المرجع الالكتروني للمعلوماتية
المرجع الألكتروني للمعلوماتية

الحديث والرجال والتراجم
عدد المواضيع في هذا القسم 6251 موضوعاً

Untitled Document
أبحث عن شيء أخر المرجع الالكتروني للمعلوماتية
تـشكيـل اتـجاهات المـستـهلك والعوامـل المؤثـرة عليـها
2024-11-27
النـماذج النـظريـة لاتـجاهـات المـستـهلـك
2024-11-27
{اصبروا وصابروا ورابطوا }
2024-11-27
الله لا يضيع اجر عامل
2024-11-27
ذكر الله
2024-11-27
الاختبار في ذبل الأموال والأنفس
2024-11-27

أحوال عدد من رجال الأسانيد / سماعة بن مهران.
2023-04-06
تحضير مادة فنيل هيدرازايد (Phenyl hydrazide)
2024-09-23
ميكانيكا الموائع fluid mechanics
23-5-2019
الْبُلُوغُ الَّذِي يَجِبُ مَعَهُ الْعِبَادَةُ
24-8-2017
آداب الأرحـــام
2024-08-28
Face
27-7-2021


الشيخ عز الدين حسين بن عبد الصمد بن شمس الدين محمد بن علي  
  
1297   02:39 مساءً   التاريخ: 10-6-2017
المؤلف : السيد محسن الأمين.
الكتاب أو المصدر : أعيان الشيعة.
الجزء والصفحة : ج 6 - ص 56
القسم : الحديث والرجال والتراجم / علماء القرن العاشر الهجري /

الشيخ عز الدين حسين بن عبد الصمد بن شمس الدين محمد بن علي بن حسين بن محمد بن صالح العاملي الجبعي الحارثي الهمداني والد الشيخ البهائي مولده ووفاته ومدفنه في الرياض عن خط المترجم له انه قال: مولد هذا الفقير الكاتب أول يوم من المحرم سنة 918 وكتب ولده الشيخ البهائي بخطه تحت مولد أبيه انتقل إلى دار القرار ومجاورة النبي ص والأئمة الأطهار في 8 ربيع الأول سنة 984 فكان عمره 66 سنة وشهرين وسبعة أيام اه‍. وكانت وفاته بالبحرين بقرية المصلى من قرى هجر ودفن بها.
نسبته الحارثي نسبة إلى الحارث ابن عبد الله الأعور الهمداني صاحب أمير المؤمنين ع ومن أخص أصحابه والهمداني نسبة إلى همدان بسكون الميم وبالدال قبيلة من اليمن وللحارث مع أمير المؤمنين ع اخبار كثيرة ذكرت في ترجمته.

أقوال العلماء في حقه :

كان المترجم تلميذا للشهيد الثاني وهو صاحبه في سفر اسلامبول كما يأتي وأجازه الشهيد الثاني بإجازة طويلة مفصلة ذكرها بتمامها الشيخ يوسف البحراني في كشكوله وهي بتاريخ 941 قال فيها: ثم إن الأخ في الله المصطفى في الاخوة المختار المرتقي عن حضيض التقليد إلى أوج اليقين الشيخ الامام العالم الأوحد ذا النفس الطاهرة الزكية والهمة الباهرة العلية والأخلاق الزاهرة الإنسية عضد الاسلام والمسلمين عز الدنيا والدين حسين ابن الشيخ الصالح العالم العامل المتفن المتفنن خلاصة الأخيار الشيخ عبد الصمد ابن الشيخ الامام شمس الدين محمد الشهير بالجبعي أسعد الله جده وجدد سعده وكبت عدوه وضده ممن انقطع بكليته إلى طلب المعالي ووصل يقظة الأيام باحياء الليالي حتى أحرز السبق في مجاري ميدانه وحصل بفضله السبق على سائر أترابه وأقرانه وصرف برهة من زمانه في تحصيل هذا العلم وحصل منه على أكمل نصيب وأوفر سهم فقرأ على هذا الضعيف وسمع كتبا كثيرة في الفقه والأصولين والمنطق وغيرها فمما قرأه من كتب أصول الفقه مبادئ الوصول وتهذيب الأصول من مصنفات الداعي إلى الله تعالى جمال الدين الحسن بن يوسف ابن المطهر قدس سره وشرح جامع البين في مسائل الشرحين للشيخ الامام الأعلى شمس الدين محمد ابن مكي عرج الله  بروحه إلى دار القرار وجمع بينه وبين أئمته الأطهار ومن كتب المنطق رسائل كثيرة منها الرسالة الشمسية للامام نجم الدين الكاتبي القزويني وشرحها للامام العلامة سلطان المحققين والمدققين قطب الدين محمد بن محمد بن أبي جعفر بن بابويه بويه الرازي أنار الله برهانه وأعلى في الجنان شانه ومما سمع من كتب الفقه كتاب الشرائع والارشاد وقرأ جميع كتاب قواعد الأحكام في معرفة الحلال والحرام من مصنفات شيخنا الامام الأعلم أستاذ الكل في الكل جمال الدين أبي منصور الحسن بن يوسف بن المطهر قراءة مهذبة محققة جمعت بين تهذيب المسائل وتنقيح الدلائل حسبما وسعته الطاقة واقتضت الحال وقرأ وسمع كتب أخرى اه‍. ما أردنا نقله منها. وفي أمل الآمل كان عالما ماهرا محققا مدققا متبحرا جامعا أديبا منشئا شاعرا عظيم الشأن جليل القدر ثقة من فضلاء تلاميذه شيخنا الشهيد الثاني وقد اجازه الشهيد الثاني إجازة عامة مطولة مفصلة نقلنا منها كثيرا في هذا الكتاب وكان المحقق الكركي الشيخ علي بن عبد العالي أمر أهل عراق العجم وخراسان أن يجعلوا الجدي حال الصلاة بين الكتفين وغير محاريب كثيرة فخالفه المترجم في ذلك وألف فيه رسالة سماها تحفة أهل الايمان في قبلة عراق العجم وخراسان لأن طول تلك البلاد يزيد على طول مكة كثيرا وكذا عرضها فليزم انحرافهم عن الجنوب إلى المغرب كثيرا ففي بعضها كالمشهد بقدر نصف المسافة خمسا وأربعين درجة وفي بعضها أكثر وفي بعضها أقل وكان سافر إلى خراسان وأقام في هراة وكان شيخ الاسلام بها ثم انتقل إلى البحرين وبها مات سنة 984 وكن عمره 66 سنة اه‍. وفي رياض العلماء كان فاضلا عالما جليلا أصوليا متكلما فقيها محدثا شاعرا ماهرا في صنعة اللغز وله الغاز مشهورة خاطب بها ولده البهائي فاجابه هو بأحسن منها وهما مشهوران وفي المجاميع مسطوران وكان والده وجده أيضا من العلماء وكذا ولده الآخر الشيخ عبد الصمد وكان معظما عند الشاه طهماسب الصفوي بعد ما جاء إلى بلاد العجم لما توفي المحقق الشيخ علي الكركي وهو من القائلين بوجوب الجمعة في زمن الغيبة عينا والمواظبين على اقامتها في بلاد العجم لا سيما خراسان وقال المولى مظفر علي أحد تلاميذ ولده البهائي في رسالته الفارسية التي عملها في أحوال شيخه البهائي على ما حكاه صاحب الرياض: وكان والد هذا الشيخ أي البهائي في زمانه من مشاهير فحول العلماء الاعلام والفقهاء الكرام وكان في تحصيل العلوم والمعارف وتحقيق مطالب الأصول والفروع مشاركا ومعاصرا للشهيد الثاني بل لم يكن له قدس الله سره في علم الحديث والتفسير والفقه والرياضي عديل في عصره وله فيها مصنفات اه‍.

قوله مشاركا ومعاصرا للشهيد الثاني. لفظ المشاركة يستعمل عادة في المشاركة في الدرس عند الشيخ والمترجم له كان تلميذ الشهيد الثاني لا شريكه في الدرس نعم كان يقابل معه بعض كتب الحديث ولعل الاشتباه حصل من ترجمة العبارة الفارسية إلى العربية وهذا كما يأتي عن تاريخ عالم آراي عباسي من أنه كان مشاركا للشهيد الثاني في تصحيح الكتب وتحصيل مقدمات الاجتهاد واجبنا عنه هناك بما يمكن ان يجاب به هنا.
وقال المولى نظام الدين محمد القرشي تلميذ ولده البهائي أيضا في كتابه نظام الأقوال في أحوال الرجال في حقه الحسين بن عبد الصمد بن محمد الجبعي الحارثي الهمداني الشيخ العالم الأوحد صاحب النفس الطاهرة الزكية والهمة الباهرة العلية والد شيخنا واستاذنا ومن إليه في العلوم استنادنا أدام الله ظله البهي من أجلة مشايخنا قدس الله روحه الشريفة كان عالما فاضلا مطلعا على التواريخ ماهرا في اللغات مستحضرا للنوادر والأمثال وكان ممن جدد قراءة كتب الأحاديث ببلاد العجم له مؤلفات جليلة ورسالات جميلة اه‍.

ويدل على اعتنائه بعلم الحديث انه كتب التهذيب بخط يده وقابله مع شيخه الشهيد الثاني على النسخة التي بخط المؤلف.

في الرياض رأيت نسخة التهذيب التي بخط المترجم وهي التي قابلها مع الشهيد الثاني بالنسخة التي بخط الشيخ الطوسي ورأيت مجلدين من النسخة التي بخط الشيخ الطوسي أيضا بين كتب الشهيد الثاني وعليها خط المترجم بأنه قابل بها.

وقرأ فهرست الشيخ الطوسي على شيخه المذكور وصححه وضبطه واشتغل بذلك في شهر رمضان الذي تشتغل الناس فيه بالعبادة لأنهما رأيا أن ذلك من أفضل العبادات في الرياض رأيت نسخة من فهرست الشيخ الطوسي قرأها المترجم على الشهيد الثاني وكتب الشهيد الثاني بخطه في آخرها: أنهاه أيده الله تعالى وسدده وادام مجده وأسعده قراءة وتصحيحا وضبطا في مجالس آخرها يوم الأحد منتصف شهر رمضان المبارك سنة 954 وأنا الفقير إلى الله تعالى زين الدين بن علي بن أحمد الشامي العاملي حامدا مصليا مسلما اه‍.

وأنا رأيت هذه النسخة بعينها في طهران عام 1353 وعليها خط الشهيد الثاني المذكور كما ذكر، وهو خط جميل وقد كتب تحته هذا خط شيخنا الشهيد الثاني وأظن أن الكاتب الشيخ البهائي وكتب كاتب النسخة في آخرها ما لفظه وافق الفراغ من هذا الكتاب عشية نهار السبت العاشر من شهر ربيع الأول سنة 954 وكتبه العبد الفقير إلى رحمة ربه محمد بن محمد الحسيني البعلي وكانت هذه النسخة ملك المترجم ثم انتقلت إلى ولديه الشيخ البهائي وأخيه عبد الصمد وكتب عليها الشيخ البهائي بخطه الجميل: هذا مشترك بيني وبين أخي عبد الصمد أطال الله بقاءه ثم انتقلت النسخة إلى من وقفها وكتب صورة وقفها على ظهرها وكانت رؤيتي لها قبل مغادرتي طهران بيسير فتعهد لي السيد الفاضل الصالح النجيب السيد مصطفى الموسوي الشيرازي البيرمي مولدا الرازي موطنا الحجازي لقبا بنسخها فنسخها وأحضرها لي معه إلى دمشق في طريقه إلى الحجاز جزاه الله عني خيرا.
وبالجملة فقد دلت مؤلفاته على رسوخ قدمه وتقدمه في العلوم الدينية من الفقه وعلم الحديث والدراية والتفسير والعلوم الأدبية والرياضيات حتى خطأ المحقق الثاني في أمر القبلة ومكانته بين العلماء معروفة وذكره اسكند بك التركماني منشئ الشاه عباس الصفوي في كتابه تاريخ عالم آراي عباسي الذي هو في تاريخ دولة الشاه عباس الأول الصفوي فقد عقد فيه فصلا في آخر سيرة الشاه طهماسب الصفوي لذكر المشايخ والعلماء الاعلام والفضلاء ذوي العز والاحترام الذين كانوا في دولة الشاه طهماسب وعد منهم الشيخ البهائي وذكر ترجمة والده أولا ثم ترجمته فقال في ترجمة والده ما تعريبه كان من مشايخ جبل عامل العظام وكان فاضلا عالما في جميع العلوم خصوصا الفقه والتفسير والحديث والعربية وصرف خلاصة أيام شبابه في صحبة الشهيد الثاني زبدة العلماء الشيخ زين الدين عليه الرحمة وكان مشاركا ومساهما له في تصحيح كتب الحديث والرجال وتحصيل مقدمات الاجتهاد وكسب الكمال. وبعد ما نال الشيخ زين الدين درجة الشهادة بسبب التشيع على يد الروميين الملوك العثمانية توجه المشار إليه المترجم له من وطنه المألوف إلى بلاد العجم فحظي عند الشاه طهماسب وصار مصاحبا له معظما عنده في الغاية وأذعن له علماء العصر بمرتبة الفقاهة والاجتهاد وسعى سعيا بليغا في إقامة صلاة الجمعة وكانت متروكة لاختلاف  العلماء في شروطها وصار يقيمها ويأتم به خلق كثير ثم فوض إليه منصب شيخ الاسلام وهو أكبر منصب ديني وتصدى للشرعيات والقضاء بالنيابة في ممالك خراسان عموما وفي بلدة هراة خصوصا وتقلد تلك المناصب بها برهة طويلة وكان يشتغل فيها بترويج الشريعة وتنسيق بقاع الخير وإفادة العلوم الدينية وإفاضة المعارف اليقينية وتصنيف الكتب والرسائل وحل المشكلات وكشف غامض المعضلات إلى أن اشتاق إلى حج بيت الله الحرام وزيارة قبر سيد الأنام وقبور أبنائه الأئمة الكرام عليه وعليهم أفضل الصلاة والسلام فتوجه إلى الحج والزيارة وبعد ما وفق لذلك ذهب إلى بلد الأحساء والبحرين وأقام بها وصاحب علماءها وفضلاءها إلى أن وافاه أجله في بلد البحرين اه‍. وفي الرياض في قوله انه كان مشاركا ومساهما له في تصحيح الكتب الخ نظر لأنه من مشاهير تلاميذ الشهيد الثاني اه‍.
وأقول المشاركة والمساهمة له في تصحيح الكتب لأنه كان يقابلها معه وفي تحصيل مقدمات الاجتهاد وكسب الكمال لأنه كان يقرأ عليه فالشيخ يقرئ والتلميذ يقرأ فهما شريكان في تحصيل مقدمات الاجتهاد وكسب الكمال. وبالجملة فهذا الرجل مفخرة من مفاخر جبل عامل فهو لا يقتصر على أن يكون فقيها بارعا ومحدثا جامعا حتى تصبو نفسه إلى السفر مع شيخه الشهيد الثاني إلى عاصمة ملك العثمانيين واخذ التدريس في أحد مدارس المدن العثمانية ويسافر في البلاد ويدخل بعض علماء حلب في مذهب أهل البيت بحجته البالغة ثم لما وقع على شيخه ما وقع من القتل الفظيع بسبب التعصب الديني الشنيع الذي أوجب الخوف والاستذلال في علماء بلاده لم ترض نفسه بتحمل ذلك فهاجر باهله وعياله وأولاده إلى بلاد إيران ولم تمنعه الغربة عن أن يكون المقدم على علماء تلك البلاد أول وروده إليها فيسند إليه أكبر منصب ديني فيها ويكون معظما إلى الغاية عند ملوكها وأمرائها وعلمائها وان يختاره ملكها المسلط الواسع المملكة لمشيخة الاسلام في عاصمة ملكه قزوين فيقيم فيها سبع سنين يدرس ويعظ وينشر علوم أهل البيت ولا بد ان يكون تعلم الفارسية لسان أهلها وأتقنه حتى يتيسر له ذلك ويقيم صلاة الجمعة المتروكة ثم يختاره لمشيخة الاسلام في المشهد المقدس الرضوي أحد مدن إيران الكبرى ثم شيخنا للاسلام في هراة عاصمة بلاد الأفغان بعد فتح الصفوية لها وما اختاره لذلك الا لما رأى فيه من الكفاءة التامة لارشاد أهلها وجلهم على غير مذهب أهل البيت وغير خفي حراجة مثل هذا الموقف فيتمكن ببراعته وسعة علمه وقوة معرفته من تأدية هذه الرسالة على أكمل وجه فيقيم فيها ثمان سنين ثم يفارقها ويترك تلك المناصب زهدا في الحياة الفانية وهي من أنزه بلاد الله وأجملها وأكثرها خيرات كما يدل عليه وصف البهائي لها في أرجوزة تأتي في ترجمته ويعزم على مجاورة بيت الله الحرام وما كان طلبه للرخصة في الحج الا بهذا القصد فقد جرت العادة بان من يريد ترك خدمة السلطان يتعلل بالحج فيطلب الرخصة فيه حيث لا يمكن ان لا يأذن له لئلا يقال انه يصد عن حج بيت الله فيحج ثم لا يعود وفي عصرنا كان من يريد ملوك إيران تبعيده من العلماء يقولون له صار لك مدة لم تحج فلو ذهبت إلى الحج فيعلم انه مبعد بصورة مجملة فيذهب للحج فإذا أراد العودة لم يرخصوه ثم يعدل المترجم عن هذا العزم ويسكن بلادا على الضد مما كان فيه فيسكن البحرين بلد الفقر والفاقة كجبل عامل لطيف يراه ويستدل منه على أن سكناها أقرب لمرضاة الله ولم يكتف بذلك لنفسه حتى طلب الرخصة لولده وحاول أن يحمله على مثل ذلك وكتب إليه في ذم سكني إيران ليس ذلك الا زهدا في الدنيا وحبا بالعزلة والا فلم يلق هو وولده في إيران الا كل تعظيم واكرام. ان رجلا كهذا لهو قوي الإرادة ماضي العزيمة حاكم على شهوة نفسه قبل ان تحكم عليه ولم تشغله هذه الحالات عن أن يصنف ويؤلف المؤلفات النافعة ويستنسخ كتب الحديث بيده ويقابلها بنفسه وكان ما كتبه المترجم إلى ولده البهائي بقي في مخيلته وانطبع في نفسه فلم تمض مدة طويلة حتى ترك الرياسة العظيمة وفارق إيران ولعله كان ذلك برخصة الحج وساح في الدنيا ثلاثين سنة بزي الدراويش وتحمل مشقة الاسفار على تلك الصفة وشظف العيش ليس سنة أو سنتين بل ثلاثين سنة وهو يقول في كشكوله تبرما بما هو فيه من الرياشة لو لم يأت والدي إلى بلاد إيران لما ابتليت بصحبة السلطان. ويأسف على أن لا يكون عيشه كعيش شيخ والده الشهيد الثاني الذي يحرس كرمه في الليل ويحضر إلى الدرس نهارا ويبني داره بيده وكعيش شيخ الشهيد الثاني الشيخ علي الميسي الذي يحتطب بنفسه ليلا له ولتلاميذه كل ذلك يدلنا على زهد هؤلاء في الدنيا الفانية وانصراف انظارهم إلى الدار الباقية.
وقد أصاب علماء جبل عامل في عصر الملوك الصفوية لا سيما عصر الشاه عباس الأول وعصر الشاه طهماسب الذي ملك أربعا وخمسين سنة حظا عظيما فكانوا شيوخ الاسلام في هذه الدولة في أهم مدنها وكان هذا المنصب أعظم منصب علمي ديني وقال صاحب الرياض وأمل الآمل ان معناه قاضي القضاة وفوضت إليهم الاحكام وشؤون الدولة الدينية وأطيعت أوامرهم وكان إلى جملة منهم القضاء والإفتاء وكفى ان الشاه طهماسب يأمر وزيره بالزام ابنه خدابنده محظور درس المترجم له ووعظه كل جمعة، وذلك كالمحقق الكركي وولده والشيخ علي المنشار والمترجم وولده البهائي والسيد حسين بن حسن الموسوي الكركي والسيد حسين بن حسن الأعرجي الحسيني الكركي والسيد حسين بن حيدر الحسيني الكركي ومحمد ابن الحسن بن الحر وغيرهم ممن ذكرنا أحوالهم واعتلاء شانهم في إيران، ومما سمعت تعلم اجتهاد الملوك الصفوية في اركام العلماء وتأييد المذهب الجعفري والدعاية إليه، وتعيين والد البهائي لمشيخة الاسلام بهراة بعد فتحها وفي غيرها قبل ذلك دليل على ما ذكرناه.
أحواله واخباره علاقته بالشهيد الثاني وسفره معه إلى اسلامبول كان مواطنا للشهيد الثاني في جبع وقرأ عليه وتخرج به وصاحبه في سفره إلى اسلامبول سنة 952 لطلب تدريس مدرسة من المدارس وكانت لهذه المدارس أوقاف يقبضها المدرسون ويأخذون بذلك مرسوما من السلطان العثماني في اسلامبول فذهبا جميعا برا من طريق حلب إلى اسلامبول ووصلا إلى حلب يوم الأحد 16 المحرم سنة 952 وأقاما بها إلى 7 صفر من السنة المذكورة ثم ارتحلا إلى اسلامبول فوصلا في 17 ربيع الأول منها فاخذ الشهيد الثاني تدريس المدرسة النورية ببعلبك والمترجم تدريس مدرسة في بغداد وأقاما في اسلامبول ثلاثة أشهر ونصفا وخرج الشهيد منها يوم السبت 11 رجب سنة 952 إلى اسكدار وأقام بها ينتظر وصول صاحبه الشيخ حسين بن عبد الصمد لأنه احتاج إلى التأخر عنه تلك الليلة قال الشهيد الثاني ومن غريب ما اتفق لي حينما نزلت باسكدار أني اجتمعت برجل هندي له فضل ومعرفة بفنون كثيرة منها الرمل والنجوم فقلت له ان قاضي العسكر أشار علي بان أسافر يوم الاثنين وخالفته وجئت في يوم السبت حذرا  من نحس يوم الاثنين لكونه ثالث عشر الشهر وكان قد ذكر لي قاضي العسكر ان يوم الاثنين جيد للسفر لا يكاد يتفق مثله بالنسبة إلى احكام النجوم وان سعده يغلب نحسه بسبب كونه ثالث عشر فقال لي الهندي على البديهة صدق القاضي وأما يوم السبت الذي خرجت فيه فهو صالح لكنه يقتضي انك تقيم في هذه البلدة أياما كثيرة فاتفق الأمر كما قال فان الشيخ حسين بعد مفارقتي بحث أمر المدرسة التي كان أعطاه إياها القاضي ببغداد فوجد أوقافها قليلة فاحتاج إلى ابدالها بغيرها فتوقف لأجل ذلك أحد وعشرين يوما.
هذا ما نقله الشيخ بهاء الدين محمد بن علي بن الحسن العودي الجزيني تلميذ الشهيد الثاني عن الشهيد الثاني في رسالته في أحوال شيخه المذكور عرضا من أحوال المترجم وهذا من الشهيد الثاني وتلميذه يدل على علو الهمة وبعد النظر وعدم الجمود في علماء جبل عامل مع ما كانوا فيه من الضغط والاضطهاد من ملوك الدولة العثمانية وأمرائها وعلمائها ولم يعلم تدريس أي مدرسة أخذ بعد أن ترك مدرسة بغداد أم أنه لم يأخذ تدريس غيرها لكن علمنا من تاريخ ولادة ولده الشيخ البهائي ببعلبك في 18 ذي الحجة سنة 953 انه كان في ذلك الوقت ببعلبك ولعله أخذ تدريس مدرسة أخرى بها أو جاء مع الشهيد الثاني إليها وبقي يقرأ عليه، الله اعلم فان الصواب ان ولادة البهائي كانت ببعلبك ومن قال إنه ولد بقزوين فقد اشتبه بأخيه عبد الصمد مع أن سفر المترجم إلى إيران كان بعد قتل شيخه الشهيد الثاني الذي استشهد سنة 965 كما ستعرف فيمكن ان يكون المترجم سافر مع الشهيد الثاني من اسلامبول إلى خراسان لزيارة المشهد الرضوي ثم إلى العراق لزيارة المشاهد الشريفة بها ثم عادا إلى الوطن ويمكن ان يكون المترجم فارق الشهيد الثاني من اسكدار وعاد إلى بعلبك أو غيرها فالشهيد الثاني يقول في وصف رحلته هذه خرجنا من اسكدار يوم السبت لليلتين خلتا من شعبان سنة 952 ووصلنا إلى مدينة سيواس يوم الاثنين لخمس بقين من شعبان وخرجنا منها يوم الأحد 2 شهر رمضان وخرجنا في حال نزول الثلج وبتنا ليلة الاثنين على الثلج ومن غريب ما اتفق لي تلك الليلة ان نمت يسيرا فرأيت كأني في حضرة شيخنا الجليل الكليني ومعي جماعة من أصحابي منهم رفيقي وصديقي الشيخ حسين بن عبد الصمد الخ وظاهر قوله رفيقي انه رفيقه في ذلك السفر حال رؤيته المنام لا الذي كان رفيقه قبلا ثم انه ما انتظره في اسكدار الا ليرافقه ولو كان فارقه من اسكدار لذكر ذلك ولم يذكر انه بقي معه لأنه باق على ما كان عليه قبل وإذا كان الشهيد الثاني وصل اسكدار 11 رجب سنة 952 وانتظر المترجم بها 21 يوما ثم خرجا يكون خروجهما منها في 2 شعبان سنة 952 كما ذكره الشهيد الثاني في الرحلة هذا ولكن الشهيد الثاني قال في آخر الرحلة وكان وصولنا إلى البلاد 15 صفر سنة 953 وبعدها باشر التدريس في بعلبك ولم يعلم مدة بقائه فيها. قال: ثم فارقناها إلى بلدنا وبقينا في بلدنا إلى سنة 955 وإذا كانت ولادة البهائي في بعلبك في 18 ذي الحجة سنة 953 تكون ولادته قبل ورود الشهيد الثاني إليها بشهرين الا يومين فيكون المترجم قد وردها في ذلك التاريخ أو قبله الا ان يكون البهائي ولد في غياب أبيه أو يكون قد فارق الشهيد الثاني من العراق وجاء قبله بمدة إلى بعلبك أو فارقه من اسكدار، الله أعلم.

ثم إن المترجم كان في سنة 954 باقيا في جبل عامل كما يدل عليه مقابلته كتب الحديث مع شيخه المذكور بهذا التاريخ كما مر.
سفره إلى إيران وسببه ثم سافر باهله وعياله واتباعه وفيهم ولده البهائي إلى إيران بعد شهادة شيخه الشهيد الثاني كما صرح به صاحب تاريخ عالم آراي فيما مر وكما يدل عليه قول المترجم في خطبة رسالته في الدراية التي يظهر انه ألفها في إيران: ومما حثني على تأليف هذه الرسالة بعد هربي من أهل الطغيان والنفاق وأوجبه علي بعد اتصالي بدولة الايمان والوفاق الخ. فدل على أنه كان الباعث على سفره ما حدث من الخوف على العلماء في جبل عامل بسبب ما جرى على الشهيد الثاني ولم يكن لهم ملجا في ذلك الوقت غير إيران التي عرف ملوكها بتعظيم أهل العلم مضافا إلى علو همته واعتياده على الاسفار وتحمل المشاق اما تاريخ سفره إلى إيران فيمكن كونه في أثناء سنة 965 التي استشهد فيها شيخه المذكور ويمكن كونه في السنة التي بعدها أو أكثر والاعتبار يقتضي ان يكون سفره فيها أو بعدها بقليل أما ما حكاه صاحب اللؤلؤة عن بعض مشايخه المعاصرين من أن المترجم لما سافر من جبل عامل إلى إيران كان عمر ولده البهائي سبع سنين فلا يكاد يصح لأن البهائي ولد سنة 953 فإذا كان عمره عند سفر أبيه سبع سنين يكون سفر أبيه سنة 960 فيكون سفره في حياة الشهيد الثاني لا بعد شهادته وقد عرفت انه كان بعد شهادته.
وصوله إلى أصفهان وانتقاله إلى قزوين فوصل أولا إلى أصفهان وكانت عاصمة الملك يومئذ قزوين وبها الشاه طهماسب الصفوي الأول وكان في أصفهان عالم من علماء جبل عامل وهو الشيخ زين الدين علي العاملي المعروف أبوه بمنشار وهو الذي تزوج الشيخ البهائي بعد ذلك ابنته وكان الشيخ علي المذكور شيخ الاسلام بأصفهان في ذلك الوقت فعطفته على المترجم عاطفة الوطن بكون كل منهما عامليا وما رأى من فضل المترجم ومن مهاجرته باهله وعياله مع قلة ذات يده في مثل تلك الحال وهو في بلاد الغربة ولا بد أن الشيخ علي كان على جانب من التقوى والاخلاص فلم تخالجه سجية الحسد الموجودة في جملة من أهل العلم الذين يخافون من تفوق غيرهم ان يفوتهم شئ من عرض الدنيا فأخبر الشيخ علي الشاه طهماسب بورود المترجم إلى أصفهان ووصف له علمه وفضله وجلالة قدره وكان الملوك الصفوية في حاجة إلى مثل المترجم لينصبوه في مرتبة شيخ الاسلام فأرسل الشاه إليه بهدايا ولعل هذه العاطفة سببت تزوج البهائي بابنة الشيخ علي المنشار المذكور.
وفي الرياض (1) ان المترجم توجه في زمن الشاه طهماسب الصفوي من جبل عامل مع جميع توابعه وأهل بيته إلى أصفهان وأقام بها ثلاث سنين مشتغلا بإفادة العلوم الدينية وإفاضة المعارف اليقينية ويستفيد منه فيها علماء عراق العجم ولما اطلع الفاضل الشيخ علي الملقب بالمنشار الذي هو شيخ الاسلام بأصفهان على وروده أخبر الشاه طهماسب بوروده وكان الشاه في بلدة قزوين فكتب الشاه كتابا بخط يده إلى المترجم وأرسل له الخلعة وطلب منه الحضور إلى بلدة قزوين مقر سلطنته في ذلك الوقت فحضر إلى قزوين فعظمه الشاه وبجله غاية التعظيم و التبجيل وجعله شيخ الاسلام بقزوين وهو أكبر منصب علمي ديني في الدولة الصفوية كما كان في الدولة   العثمانية، وصاحب الرياض يقول إنه بمنزلة منتصب قاضي القضاة، واستمر على ذلك سبع سنين. وكان يقيم بها صلاة الجمعة بدل الظهر فإنه ممن يرى وجوب صلاة الجمعة عينا كما هو رأى شيخنا الشهيد الثاني اه‍.
قال المؤلف: ربما كان رأي الشهيد أولا ثم عدل عنه إلى الوجوب التخييري.
والعلماء العامليون الذين هاجروا من أوطانهم إلى بلاد أخرى قد ظهر فيهم نوابغ ظهرت لهم مقامات عالية في كل عصر وزمان. ثم إن في كلام صاحب الرياض المتقدم ما يوشك ان يكون متدافعا فهو يقول في أوله انه توجه من جبل عامل إلى أصبهان وأقام بها ثلاث سنين ثم يقول لما اطلع الشيخ علي المنشار على وروده أخبر الشاه بذلك فأحضره إلى قزوين والتدافع بينهما ظاهر فصدر الكلام يقتضي انه حضر إلى قزوين بعد اقامته بأصبهان ثلاث سنين وما بعده يدل على أنه حضر إليها بعد وروده إلى أصفهان بمدة يسيرة ولم تطل اقامته بأصفهان ثم العادة قاضية بان يكون أخبار الشيخ علي للشاه عند أول وروده إلى أصفهان لا بعد أن يقيم بها ثلاث سنين على أنه إذا كان جاء إلى أصفهان سنة 965 وأقام بها ثلاث سنين وفي قزوين سبع سنين ومدة في المشهد كما يأتي وأقل ما يفرض فيها سنة أو بعض سنة وفي هراة ثمان سنين كما يأتي يكون قد بقي في هراة إلى سنة 984 مع أن وفاته كانت في تلك السنة فأين ذهبت مدة اقامته في البحرين فالظاهر أن اقامته ثلاث سنوات بأصبهان وقع سهوا من النساخ فان الرياض كانت اجزاؤه باقية في المسودات وبيضها من جاء بعده فوضع بعض ما كان في الهامش في غير موضعه وان إقامة ثلاث سنين كانت في البحرين لا في أصفهان وان قوله ويستفيد منه فيها علماء عراق العجم إلى اقامته في قزوين كل هذه في الهامش فوضعها النساخ في غير مواضعها.
سفره إلى المشهد المقدس الرضوي قال ثم فوض إليه منصب شيخ الاسلام في المشهد المقدس الرضوي والإقامة فيه فأقام فيه مدة.
سفره إلى هراة قال ثم لما كان أكثر أهل هراة في ذلك الوقت غير عارفين بالأئمة الاثني عشر وبمذهب أهل البيت ع أمره الشاه المذكور بالتوجه إلى هراة والإقامة بها لارشاد أهلها وأعطاه ثلاث قرى من قرى تلك البلاد وأمر الشاه المذكور الأمير شاه قلي سلطان يكان أعلى حاكم بلاد خراسان بان يحضر الأمير محمد خدابنده ميرزا ولد الشاه طهماسب كل يوم جمعة بعد الصلاة إلى الجامع الكبير بهراة إلى خدمة المترجم لاستماع الحديث والفقه وأمر حاكم خراسان المذكور ان يكون منقادا لأوامر المترجم ونواهيه وان لا يخالفه أحد فأقام المترجم بهراة ثمان سنين على هذا المنوال مشتغلا بإفادة العلوم الدينية واجراء الأحكام الشرعية واظهار الأوامر الملية فتشيع لذلك خلق كثير ببركة أنفاسه في هراة ونواحيها وتوجه إلى حضرته الطلبة بل والعلماء والفقهاء من الأطراف والأكناف من أهل إيران وتوران لأجل مقابلة الحديث وأخذ العلوم الدينية وتحقيق المعارف الشرعية ثم انه توجه من هراة إلى قزوين لملاقاة الشاه بها وطلب الرخصة منه له ولولده البهائي بحج بيت الله الحرام فاذن الشاه له ولم يأذن لولده لئلا تخلو هراة من مرشد وأمر ولده الشيخ البهائي بالإقامة في هراة والاشتغال بتدريس العلوم الدينية. وبالطبع كان ولده المذكور مقيما معه في هراة مدة مقامه بها وكذلك في قزوين والمشهد وقد اقتفى طريق أبيه في هذه المدة وتعلم منه وسلك مسلكه وهو في ريعان الشباب لا يزيد سنه عن خمس وعشرين سنة الا قليلا فإنه كان عمره لما جاء مع أبيه سبع سنين على قول البعض أو أكثر وبقي معه في قزوين سبع سنين وفي المشهد نحو سنة أو أكثر وفي هراة ثمان سنين فهذه ثلاث وعشرون سنة فإذا أضفنا إليها سنتين مما يمكن ان يكون اقامه في المشهد مع بعض الكسر كانت خمسا وعشرين أو أزيد بقليل فأقام البهائي في هراة مكان أبيه مشتغلا بما كان يشتغل به سادا مسده أو موفيا عليه وقد تعلم اللغة الفارسية وأتقنها فإنه دخل إيران وعمره حوالي سبع سنين وتوجه أبوه إلى الحج وزار المدينة المنورة ورجع من طريق البحرين وتوطنها وكتب إلى ولده الشيخ البهائي ما معناه ان كنت تريد الدنيا فاذهب إلى الهند وان كنت تريد الآخرة فاذهب إلى البحرين وان كنت لا تريد الدنيا ولا الآخرة فتوطن ببلاد العجم، ولكن ما أسداه إليه الشاه لا يوجب ذلك، وقد نظم في نظير ذلك بعض شعراء العجم فقال في رباعية له:
دنيا خواهي بجانب هند كذر * عقبى خواهي بكربلا ساز مقر در

آنكه نه دنيا ونه عقبى خواهي * رفتهار از إيران تنهى پاي به در

قال وأقام المترجم في بلاد البحرين واشتغل بتدريس العلوم الدينية برهة من الزمان في أواخر عمره إلى أن توفي بها وقبره معروف مزور متبرك به انتهى ما في الرياض.
ميله إلى التصوف في رياض العلماء: كان له رضي الله عنه رغبة في مدح مشايخ الصوفية ونقل كلماتهم كما هو ديدن ولده الشيخ البهائي أيضا وكانه أخذ ذلك من أستاذه الشهيد الثاني لكن زاد في الطنبور نغمة ومن ذلك ما أورده في رسالته المسماة بالعقد الطهماسبي حيث قال في أواخرها في أثناء موعظته للشاه طهماسب الصفوي ما لفظه: ولهذا كان بعض الملوك والأكابر من أهل الدنيا إذا علت همتهم وكثر علمهم بالله ولحظتهم العناية الربانية تركوا الدنيا بالكلية وتعلقوا بالله وحده كإبراهيم بن أدهم وبشر الحافي وأهل الكهف وأشباههم فإنهم لكمال رشدهم لا يرضون ان يشغلوا قلوبهم بغير الله لحظة عين ولكن هذه مقامات آخر ورفعنا بعضهم فوق بعض درجات قال المؤلف:
قد ذكرنا في ترجمة ولده البهائي ان الميل إلى التصوف الصحيح لا منقصة فيه كما كان عليه جماعة من علمائنا كالشيخ أحمد بن فهد الحلي وغيره اما التصوف الباطل فينزه عنه أمثال المترجم وابنه وشيخه الشهيد الثاني وأما مدح مشايخ الصوفية ونقل كلماتهم فلا شك انه كان لهم فيه غرض صحيح ومن مدحوهم كانوا غالبا على طريقة مستقيمة وتصوف إبراهيم بن أدهم وبشر الحافي وأهل الكهف كان محض الزهد في الدنيا ومن مثل أهل الكهف غير الأنبياء والمرسلين، فقوله زاد في الطنبور نغمة هفوة منه سامحه الله، وكفى هؤلاء العلماء مدحا وفخرا ما جرى على أيديهم من المنافع العامة والهداية والارشاد والمؤلفات التي انتفع بها الناس إلى اليوم والى يوم القيامة.
وفي الرياض هو ثاني مؤلف في علم الدراية من طريقة أصحابنا وقد سبقه أستاذه الشهيد الثاني بذلك اه‍. يعني من العلماء المتأخرين والا فقد سبقهما إلى ذلك الحاكم النيسابوري صاحب المستدرك ولكنه بطرز غير هذا الطرز المتأخر الذي انفرد به الشهيد الثاني وتلميذه فهذه مفخرة للعلماء العامليين انفردوا بها.
سبب سكناه البحرين وما جرى له فيها في لؤلؤة البحرين: ذكر بعض مشايخنا المعاصرين انه لما هاجر من بلاد العجم كان لابنه البهائي سبع سنين وفي اللؤلؤة وكشكول البحراني:
اخبرني والدي قدس الله سره وبحظيرة القدس سره ان السبب في مجئ الشيخ إلى البحرين انه كان في مكة المشرفة قاصدا الجوار فيها إلى أن يموت وانه رأى في المنام ان القيامة قد قامت وجاء الامر من الله سبحانه بان ترفع ارض البحرين وما فيها إلى الجنة فلما رأى هذه الرؤيا آثر الجوار فيها والموت في أرضها ورجع من مكة المشرفة وجاء البحرين ولما سمع علماء البحرين بقدومه وكان لهم مجتمع يجتمعون فيه للدرس ويحضره الفضلاء منهم في مسجد من مساجد قرية جد حفص علموا ان أن الشيخ لا بد ان يحضر بعد قدومه هذا المجتمع وكان من جملة فضلاء البحرين الشيخ داود بن أبي شافير وكانت له يد طولي في علم الجدل وقد كانت بينهم وبينه منافرة أوجبت غضبه وعدم حضوره ذلك المجتمع مدة وخروجه من جد حفص ولما سمعوا بقدوم الشيخ أرسلوا للشيخ داود المذكور وأصلحوه والتمسوا منه الحضور كما كان سابقا فاتفق ان الشيخ لما وصل إلى البحرين زاروه وعظموه بما هو أهله فاتفق انه سمع بذلك المجتمع فحضره ذات يوم وليس في ذلك الوقت فيهم من هو في مرتبته واتفق البحث كما هي العادة الجارية بين العلماء في جميع الأصقاع فابتدر الشيخ داود لمنازعة الشيخ والبحث معه مع أنه لا نسبة له في ذلك فأطال النزاع والجدال معه فلما انقضى المجلس مضى الشيخ قدس سره وكتب هذين البيتين ثم لم يحضر بعد هناك حتى توفي:
أناس في أوال قد تصدوا * لمحو العلم واشتغلوا بلم

لم فان باحثتهم لم تلق منهم * سوى حرفين لم لم لا نسلم

يعني انه متى ادعى دعوى طلبوا منه الدليل وإذا أقام الدليل منعوا.
وأقام الشيخ في البلاد المذكورة حتى توفي إلى رحمة الله وقبره في قرية المصلى من قرى البحرين معروف إلى الآن اه‍ وعن السيد نعمة الله الجزائري انه كان قاضيا بالبحرين في قرية هجر ولم نجده لغيره.
أخلاقه مع عياله في مجموعة الشيخ محمد بن علي ابن حسين بن محمد بن صالح الجباعي بخط الشيخ البهائي ما صورته: كان والدي طاب ثراه إذا استشير في طبخ طعام جعل الخيرة إلى المستشير ولم أذكر انه امر بطعام يشتهيه ابدا اه‍.
مناظرة جرت بينه وبين أحد فضلاء حلب سنة 951 وذلك قبل سفره إلى إيران وكتب في ذلك رسالة فريدة في بابها. وقد رأيت في النجف الأشرف مجموعة فيها عدة رسائل فقهية للشهيد الثاني بخط تلميذه من آل سليمان العامليين الذي غاب عني اسمه الآن وعليها إجازة للتلميذ بخط الأستاذ ومع هذه الرسائل رسالة المترجم المذكورة وقد استنسخت يومئذ أكثر تلك الرسائل ثم طبعت ولم استنسخ الرسالة المذكورة لأنها لم تكن همتي يومئذ متوجهة إلى مثلها لأنها ليست فقيهة ثم أسفت على عدم استنساخها وبحثت عنها فلم أعثر عليها ثم اني وجدتها والحمد لله في كرمانشاه في سفري إلى خراسان سنة 1353 فاستنسخها لي السيد البار التقي السيد جواد بن إسماعيل الحسيني جزاه الله خيرا. وتدل هذه المناظرة على أن المترجم كان لا يترك التجوال في البلاد للهداية والارشاد ويستصحب معه الكتب ويرحل إلى حلب وغيرها التي تبعد عن وطنه مسيرة أيام. وها انا انقل هنا أكثر تلك الرسالة قال فيها، هذه صورة بحث وقع لهذا الفقير إلى رحمة ربه الغني حسين بن عبد الصمد الجباعي في حلب سنة 951 أضافني بعض فضلائها وكان ذكيا بحاثا وكان لي معه خصوصية وصداقة وكيدة بحيث لا أتقيه وكان أبوه من أعيان حلب.

فقلت له انه يقبح بمثلي ومثلك بعد أن صرف كل منا عمره في تحصيل العلوم الاسلامية وتحقيق مقدماتها ان يقلد في مذهبه الذي يلقي الله به والتقليد مذموم بنص القرآن وليس حجة منجية لأن كل أحد يقلد سلفه فلو كان حجة كان الكل ناجين وليس كذلك فقال: هلم نبحث، فقلت هل عندكم نص على وجوب اتباع الامام أبي حنيفة فقال لا فقلت فما سوع لك تقليده فقال إنه مجتهد وانا مقلد والمقلد فرضه ان يقلد مجتهدا من المجتهدين قلت فما تقول في جعفر بن محمد الصادق هل كان مجتهدا.

فقال هو فوق الاجتهاد وفوق الوصف في العلم والتقى والنسب وعظم الشأن وقد عدد بعض علمائنا من تلاميذه نحو أربعمائة رجل كلهم علماء فضلاء مجتهدون والامام أبو حنيفة أحدهم. فقلت قد اعترفت باجتهاده وتقواه وجواز تقليد المجتهد ونحن قد قلدناه فمن أين تعلم انا على الضلالة وانكم على الهداية مع انا نعتقد عصمته وانه لا يخطئ بل ما يحكم به هو حكم الله ولنا على ذلك أدلة مدونة وليس كأبي حنيفة يقول بالقياس والرأي والاستحسان ويجوز عليه الخطأ، وبعد التنزل عن عصمته والاعتراف بأنه يقول بالاجتهاد كما تزعمون فلنا دلائل على جواز اتباعه ليس في أبي حنيفة واحد منها أحدهما اجماع أهل الاسلام حتى الأشاعرة والمعتزلة على غزارة علمه ووفور تقواه وعدالته وعظم شانه بحيث اني إلى يومي هذا مع كثرة ما رأيت من كتب أهل الملل والتواريخ والسير وكتب الجرح والتعديل ونحو ذلك لم أر قط طاعنا طعن عليه بشئ من مخالفيه وأعداء شيعته مع كثرتهم وعظم شانهم في الدنيا لأنهم كانوا ملوك الأرض والناس تحب التقرب إليهم بالصدق والكذب ولم يقدر أحد ان يفتري عليه كذبا في الطعن ليتقرب به إلى ملوك عصره وما ذاك الا لعلمه انه إذا افترى كذبا كذبه كل من سمعه وهذه مزية تميز هو وآباؤه وأبناؤه الستة بها عن جميع الخلق فكيف يجوز ترك تقليد من أجمع الناس على علمه وعدالته وجواز تقليده وتقليد من وقع فيه الشك والطعن مع أن الجرح مقدم على التعديل كما تقرر وهذا امامكم الغزالي صنف كتابا سماه النجل موضوعه الطعن عليه بل فوق الطعن وصنف بعض فضلائكم كتابا اسماه النكت الشريفة في الرد عليه رأيته في مصر ذكر فيه جميع ما ذكره الغزالي وزاد أشياء اخر ولا شبهة في وجوب تقليد المتفق على علمه وعدالته لان ظن الصواب معه أغلب ولا يجوز العمل بالمرجوح مع وجود الراجح اجماعا والجرح مقدم على التعديل كما تقرر وثانيها انه عندنا من أهل البيت المطهرين بنص القرآن والتطهير هو التنزيه من الآثام وعن كل قبيح كما نص عليه ابن فارس في مجمل اللغة وهذا نفس العصمة التي يدعيها الشيعة وأبو حنيفة ليس منهم اجماعا ويتحتم تقليد المطهرين بنص القرآن لتيقن النجاة معهم. فقال نحن لا نسلم انه من أهل البيت إذ قد صح في أحاديثنا انهم خمسة. فقلت سلمنا انه ليس من الخمسة ولكن حكمه حكمهم في العصمة ووجوب الاتباع لوجهين الأول ان كل من قال بعصمة الخمسة قال بعصمته ومن لا فلا وقد ثبتت عصمة الخمسة بنص القرآن  فثبتت عصمته لأنه قد وقع الاجماع على أنه لا فرق بينه وبينهم فالقول بعصمتهم دونه خلاف اجماع المسلمين الثاني انه قد اشتهر بين أهل النقل والسير ان جعفر الصادق وآباءه ع لم يترددوا إلى مجالس العلماء أصلا ولم ينقل ترددهم مخالف ولا مؤالف مع كثرة المصنفين في الرجال وطرق النقل وتعداد الشيوخ والتلاميذ وانما ذكروا انه اخذ العلم عن أبيه محمد الباقر وذكروا انه أخذ العلم عن أبيه زين العابدين وهو اخذ عن أبيه الحسين ع وهو من أهل البيت اجماعا وقد صح عندنا عنهم ع انه لم يكن قولهم بطريق الاجتهاد ولهذا لم يسأل أحد منهم قط صغيرا ولا كبيرا عن مسالة فتوقف في جوابها أو احتاج إلى مراجعة وقد صرحوا ع بان قول الواحد منهم كقول آبائهم وقول آبائهم كقول النبي ص.
وثبت ذلك عندنا بالطرق المصححة المتصلة بهم فقوله هو قول المطهرين بنص القرآن وثالثها ما ثبت في صحاح أحاديثكم بالطرق الصحيحة المتكثرة المتحدة المعنى المختلفة اللفظ من قوله ع اني مخلف فيكم ما إن تمسكتم به لن تضلوا بعدي الثقلين كتاب الله وعترتي أهل بيتي وانهما لن يفترقا حتى يردا علي الحوض وفي بعض الطرق اني تارك فيكم خليفتين كتاب الله وعترتي فصرح بان المتمسك بكتاب الله وعترته لن يضل ولم يتمسك بهما الا الشيعة كما لا يخفى واما باقي الطوائف فإنهم جعلوا عترته كباقي الناس وتمسكوا بغيرهم ولم يقل مخلف فيكم كتاب الله وفلان وفلان من أهل المذاهب فكيف يجوز ترك التمسك بمن يتحقق النجاة بالتمسك به ويتمسك بمن لم تعلم النجاة معه ان هذا لمحض السفه والضلال وهذا يقتضي العلم بوجوب اتباعهم وان نوزع فيه فلا ريب في اقتضائه ظن وجوب الاتباع وذلك كاف لوجوب العمل بالراجح وحيث لهم هذه المرجحات على غيرهم من المجتهدين فلا يكون العدول عنهم الا اتباعا للهوى والتقليد المألوف فقال انا لا أشك في اجتهادهم وغزارة علمهم ونجاة مقلدهم ولكن مذهبهم لم ينقل ولم يشتهر كما نقلت مذاهب الأربعة فقلت ان كان مرادك ان الحنفية والشافعية لم ينقلوه فمسلم ولكن لا يضرنا لأنا لم ننقل مذهبهما أيضا والشافعية لم ينقلوا مذهب أبي حنيفة وبالعكس، وكذا باقي المذاهب وليس ذلك طعنا فيها عندكم. وان كان مرادك انه لم ينقله أحد من المسلمين فهذه مكابرة محضة لان شيعتهم وكثيرا من أهل السنة وباقي الطوائف قد نقلوا أقوالهم وآدابهم وعاداتهم واعتنى الشيعة بذلك أشد الاعتناء وبحثوا عن تصحيح الناقلين وجرهم وتعديلهم أشار البحث وهذه صحاح أحاديثهم وكتب الجرح والتعديل عندهم مدونة مشهورة بينهم لا يمكن انكارها وعلماء الشيعة وان كانوا أقل من علماء السنة ولكن ليسوا أقل من فرقة من فرق المذاهب الأربعة خصوصا الحنابلة والمالكية فان الشيعة أكثر منهم يقينا ولم يزل بحمد الله علماء الشيعة في جميع الأعصار اعلم العلماء وأتقاهم وأحذقهم في فنون العلم اما في زمان الأئمة الاثني عشر فواضح انه لم يساوهم أحد في علم ولا عمل حتى فاق تلاميذه بغزارة العلم وقوة الجدل كهشام بن الحكم وهشام بن سالم وجميل بن دراج وزرارة بن أعين ومحمد بن مسلم وأشباههم ممن قد عرفهم مخالفوهم في المذهب وأثنوا عليهم بما لا مزيد عليه واما بعد زمان الأئمة فمنهم مثل بني بابويه والشيخ المفيد والشيخ الطوسي والسيد المرتضى وأخوه وابن طاوس وخواجة نصير الدين الطوسي وميثم البحراني والشيخ أبي القاسم المحقق والشيخ جمال الدين بن المطهر الحلي وولده فخر المحققين وأشباههم من المشايخ المشاهير الذي قد ملأوا الخافقين بمصنفاتهم ومباحثهم ومن وقف عليها علم علو شانهم وبلوغهم مرتبة الاجتهاد وقوة الاستنباط وانكار ذلك اما لتنصب أو جهل فقد لزمك القول بصحة مذهبنا وأرجحية من قلدنا بل يلزم ذلك كل من وقف نفسه على جادة الإنصاف ولا يلزمنا القول بصحة مذهبك لأنا قد شرطنا في المتبع العصمة فنكون نحن الفرقة الناجية اجماعا وأنتم وان لم تقولوا بصحة مذهبنا ولكن يلزمكم ذلك بحسب قواعدكم للدليل المسلم المقدمات عندكم إذ سبب نجاتكم انكم قلدتم مجتهدا وهذا بعينه حاصل لنا باعترافكم مع ترجيحات فيمن اتبعناه لا يمكنكم انكارها فبهت ولم يجب بشئ، ولكن عدل عن البحث وقال اني سائلك عن قولكم في أكابر الصحابة وأقربهم من رسول الله ص الذين نصروه بأموالهم وأنفسهم حتى ظهر الدين بسيوفهم في حياته وبعد موته حتى فتحوا البلاد ونصروا دين الله بكل ما أمكنهم والفتوحات التي فتحها الخليفة الثاني لم يقع مثلها في زمن أحد من الخلفاء وهي أكثر من الفتوحات التي وقعت في زمن النبي ص كمصر والشام وبيت المقدس والروم والعراق وخراسان وعراق العجم وتوابع ذلك مما يطول شرحه ولا يمكن انكاره كما لا يمكن انكار قوته في الدين وسطوته وشدة بأسه واني إذا نظرت في أدلتكم وجدتها واضحة قوية وإذا نظرت قولكم في أكابر أصحاب رسول الله ص وخواصه الذين سبقوا في الاسلام وكانوا من المقربين عنده حتى تزوج بناتهم وزوجهم ببناته ومدحهم الله في كتابه بقوله تعالى محمد رسول الله والذين معه أشداء على الكفار رحماء بينهم تراهم ركعا سجدا إلى آخر الآية فإذا رأيت ذلك نفرت نفسي وجزمت بفساد مذهبكم فقلت له ليس في مذهبنا وجوب القدح في أحد منهم وإنما قد يقع ذلك من عوام الناس المتعصبين وأما علماؤنا فلم يقل أحد منهم بذلك، وأقسمت له أنه لو عاش أحد ألف سنة وهو يتدين بمذهب أهل البيت ويتولاهم ويبرأ من أعدائهم ولم يقم منه ما قلت لم يكن مخطئا ولا في إيمانه قصور، فتهلل وجهه، فقلت له: فإذا ثبت عندك غزارة علم أهل البيت واجتهادهم وعدالتهم وترجيحهم على غيرهم فهم أولى الاتباع فتابعهم، فأقل أشهد اني متابع لهم، لكني لا اقدح في الصحابة فقلت له لا تقدح في أحد منهم ولكن ان اعتقدت عظم شان أهل البيت عند الله ورسوله فما تقول فيمن عاداهم وآذاهم؟ فقال انا برئ منه.

وأشهد الله وملائكته ورسله انه محب لهم ومتابع وبرئ من أعدائهم، وطلب مني كتابا في فقههم فأعطيته المختصر النافع. وتفرقنا إلى أن قال: فقلت له في ليلة أخرى ما تقول في الصحابة الذين قتلوا الخليفة الثالث؟ فقال إن ذلك وقع باجتهادهم وانهم غير مأثومين وقد صرح أصحابنا بذلك فقلت له ما تقول في الصحابة الذين حاربوا عليا يوم الجمل وقتل في حربهم من الفريقين نحو ستة آلاف؟ وما تقول في الذين حاربوه في صفين وقتل من الفريقين نحو ستين ألفا؟ فقال كالأول، فقلت: هل جواز الاجتهاد مقصور على فرقة من المسلمين دون فرقة، فقال لا، كل أحد له صلاحية الاجتهاد فقلت إذا جاز الاجتهاد في قتل أكابر الصحابة وقتل خلفاء المسلمين وحرب أخي رسول الله ص وابن عمه وزوج فاطمة سيدة نساء العالمين اعلم الخلق وأزهدهم وأقربهم من رسول الله ص ووارث علمه الذي قام الاسلام بسيفه ومن اثنى عليه الله ورسوله بما لا يمكن انكاره حتى جعله الله ولي الناس كافة بقوله تعالى: انما وليكم الله ورسوله والذين آمنوا يعني علينا بالاجماع وقال النبي ص: من كنت مولاه فعلي مولاه، انا مدينة العلم وعلي بابها، اللهم ائتني بأحب خلقك إليك، أنت مني بمنزلة هارون من موسى وأشباه ذلك مما يطول تعداده فلم لا يجوز  الاجتهاد فيما هو دون ذلك؟ فنحن نوالي المخلصين منهم ونسكت عن المجهول حاله، ومدح الله لهم في القرآن نقول به لأنهم ممدوحون بقول مطلق لأن فيهم أتقياء أبرار وليس كلهم كذلك جزما بنص القرآن، وحديث الحوض يوضح ذلك وهو ما رواه صاحب الجمع بين الصحيحين في الحديث 131 من المتفق عليه من مسند انس بن مالك ان النبي ص قال: ليردن على الحوض رجال ممن صاحبني إذا رأيتهم ورفعوا إلي رؤوسهم اختلجوا فلأقولن أي ربي، أصحابي فليقالن لي انك لا تدري ما أحدثوا بعدك ورواه أيضا في الجمع بين الصحيحين من مسند ابن عباس بلفظ آخر والمعنى متفق، وفي آخره زيادة انهم لم يزالوا مرتدين على أعقابهم منذ فارقتهم ورواه أيضا في الجمع بين الصحيحين من مسند سهل بن سعد في الحديث 22 من المتفق عليه وفي آخره زيادة فأقول سحقا سحقا لمن بدل بعدي ورواه أيضا في الحديث 267 من مسند أبي هريرة من عدة طرق وفي آخره زيادة: فلا أراه يخلص منهم الا مثل همل النعم.

وقد روي مثل ذلك من مسند عائشة بعدة طرق ومن مسند أم سلمة بعدة طرق ومن مسند سعيد بن المسيب بعدة طرق. وذكرت له أمثال ذلك مما يطول شرحه، واتفق الأشاعرة والمعتزلة على نقله فلم يمكنهم انكاره فلذا تأولوه بتكلفات تصغر عن النقل ويحكم بفسادها كل ذي عقل، وكان يجيبني في المجلس بما ذكروه من التكلفات فأرده بأيسر وجه، وقلت له: ان اتباع الحق يحتاج إلى انصاف وترك الهوى والتقليد المألوف وإلا فمعاجز نبينا الدالة على صدقه لا يبقي لاحد شك فيها والكفار لما سلكوا التعصب والعناد والتقليد المألوف لهم لم تشرب أنفسهم قبول ذلك وقابلوه بالشبهات فبقوا على كفرهم، فاعترف بذلك. ودخلت إلى عنده يوما فرأيت بين يديه كتبا منها صحيح البخاري فتذكرت الأحاديث التي فيه يذكر فيها ان الأئمة اثنا عشر فأريته إياها وذلك أنه روي في صحيح البخاري بطريقين أحدهما إلى جابر بن سمرة سمعت رسول الله ص يقول يكون بعدي اثنا عشر أميرا فقال كلمة لم اسمعها فقال أبي كلهم من قريش وثانيهما إلى ابن عيينة: قال رسول الله ص يزال امر الناس ماضيا ما وليهم اثنا عشر رجلا ثم تكلم بكلمة خفيت علي فسالت أبي ما ذا قال رسول الله ص فقال كلهم من قريش وروي في صحيح البخاري بطريق آخر إلى ابن عمر: قال رسول الله ص لا يزال هذا الامر في قريش ما بقي منهم اثنان وذكرت له ان مسلما روى في صحيحه هذا الحديث بلفظه وروى مسلم أيضا في صحيحه هذا الحديث بلفظه وروى مسلم أيضا في صحيحه الحديث الأول بطرق متعددة وكان صحيح مسلم عنده فاتى به فأريته ذلك فيه وفي بعضه: لا يزال هذا الدين عزيزا فقلت له هذا عين ما تقوله الشيعة وشاهد بصحة معتقدهم لأنهم هم المتمسكون بالخليفتين اللتين لن يفترقا حتى يردا الحوض القائلون بالاثني عشر خليفة الموادون أهل بيت نبيهم الذين جعل الله ودهم اجر الرسالة بقوله تعالى قل لا اسالهم عليه أجرا الا المودة في القربى فان غير الشيعة لم يميزوهم عن غيرهم بل قدموا غيرهم عليهم، ثم باحثته في مسائل كلامية كالرؤية والقضاء والقدر وفي مسائل فرعية كالمسح والمتعة وذلك بعد أن أذعن واستقر الايمان في قلبه وصار من خواص الشيعة والحمد لله أولا وآخرا وظاهرا وباطنا وصلى الله على سيدنا محمد وآله الطاهرين إلى يوم الدين. انتهى ما أردنا نقله من هذه الرسالة وتركنا منها أشياء لم ننقلها.
ما وجد بخطه من تواريخ اخوته وأولاده وغيرهم ولا يخلو ذكره من فائدة في الرياض: رأيت في أردبيل على ظهر نسخة من ارشاد العلامة نقلا عن خط المترجم له وكتبه الكاتب في حياته ما صورته: مولد أخي الأكبر الشيخ نور الدين سنة 898 وأخي الشيخ محمد 903 ووفاته 952 وأختي... سنة 950 ووفاتها 970 وتولد أخي الحاج زين العابدين أطال الله بقاءه 909 ثم كتب غيره أو هو بعده بزمان ان وفاته 965 ثم كتب الشيخ وتولد ابنه أي ابن أخيه المذكور الشيخ تقي الدين سنة 920 ووفاته 972 ومولد هذا الفقير الكاتب أول يوم من المحرم 918 وتوفيت زوجتي خديجة بنت الحاج علي رحمهما الله تعالى في مدينة هراة 26 شهر... سنة 976 ونقلت إلى جوار ثامن الأئمة علي بن موسى الرضا ع وكتب الشيخ البهائي تحته ما صورته كتب الوالد ولدت المولودة الميمونة بنتي... ليلة الاثنين 3 صفر سنة 950 وأخوها أبو الفضائل محمد بهاء الدين أصلحه الله وأرشده عند غروب الشمس يوم الأربعاء 17 ذي الحجة سنة 953 وأختهما أم أيمن سلمى بعد نصف الليل 16 المحرم سنة 955 وأخوهم أبو تراب عبد الصمد ليلة الأحد وقد بقي من الليل نحو ساعة 3 صفر سنة 966 في قزوين وابن أخته السيد محمد ليلة السبت صفر من السنة المذكورة وتوفي قده ومولد شيخنا الشيخ زين الدين رفع الله قدره سنة 911 ووفاته 965 اه‍. وقد كنى أولاده ولقبهم كما هو المستحب.

أسرته:

في روضات الجنات عن صاحب حدائق المقربين عن المولى محمد تقي المجلسي الأول عن الشيخ البهائي انه كان يقول إن آباءنا وأجدادنا في جبل عامل كانوا دائما مشتغلين بالعلم والعبادة والزهد وهم أصحاب كرامات ومقامات.
وقد كان والده وجده شمس الدين محمد بن علي الذي ينقل صاحب البحار عن خطه كثيرا صاحب المجموعة من كبار العلماء وكذلك كثير من بني ابنه وعمومته وكذلك اخوه العالم الفقيه الشاعر نور الدين أبو القاسم علي بن عبد الصمد وابن ابنه الشيخ حسين بن عبد الصمد بن حسين بن عبد الصمد المار ذكره ومن ذرية ولده عبد الصمد آل مروة العامليون.

أولاده :

له من الذكور ولدان أحدهما الشيخ البهائي الذائع الصيت المشتهر زيادة عن أبيه ولذلك يعرف به أبوه فيقال والد الشيخ البهائي ثانيهما الشيخ عبد الصمد وله صنف الشيخ البهائي الصمدية في النحو سمي باسم جده.

مشايخه :

1- الشهيد الثاني.

2- السيد حسن بن جعفر الكركي وروى عنهما بالإجازة.

تلاميذه:

1 ولده البهائي ويروي عنه إجازة.

2- حسن صاحب المعالم يروي عنه إجازة.

3- السيد حسن بن علي بن شدقم الحسيني المدني يروي عنه إجازة.

4- الشيخ رشيد الدين بن الشيخ إبراهيم الأصفهاني ويروي عنه إجازة ورأى صاحب الرياض اجازته له على ظهر ارشاد العلامة.

5- الشئ خ أبو محمد الشهير ببايزيد البسطامي في الذريعة يروي عن الشيخ عز الدين الحسين بن عبد الصمد الحارثي العاملي.

6- المسمى ملك علي يروي عنه إجازة ورأينا اجازته له بخط يده في طهران في مكتبة فضل الله النوري الشهيد وهذا صورتها.

بسم الله الرحمن الرحيم:
الحمد لله على ما أنعم وكفى وصلاة وسلام على سيدنا محمد المصطفى وعلى آله وخلص أصحابه أهل الكرم والوفاء. وبعد فيقول فقير ورحمة ربه الغني حسين بن عبد الصمد الحارثي أصلح الله شانه وصانه عما شانه اني أروي كتاب الكافي لمحمد بن يعقوب الكليني رفع الله درجته وكتابي التهذيب والاستبصار للشيخ الطوسي رحمه الله تعالى وجميع كتب من نظم في هذه السلسلة بالطريق المذكور فيها وهو ما أخبرنا به السيد الجليل الورع الرباني المتأله ذو المفاخر والمناقب خلاصة آل أبي طالب السيد حسن ابن السيد جعفر الحسيني نور الله تربته ورفع درجته والشيخ الجليل النبيل زبدة الفضلاء العظام وفقيه أهل البيت ع زين الدنيا والدين بن علي بن أحمد العاملي أفاض الله على روحه الزكية المراحم الربانية وأسكنه مع أئمته الطاهرين في الدرجة العلية عن شيخهما التقي الفاضل الورع الشيخ علي بن عبد العالي الميسي رحمه الله تعالى عن الشيخ الجليل التقي الأصيل شمس الدين محمد بن داود المؤذن الجزيني عن الشيخ ضياء الدين علي عن والده السعيد الشهيد محمد بن مكي عن السيد فخار ح وعن الشيخ ضياء الدين بن محمد بن مكي عن السيد تاج الدين بن معية الحسيني عن الشيخ العلامة جمال الدين بن مطهر عن الشيخ المحقق نجم الدين ابن سعيد عن السيد فخار عن شاذان ابن جبرئيل عن أبي القاسم محمد ابن أبي القاسم الطبري عن الشيخ الفقيه أبي علي الحسن عن أبيه شيخ الطائفة أبي جعفر محمد بن الحسن الطوسي عن الشيخ الأعظم أبي عبد الله محمد بن محمد بن النعمان المفيد عن الشيخ الامام أبي جعفر بن قولويه عن الشيخ الامام أبي جعفر محمد بن يعقوب الكليني رحمه الله تعالى عن عدة من أصحابنا عن علي بن أسباط عن أبي الحسن الرضا ع ان أمير المؤمنين ص كان يقول طوبى لمن أخلص لله العبادة والدعاء ولم يشغل قلبه بما ترى عيناه ولم ينس ذكر الله بما تسمع أذناه ولم يحزن صدره بما أعطي غيره وقد أجزت للأخ في الله المحبوب لوجه الله ملك علي أعلى الله قدره رواية جميع كتب من اندرج في هذه السلسلة فليرو ذلك بشرائطه محتاطا لي وله فهو أهل ذلك لا زال مسددا مؤيدا إلى يوم الدين انتهى.

مؤلفاته :

1- رسالة في الدراية مطبوعة.

2- تحفة أهل الايمان في قبلة عراق العجم وخراسان رد فيها على المحقق الكركي كما مر عند ذكر أقوال العلماء فيه.

3- شرح الأربعين حديثا في الأخلاق ألفه باسم الشاه طهماسب الصفوي.

4- شرح قواعد الأحكام للعلامة.

5- شرح ألفية الشهيد في فقه الصلاة ممزوج مع المتن مبسوط فرغ من تأليفه في بلدة هراة في أواخر الشهر الأول من السنة الأولى من العشر التاسع بعد التسعمائة في نظام الأقوال لم يعمل مثله.

6- شرح آخر على ألفية الشهيد فيه مناقشات مع الشهيدين والمحقق الكركي ذكره صاحب رياض العلماء.

7- الرسالة الطهماسية وفي الرياض التحفة الطهماسية في المواعظ الفقهية بالبال انها له اه‍ .

والظاهر أن الصواب ما في رسالة مظفر علي.

8- الرسالة الوسواسية كما في رسالة مظفر علي وفي أمل الآمل رسالة في الرد على أهل الوسواس سماها العقد الحسيني أو الحسني ألفها باسم الشاه طهماسب وفي الرياض رأيت من مؤلفاته العقد الطهماسي فيه مسائل عديدة من الطهارة والصلاة ومن جملتها مسالة الوسواس ألفها باسم السلطان المذكور أورد فيها مسالة الوسواس وأطال الكلام في المنع عنه حيث كان السلطان المزبور مبتلى به اما العقد الحسيني فلم أظفر به والظاهر أنه الطهماسي .

9- الرسالة الرضاعية.

10- حاشية الارشاد لم تنم.

11- وصول الأخيار إلى أصول الاخبار في الرياض وهو كتاب حسن طويل الذيل في علم الدراية وذكر في أوله أدلة الإمامة وأطل فيها وهو كثير الفوائد .

12- رسالة في الرحلة يذكر فيها وقائع ما اتفق له في أسفاره وهذه لا وجود لها ولو وجدت لكانت من الرسائل الممتعة لأنه مع علمه وكثرة اطلاعه قد طاف شرق الأرض وغربها فلا بد أن يكون حصل له أمور شتى نادرة.

13- رسالة في مناظرته مع بعض علماء حلب في الإمامة سنة 951 رأيتها بالنجف الأشرف وعليها خط الشهيد الثاني بإجازتها لبعض آل سليمان العامليين ثم استنسختها في كرمانشاه سنة 1353 ونقلت أكثرها فيما مر من اخباره.

14- رسالة في عينية صلاة الجمعة.

15- رسالة في الاعتقادات الحقة.

16- تعليقات على الصحيفة الكاملة السجادية .

17- تعليقات على خلاصة العلامة في الرجال.

18- كتاب الغرر والدرر في الرياض رأيت في بعض المواضع فائدة في مسالة صلاة الجمعة منقولة من كتاب الغرر والدرر للشيخ حسين بن عبد الصمد .

19- رسالة في طهارة الحصر والبواري بالشمس.

20- رسالة في صرف سهم الامام من الخمس إلى فقراء السادة في الرياض لطيفة حسنة فرع منها سنة 968 .

21- رسالة في الواجبات الملكية وهي في الأمور الواجب معرفتها وجعلها ملكة في الاعتقادات والعمليات مذكورة في الرياض قال وهي حسنة الفوائد ولعلها رسالة الاعتقاديات الحقة المتقدمة .

22- تعليقات عديدة على كتب الحديث والفقه غير مدونة كما في الرياض.

23- فتاوى كثيرة متفوقة في الرياض رأيت بعضها .

24- اصلاح جامع البين من فوائد الشرحين وذلك أن العلامة الحلي له تهذيب طريق الوصول إلى علم الأصول وعليه شرحان للأخوين الأعرجيين السيد عميد الدين والسيد ضياء الدين ابني أخت العلامة الحلي وقد جمع الشهيد الأول الشرحين في كتاب وزاد عليهما وسماه جامع البين من فوائد الشرحين عن كتاب كشف الحجب ان الشهيد ألف هذا الكتاب في أوائل شبابه ولم يراجع المسودة لذلك بقيت النسخة غير منقحة فوجدها المترجم وأصلحها سنة 941 جامعا فيها كلا الشرحين وزيادة الشهيد.

25- جوابات الاعتراضات العشرة على قول النبي ص اني أحب من دنياكم ثلاثا النساء والطيب وقرة عيني الصلاة .

26- جواب كتاب السلطان سليمان العثماني إلى الشاه طهماسب الصفوي يطلب منه اطلاق ولده فكتب الجواب المترجم والجواب مدرج في كتاب فضائل السادات المطبوع.

27- ديوان شعر كبير.

أشعار:

قد عرفت ان له ديوان شعر كبير ومن شعره قوله أورده ولده في الكشكول:
ما شممت الورد الا * زادني شوقا إليك

وإذا ما مال غصن * خلته يحنو عليك

لست تدري ما الذي قد * حل بي من مقلتيك

ان يكن جسمي تناءى * فالحشى باق لديك

كل حسن في البرايا * فهو منسوب إليك

رشق القلب بسهم * قوسه من حاجبيك

ان ذاتي وذواتي * يا منايا في يديك

آه لو أسقى لأشفى * خمرة من شفتيك

ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

(1) يمكن ان يكون ذلك من كلامه ويمكن كونه من تتمة كلام مظفر علي في رسالته الفارسية المار ذكرها وذكر صدر كلامه فيها. المؤلف




علم من علوم الحديث يختص بنص الحديث أو الرواية ، ويقابله علم الرجال و يبحث فيه عن سند الحديث ومتنه ، وكيفية تحمله ، وآداب نقله ومن البحوث الأساسية التي يعالجها علم الدراية : مسائل الجرح والتعديل ، والقدح والمدح ؛ إذ يتناول هذا الباب تعريف ألفاظ التعديل وألفاظ القدح ، ويطرح بحوثاً فنيّة مهمّة في بيان تعارض الجارح والمعدِّل ، ومن المباحث الأُخرى التي يهتمّ بها هذا العلم : البحث حول أنحاء تحمّل الحديث وبيان طرقه السبعة التي هي : السماع ، والقراءة ، والإجازة ، والمناولة ، والكتابة ، والإعلام ، والوجادة . كما يبحث علم الدراية أيضاً في آداب كتابة الحديث وآداب نقله .، هذه عمدة المباحث التي تطرح غالباً في كتب الدراية ، لكن لا يخفى أنّ كلاّ من هذه الكتب يتضمّن - بحسب إيجازه وتفصيله - تنبيهات وفوائد أُخرى ؛ كالبحث حول الجوامع الحديثية عند المسلمين ، وما شابه ذلك، ونظراً إلى أهمّية علم الدراية ودوره في تمحيص الحديث والتمييز بين مقبوله ومردوده ، وتوقّف علم الفقه والاجتهاد عليه ، اضطلع الكثير من علماء الشيعة بمهمّة تدوين كتب ورسائل عديدة حول هذا العلم ، وخلّفوا وراءهم نتاجات قيّمة في هذا المضمار .





مصطلح حديثي يطلق على احد أقسام الحديث (الذي يرويه جماعة كثيرة يستحيل عادة اتفاقهم على الكذب) ، ينقسم الخبر المتواتر إلى قسمين : لفظي ومعنوي:
1 - المتواتر اللفظي : هو الذي يرويه جميع الرواة ، وفي كل طبقاتهم بنفس صيغته اللفظية الصادرة من قائله ، ومثاله : الحديث الشريف عن النبي ( ص ) : ( من كذب علي متعمدا فليتبوأ مقعده من النار ) .
قال الشهيد الثاني في ( الدراية 15 ) : ( نعم ، حديث ( من كذب علي متعمدا فليتبوأ مقعده من النار ) يمكن ادعاء تواتره ، فقد نقله الجم الغفير ، قيل : أربعون ، وقيل : نيف وستون صحابيا ، ولم يزل العدد في ازدياد ) .



الاختلاط في اللغة : ضمّ الشيء إلى الشيء ، وقد يمكن التمييز بعد ذلك كما في الحيوانات أو لا يمكن كما في بعض المائعات فيكون مزجا ، وخالط القوم مخالطة : أي داخلهم و يراد به كمصطلح حديثي : التساهل في رواية الحديث ، فلا يحفظ الراوي الحديث مضبوطا ، ولا ينقله مثلما سمعه ، كما أنه ( لا يبالي عمن يروي ، وممن يأخذ ، ويجمع بين الغث والسمين والعاطل والثمين ويعتبر هذا الاصطلاح من الفاظ التضعيف والتجريح فاذا ورد كلام من اهل الرجال بحق شخص واطلقوا عليه مختلط او يختلط اثناء تقييمه فانه يراد به ضعف الراوي وجرحه وعدم الاعتماد على ما ينقله من روايات اذ وقع في اسناد الروايات، قال المازندراني: (وأما قولهم : مختلط ، ومخلط ، فقال بعض أجلاء العصر : إنّه أيضا ظاهر في القدح لظهوره في فساد العقيدة ، وفيه نظر بل الظاهر أنّ المراد بأمثال هذين اللفظين من لا يبالي عمّن يروي وممن يأخذ ، يجمع بين الغثّ والسمين ، والعاطل والثمين)