أقرأ أيضاً
التاريخ: 23-3-2017
![]()
التاريخ: 6-8-2017
![]()
التاريخ: 23-3-2017
![]()
التاريخ: 2024-09-09
![]() |
لغرض الاحاطة بهذا الموضوع والأثر المترتب على التصديق سيتم تقسيم هذا الموضوع إلى بندين ، يتعلق الأول بآلية تصديق الاتفاقيات الدولية في الدول المقارنة ، اما الثاني يتناول أثر التصديق في النظام القانوني الوطني في الدول المقارنة.
اولاً:- آلية تصديق الاتفاقيات الدولية في الدول المقارنة:
في إطار النظام السياسي للولايات المتحدة الأمريكية ، ينص الدستور الاتحادي للولايات المتحدة الأمريكية في الفقرة (2) من المادة (2) من القسم الثاني على ان .... تكون له السلطة، بمشورة مجلس الشيوخ وموافقته لعقد معاهدات، شرط أن يوافق عليها ثلثا عدد أعضاء المجلس الحاضرين).
وبموجب هذا النص فأن الرئيس الأمريكي يملك إجراء التصديق على الاتفاقيات الدولية بشرط موافقة ثلثي أعضاء مجلس الشيوخ الحاضرين (1).
ويقوم الرئيس الأمريكي عادةً بالاتصال بأعضاء لجنة الشؤون الخارجية في مجلس الشيوخ الأمريكي قبل الشروع بالمفاوضات الدولية ، والغرض من ذلك الاتصال ، هو الحصول على موافقة مجلس الشيوخ على الاتفاقية المراد عرضها لاحقا عليه ، ومن هنا نجد أن مجلس الشيوخ قد اقر - من دون تعديل - أربعة أخماس الاتفاقيات الدولية التي تم عرضها عليه في المدة بين 1787 1935 ، كما أقر المجلس في المدة من 1924 - 1930 مئة وست اتفاقيات عقدت مع إحدى وأربعين دولة (2) ، ولكن ذلك لا يعني أن الرئيس الأمريكي دائما يقوم بالاتصال بمجلس الشيوخ للحصول على موافقته ، فحصل أن رفض الأخير العديد من المعاهدات التي عرضت عليه كمعاهدة فرساي عام 1919 (3)
وترجع أساس القاعدة الدستورية بضرورة موافقة مجلس الشيوخ على الاتفاقيات الدولية، الى الظروف التاريخية التي مرت بها الولايات المتحدة الأمريكية ، فأرادت ان تحتفظ لها بمراقبة هذا الاختصاص ، وقد تمكنت من تحقيق ذلك الهدف عن طريق مجلس الشيوخ الأمريكي الذي تتساوى فيه الولايات الأعضاء في الاتحاد من ناحية التمثيل (4) ، فمن حقه ان يراقب سياسة الدولة الخارجية (5)، إلا أن أسلوب إقرار الاتفاقيات في الولايات المتحدة قد أثار اعتراضات عديدة أهمها :
1- إن اشتراط موافقة أغلبية ثلثي الاعضاء الحاضرين لمجلس الشيوخ إن كان له ما يسوغة في القرن الثامن عشر، إلا انه ليس له مسوغ قانوني في عصر الديمقراطية ، أن تكتفي النظم الآن بالأغلبية المطلقة ، أضف الى ذلك فان اشتراط أغلبية خاصة سوف يفسح المجال أمام أقلية ان تتحكم بالأغلبية ، ومن ثم تفويت الغرض لعدم إقرار الاتفاقية، وقد حدث ذلك في معاهدة فرساي سنة 1919.
2- إن منح سلطة إقرار الاتفاقيات الدولية لمجلس الشيوخ من دون مجلس النواب، سوف يؤدي الى الإخلال بالتوازن بين المجلسين ، إذ ان إقرار مجلس الشيوخ للاتفاقية سيملي على مجلس النواب الموافقة على التشريعات والاعتمادات كافة اللازمة لتنفيذها ) .
وعلى ضوء الانتقادات الموجهة الى إقرار الاتفاقيات الدولية، اقترح بعض من الفقه بأن يتم إقرار الاتفاقيات الدولية بالأغلبية المطلقة لأعضاء مجلس الشيوخ الاصليين أو الحاضرين من دون الأغلبية الخاصة ، ومنح مجلس النواب صلاحية الاشتراك مع مجلس الشيوخ في إقرار الاتفاقيات الدولية (6) .
يتضح مما تقدم ، ان الدستور الأمريكي الذي يبني النظام الرئاسي ، منح صلاحية التصديق للسلطة التنفيذية مع الموافقة الالزامية لمجلس الشيوخ، أي ان التصديق يحتاج الى موافقة الرئيس مع تدخل وجوبي من مجلس الشيوخ في جميع الاتفاقيات المعقودة باستثناء الاتفاقيات التنفيذية ، على وفق الفقرة الثانية من المادة الثانية من الدستور الأمريكي ، ولذلك تُعد الرقابة التي يمارسها مجلس الشيوخ في أثناء إقراره للاتفاقيات الدولية رقابة ذات نوع متشدد لا نها تستوجب التصديق على الاتفاقيات الدولية كافة ، فضلاً عن النسبة المطلوبة للإقرار أغلبية ثلثي ا لأعضاء الحاضرين ، وهذه النسبة مرتفعة ، لذلك شهدت الحياة السياسية رفض العديد من الاتفاقيات الدولية (7).
وبشأن التصديق في سويسرا ، التي تبنت نظام حكومة الجمعية ، فهو من مسؤولية الجمعية الاتحادية (8)، وهذا ما نصت عليه الفقرة 2 من المادة (166) من الدستور الاتحادي السويسري النافذ ، على ان ( تصدق الجمعية الاتحادية على المعاهدات الدولية ماعدا المعاهدات التي تقع بحكم القانون أو بنص معاهدة دولية ضمن اختصاص المجلس الاتحادي ).
ومن خلال هذا النص يتضح أن مسألة التصديق على الاتفاقيات الدولية في الاتحاد السويسري أسندت الى الجمعية الاتحادية ، إلا ان النص اورد استثناء على ذلك ، وهذا الاستثناء يتعلق بالمعاهدات التي تقع بحكم القانون ، أو بنص معاهدة دولية ضمن اختصاص المجلس الاتحادي، وهذا ما تؤكده الفقرة الثانية من المادة (184) من الدستور السويسري النافذ التي نصت على أن ( يوقع المجلس ويصدق على المعاهدات الدولية ويقدمها الى الجمعية الاتحادية لاعتمادها ) ، ويمكن القول : ان ما أوردته هذه الفقرة من اختصاص المجلس الاتحادي بالتصديق متعلق بالاستثناء الذي بينته المادة (166) من الدستور السويسري .
وعلى أساس ما تقدم ، فإنّ الاختصاص بالتصديق في الاتحاد السويسري يقع في ضمن صلاحيات الجمعية الاتحادية، فالمجلس الاتحادي يوقع على الاتفاقيات الدولية ويقدمها إلى الجمعية الاتحادية لاعتمادها، ويستثنى من ذلك الاتفاقيات التي تقع بحكم القانون، أو بنص اتفاقية دولية ضمن اختصاص المجلس الاتحادي السويسري.
إلا إن أصالة النظام السويسري، تظهر في إمكانية إشراك الشعب في عملية عقد الاتفاقيات الدولية منذ عام 1921 (9) ، إذ بينت الفقرة (1) من المادة (141) من الدستور السويسري الصادر سنة 1999 بشأن مواضيع الاستفتاء الاختياري إذ نصت على ان تُعرض الموضوعات الآتية، خلال مئة يوم من نشرها رسمياً، على الشعب للتصويت بناء على طلب خمسين ألف مواطن ومواطنة ممن لهم حق التصويت أو ثماني مقاطعات ........... (د) المعاهدات الدولية التي
1 - بدون حد زمني في مدة الصلاحية أو التي لا يمكن إنهاؤها فيما بعد.
2 - تقضي بالانضمام إلى المنظمات الدولية.
3 - تتضمن مواد هامة تحدد قواعد قانونية او تحتاج الى تبني قوانين فدرالية لتطبيقها .
أما بشأن الأغلبية اللازمة للتصويت للموافقة على المعاهدات، فقد نصت المادة (142) من الدستور ذاته على ان :-
(1- تعتبر الموضوعات التي تعرض للتصويت على الشعب مقبولة إذا ما وافق عليها أغلبية المصوتين . 2 - تعتبر الموضوعات التي تعرض للتصويت على الشعب وعلى المقاطعات مقبولة إذا وافق عليها أغلبية المصوتين من الشعب وأغلبية المقاطعات -3- تعتبر نتيجة تصويت الشعب في مقاطعة تصويت لتلك المقاطعة. 4- لكل من مقاطعات أو بفالدن و نيد فالدن، ومدينة بازل وريفها، وأبنزل رود الخارجية والداخلية نصف .صوت.).
ويمكن القول : إن إشراك الشعب في عملية التصويت على الاتفاقيات ، هو أحد مظاهر الديمقراطية التمثيلية على الصعيد الدولي، من خلال جعل الشعب يشترك في إدارة الشؤون العامة بما فيها الخارجية .
إما بشأن التصديق على الاتفاقيات الدولية في الاتحاد الألماني، نجد أن القانون الأساسي لجمهورية ألمانيا الاتحادية لسنة 1949 ، قد ميز بين ثلاثة أنماط من الاتفاقيات الدولية التي تعقد في ألمانيا الاتحادية من حيث إجراءات التصديق (10)، النمط الأول متعلق بالاتفاقيات الدولية التي تنظم علاقات الاتحاد السياسية ، أي التي تأخذ طابعا سياسيا ، اما النمط الثاني من الاتفاقيات فهي التي تؤثر في سن القوانين الخاصة بالتشريع الفدرالي، أي التي تدخل في نطاق التشريع الفدرالي، إذ أوجب القانون الأساسي لجمهورية ألمانيا الاتحادية لنفاذ هذين النمطين من الاتفاقيات استكمال إجراءات التصديق ، باقترانها بمصادقة البرلمان الاتحادي وإقرارهما بموجب قانون اتحادي، أي لابد أن تصدر تلك الموافقة على شكل قانون اتحادي من مجلسي البرلمان ، بما فيه المجلس الاتحادي الخاص بالولايات، بمعنى ان ترفع الاتفاقية الدولية الى المجلس الاتحادي، وللأخير الحق في الاعتراض على الاتفاقية في القراءة الثانية (11) ، ولعل الهدف من موافقة البرلمان الاتحادي، هو تمكين السلطة التنفيذية من التصديق على الاتفاقية لتحقيق نفاذها على المستوى الدولي ، والأمر الثاني هو منح تلك الاتفاقيات حكم التشريع الداخلي .
أما النمط الثالث من الاتفاقيات الدولية، هي ذات الطابع الإداري ، إذ إن هذه الاتفاقيات لا تتطلب تشريعا فيدراليا ، أو تأييداً رئاسي لكي تنفذ على المستوى الدولي، ولكنها تتطلب فقط الموافقة من الهيأة الإدارية الفدرالية المختصة، وهذا ما ذهبت إليه المحكمة الدستورية في ألمانيا الاتحادية في سنة 1952 إلى القول : (إن الاتفاق الألماني الفرنسي الاقتصادي قابلا للتنفيذ عن طريق العمل الإداري ولا يحتاج إلى الموافقة البرلمانية) (12).
وبموجب لائحة المجلس النيابي الاتحادي ليس للمجلس إن يعدل الاتفاقيات الدولية التي تخضع للمصادقة بل له انه يتقدم باقتراحات ليس لها صفة الإلزام القانوني، كذلك بينت اللائحة بأن التصويت على الاتفاقية يجري عليها بأكملها، وليس على كل بند من بنودها (13) ، وعادة يتم دراسة الاتفاقيات الدولية ومشروع قانون التصديق على الاتفاقية من قبل لجنة الشؤون الخارجية في البرلمان الاتحادي التي تكون جلساتها غير علنية (14).
ومن الناحية العملية ، لا توجد هناك صعوبات في أثناء عملية التصديق على الاتفاقية في البرلمان ، إذ إن كثيراً من الحالات يوافق البرلمان بعد إجرائه لمناقشات بسيطة عليها ، وأحيانا يضع البرلمان شروطا معينة لإجراء المصادقة ، كاشتراطه عند مناقشة اتفاقية انضمام الاتحاد للمدفوعات الأوربية ، بأن تقوم الحكومة بإبلاغ منظمة التعاون الاقتصادي الأوربي بأنّ مركز ألمانيا من الناحية المالية يحتاج الى تطوير وتحسين (15).
مما تقدم يتضح أن التصديق في الاتحاد الألماني عمل مشترك بين السلطة التنفيذية والتشريعية ، إذ لابد للسلطة التشريعية تصدر قانونا يخول الرئيس سلطة التصديق على الاتفاقية بالنسبة للاتفاقيات التي تنظم علاقة ألمانيا الاتحادية من الجانب السياسي ، او التي تؤثر في سن القوانين الخاص بالتشريع الاتحادي ، أما الاتفاقيات ذات الطابع الإداري ، فهذه لا تتطلب تشريع أ فيدرالياً، بل تتطلب فقط موافقة من الهيأة الإدارية الفيدرالية المختصة حتى تصبح نافذة على المستوى الدولي .
وعن الاختصاص في التصديق في دولة الإمارات العربية المتحدة ، لقد اسند دستور دولة الإمارات العربية المتحدة لسنة 1971 الاختصاص بالتصديق إلى المجلس الأعلى للاتحاد ، إذ نص على أن ( يتولى المجلس الأعلى للاتحاد ....... 4- التصديق على المعاهدات والاتفاقيات الدولية ويتم هذا التصديق بمرسوم) (16)، وبينت لائحة المجلس الأعلى مراحل التصديق وإصدار المرسوم الخاص، بنصها على انه (بعد التوقيع على أية معاهدة أو اتفاقية دولية من المفوضين بالتوقيع ، يقوم الوزير المختص بعرضها على مجلس الوزراء للموافقة عليها ويتولى وزير الدولة لشؤون المجلس الأعلى عرضها على رئيس الاتحاد للتصديق عليها من المجلس وإصدار المرسوم بذلك ) (17).
ونظراً لأهمية هذا الاختصاص وخُطورته ، فقد حظر الدستور الإماراتي تفويض اختصاص التصديق لأي فرع تنفيذي آخر، إذ نص على أن ( للمجلس الأعلى إن يفوض رئيس الاتحاد ومجلس الوزراء مجتمعين في إصدار ما يقتضي الأمر إصداره في غيبة المجلس الأعلى من المراسيم التي يختص بها المجلس المذكور بالتصديق عليها ، على إن لا يشمل هذا التفويض الموافقة على المعاهدات والاتفاقيات الدولية ...) (18).
ثانيا:- أثر التصديق في النظام القانوني الوطني في الدول المقارنة:
يختلف موقف النظم القانونية الوطنية من مسألة نفاذ الاتفاقيات الدولية باختلاف التنظيم الدستوري المنظم لها ، ففي الولايات المتحدة الامريكية نصت المادة (6/2) من الدستور على أنّ ( هذا الدستور، وقوانين الولايات المتحدة التي تصدر تبعاً له، وجميع المعاهدات المعقودة أو التي تعقد تحت سلطة الولايات المتحدة، تكون القانون الأعلى للبلاد. ويكون القضاة في جميع الولايات ملزمين به، ولا يعتد بأي نص في دستور أو قوانين أية ولاية يكون مخالفاً لذلك.) ، ويتضح من هذا النص ، إن الاتفاقيات الدولية التي تبرم في الولايات المتحدة الأمريكية تندمج تلقائيا في النظام القانوني الوطني للولايات المتحدة ، ولا تحتاج لإصدار تشريع لغرض إنفاذها (19)، وتكون لها الأولوية في التطبيق حتى لو تعارضت مع دستور أو قوانين الولايات (20) .
إلا أن القضاء الأمريكي بدأ يميز بين نوعين من الاتفاقيات ، اتفاقيات ذاتية النفاذ (21) ، وهي التي ترتب حقوق او التزامات بصورة مباشرة لمصلحة الأفراد ، اما النوع الثاني غير ذاتية النفاذ ، وهذه تحتاج الى صدور قانون لغرض نفاذها وكثيراً ما تتعلق بالقيام بعمل ، وتتجه للحكومة وليس للمحاكم ، وهذه الفرق من صنع القضاء الأمريكي (22)
ولا يهتد بأي صلة الى دستور الولايات المتحدة (23) ، وقد بينت المحكمة العليا في كاليفورنيا سنة 1952 ( ان لتحديد فيما إذا كانت الاتفاقية ذاتية النفاذ أم لا ، يجب الوقوف على نية اطرافها ، هذه النية مكرسة في عبارات الاتفاقيات ونصوصها ، واذا لم تكن تلك العبارات واضحة فأن ظروف عقد الاتفاقية يمكن ان توضح نية اطرافها، مثلا تصريح صادر عن الرئيس أو اعضاء الكونغرس ) (24).
وبشأن التعارض بين الاتفاقيات الدولية والدستور، لم يبين الدستور الأمريكي حل هذا التعارض ، كذلك لم يعالج التعارض بين الاتفاقيات والقوانين الاتحادية ، إذ انه اكتفى بمعالجة العلاقة والتعارض بين الاتفاقيات الدولية والقوانين الفدرالية من جهة و قوانين الولايات و دساتيرها من جهة اخرى، فالدستور قد وضع الاتفاقيات المبرمة والقوانين الاتحادية في قائمة واحدة ، إذ تعد القانون الأعلى للبلاد (25).
أما بشأن نفاذ الاتفاقيات الدولية في المانيا الاتحادية ، فقد أخذت الأخيرة بالأثر الفعال او المباشر للاتفاقيات الدولية ، وأعطى الدستور الاتفاقيات الدولية التي تعقد في المانيا الاتحادية قوة النفاذ المباشر في النظام القانوني الوطني، وهذا من سمات نظرية وحدة القانون ، وعلى اساس ذلك يكفي في ظل المانيا الاتحادية أن تبرم الاتفاقيات الدولية مستوفية المتطلبات الدستورية حتى تصبح نافذة في ظل النظام القانوني الوطني ، لان القانون الاساسي لجمهورية المانيا الاتحادية، اعترف صراحة بسمو المبادئ العامة للقانون الدولي على القوانين الاتحادية (26) ، وهذا ما نصت عليه المادة (24) من القانون الاساسي لجمهورية المانيا الاتحادية على أن( يستطيع الاتحاد بموجب قانون ان ينقل حقوقه السيادية الى مؤسسات دولية) ، وجاءت المادة (25) من القانون اكثر تأكيداً على هذا المعنى ، إذ نصت (تكون احكام القانون الدولي العامة جزءا من تركيبة القانون الاتحادي ، لها الافضلية على القوانين الاتحادية ويرتب عليها حقوق وواجبات مباشرة على سكان المناطق في انحاء الاتحاد) . ويذهب البعض، إلى أن هذه المادة لا تُشير الى الاتفاقيات الدولية ، إذ إنها تشير الى العرف والمبادئ العامة للقانون فحسب ، ومن ثم فإن الاتفاقيات الدولية ليس لها القيمة القانونية نفسها بالنسبة للقانون ، في حين يذهب البعض الآخر إلى أن المادة تستوعب جميع القواعد القانونية الدولية (27) .
والسؤال الذي يثار في هذا الصدد عن ماهية الحل فيما إذا قام خلاف حول تحديد طبيعة تلك القاعدة القانونية الدولية هل تعد جزء من التشريع الداخلي أم لا ؟ لقد أجابت المادة (100) في فقرتها الثانية عن ذلك ، إذ نصت على أن إذا ظهرت شكوى في احدى الخلافات القانونية فيما اذا كانت احدى قواعد القانون الدولي تكون جزءا من التشريع الداخلي ، وفيما اذا كانت هذه القاعدة من شأنها أن تولد حقوقا او واجبات للأفراد مادة (25) ، فعلى المحكمة ان تحول القضية الى المحكمة الدستورية الاتحادية للبت فيها).
وتشير أحكام القضاء الداخلي الألماني ، إلى إعطاء الاتفاقيات الدولية قوة القانون الاتحادي ، إذ قضت المحكمة العليا الدستورية الألمانية في (15) مايو 1957 بأن (الاتفاقية الأوربية لحقوق الانسان والحريات الاساسية التي صادقت عليها جمهورية المانيا الفيدرالية ، قد اصبحت جزءا مكملا للقانون الوضعي لهذه الجمهورية) (28) ، كذلك أعطت المحاكم الألمانية لإحكام الاتفاقية الأوربية لحقوق الانسان قوة القانون الاتحادي ، وهذا ما يتضح من الحكم الذي اصدرته محكمة الاستئناف في ( (17) فبراير 1960 ، إذ اعترفت المحكمة بتعديل قانون الإجراءات الجنائية تلقائيا ، بمجرد تصديق ألمانيا الاتحادية على الاتفاقية الأوربية لحقوق الانسان ، وكذلك الحكم الذي اصدرته المحكمة الادارية الفيدرالية في 25 اكتوبر 1956 ، والذي اعترفت به بالتطبيق المباشر للمادة الثانية من الاتفاقية الأوربية لحقوق الانسان (29) .
وجديرٌ بنا أن نشير إلى أن نشر الاتفاقيات الدولية في المانيا الاتحادية ، يحصل قبل أن تصبح الاتفاقية نافذة طبقاً لقواعد القانون الدولي (30) .
مما تقدم يتضح ، أن مكانة الاتفاقيات الدولية في ألمانيا الاتحادية، هي تعد جزء لا يتجزأ من القوانين الاتحادية ، ولكن لها الافضلية على تلك القوانين ، ولكن في مستوى أدنى من القانون الاساسي لجمهورية المانيا الاتحادية .
أما في ظل الاتحاد السويسري ، فقد اعطى دستور عام 1874 (الملغي) الاتفاقيات الدولية قيمة قانونية عليا على القانون الوطني ، إذ عد الاتفاقيات النافذة على المستوى الدولي ، هي نافذة على المستوى الوطني من دون حاجة إلى اصدار تشريع، بمعنى أن هذا الدستور اخذ بمذهب وحدة القانون (31) .
أما بشأن نفاذ الاتفاقيات الدولية في النظام القانوني الوطني السويسري على وفق الدستور النافذ ، فلم نجد نصا صريحا في الدستور يؤكد تحديد القيمة القانونية للاتفاقيات الدولية ، وطريقة نفادها على المستوى الوطني ، ولذلك فإن الاتفاقيات المعقودة في سويسرا لا تحتاج إلى صدور تشريع لغرض إنفاذها في القانون الداخلي ، ولا يعد نشر الاتفاقيات الدولية في الجريدة الرسمية منشئاً من حيث النفاذ الداخلي ، بل يعد كاشفاً فحسب ، اي ان الاتفاقيات غير المنشورة تلزم السلطات السويسرية (32).
و في الامارات العربية المتحدة ، فأن دستورها لم يشر اشارة صريحة لبيان مسألة مكانة ونفاذ الاتفاقيات الدولية على المستوى الوطني (33) ، ولكن بالرجوع الى المادة (47/4) من الدستور الاماراتي التي نصت على ان (يتولى المجلس الأعلى للاتحاد الامر التالية 4- التصديق على المعاهدات والاتفاقيات الدولية ويتم هذا التصديق بمرسوم) ، و بعد اتمام التصديق عن طريق المرسوم الاتحادي ، تصبح الاتفاقيات جزءا من النظام القانوني الوطني في الامارات ، وهذا ما تؤكده المادة (125) من الدستور ذاته التي نصت على أن تقوم حكومات الامارات باتخاذ ما ينبغي من تدابير لتنفيذ القوانين الصادرة عن الاتحاد والمعاهدات والاتفاقيات الدولية التي يبرمها ، بما في ذلك اصدار القوانين واللوائح والقرارات والأوامر المحلية اللازمة لهذا التنفيذ ، وللسلطات الاتحادية الاشراف على تنفيذ حكومات الامارات للقوانين والقرارات والمعاهدات والاتفاقيات الدولية .....) . وعلى وفق هذا النص يكون للاتفاقيات الدولية قوة القانون الصادر عن المج لس الأعلى للاتحاد ، ومن ثم يقع التزام على السلطات كافة باتخاذ الاجراءات القانونية اللازمة لهذا التنفيذ (34).
مما تقدم يتضح من الدساتير محل الدراسة، ان دستور الولايات المتحدة الامريكية عهد للرئيس الأمريكي مهمة عقد الاتفاقيات بعد الحصول على موافقة ثلثي أعضاء مجلس الشيوخ الحاضرين ، واشترط القانون الأساسي لجمهورية المانيا الاتحادية الموافقة على الاتفاقيات ذات الطابع السياسي او التي تؤثر في التشريع الفيدرالي بناءً على صدور قانون، في حين اعطى الدستور السويسري للجمعية الاتحادية الاختصاص في التصديق باستثناء المعاهدات التي تقع بحكم القانون او بنص معاهدة دولية من اختصاص المجلس الاتحادي ، واسند الدستور الاماراتي مهمة التصديق الى المجلس الاعلى للاتحاد بموجب مرسوم اتحادي.
_________
1- ينظر، جيروم .أ. بارون وس توماس دينيس : الوجيز في القانون الدستوري ( المبادئ الأساسية للدستور الامريكي )، ط2، ترجمة محمد مصطفى مغنيه الجمعية المصرية لنشر المعرفة والثقافة العالمية ، القاهرة ، من دون سنة طبع ، ص 139. و لاري الويتز : نظام الحكم في الولايات المتحدة الامريكية، ترجمة جابر سعيد عوض ، الجمعية المصرية لنشر المعرفة والثقافة العالمية ، القاهرة ، من دون سنة طبع ، ص 159. ود. محمد يوسف علوان مرجع سابق، ص 201
2- د. دعلي يوسف الشكري، رئيس الدولة في الاتحاد الفدرالي، ط1، المكتبة الحيدرية ، النجف الاشرف ، 2009، ،ص178-179.
3- د. وليد البيطار القانون الدولي العام ، ط1، المؤسسة الجامعية للدراسات والنشر والتوزيع، بيروت، 2008 ،ص 188.
4- د. محمد يوسف علوان : القانون الدولي العام ( المقدمة والمصادر) ، ط 2 ، دار وائل للنشر الاردن ، 2007، ص 201. وينظر، د. محمد المجذوب : القانون الدولي العام ، 6 ، منشورات الحلبي الحقوقية، بيروت ، 2007، ، ص 605.
5- د. عادل ثابت ، النظم السياسية، دار الجامعة الجديدة ، الاسكندرية ، 2007 ، ص 110.
6- د. سعد عصفور، (رئيس الجمهورية الأمريكية) بحث منشور في مجلة الحقوق للبحوث القانونية والاقتصادية ، مطبعة دار النشر للثقافة ، الإسكندرية، العددان الأول والثاني ، السنة الرابعة، 1950 ، ص 274-275.
7- د. سعد عصفور، (رئيس الجمهورية الأمريكية) بحث منشور في مجلة الحقوق للبحوث القانونية والاقتصادية ، مطبعة دار النشر للثقافة ، الإسكندرية، العددان الأول والثاني ، السنة الرابعة، 1950 ، ص 275 276 .
8- ينظر، د. وليد البيطار القانون الدولي العام ، ط1، المؤسسة الجامعية للدراسات والنشر والتوزيع، بيروت، 2008 ، ص.187 ود. صلاح الدين عامر : مرجع سابق، ص 225 الهامش رقم (1). ) ينظر، د. جمال عبد الناصر مانع : القانون الدولي العام ، ( المدخل والمصادر في المجال الوطني للدولة )، دار الفكر الجامعي ، الإسكندرية، 2012، ص84 . و د . حميد حنون : الانظمة السياسية ، مطبعة الفائق، بغداد ، 2008 ، ص 141.
9- رفض الشعب السويسري استنادا إلى هذا الحق الدستوري وبموجب الاستفتاء الذي اجري عام 1923 الموافقة على الاتفاقية المعقودة بين سويسرا وفرنسا عام 1921 والتي تتعلق بالمناطق الحرة ، وعلى العكس من ذلك لقد وافق الشعب السويسري بموجب استفتاء جرى عام 1958 على الاتفاقية السويسرية الايطالية لعام 1957 بشأن استخدام مياه نهر السيول لإنتاج الطاقة الهيدرولية . علي موحان عدنان ، التصديق على المعاهدات الدولية ، رسالة ماجستير مقدمة الى كلية القانون الجامعة المستنصرية، 2005، ص 115
10- نصت الفقرة (2) من المادة (59) من القانون الأساسي لجمهورية ألمانيا الاتحادية لسنة 1949 المعدل على أن ( تتطلب الاتفاقيات التي تنظم علاقات الاتحاد السياسية ، أو التي تتعلق بأمور التشريع الاتحادي، تتطلب فهي كل حالة موافقة أو مشاركة الأجهزة صاحبة الصلاحية في التشريع الاتحادي لتتم صياغتها على غرار قانون اتحادي، إما في الاتفاقيات الإدارية فتسري الإحكام النافذة على الإدارة الاتحادية بالتناظر).
11- د. كونرات روتر ، المجلس الاتحادي الجمهورية المانيا الاتحادية، ترجمة مريم حسن ، ط 1 ، مطبعة شهاب ، اربيل ، 2009 ، ص 46 - 47
12- د. احمد عبد الحليم شاكر ، المعاهدات الدولية إمام القضاء الجنائي ، دار الكتب الوطنية ، مصر ، 2009 ، ص 221-222
13- د .علي يوسف الشكري، رئيس الدولة في الاتحاد الفدرالي، ط1، المكتبة الحيدرية ، النجف الاشرف ، 2009، ص 267.
14- مقتطفات من النظام الداخلي للمجلس النيابي الالماني في دورته الانتخابية السادسة عشر ، ترجمة عبد الكريم ابو بكر هموند ، من مطبوعات المجلس الوطني لكردستان العراق ، 2007، ص26.
15- د. علي يوسف الشكري، رئيس الدولة في الاتحاد الفيدرالي، مرجع سابق ، ص 267.
16- الفقرة (4) من المادة (47) من دستور دولة الإمارات العربية المتحدة لسنة 1971 المعدل. ولمزيد من التفاصيل ينظر د. علي يوسف الشكري: التناسب بين سلطة رئيس الدولة ومسؤولية في الدساتير العربية ، ط1، منشورات الحلبي الحقوقية، بيروت، 2012 ، ص159.
17- المادة (14) من اللائحة الداخلية للمجلس الأعلى للاتحاد الصادرة بقرار المجلس الاعلى للاتحاد الاماراتي رقم (4) لسنة 1972
18- المادة (115) من دستور دولة الإمارات العربية المتحدة لسنة 1971 المعدل.
19- د . صلاح الدين عامر ، مقدمة لدراسة القانون الدولي العام ، دار النهضة العربية ، القاهرة ، 2007 ، ص 172 الهامش رقم (3) وينظر ، ايرك بارندت : مدخل للقانون الدستوري ، ترجمة د. محمد ثامر ، ط1، مكتبة السنهوري ، بغداد ، 2011، ص96.
20- وتطبيقا لذلك قضت المحكمة العليا في قضية ميسوري ضد هولاند (( ان المادة السادسة من الدستور تنص على أن المعاهدات التي تعقد وفقا السلطة الولايات المتحدة جنبا الى جنب مع الدستور و قوانين الولايات المتحدة التي تنبثق عنها ، هي فوق جميع القوانين)) .د. اشرف عرفات ابو حجازه (مكانة القانون الدولي العام في اطار القواعد الداخلية الدستورية والتشريعية) ، بحث منشور في المجلة المصرية للقانون الدولي، الجمعية المصرية للقانون الدولي المجلد (60) ، 2004 ، ص 229
21- على سبيل المثال المادة (11) من البرتوكول الملحق بالاتفاقية الأوربية لحقوق الانسان التي اشارت الى الحريات التي يتمتع بها الافراد كحرية الاجتماع وانشاء النقابات والانضمام اليها تطبق بصورة مباشرة في المجال الداخلي من دون الحاجة لصدور تشريع. ينظر، د. عصام العطية ، القانون الدولي العام، مكتبة السنهوري، بغداد ، 2009 ، ص 162 الهامش رقم (1).
22- لقد بين القضاء الأمريكي هذه التفرقة ، فقد أصدرت محاكم كاليفورنيا عام 1950 قرارا والذي اعتبرت فيه المحكمة قانون ملكية الاراضي الزراعية في كاليفورنيا غير مشروع ، لان نصوصه تشير إلى مخالفة عنصرية مع ميثاق الأمم المتحدة الذي ينص بشكل صريح الغاء تلك التفرقة، الا ان المحكمة العليا في ولاية كاليفورنيا نقضت ذلك الحكم على اعتبار ان نصوص ميثاق الامم المتحدة ليست نافذة لذاتها . ينظر، د عبد العزيز سرحان : (حقيقة العلاقة بين المجموعة الدولية لحقوق الانسان والقانون الداخلي في الولايات المتحدة الامريكية ) ، بحث منشور في مجلة الحقوق والشريعة كلية الحقوق والشريعة جامعة الكويت، العدد الثالث السنة الخامسة ، 1981، ص 111-112
23- ينظر، د احمد ابو الخير عطية: نفاذ المعاهدات الدولية في النظام القانوني الداخلي ، 1 ، دار النهضة العربية ، القاهرة ، 2003ص87- 89
24- Rebecca M. M Wallace, International Law Fourthed, Thomson ,London ,2002 ,p47.
25 - من الدساتير الاتحادية التي سارت على هذا الاتجاه دستور الأرجنتين لعام 1994 إذ نص في المادة (31) على ان هذا الدستور وقوانين الامه التي يصدرها الكونغرس تبعا له ، وجميع المعاهدات المعقودة مع القوى الاجنبية تكون القانون الاعلى للامة .......
26- د. عبد العزيز محمد سرحان ، ( العلاقة بين الاتفاقيات الدولية لحقوق الانسان والقوانين الداخلية - دراسة مقارنة)، بحث منشور في مجلة الحقوق والشريعة ، كلية الحقوق والشريعة جامعة الكويت، العدد الثالث ، السنة الرابعة ، 1980، ص 116.
27- نقلا عن د. اشرف عرفات ابو حجازه (مكانة القانون الدولي العام في اطار القواعد الداخلية الدستورية والتشريعية) ، بحث منشور في المجلة المصرية للقانون الدولي، الجمعية المصرية للقانون الدولي المجلد (60) ، 2004 ، ، ص 186.
28- عبد الكريم بو زيد المسماري ، دور القضاء الوطني في تطبيق وتفسير المعاهدات الدولية ، ط 1 ، دار الفكر الجامعي ، الاسكندرية ، 2010، ص 79
29- د. عبد العزيز محمد سرحان ، ( العلاقة بين الاتفاقيات الدولية لحقوق الانسان والقوانين الداخلية ) ، مرجع سابق ، ص 122.
30- د. عبد العزيز محمد سرحان، (قواعد القانون الدولي في احكام المحاكم وما جرى علية العمل في مصر ) ، بحث منشور في المجلة المصرية للقانون الدولي، الجمعية المصرية للقانون الدولي، المجلد (28) ، 1972، ص 18
31- د. عصام العطية ، القانون الدولي العام، مكتبة السنهوري، بغداد ، 2009 ، ص 162.
32- صباح لطيف الكربولي، المعاهدات الدولية الزامية تنفيذها في الفقه الاسلامي والقانون الدولي ، دار دجلة ، من دون مكان طبع ، 2011 105-104
33- د. علي يوسف الشكري، (الرقابة على دستورية المعاهدات الدولية ) ، دراسات حول الدستور العراقي، ط 1 مؤسسة افاق للدراسات والابحاث العراقية، من دون مكان نشر ، 2008، ، ص 23.
34- د. رياض صالح ابو العطا : القانون الدولي العام ، ط 1 مكتبة الجامعة ، الشارقة ، 2010 ، ص 168 - 169.
|
|
للعاملين في الليل.. حيلة صحية تجنبكم خطر هذا النوع من العمل
|
|
|
|
|
"ناسا" تحتفي برائد الفضاء السوفياتي يوري غاغارين
|
|
|
|
|
نحو شراكة وطنية متكاملة.. الأمين العام للعتبة الحسينية يبحث مع وكيل وزارة الخارجية آفاق التعاون المؤسسي
|
|
|