أقرأ أيضاً
التاريخ: 23-8-2016
744
التاريخ: 28-5-2020
1015
التاريخ: 20-5-2020
1344
التاريخ: 23-8-2016
639
|
بعد الفراغ عن ثبوت الاستصحاب شرعا يقع الكلام في تحديد اركانه على ضوء دليله. والمستفاد من دليل الاستصحاب ... تقومه بأربعة اركان:
الاول: اليقين بالحدوث.
والثاني: الشك في البقاء.
والثالث: وحدة القضية المتيقنة والمشكوكة.
والرابع: كون الحالة السابقة في مرحلة البقاء ذات أثر مصحح للتعبد ببقائها.
ولنأخذ هذه الاركان تباعا.
اما الركن الاول فهو مأخوذ في لسان الدليل في قوله (ولا ينقض اليقين بالشك)، وظاهر ذلك كون اليقين بالحالة السابقة دخيلا في موضوع الاستصحاب، فمجرد حدوث الشيء لا يفكي لجريان استصحابه ما لم يكن هذا الحدوث متيقنا، ومجرد الشك في وجود شئ لا يكفي لاستصحابه ما لم يكن ثبوته في السابق معلوما. وعلى هذا ترتب بحث، وهو ان الحالة السابقة قد تثبت بالأمارة لا باليقين، فاذا كان الاستصحاب حكما مترتبا على اليقين، فكيف يجري إذا شك في بقاء شئ لم يكن حدوثه متيقنا بل ثابتا بالأمارة؟.
وقد حاول المحقق النائيني (رحمه الله) أن يخرج ذلك على اساس قيام الامارات مقام القطع الموضوعي، فاليقين هنا جزء الموضوع للاستصحاب فهو قطع موضوعي وتقوم مقامه الامارة. وهناك من انكر ركنية اليقين بالحدوث واستظهر انه مأخوذ في لسان الدليل بما هو معرف ومشير إلى الحدوث، فالاستصحاب مترتب على الحدوث لا على اليقين به، والامارة تثبت الحدوث فتنقح بذلك موضوع الاستصحاب.
واما الركن الثاني وهو الشك فمأخوذ ايضا في لسان الدليل، والمراد به مطلق عدم العلم فيشمل حالة الظن ايضا بقرينة قوله (ولكن انقضه بيقين آخر)، فإن ظاهره حصر ما يسمح بان ينقض به اليقين باليقين. والشك تارة يكون موجودا وجودا فعليا، كما في الشاك الملتفت إلى شكه، واخرى يكون موجودا وجودا تقديريا، كما في الغافل الذي لو التفت إلى الواقعة لشك فيها، ولكنه غير شاك فعلا لغفلته، ومن هنا وقع البحث في ان الشك المأخوذ في موضوع دليل الاستصحاب هل يشمل القسمين معا او يختص بالقسم الاول، فاذا كان المكلف على يقين من الحدث ثم شك في بقائه وقام وصلى ملتفتا إلى شكه، فلا ريب في ان استصحاب الحدث يجري في حقه وهو يصلي، وبذلك تكون الصلاة من حين وقوعها محكومة بالبطلان، وفي مثل هذه الحالة لا يمكن للمكلف اذا فرغ من صلاته هذه ان يتمسك لصحتها بقاعدة الفراغ لانها انما تجري في صلاة لم تثبت الحكم ببطلانها حين إيقاعها.
واما اذا كان المكلف على يقين من الحدث، ثم غفل وذهل عن حاله، وقام وصلى ذاهلا، وبعد الصلاة التفت وشك في انه هل كان لا يزال محدثا حين صلى أو لا؟ فقد يقال: بان استصحاب الحدث لم يكن جاريا حين الصلاة، لان الشك لم يكن فعليا، بل تقديريا، فالصلاة لم تقترن بقاعدة شرعية تحكم ببطلانها، فبإمكان المكلف حينئذ ان يرجع عند التفاته بعد الفراغ من الصلاة إلى قاعدة الفراغ فيحكم بصحة الصلاة.
فان قيل: هب ان الاستصحاب لم يكن جاريا حين الصلاة، ولكن لماذا لا يجري الان مع ان الشك فعلي وباستصحاب الحدث فعلا، يثبت ان صلاته التي فرغ منها باطلة.
قلنا: إن هذا الاستصحاب ظرف جريانه هو نفس ظرف جريان قاعدة الفراغ، وكلما اتحد ظرف جريان الاستصحاب والقاعدة تقدمت قاعدة الفراغ خلافا لما اذا كان ظرف جريان الاستصحاب أثناء الصلاة، فانه حينئذ لا يدع مجالا لرجوع المكلف بعد الفراغ من صلاته إلى قاعدة الفراغ، لان موضوعها صلاة لم يحكم ببطلانها في ظرف الاتيان بها.
ولكن الصحيح ان قاعدة الفراغ لا تجري بالنسبة إلى الصلاة المفروضة في هذا المثال على اي حال حتى لو لم يجر استصحاب الحدث في اثنائها، وذلك لان قاعدة الفراغ لا تجري عند احراز وقوع الفعل المشكوك الصحة مع الغفلة، ففي المثال المذكور لا يمكن تصحيح الصلاة بحال.
اما الركن الثالث وهو وحدة القضية المتيقنة والمشكوكة، فيستفاد من ظهور الدليل في ان الشك الذي يمثل الركن الثاني يتعلق بعين ما تعلق به اليقين الذي يمثل الركن الاول، إذ لو تغاير متعلق الشك مع متعلق اليقين، فلن يكون العمل بالشك نقضا لليقين، وانما يكون نقضا له في حالة وحدة المتعلق لهما معا، والمقصود بالوحدة، الوحدة الذاتية لا الزمانية، فلا ينافيها ان يكون اليقين متعلقا بحدوث الشيء والشك ببقائه، فان النقض يصدق مع الوحدة الذاتية، وتجريد كل من اليقين، والشك عن خصوصية الزمان كما تقدم، وقد ترتب على هذا الركن عدة امور:
نذكر منها ما قد لوحظ من أن هذا الركن يمكن تواجده في الشبهات الموضوعية بان تشك في بقاء نفس ما كنت على يقين منه، ولكن من الصعب الالتزام بوجوده في الشبهات الحكمية، وذلك لان الحكم المجعول تابع في وجوده لوجود القيود المأخوذة في موضوعه عند جعله، فاذا كانت هذه القيود كلها متوفرة ومحرزة فلا يمكن الشك في وجود الحكم المجعول، وما دامت باقية ومعلومة فلا يمكن الشك في بقاء الحكم المجعول، وانما يتصور الشك في بقائه بعد اليقين بحدوثه اذا احرز المكلف في البداية ان القيود كلها موجودة، ثم اختلت خصوصية من الخصوصيات في الاثناء، واحتمل المكلف ان تكون هذه الخصوصية من تلك القيود فانه سوف يشك حينئذ في بقاء الحكم المجعول لاحتمال انتفاء قيده.
ومثال ذلك: ان يكون الماء متغيرا بالنجاسة فيعلم بنجاسته ثم يزول التغير الفعلي فيشك في بقاء النجاسة لاحتمال، ان فعلية التغير قيد في النجاسة المجعولة شرعا، وفي هذه الحالة لو لاحظ المكلف بدقة قضيته المتيقنة وقضيته المشكوكة، لرآهما مختلفتين، لان القضية المتيقنة هي نجاسة الماء المتصف بالتغير الفعلي، والقضية المشكوكة هي نجاسة الماء الذي زال عنه التغير الفعلي فكيف يجري الاستصحاب؟ وقد ذكر المحققون ان الوحدة المعتبرة بين المتيقن والمشكوك ليست وحدة حقيقية مبنية على الدقة والاستيعاب بل وحدة عرفية على نحو لو كان المشكوك ثابتا في الواقع لاعتبر العرف هذا الثبوت بقاء لما سبق لا حدوثا لشيء جديد، إذ كلما صدق على المشكوك انه بقاء عرفا للمتيقن انطبق على العمل بالشك انه نقض لليقين بالشك فيشمله دليل الاستصحاب، ولا شك في ان الماء المتغير اذا كان نجسا بعد زوال التغير فليست هذه النجاسة عرفا الا امتدادا للنجاسة المعلومة حدوثا وان كانت النجاستان مختلفتين في بعض الخصوصيات والظروف، فيجري استصحاب النجاسة.
نعم بعض القيود تعتبر عرفا مقومة للحكم ومنوعة له على نحو يرى العرف ان الحكم المرتبط بها مغايرا للحكم الثابت بدونها، كما في وجوب اكرام الضيف المرتبط بالضيافة فان الضيافة قيد منوع، فلو وجب عليك ان تكرم ضيفك بعد خروجه من ضيافتك ايضا بوصفه فقيرا فلا يعتبر هذا الوجوب استمرارا لوجوب اكرامه من اجل الضيافة، بل وجوبا آخر، لان الضيافة خصوصية مقومة ومنوعة، فاذا كنت على يقين من وجوب اكرام الضيف وشككت في وجوب اكرامه بعد خروجه من ضيافتك باعتبار فقره لم يجر استصحاب الوجوب، لان الوجوب المشكوك هنا مغاير للوجوب المتيقن وليس استمرارا له عرفا.
وهكذا نخرج بنتيجة وهي، ان القيود للحكم على قسمين عرفا: فقسم منها يعتبر مقوما ومنوعا، وقسم ليس كذلك، وكلما نشأ الشك من القسم الاول لم يجر الاستصحاب، وكلما نشأ من القسم الثاني جرى. وقد يسمى القسم الاول بالحيثيات التقييدية، والقسم الثاني بالحيثيات التعليلية.
واما الركن الرابع فقد يبين بإحدى صيغتين:
الاولى: ان الاستصحاب يتوقف جريانه على ان يكون المستصحب حكما شرعيا او موضوعا، يترتب عليه الحكم الشرعي لانه اذا لم يكن كذلك يعتبر أجنبيا عن الشارع، فلا معنى لصدور التعبد منه بذلك. وهذه الصيغة تسبب عدة مشاكل: منها: كيف يجري استصحاب عدم التكليف مع ان عدم التكليف ليس حكما ولا موضوعا لحكم.
ومنها: انه كيف يجري استصحاب شرط الواجب وقيده، كالطهارة، كما هو مورد الرواية، فان قيد الواجب ليس حكما ولا موضوعا يترتب عليه الحكم، فان الحكم انما يترتب على قيد الوجوب لا على قيد الواجب، ومن هنا وضعت الصيغة الاخرى كما يلي.
الثانية: ان الاستصحاب يتوقف جريانه على ان يكون لأثبات الحالة السابقة في مرحلة البقاء اثر عملي، اي صلاحية للتنجيز التعذير، وهذا حاصل في موارد استصحاب عدم التكليف، فان إثبات عدم التكليف بقاء معذر، وكذلك في موارد استصحاب قيد الواجب، فان اثباته بقاء معذر في مقام الامتثال.
وهذه الصيغة هي الصحيحة لان برهان هذا الركن لا يثبت اكثر مما تقرره هذه الصيغة، كما سنرى، وبرهان توقف الاستصحاب على هذا الركن امران: احدهما: ان اثبات الحالة السابقة في مرحلة البقاء تعبدا اذا لم يكن مؤثرا في التنجيز والتعذير يعتبر لغوا. والاخر: ان دليل الاستصحاب ينهى عن نقض اليقين بالشك ولا يراد بذلك النهي عن النقض الحقيقي، لان اليقين ينتقض بالشك حقيقة، وانما يراد النهي عن النقض العملي، ومرجع ذلك إلى الامر بالجري على طبق ما يقتضيه اليقين من إقدام او إحجام وتنجيز وتعذير، ومن الواضح ان المستصحب اذا لم يكن له أثر عملي وصلاحية للتنجيز والتعذير، فلا يقتضي اليقين به جريا عمليا محددا ليؤمر المكلف بإبقاء هذا الجري وينهى عن النقض العملي.
وهذا الركن يتواجد فيما اذا كان المستصحب حكما قابلا للتنجيز والتعذير، او عدم حكم قابل لذلك، او موضوعا لحكم كذلك او متعلقا لحكم، والظرف الذي يعتبر فيه تواجد هذا الركن، هو ظرف البقاء لا ظرف الحدوث، فاذا كان للحالة السابقة اثر عملي وصلاحية للتنجيز والتعذير في مرحلة البقاء، جرى الاستصحاب فيها، ولو لم يكن لحدوثها اثر، فمثلا اذا لم يكن لكفر الابن في حياة ابيه اثر عملي، ولكن كان لبقائه كافرا إلى حين موت الاب اثر عملي، وهي نفي الارث عنه، وشككنا في بقائه كافرا، كذلك جرى استصحاب كفره.
|
|
"عادة ليلية" قد تكون المفتاح للوقاية من الخرف
|
|
|
|
|
ممتص الصدمات: طريقة عمله وأهميته وأبرز علامات تلفه
|
|
|
|
|
المجمع العلمي للقرآن الكريم يقيم جلسة حوارية لطلبة جامعة الكوفة
|
|
|