أقرأ أيضاً
التاريخ: 12-7-2021
1768
التاريخ: 21-7-2016
1366
التاريخ: 21-7-2016
1683
التاريخ: 8-1-2022
2265
|
وجوب التوبة يعم الأشخاص و الأحوال ، فلا ينبغي أن ينفك عنه احد في حالة ، قال اللّه تعالى : { وَتُوبُوا إِلَى اللَّهِ جَمِيعًا} [النور: 31] , و هو يعم الكل في الكل.
و مما يدل على وجوبها على الكل : أن كل فرد من أفراد الناس إذا بلغ سن التمييز و التكليف قام القتال والنزاع في مملكة بدنه ، بين الشهوات جنود الشياطين ، و بين العقول احزاب الملائكة ، إذ لا تكمل غريزة العقل في أحد إلا بعد كمال غريزة الشهوة و الغضب و سائر الصفات المذمومة ، و إذا قام القتال بينهما لا بد بحكم العقل و الشرع أن يغلب جنود اللّه على جنود الشيطان ، بقمعها بكسر الشهوات ، و رد النفس على سبيل القهر و الغلبة على الصفات المحمودة و العبادات ، و لا معنى لوجوب التوبة الا هذا , و مما يدل على وجوبها على الدوام و في كل حال هو أن كل عبد لا يخلو عن معصية بجوارحه ، فان خلا في بعض الأحوال عن معصية الجوارح فلا يخلو عن رذائل النفس و الهم بالذنوب بالقلب ، فان خلا عن ذلك أيضا فلا يخلو عن وسوسة الشيطان بإيراد الخواطر المتفرقة المذهلة عن ذكر اللّه ، فان خلا عنه فلا يخلو عن غفلة و قصور في العلم باللّه و بصفاته و آثاره ، و كل ذلك نقص يجب الرجوع عنه و هو معنى التوبة.
و لعدم خلو أحد من الخلق من نوع هذا النقص و أصله في حالة ، و ان تفاوتوا في المقادير يلزم وجوب التوبة على كل عبد في كل حالة ، و لو خلا عن التوبة عن جميع الذنوب في لحظة واختطفه الموت ، لزم خروج روحه بلا توبة ، لعدم انفكاكه قبل موته و لو بلحظة عن فرد من المعاصي المذكورة ، فالتوبة واجبة على كل عبد سالك في كل نفس من أنفاسه ، قال بعض العرفاء : «لو لم يبك العاقل فيما بقى من عمره إلا على فوت ما مضى من عمره في غير طاعة اللّه ، لكان حقيقا أن يخزيه ذلك إلى الممات ، فكيف من يستقبل ما بقى من عمره بمثل ما مضى من جهله» , و من عرف قدر العمر و فائدته ، و ما يكتسب به من سعادة الأبد ، يعلم أن ما يضيع منه في المعصية و غير التوبة أي حسرة و ندامة يترتب عليه ، فان العاقل إذا ملك جوهرة نفيسة ، فان ضاعت منه بغير فائدة بكى عليها لا محالة ، و إن ضاعت منه و صار ضياعها سبب هلاكه كان بكاؤه منه أشد ، و كل نفس من العمر جوهرة نفيسة لا عوض لها ، لا يصالها العبد إلى سعادة الأبد و انقاذها إياه من شقاوة السرمد ، و أي جوهر أنفس من هذا ، فمن ضيعها في الغفلة خسر خسرانا مبينا ، و من صرفها في معصية فقد هلك هلاكا أبديا , و قد قيل : إن للّه- تعالى- إلى عبده سرين يسرهما إليه على سبيل الإلهام , أحدهما اذا خرج من بطن أمه يقول له : عبدي! قد أخرجتك إلى الدنيا طاهرا لطيفا ، واستودعتك عمرك و ائتمنتك عليه فانظر كيف تحفظ الأمانة ، و انظر كيف تلقاني , و الثاني عند خروج روحه يقول : عبدي! ما ذا صنعت في امانتي عندك ، هل حفظتها حتى تلقاني على العهد فالقاك على الوفاء؟ , او اضعتها فألقاك بالمطالبة و العقاب؟.
و إليه الإشارة بقوله - تعالى- : { وَأَوْفُوا بِعَهْدِي أُوفِ بِعَهْدِكُمْ} [البقرة : 40] , و بقوله تعالى : {وَالَّذِينَ هُمْ لِأَمَانَاتِهِمْ وَعَهْدِهِمْ رَاعُونَ} [المؤمنون : 8].
وقد روى : أن ملك الموت إذا ظهر للعبد عند موته أعلمه أنه قد بقى من عمرك ساعة لا تستأخر عنها طرفة عين ، فيبدو للعبد من الحزن و الحرة و الأسف ما لو كانت له الدنيا بحذافيرها لا عطاها بدل أن يضم إلى تلك الساعة ساعة أخرى ليتدارك فيها تفريطه ، و لا يجد إليها سبيلا ، و قد روى - أيضا- : أنه إذا كشف الغطاء للعبد قال لملك الموت : أخرني يوما اعتذر فيه إلى ربي و أتوب ، و أتزود صالحا لنفسي ، فيقول : فنيت الأيام فلا يوم ، فيقول : أخرني ساعة ، فيقول : فنيت الساعات فلا ساعة ، فيغلق عليه باب التوبة ، فيغرغر بروحه ، و تتردد انفاسه في شراسيفه ، و يتجرع غصة اليأس عن التدارك ، و حسرة الندامة على تضييع العمر، فيضطرب أصل ايمانه في صدمات تلك الأهوال ، فإذا زهقت نفسه ، فان سبقت له من اللّه الحسني خرجت روحه على التوحيد ، و ذلك حسن الخاتمة ، و إن سبق له القضاء بالشقوة و العياذ باللّه خرجت روحه على الشك و الاضطراب ، و ذلك سوء الخاتمة.
التوبة عن بعض المعاصي
أعني المحرمات و ترك الواجبات - واجب بفتوى الشرع ، بمعنى أن التارك لهذه التوبة و المرتكب لهذه المعاصي يكون معذبا بالنار، و هذا الوجوب يشترك فيه كافة الخلق ، و تكليف الجميع به لا يوجب فسادا في النظام الكلي.
وأما التوبة عن بعض آخر منها ، كالخواطر و الهمم الطارئة على القلب و القصور عن معرفة كنه جلال اللّه و عظمته و أمثال ذلك ، فليس واجبا بهذا المعنى ، لمنافاته انتظام العالم , إذ لو كلف الخلق كلهم أن يتقوا اللّه حق تقاته ، لتركوا المعائش و رفضوا الدنيا بالكلية ، و ذلك يؤدي إلى بطلان التقوى رأسا ، لأنه إن فسدت المعائش لم يتفرغ أحد للتقوى.
فالتوبة عن كل ما هو المرجوح ليست واجبة بهذا الاعتبار، بل هي واجبة بمعنى آخر، و هو ما لا بد منه للوصول به إلى غاية القرب إلى اللّه ، و إلى المقام المحمود و الدرجات العالية ، فمن رضى بأصل النجاة و قنع به لم تكن هذه التوبة واجبة عليه ، و من طلب الوصول إلى ما ذكر وجبت عليه هذه التوبة وجوبا شرطيا ، بمعنى توقف مطلوبه عليه ، كما جرت عليه طوائف الأنبياء و الأولياء و أكابر العرفاء و العلماء ، و لأجله رفضوا لذات الدنيا بالكلية.
وعلى هذا فما ورد من استغفار الأنبياء و الأوصياء و توبتهم إنما هو من ترك دوام الذكر و غفلتهم عن مقام الشهود و الاستغراق لأجل اشتغالهم بالمباحات ، لا عن ذنوب كذنوبنا ، لتعاليهم وتقدسهم عن ذلك.
قال الصادق (عليه السّلام) : «إن رسول اللّه (صلّى اللّه عليه وآله) كان يتوب إلى اللّه و يستغفره في كل يوم و ليلة مائة مرة من غير ذنب ، ان اللّه – تعالى - يخص أولياءه بالمصائب ، و ليأجرهم عليها من غير ذنب كذنوبنا ، فان ذنب كل أحد إنما هو بحسب قدره و منزلته عند اللّه».
|
|
5 علامات تحذيرية قد تدل على "مشكل خطير" في الكبد
|
|
|
|
|
لحماية التراث الوطني.. العتبة العباسية تعلن عن ترميم أكثر من 200 وثيقة خلال عام 2024
|
|
|