هذا التحول المفاجئ نحو الأسوأ والمدرسة بعيدة عن المدينة ، في قرية نائية، وعالج المدير المشكلة بالطريقة التقليدية المتوفرة لديه والتي يعتقد أنها الأنفع والأجدى، فقد استدعى المدير (خليلا) وأراد أن يجعل منه عبرة لمن يعتبر - كما وصف ذلك المدير بالنص الحرفي - وجال به على جميع غرف المدرسة، وكان كلما دخل صفاً من الصفوف أشار إلى خليل باحتقار: ... هذا هو المجتهد سابقاً وقد تحول إلى (...)، كلمة تحقير مشينة بالكرامة الانسانية. وطلب إلى التلامذة أن يصفقوا له ولكن بأرجلهم تحقيراً، وطلب إليهم أن يسخروا منه ويضحكوا. ورأى التلامذة الأشقياء في ذلك فرصة للضحك والفوضى في حين كان يتمزق خليل غيضاً وحقدا وانتقاماً فما إن اكتملت جولة الإذلال المرعبة هذه، حتى أطلق ساقيه للريح، وكان الانصراف أو الهروب النهائي من المدرسة، وأعقب ذلك مساء بجولة انتقامية من جميع الذين ضحكوا عليه وسخروا منه. ولم تفلح جميع المحاولات الرامية لإعادته إلى المدرسة كما فشلت جميع وسائل الاغراء... وترك المدرسة وإلى الأبد.
ومتابعة للحالة. فخليل هذا الذي غادر المدرسة على أثر الصدمة التي صفعت كبرياءه لا يزال حتى اليوم وقد أصبح رجلاً تبدو عليه ملامح الذكاء التي كان يمتلكها، وهو رجل ناجح اجتماعياً واقتصادياً وعائلياً. استعاد موقع الثقة والتقدير من عارفيه الكبار، ولكنه لا يزال يشعر بالأسى وبمسحة من الألم نتيجة عدم إتمامه لدراسته أسوة بزملاء كان أكثر منهم نشاطاً واجتهاداً.
ليست القصة من نسج الخيال، بطلها ما زال حتى اليوم شاهداً على سوء التصرف التربوي فلو حاولنا تحليل هذه الحالة والخروج بخلاصة لبدا لنا ما يلي:
1ـ إن أسلوب التحقير (وهو عقاب نفسي قاسٍ) هو أسلوب خاطئ، ظالم بعيد عن المفاهيم التربوية، ويزيد من النقمة والنفور.
2ـ كان على المدير أن يحيط التلميذ بعطفه وبمحبته ويذكره بإنجازاته المشرقة السابقة، ويكتفي بتوجيه اللوم الرقيق، ويتسامح معه ويقبل عذره.
3- كان على المدير ان يفتش عن الأسباب الجوهرية الأساسية والتي لم يقلها التلميذ وهي التي أدت إلى التغيير والكسل والتأخر ـ وهذا أمر يعتبر عارضاً - فهو لو فعل ذلك لتبين له أن ظروفاً اجتماعية قاسية يمر بها البيت، فهناك نزاعات عائلية خطيرة بعد وفاة الأب تهدد بتفكك العائلة. حيث تقوم نزاعات بين (عم خليل)، شقيق والده، وبين والدة خليل، حيث يطمع هذا العم بالاستئثار بتركة أولاد أخيه اليتامى وحرمانهم من حقهم، والنزاعات مازالت على أشدها - هذا ما علمته عن تفاصيل المشكلة بعد فوات الأوان.
4- لو كان للمدير الثقافة التربوية الكافية لقام بنفسه بدراسة الحالة أو أحالها على مرشد تربوي للنظر فيها.
5- لو اطلع المدير على ملف التلميذ السابق، لوجد أن هذه الظاهرة هي جديدة ودخيلة على واقعه المدرسي، وهي جديرة بالنظر، ويجب وضع علامات الاستفهام حولها للوصول إلى الإجابات الثانية.
6 - يلام المدرس الذي أحال القضية إلى المدير، فالمدرس هنا يوقع صكاً بعجزه أو اعترافاً بإهماله، وعدم رغبته في معالجة أمور الطلاب الكسالى أو الذين يمرون في ظروف استثنائية.
ولو حاولنا أن نبحث عن حالات مشابهة، لوجدنا كثيراً منها. وكما أن أخطاء الأطباء يدفنها القبر، فأخطاء المدرسين يدفنها الزمن، وتندرج ظلماً وتعسفاً بعد ذلك تحت عنوان: الولد كسول وليس يستأهل العلم، والحقيقة ربما تكون معكوسة، فالمعلم ليس معلماً والولد هو الضحية.
ج- عدم ملاءمة المقرر:
وفي أسباب أخرى نجد أن بعض التلامذة لا تلائمهم دراسات نظرية معينة فيسأمون ويملون، ونتيجة غياب التوجيه التربوي والمهني يلجأون إلى الوسيلة السلبية المتمثلة في ترك المدرسة عن طريق الهروب، في الوقت الذي كان يمكن فيه تفادي هذه المشكلة من خلال إعادة النظر في المقررات.
د- عدم النضج العقلي الكافي:
بعض الأطفال يرسلون إلى المدارس في سن مبكرة، وقبل الوصول إلى مرحلة النضج العقلي والانفعالي. حيث لم تتكون لديهم بعد فكرة صحيحة عن التعليم وفوائده في مرحلة الروضة أو المرحلة الابتدائية، ولا يفقهون من المدرسة إلا أنها مصادرة لحريتهم وقمع لرغباتهم وتجاهل لمتطلباتهم، فيذهبون إليها مكرهين، ينتظرون أول فرصة تتاح لهم لتحطيم هذا الطوق، فيتركون المدرسة.
والمؤسف في الأمر أن الأهل غاباً ما تكون أحكامهم على هذا السلوك غير صحيحة، وغير واعية، فيقومون بعملية قمع وضغط مضادة لإعادة الطفل إلى المدرسة فيستبدلون مشكلة الهروب بمشكلة أخرى هي مشكلة التخلف الدراسي والرسوب. وهنا لا بد من الإشارة إلى أن النضج لا يعني بالضرورة بلوغ سن معينة تؤهل الطفل لدخول المدرسة، فالمقصود بالنضج هو النضج النفسي والعقلي والانفعالي والذي يعتبر شيئاً أبعد من العمر الزمني ونسبة الذكاء، والاستعداد المتعلم يعتمد أيضاً على العامل المعرفي والعامل الاجتماعي أو النضج الاجتماعي، وغالباً ما يكون ذلك كله مسبوقاً بالتمرين والتدريب والتلامذة الذين يفشلون في دراستهم هم في غالبيتهم من أولئك الذين لم يكن لهم حظ العناية من الوسط الأسري، ولم يتم تزويدهم بفكرة مسبقة عن المدرسة وفوائدها.
والسائد اليوم أن الأهل يتعجلون في إرسال أولادهم إلى المدارس، ويفرحون جدا إذا ما أرسلوا في سنوات مبكرة بل ويفاخرون في ذلك، ويدعون أن أطفالهم ناضجون واعون ويعبرون عن ذلك بقولهم (هم أكبر من عمرهم)، وربما يعنون بذلك أن العمر العقلي عند الواحد منهم هو أكبر من العمر الزمني، ويتصرف الأهل كذلك وكأنهم في مجال السباق، والذي يدخل هذا الميدان قبل غيره من الأطفال يتخرج قبله أو يصل قبله. وفي ذلك حسب وجهة نظرهم نوع من السبق وكسب الوقت، وتوفير سنة من سنوات العمر يخشى أن تذهب هباءً كما يدعون.
لكن من وجهة النظر التربوية فإن دخول الأطفال إلى الروضات، أو إلى المدارس الابتدائية قبل اكتمال النضج من شأنه أن ينعكس سلباً على هؤلاء الأطفال، وربما يكون سبباً في تركهم للدراسة أو تأخرهم أو فشلهم المدرسي.
(وهناك اتجاه عالمي لتأخير سن الالزام إلى ما بعد السادسة، وقد أثبتت الأبحاث التي أجريت في مجال التحصيل المدرسي أنه كلما كبر سن الطفل عند بداية دخوله إلى المدرسة الإلزامية كلما كانت فرصة نجاحه أكبر في مجال التعليم وفي المجال الاجتماعي والانفعالي)(1)، حتى أنه ثبت كذلك أن معظم الذين أدخلوا المدرسة الإلزامية قبل سن السادسة، قد اضطر قسم منهم للإعادة، وتأخر قسم آخر عن رفاقهم الذين دخلوا هذه المدرسة بعد سن السادسة من العمر. كل ذلك يعطينا الدليل الكافي على ضرورة التريث والتروي قبل تحديد موعد إرسال الطفل إلى المدرسة. وللأفكار التي يكونها الطفل عن المدرسة (من خلال الجو الأسري)، لها تأثير كبير على بقائه ونجاحه فيها أو هروبه منها وتركه لها. هي أن بعض الأطفال لديهم فكرة مسبقة مشوهة وغير صحيحة عن المدرسة.
هـ- معاملة الأهل:
بعض الأهل يتسمون بالعاطفة الشديدة نحو أطفالهم، وبخاصة الأم التي تشعر في الأيام الأولى لذهاب طفلها إلى المدرسة وكأن هذه المدرسة تنتزع منها هذا الطفل، فتظهر نتيجة لهذا الشعور المزيد من العطف والاهتمام، وذلك ما يثير تساؤلات الطفل، ويشكل لديه علامات استفهام حول هذه المؤسسة الجديدة التي تبعده عن أمه، وتسبب قلقها الشديد عليه والذي يتمثل بسلوكياتها نحوه التي تبلغ أحياناً حد المبالغة. وبذلك تتشكل عند الطفل نواة الشعور بالكراهية والنفور من المدرسة، بناء على التصور الذي تكون لديه.
من ناحية أخرى فإن بعض الآباء يسقطون طموحاتهم على أبنائهم الذين يريدون لهم نجاحاً باهرا يشبع لهم هذا الطموح ويحقق لهم الأهداف التي افتقدوها أو التي كانوا يتمنون الوصول إليها فيعتمدون على وسائل تربوية خاطئة تتمثل بالقسوة والضبط الشديد والإكراه على زيادة التحصيل والتفوق فتنقلب الأمور إلى عكسها تماماً، فيفر الأطفال من هذا الضغط الذي لا يطيقون احتماله فيهربون من المدرسة. كما أن نظرة الأهل الظالمة إلى التعلم وإلى المدرسين يتقمصها الأطفال وتتحول لديهم إلى سلوك انعكاسي ضد المدرسة والقائمين عليها فيهربون.
و- القصاصات:
كان ذلك في الماضي، حيث كانت القصاصات جسدية قاسية وكان الخوف منها هو السبب الرئيسي للهروب من المدرسة، أما اليوم فالتربية الحديثة تميل إلى إلغاء القصاص الجسدي، وحتى القصاص المعنوي أو النفسي المتمثل بالتحقير والتقريع واستبداله بالحوافز والتشجيع والإثابة. فإشعار الطفل بالمهانة وبالتقصير وبعدم صلاحيته للتعلم أو بمقارنته بأخوته أو بأبناء الجيران بطريقة عنيفة مشفوعة باللوم الشديد والعتاب المر، من شأن ذلك أن يدفعه إلى أحضان رفقة السوء حيث يجد عطفاً لديهم بالإضافة إلى بعض الاغراءات بأنواع اللعب أو النزهات أو ممارسة بعض الأنشطة التي يحرم منها الطفل في بيته.
علاج ظاهرة الهروب من المدرسة
لا علاج لمشكلة ما لم يتم تشخيصها، فقد تكون أسباب الهروب عائدة إلى المدرسة ذاتها أو إلى الأهل وأجوائهم المنزلية غير الملائمة، أو إلى الطفل نفسه، ولكل حالة من هذه الحالات طريقة خاصة يمكن اعتمادها لمعالجة المشكلة.
هناك قواعد عامة تصلح كعلاج لهذه الظاهرة، وهي ذات شقين أحدهما وقائي والثاني علاجي، وأبرز هذه القواعد الوقائية.
1- خلق الأجواء الأسرية الهادئة الموحية بالثقة والمشبعة بروح التفاؤل والتي تبث في أطفالها روح الاندفاع والرغبة والتشويق لبلوغ هذا الحلم اللذيذ (المدرسة)، وذلك قبل وصول الطفل إلى هذه المدرسة بأيام أو بأشهر قلائل، لأن عملية التشويق والترغيب في مثل هذه الأيام الأخيرة تكون عديمة الفائدة، لأنها تبدو مغرضة ومكشوفة، لا يخفى أمرها على الطفل فلا يتقبلها بالسهولة التي يتصورها، ومن هنا فإننا ندعو لتهيئة الأجواء الخاصة بقبول المدرسة قبل الدخول إليها بزمن بعيد.
2- القيام بإجراء بعض الاختبارات النفسية والاجتماعية، للتأكد من نمو نضج الطفل قبل اتخاذ القرار بإرساله إلى المدرسة، لأن العمر الزمني ليس كافياً للدلالة على النضج.
3- أن تتوفر في المدرسة جميع المشوقات والوسائل التربوية الحديثة التي تشد وتجذب الطفل إليها، حيث يجد فيها ما يشبع رغباته الطفولية، وحاجاته المختلفة، ويكون فيها المدرسون بمثابة البدائل للوالدين.
4- تدريب المعلمين وإعدادهم إعداداً تربوياً جيداً، ليس على إتقان طرق التدريس الحديثة وحسب بل بتزويدهم بثقافة تربوية ونفسية عالية، يكون على رأس اهتماماتها معرفة تكون شخصية الطفل وحاجاته ومشكلاته، وكيفية حل هذه المشكلات بطرق تربوية سليمة، وأن يزود هؤلاء المدرسون بمعلومات وافية عن الفروق الفردية ودرجات الذكاء، وطرق استخدام الاختبارات النفسية والتحصيلية وطرق الإفادة منها في العملية التربوية.
5- منح الطفل الحب والعطف والحنان والتقدير والاصغاء له سواء في البيت أو في المدرسة وبذلك ينعم بحياة نفسية هادئة، لا اضطراب فيها ولا توتر فيقبل على التحصيل بجد ونشاط، وتتلاشى فكرة الهروب من المدرسة عند التلامذة النشيطين.
المتاعب المدرسية:
لا يمكننا أن ننكر حالة التعب التي يتعرض لها الأطفال في حياتهم المدرسية نتيجة النقلة المفاجئة من الأجواء الحافلة بالحرية والحركة واللهو إلى أجواء ذات قيود، تتفاوت في حدتها بين مدرسة وأخرى. (فالحياة المدرسية بالنسبة للطفل تعني ما تعنيه الحياة الذهنية بالنسبة للراشد، فهي شغله الشاغل، وهي تستنفذ أكبر قسط من نشاطه واهتمامه)(2). وغالباً ما نرى هبوطاً سريعاً عند بعض التلامذة، كانوا يعملون بجد، وبنجاح ينالون المكافآت، وفجأة يهبط مستوى نتائجهم المدرسية فيصابون بالبلادة والخمول وأول ما يجب أن نبحث عنه في هذه الحالة:
- النقص الفسيولوجي، كالإصابة ببعض الأمراض التي لم يفصح عنها الطفل، وخاصة مسألة النشاط الغددي، أو قصر النظر أو حاسة السمع، أو آلام المفاصل أو ما شابه ذلك. والمظاهر الخارجية ليست كافية فلا بد من الكشف الطبي.
- البحث في ما إذا كان يوجد بعض المتاعب النفسية نتيجة تكليفه ببعض الأعمال التي تفوق طاقته.
- البحث في المشاكل العائلية - إن وجدت - ومناقشتها وإمكانية حلها لإبعاد انعكاساتها عن الطفل.
- البحث في علاقته بالمدرسين والأنظمة المدرسية، ومحاولة الاستماع إلى رأيه.
ونحن نلاحظ الأطفال عندما يعودون إلى البيت بعد انتهاء حصص التدريس يتحدثون عن المدرسة، وما جرى لهم فيها، وعلى الأهل أن يبدوا اهتماماً بهذه الأحاديث، فمنها يفهمون تطور حياة الطفل واهتمامه، ويجب الإصغاء لهم دون توجيه النقد، وإن كان ما يستوجب ذلك، فليكن بطريقة لطيفة هادئة، موجهة بأسلوب الحوار الرصين، حتى لا يشعر الطفل بعدها بالإحباط وهو قد يحجم في المرات القادمة عن عرض مشاكله أو معاناته المدرسية أمام والديه، ليبقيها في داخله مكبوتة تتحول إلى سلوكيات شاذة بين الحين والآخر، فتقديم المشورة دون التدخل المباشر هي السبيل الأفضل للحل في مثل هذه الحالة.
- وأكثر ما يقلق الطفل، مسألة عرض التقرير عن وضعه الدراسي أو ما يسمى ببطاقة العلامات على والديه، فإذا قوبلت درجاته المتدنية بالنفور والصياح والتهديد والقصاص وما شابه ذلك، فإنه سيلجأ في المرات القادمة وللخلاص (من هذه المحنة)، إلى تزوير أو إخفاء هذا التقرير، فيكون الأهل قد أضافوا مشاكل جديدة إلى المشكلة الأساسية التي هي التخلف الدراسي، فلابد في هذه الحالة من تجنب الغضب والثورة واستبدال ذلك بمحاولة مساعدته بروية وتؤدة.
(ويمكن اعتبار الآباء الطموحين كعامل في خلق مواقف انفعالية تؤدي إلى الاخفاق المدرسي)(3)، فمثل هؤلاء الآباء يبالغون كثيراً في تقدير الدرجات المدرسية، وأهمية النجاح المدرسي، ويغفلون عما عدا ذلك من القوى والامكانات وإرغام الأبناء على الحصول على درجات مدرسية ممتازة، ليس سوى إرضاء لغرور الآباء الشخصي، وهي أنانية واضحة، يريد الآباء إظهارها من خلال تشددهم مع أطفالهم.
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
1ـ د. محمد عبد المؤمن حسين. (مشكلات الطفل النفسية) ص 158.
2ـ أندريه آرتوس، طفلك ذلك المجهول، ص 150.
3ـ دوجلاس توم، توجيه المراهق، ص 114.