أقرأ أيضاً
التاريخ: 2025-02-26
![]()
التاريخ: 2025-03-03
![]()
التاريخ: 2025-03-02
![]()
التاريخ: 2025-03-03
![]() |
تَفْرِيْعَاتٌ:
أحدُها: الإسنادُ المعنعنُ، وهو الذي يُقالُ فيه: ((فلانٌ عَنْ فلانٍ)) عَدَّهُ بعضُ الناسِ مِنْ قَبيلِ المرسَلِ والمنقطعِ حَتَّى يَبِيْنَ(1) اتِّصالُهُ بغيرِهِ. والصحيحُ والذي عليهِ العملُ: أنَّهُ مِنْ قَبيلِ الإسنادِ المتَّصِلِ (2) وإلى هذا ذهبَ الجماهيرُ مِنَ أئمَّةِ الحديثِ وغيرِهِمْ، وأودَعَهُ المشترطونَ للصحيحِ في تصانيفِهِم فيهِ (3) وقَبِلُوهُ، وكادَ (4) أبو عمرَ بنُ عبدِ البرِّ الحافظُ يَدَّعِي إجماعَ أئمَّةِ الحديثِ على ذلكَ. وادَّعَى أبو عمرٍو الدانيُّ المقرِئُ الحافِظُ إجماعَ أهلِ النَّقلِ على ذلكَ (5)، وهذا بشرطِ أنْ يكونَ الذينَ أُضيفَتِ العَنعنةُ إليهِم قدْ ثبَتَتْ مُلاقاةُ بعضِهِم بَعضاً مَعَ براءَتِهِم مِنْ وصْمَةِ (6) التَّدليسِ، فحينَئذٍ يُحْمَلُ على ظاهرِ الاتِّصالِ إلاَّ أنْ يَظْهَرَ فيهِ خلافُ ذلكَ.
وكَثُرَ في عصرِنا وما قارَبَهُ بينَ المنتسبينَ إلى الحديثِ استعمالُ ((عَنْ)) في الإجازةِ، فإذا قالَ أحدُهُمْ: ((قرأتُ على فلانٍ عَنْ فلانٍ)) أو (7) نحوَ ذلكَ فَظُنَّ بهِ (8) أنَّهُ رواهُ عنهُ بالإجازةِ، ولا يُخْرِجُهُ ذلكَ مِنْ قبيلِ الاتِّصالِ على ما لا يخفَى، واللهُ أعلمُ.
الثاني: اختَلَفُوا في قولِ الراوي: ((أنَّ فلاناً قالَ: كذا وكذا)) هَلْ هوَ بمنزلةِ ((عَنْ)) في الحَمْلِ عَلَى الاتِّصالِ إذا ثبتَ التلاقي بينهُما حَتَّى يتبيَّنَ فيهِ الانقطاعُ؟ مثالُهُ: ((مالِكٌ عَنِ الزُّهْرِيِّ: أنَّ سعيدَ بنَ المسيِّبِ قالَ: كذا)). فَرُوِّيْنا عَنْ مالِكٍ: أنَّهُ كانَ يَرى ((عَنْ فلانٍ)) و((أنَّ فلاناً)) سواءً. وعَنْ أحمدَ بنِ حنبلٍ أنَّهُما ليسا سواءً (9).
وحَكَى ابنُ عبدِ البرِّ (10) عَنْ جُمْهُورِ أهلِ العلْمِ: أنَّ ((عَنْ)) و((أنَّ)) سواءٌ، وأنَّهُ لا اعتبارَ بالحروفِ والألفاظِ، وإنَّما هوَ باللِّقاءِ والمجالَسَةِ والسَّماعِ والمشاهدةِ - يعني: معَ السلامةِ مِنَ التدليسِ - فإذا كانَ سماعُ بعضِهِمْ مِنْ بَعْضٍ صحيحاً، كانَ حديثُ بعضِهِمْ عَنْ بَعْضٍ بأيِّ لفظٍ وَرَدَ: محمولاً على الاتِّصالِ حَتَّى يَتَبَيَّنَ فيهِ الانقطاعُ.
وحَكَى ابنُ عبدِ البرِّ (11) عَنْ أبي بكرٍ البِرْدِيْجِيِّ (12): أنَّ حرفَ ((أنَّ)) محمولٌ على الانقطاعِ حَتَّى يتبيَّنَ السَّماعُ في ذلكَ الخبرِ بعينِهِ مِنْ جِهَةٍ أخرى (13). وقالَ: عِندي لا معنًى لهذا؛ لإجماعِهِم عَلَى أنَّ الإسنادَ المتَّصِلَ بالصحابيِّ سواءٌ فيهِ، قالَ: ((قالَ رسولُ اللهِ ـ صلى الله عليه [وآله] وسلّم ـ))، أو ((أنَّ رسولَ اللهِ ـ صلى الله عليه [وآله] وسلّم ـ قالَ:))، أو: ((عَنْ رسولِ اللهِ ـ صلى الله عليه [وآله] وسلّم ـ أنَّهُ قالَ))، أو: ((سَمِعْتُ رسولَ اللهِ ـ صلى الله عليه [وآله] وسلّم ـ يقولُ:))، واللهُ أعلمُ.
قُلتُ (14): ووَجدْتُ مِثلَ ما حكاهُ عَنِ البِرْدِيجيِّ أبي بكرٍ الحافظِ، للحافظِ الفَحْلِ (15) يعقوبَ بنِ شيبَةَ (16) في "مسندِهِ" الفحلِ، فإنَّهُ ذكرَ ما رواهُ أبو الزبيرِ عَنِ ابنِ الحنفيَّةِ عَنْ عَمَّارٍ، قالَ: ((أتيتُ النبيَّ ـ صلى الله عليه [وآله] وسلّم ـ وهوَ يُصَلِّي فسَلَّمْتُ عليهِ، فردَّ عليَّ السلامَ)) (17) وجعلَهُ مسنداً موصولاً. وذكرَ: روايةَ قيسِ بنِ سَعْدٍ لذلكَ، عنْ عطاءِ بنِ أبي رَباحٍ، عنِ ابنِ الحنفيَّةِ: ((أنَّ عَمَّاراً مرَّ بالنبيِّ ـ صلى الله عليه [وآله] وسلّم ـ وهوَ (18) يُصَلِّي))، فجعلَهُ مُرسلاً مِنْ حيثُ كونُهُ قالَ: ((أنَّ عمَّاراً فَعَلَ))، ولَمْ يقلْ: ((عَنْ عمَّارٍ)) (19)، واللهُ أعلمُ.
ثُمَّ إنَّ الخطيبَ (20) مَثَّلَ هذهِ المسألَةَ بحديثِ نافعٍ عَنِ ابنِ عُمَرَ، عَنْ عُمَرَ: ((أنَّهُ سألَ رسولَ اللهِ ـ صلى الله عليه [وآله] وسلّم ـ أيَنَامُ أحدُنا وهوَ جُنُبٌ؟ ... الحديثَ))(21). وفي روايةٍ أخرى عَنْ نافِعٍ، عَنِ ابنِ عمرَ: أنَّ عمرَ قالَ: ((يا رسولَ اللهِ ... الحديثَ))(22). ثُمَّ قالَ: ((ظاهرُ الروايةِ الأولى يوجِبُ (23) أنْ يكونَ مِنْ مسندِ عُمرَ، عَنْ النبيِّ ـ صلى الله عليه [وآله] وسلّم ـ، والثانيةُ ظاهرُها يُوجِبُ أنْ يكونَ مِنْ مُسندِ ابنِ عُمَرَ، عنِ النبيِّ ـ صلى الله عليه [وآله] وسلّم ـ)).
قلتُ: ليسَ هذا المثالُ مماثلاً لِمَا نحنُ بصدَدِهِ؛ لأنَّ الاعتمادَ فيهِ في الحكمِ بالاتِّصالِ على مذهبِ الجمهورِ، إنَّما هوَ على اللُّقِيِّ (24) والإدراكِ، وذلكَ في هذا الحديثِ مُشْتركٌ متردِّدٌ لتَعَلُّقِهِ بالنبيِّ ـ صلى الله عليه [وآله] وسلّم ـ، وبعُمَرَ وصُحْبة الراوي ابنِ عمرَ لهما؛ فاقتضى ذلكَ مِنْ جِهَةٍ: كونَهُ رواهُ عَنِ النبيِّ ـ صلى الله عليه [وآله] وسلّم ـ، ومِنْ جهةٍ أخرى، كونَهُ رواهُ عَنْ عمرَ، عنْ رسولِ اللهِ ـ صلى الله عليه [وآله] وسلّم ـ، واللهُ أعلمُ (25).
الثالثُ: قَدْ ذكرْنا ما حكاهُ ابنُ عبدِ البرِّ مِنْ تعميمِ الحُكْمِ بالاتِّصالِ فيما يذكرُهُ الراوي عَمَّنْ لَقِيَهُ بأيِّ لفظٍ كانَ. وهكذا أطلقَ أبو بكرٍ الشافعيُّ الصَّيْرَفِيُّ (26) ذلكَ فقالَ:((كُلُّ مَنْ عُلِمَ لَهُ سماعٌ مِنْ إنسانٍ فَحدَّثَ عنهُ فهوَ على السماعِ حَتَّى يُعْلَمَ أنَّهُ لَمْ يَسْمَعْ منهُ ما حكاهُ؛ وكلُّ مَنْ عُلِمَ لَهُ لقاءُ إنسانٍ فحدَّثَ عنهُ فحُكمُهُ هذا الحكمُ))(27). وإنَّما قالَ هذا فيمَنْ لَمْ يَظهَرْ تدليسُهُ (28).
ومِنَ الحجَّةُ في ذلكَ وفي سائرِ البابِ أنَّهُ لوْ لَمْ يَكُنْ قَدْ سَمِعَهُ منهُ لكانَ بإطلاقِهِ الروايةَ عنهُ مِنْ غيرِ ذِكْرِ الواسطةِ بينَهُ وبينَهُ: مُدلِّساً، والظاهرُ السلامةُ مِنْ وَصْمَةِ التدليسِ، والكلامُ فيمَنْ لَمْ يُعرَفْ بالتدليسِ.
ومِنْ أمثلةِ ذلكَ قولُهُ: ((قالَ فلانٌ كذا وكذا))؛ مثلُ أنْ يقولَ نافِعٌ: ((قالَ ابنُ عُمَرَ)). وكذلكَ لو قالَ عنهُ: ((ذَكَرَ، أو فَعَلَ، أو حَدَّثَ، أو كانَ يقولُ: كذا وكذا))، وما جانسَ ذلكَ فَكُلُّ ذلكَ محمولٌ ظاهراً على الاتِّصالِ، وأنَّهُ تَلقَّى ذلكَ مِنهُ مِنْ غيرِ واسطةٍ بينهُمَا مَهْمَا ثَبَتَ لقاؤُهُ لهُ على الجمْلَةِ.
ثُمَّ مِنْهُمْ مَنِ اقتَصَرَ في هذا الشرطِ المشروطِ في ذلكَ ونحوِهِ على مطلقِ اللِّقاءِ أو السَّماعِ كما حكيناهُ آنِفاً. وقالَ فيهِ أبو عمرٍو المقرئُ (29): ((إذا كانَ معروفاً بالروايةِ عنهُ)). وقالَ فيهِ أبو الحسنِ القابسيُّ (30): ((إذا أدرَكَ المنقولَ عنهُ إدراكاً بيِّناً)).
وذكرَ أبو المظفَّرِ السَّمْعانيُّ في العنعَنةِ: أنَّهُ يُشْتَرطُ طولُ الصُّحبةِ بينَهُمْ (31). وأنكَرَ مسلمُ بنُ الحجَّاجِ في خُطْبَةِ "صحيحِهِ" (32) على بعضِ أهلِ عصرِهِ (33) حيثُ اشترطَ في العنعنةِ ثبوتَ اللِّقاءِ والاجتماعِ، وادَّعَى أنَّهُ قولٌ مُخْتَرَعٌ لَمْ يُسْبَقْ قائلُهُ إليهِ، وأنَّ القولَ الشائعَ المتَّفَقَ عليهِ بينَ أهلِ العلمِ بالأخبارِ قديماً وحديثاً أنَّهُ يَكْفي في ذلكَ أنْ يَثْبُتَ كونُهما في عصرٍ واحدٍ، وإنْ لَمْ يأتِ في خبرٍ قَطُّ أنَّهُما اجتَمَعا أو تَشَافَها.
وفيمَا قالَهُ مسلمٌ نظرٌ، وقدْ قيلَ: إنَّ القولَ الذي ردَّهُ مسلمٌ هو الذي عليهِ أئمَّةُ هذا العِلْمِ: عليُّ بنُ المدينيِّ، والبخاريُّ، وغيرُهُما، واللهُ أعلمُ (34).
قلتُ: وهذا الحكمُ لا أراهُ يستَمرُّ بعدَ المتقدِّمينَ فيما وُجِدَ (35) مِنَ المصنِّفينَ في تصانيفِهِم، ممَّا ذكروهُ عَنْ مشايخِهِم قائلينَ فيهِ: ((ذَكَرَ فلانٌ، قالَ فلانٌ)) ونحوُ ذلكَ، فافهمْ كلَّ ذلكَ فإنَّهُ مُهِمٌّ عزيزٌ، واللهُ أعلمُ (36).
الرابعُ: التعليقُ الذي يَذكرُهُ أبو عبدِ اللهِ الحُميديُّ صاحبُ "الجمعِ بينَ الصحيحينِ" وغيرُهُ مِنَ المغاربةِ في أحاديثَ مِنْ "صحيحِ البخاريِّ" قَطَعَ إسنادَها، وقدِ استعملَهُ الدارَقطنيُّ (37) مِنْ قبلُ: صُورتُهُ صورةُ الانقطاعِ وليسَ حُكْمُهُ حُكْمَهُ، ولا خارجاً ما وُجِدَ ذلكَ فيهِ منهُ، منْ قبيلِ الصحيحِ إلى قبيلِ الضعيفِ، وذلكَ لما عُرِفَ مِنْ شرطِهِ وحُكْمِهِ (38) على ما نبَّهنا عليهِ في الفائدةِ السادسةِ مِنَ النوعِ الأوَّلِ (39).
ولا التفاتَ إلى أبي مُحَمَّدِ بنِ حزمٍ الظاهرِيِّ الحافظِ في ردِّهِ (40) ما أخرجَهُ البخاريُّ(41) مِنْ حديثِ أبي عامرٍ أو أبي مالكٍ الأشعريِّ، عَنْ رسولِ اللهِ ـ صلى الله عليه [وآله] وسلّم ـ: ((لَيَكُونَنَّ في أُمَّتِي أقوامٌ يَسْتَحِلُّونَ الحريرَ (42) والْخَمْرَ والْمَعَازِفَ ... الحديثَ)) مِنْ جِهةِ أنَّ البخاريَّ أوردَهُ قائلاً فيهِ: قالَ هِشامُ بنُ عمَّارٍ، وساقَهُ بإسنادِهِ، فزَعَمَ ابنُ حَزْمٍ أنَّهُ منقطِعٌ فيما بينَ البخاريِّ وهِشامٍ (43)، وجَعلَهُ جواباً عَنِ الاحتجاجِ بهِ على تحريمِ المعازفِ. وأخطأَ في ذلكَ مِنْ وجوهٍ (44)، والحديثُ صحيحٌ معروفُ الاتِّصالِ بشرطِ الصحيحِ (45).
والبخاريُّ قدْ يفعلُ مِثْلَ ذلكَ؛ لكونِ ذلكَ الحديثِ معروفاً مِنْ جِهةِ الثِّقَاتِ عَنْ ذلكَ الشخصِ الذي عَلَّقَهُ عنهُ، وقدْ يَفعلُ ذلكَ؛ لكونِهِ قدْ ذكرَ ذلكَ الحديثَ في موضعٍ آخرَ مِنْ كِتابِهِ مُسْنداً مُتَّصِلاً، وقدْ يفعلُ ذلكَ لغيرِ ذلكَ منَ الأسبابِ التي لاَ يصحبُها خللُ الانقطاعِ، واللهُ أعلمُ (46).
وما ذكرناهُ مِنَ الحكمِ في التعليقِ المذكورِ، فذلكَ فيما أورَدَهُ منهُ أصلاً ومقصوداً، لا فيما أورَدَهُ في مَعْرِضِ الاستشهادِ، فإنَّ الشواهدَ يُحتَملُ فيها ما ليسَ مِنْ شرطِ الصحيحِ مُعَلَّقاً كانَ أو موصولاً.
ثُمَّ إنَّ لَفْظَ التعليقِ وجدْتُهُ مستعملاً فيما حُذِفَ مِنْ مبتدإِ إسنادِهِ واحدٌ فأكثرُ (47)، حتَّى إنَّ بَعضَهُمُ استعملَهُ في حذفِ كُلِّ الإسنادِ، مثالُ ذلكَ: قولُهُ: ((قالَ رسول اللهِ ـ صلى الله عليه [وآله] وسلّم ـ: كذا وكذا، قالَ ابنُ عبَّاسٍ: كذا وكذا، روى أبو هريرةَ: كذا وكذا، قالَ سعيدُ بنُ المسيِّبِ عَنْ أبي هريرةَ: كذا وكذا، قالَ الزهريُّ، عَنْ أبي سلمةَ، عَنْ أبي هريرةَ، عَنِ النبيِّ ـ صلى الله عليه [وآله] وسلّم ـ: كذا وكذا)) (48)، وهكذا إلى شيوخِ شيوخِهِ. وأمَّا ما أورَدَهُ كذلكَ عَنْ شيوخِهِ فَهُوَ مِنْ قَبِيْلِ ما ذكرناهُ قريباً في الثالثِ مِنْ هذهِ التفريعاتِ (49).
وبَلَغَني عَنْ بعضِ المتأخِّرينَ مِنْ أهلِ المغربِ أنَّهُ جعلَهُ قسماً مِنَ التعليقِ ثانياً، وأضافَ(50) إليهِ قولَ البخاريِّ - في غيرِ موضعٍ مِنْ كتابِهِ -: ((وقالَ لي فلانٌ، وزادَنا (51) فلانٌ)) فوسمَ كلَّ ذلكَ بالتعليقِ المتَّصِلِ مِنْ حيثُ الظاهِرُ، المنفصِلِ مِنْ حيثُ المعنى، وقالَ: مَتَى رأيتَ البخاريَّ يقولُ: ((وقالَ لي، وقالَ لنا))؛ فاعلَمْ أنَّهُ إسنادٌ لَمْ يَذكرْهُ للاحتجاجِ بهِ، وإنَّما ذكرَهُ للاستشهادِ بهِ. وكثيراً ما يُعبِّرُ (52) المحدِّثونَ بهذا اللفظِ عَمَّا جَرَى (53) في المذاكراتِ والمناظراتِ، وأحاديثُ المذاكرةِ قَلَّمَا يَحتَجُّونَ بها(54).
قلتُ: وما ادَّعاهُ على البخاريِّ مخالِفٌ لِمَا قالَهُ مَنْ هُوَ أقدمُ منهُ وأعرفُ بالبخاريِّ وهوَ العبدُ الصالِحُ أبو جَعفرِ بنِ حَمْدانَ النَّيْسابوريُّ (55)، فقدْ رُوِّيْنا عنهُ أنَّهُ قالَ: كُلُّ ما قالَ البخاريُّ: ((قالَ لي فلانٌ)) فهوَ عَرْضٌ ومُناولَةٌ (56).
قلتُ: وَلَمْ أجدْ لَفظَ التعليقِ مُستعملاً فيما سَقَطَ فيهِ بعضُ رِجالِ الإسنادِ مِنْ وَسَطِهِ أو مِنْ آخرِهِ، ولا في مثلِ قولِهِ: ((يُروى عَنْ فلانٍ، ويُذكَرُ عَنْ فلانٍ))، وما أشبَهَهُ ممَّا ليسَ فيهِ جزمٌ على مَنْ ذكرَ ذلكَ عنهُ بأنَّهُ قالَهُ و(57) ذكرَهُ (58).
وكأنَّ هذا التعليقَ مأخوذٌ مِنْ تعليقِ الجدارِ وتعليقِ الطلاقِ ونحوِهِ، لِما يشتركُ الجميعُ فيهِ مِنْ قطعِ الاتِّصالِ (59)، واللهُ أعلمُ.
الخامسُ: الحديثُ الذي رواهُ بعضُ الثقاتِ مُرسلاً وبعضُهُم متَّصِلاً (60)، اختلفَ أهلُ الحديثِ في أنَّهُ ملحقٌ بقبيلِ الموصولِ أو بقبيلِ المرسلِ. مثالُهُ: حديثُ: ((لا نِكَاحَ إلاَّ بوليٍّ)) (61)، رواهُ إسرائيلُ بنُ يونسَ في آخرينَ عَنْ جَدِّهِ أبي إسحاقَ السَّبِيعِيِّ(62)، عَنْ أبي بُرْدَةَ، عَنْ أبيهِ (63) أبي موسى الأشعريِّ، عَنْ رسولِ اللهِ ـ صلى الله عليه [وآله] وسلّم ـ مُسْنَداً هكذا متَّصِلاً، ورواهُ سفيانُ الثوريُّ وشعبةُ، عَنْ أبي إسحاقَ، عَنْ أبي بُرْدَةَ، عَنِ النبيِّ ـ صلى الله عليه [وآله] وسلّم ـ مُرسلاً هكذا (64).
فحَكَى الخطيبُ الحافِظُ (65): أنَّ أكثرَ أصحابِ الحديثِ يَرَوْنَ الْحُكْمَ في هذا وأشباهِهِ للمرسَلِ (66).
وعَنْ بَعضِهِمْ: أنَّ الحكمَ للأكثرِ (67).
وعَنْ بَعضِهِمْ: أنَّ الحكمَ للأحفظِ (68)، فإذا كانَ مَنْ أرسَلَهُ أحفظُ ممَّنْ وصلَهُ فالحكمُ لِمَنْ أرسَلَهُ، ثُمَّ لا يَقْدَحُ ذلكَ في عدالةِ مَنْ وصَلَهُ وأهليَّتِهِ (69).
ومنهمْ مَنْ قالَ: ((مَنْ أسندَ حديثاً قدْ أرسَلَهُ الحفَّاظُ فإرسالُهُم لهُ يَقْدحُ في مُسْنِدِهِ، وفي عدالتِهِ وأهليَّتِهِ)) (70).
ومنهم مَنْ قالَ: ((الحكمُ لِمَنْ أسندَهُ، إذا كانَ عدلاً ضابطاً فيُقْبَلُ خبرُهُ، وإنْ خالَفَهُ غيرُهُ سواءٌ كانَ المخالِفُ لهُ واحداً أو جماعةً)) (71)، قالَ الخطيبُ: ((هذا القولُ هوَ الصحيحُ)) (72).
قلتُ: وما صحَّحَهُ هوَ الصحيحُ في الفقهِ وأصولِهِ (73).
وسُئِلَ البخاريُّ عنْ حديثِ: ((لا نِكَاحَ إلاَّ بوليٍّ)) المذكورَ، فحَكَمَ لِمَنْ وصَلَهُ، وقالَ: ((الزيادةُ مِنَ الثِّقَةِ مقبولةٌ)) (74). فقالَ البخاريُّ هذا، مَعَ أنَّ مَنْ أرسلَهُ شُعبةُ وسفيانُ، وهما جَبَلانِ لهما مِنَ الحفظِ والإتقانِ الدرجةُ العاليةُ.
ويلتحقُ بهذا، ما إذا كانَ الذي وصَلَهُ هو الذي أرسلَهُ، وصَلَهُ في وقتٍ وأرسلَهُ في وقتٍ (75). وهكذا إذا رفعَ بعضُهُمُ الحديثَ إلى النبيِّ ـ صلى الله عليه [وآله] وسلّم ـ ووقَفَهُ بعضُهُم على الصحابيِّ أو رفَعَهُ واحدٌ في وقتٍ، ووقَفَهُ هوَ أيضاً في وقتٍ آخرَ، فالحكمُ على الأصحِّ (76) في كلِّ ذلكَ لِمَا زادَهُ الثقةُ مِنَ الوصْلِ والرفعِ؛ لأنَّهُ مثبتٌ وغيرُهُ ساكتٌ، ولو كانَ نافياً، فالْمُثْبِتُ مقدَّمٌ عليهِ؛ لأنَّهُ عَلِمَ ما خَفِيَ عليهِ (77)؛ ولهذا الفصلِ تَعَلُّقٌ بفَصْلِ زيادةِ الثقةِ في الحديثِ وسيأتي إنْ شاءَ اللهُ تعالى، وهو أعلمُ.
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
(1) في (ع) والتقييد والشذا: ((يتبين)).
(2) قال الزركشي 2/ 21: ((حاصله حكاية قولين فيه: أحدهما: أنّه من قبيل المرسل والمنقطع، وعبارة المازري في حكايته في شرح البرهان: ومِنَ الناس مَنْ لَمْ يرَ هذا تصريحاً بالمسند وتوقف فيه مخافة أن يكون مرسلاً. والثاني: أنه متصل بشرطين: وجود المعاصرة، مع البراءة من التدليس)).
(3) سقطت من (ب) و (جـ).
(4) قال الزركشي 2/ 22: ((لا حاجة لقوله: ((كاد))، فقد ادَّعاه في أول كتابه التمهيد - 1/ 13 - وعبارته: ((أجمع أهل العلم على قبول الإسناد المعنعن بثلاثة شروط: عدالة المخبرين، ولقاء بعضهم بعضاً، وأن يكونوا براء من التدليس. ولم يذكر ابن الصلاح الشرط الأول ظناً أنه يؤخذ من الثالث)). وانظر: التقييد: 83.
قال ابن حجر 2/ 583: ((إنما عبّر هنا بقوله: ((كاد))؛ لأن ابن عبد البرّ إنما جزم بإجماعهم على قبوله، ولا يلزم منه إجماعهم على أنه من قبيل المتصل)).
(5) قال الزركشي 2/ 23: ((ما نقله عن الداني وجدته في جزء له في علوم الحديث، فقال: ((وما كان من الأحاديث المعنعنة التي يقول فيها ناقلوها: ((عن)) ((عن)) فهي أيضاً مسندة بإجماع أهل النقل، إذا عرف أن الناقل أدرك المنقول عنه إدراكاً بيّناً)). وسبق الزركشي إلى هذا العزو ابن رشيد في السنن
الأبين: 36. لكن البقاعي عزا هذا النقل إلى كتاب القراءات للداني. النكت الوفية 129 / ب. قلنا: وسبق الجميع إلى نقل الإجماع على الاتصال، الحاكم في المعرفة: 34، والخطيب في الكفاية: (421 ت، 291 هـ)، فكان الأولى بابن الصلاح نقله عنهما فإنّهما من أئمّة المحدّثين. وانظر: نكت الزركشي 2/ 24، ونكت ابن حجر 2/ 583. ثمَّ إنَّ في النقل عن أبي عمرو الداني اضطراباً، فانظر ما كتبه محقّق شرح السيوطي على ألفية العراقي: 67، وما علقناه على شرح التبصرة والتذكرة 1/ 283.
(6) يُقَالُ: وَصَمَهُ يَصِمُهُ وَصْماً، أي: عابَهُ، والَوصْمَةُ: واحدةُ الوَصْمِ، أي: العيب والعار. انظر: اللسان 12/ 639، ومتن اللغة 5/ 768.
(7) في (ب): ((و)).
(8) ((به)) ليست في (ب). قال الزركشي 2/ 31: ((قال المصنّف: هو أمر من الظن)). قال البقاعي: ((فظُنَّ بهِ: هو فعل أمرٍ؛ وإنّما أمر بالظن ولم يطلق الحكم؛ لأنّ في زمنه لم يكن تقرّر الاصطلاح: أنّ ذلك للإجازة، وإنّما كان قد فشا ذلك الاستعمال فيهم، وأمّا في هذا الزمان فمتى وجدنا محدِّثاً قال: حدَّثني فلان - مثلاً - عن فلان، فإنّا نتحقّق أنّ ذلك إجازة؛ لأنَّ الاصطلاح تقرّر على ذلك)). النكت الوفية 134 / أ.
(9) الكفاية: (575 ت، 407 هـ). قال الزركشي 2/ 31: ((حاصله حكاية قولين: أحدهما: أنّهما سواء، ويؤيده أنّ لغة بني تميم إبدال العين من الهمزة. والثاني: أنّهما ليسا سواء ونسبه لأحمد بن حنبل والذي حكاه الخطيب في الكفاية بإسناده إلى أبي داود قال: ((سمعت أحمد بن حنبل، قيل له: إنّ رجلاً قال: عروة أنّ عائشة قالت: يا رسول الله، وعن عروة، عن عائشة، سواء، قال: كيف هذا سواء؟! ليس هذا بسواء. وإنّما فرّق أحمد بين اللفظين في هذه الصورة؛ لأنّ عروة في اللفظ الأول لم يسند ذلك إلى عائشة، ولا أدرك القصة فكانت مرسلة، وأمّا اللفظ الثاني فأسند ذلك إليها بالعنعنة فكانت متّصلة)). قلنا: ولابن حجر تفصيل أطول فانظره في نكته 2/ 590، وارجع إلى شرح التبصرة والتذكرة 1/ 286 وما بعدها.
(10) في التمهيد 1/ 12.
(11) التمهيد 1/ 26.
(12) بَرْدِيج: على وزن (فَعْليل) - بفتح أوله - بُليدة بينها وبين برذعة نحو أربعة عشر فرسخاً، ولهذا يقال له: البرديجي والبرذعي، فمن نحا بها نحو أوزان العرب كسر أولها؛ نظراً إلى أنَّهُ لَيْسَ في كلامهم
(فعليل) - بفتح الفاء - كما أشار إليه الصاغاني، فقال: بِرديج - بكسر أوله - بليدة بأقصى أذربيجان، والعامة يفتحون باءها. فالمراد أن مَن نطق بها على مقتضى تسميتها العجمية فتح الباء على الحكاية، ومن سلك بها مسلك أهل العربية كسر الباء)).
وانظر: الأنساب 1/ 328، ومراصد الاطلاع 1/ 181، ونكت الزركشي 2/ 33، ومحاسن الاصطلاح 154، ونكت ابن حجر 2/ 594، وتاج العروس 5/ 420.
وجاءت حاشية للمصنّف بنحو هذا في حاشية (ب) و (جـ)، ونقلها كل من الزركشي، وابن حجر، ومحققة (م).
(13) وإلى نحو قول البرديجي ذهب الطحاوي في شرح المشكل 15/ 463 (6158) فقال: ((الفرق فيما بين ((عن)) و ((أنَّ)) في الحديث: أنَّ معنى ((عن)) على السماع حتّى يُعلم سواه، وأنَّ معنى ((أنَّ)) على الانقطاع حتّى يعلم ما سواه)).
(14) سقطت من (ب) و (جـ).
(15) قال البقاعي: ((ابن الصلاح يصف هذا الرجل بأنّه فحل، إشارة إلى أنّه قد بلغ العناية من معرفة هذا الفن، ويصف مسنده بالفحولة أيضاً، إشارة إلى أنّه في غاية التحرير)). النكت الوفية 132 / أ.
(16) هو الحافظ أبو يوسف يعقوب بن شيبة بن الصلت السدوسي البصري، نزيل بغداد، ت (262 هـ). تاريخ بغداد 14/ 281، والمنتظم 5/ 43، وتذكرة الحفاظ 2/ 577.
(17) أخرجه أحمد 4/ 463 من طريق أبي الزبير عن محمد بن علي بن الحنفية، عن عمار، قال: أتيت ... .
(18) ((وهو)): ليس في (جـ).
(19) أخرجه من هذه الطريق النسائي في الكبرى (1111) عن عمار: أنّه سلم ....
وانظر: نكت الزركشي 2/ 34، وشرح التبصرة والتذكرة 1/ 286.
(20) الكفاية: (574 ت، 406 - 407 هـ).
(21) أخرجه من هَذَا الطريق بهذا اللفظ: عَبْد الرزاق (1074) و (1075) و (1077)، وأحمد 1/ 16
و35 و 44، والترمذي (120)، والنسائي في الكبرى (9059) و (9063)، وابن حبان (1216).
(22) أخرجه من هذا الطريق بهذا اللفظ: البخاري 1/ 80 (287)، ومسلم 1/ 170 (306)، وابن حبان (1215)، والبيهقي 1/ 200 و 201، والبغوي (264).
(23) في (ب): ((توجب)).
(24) في (جـ) و (م): ((اللقاء)).
(25) قَالَ الزركشي 2/ 37: ((قَدْ يقال: بَلْ للتمثيل وجه صَحِيْح، وَهُوَ أنَّهُ إذا كَانَ من مسند ابن عمر اقتضى أنّ عمر لَمْ يسند في المسند بلفظة ((أن))، وكذلك لَمْ يدخل عمّاراً في المسند في رِوَايَة ((أن))، فجعله ابن شيبة مرسلاً بخلاف عمار، والراوي لهما واحد وَهُوَ ابن الحنفية)). وانظر: التقييد والإيضاح: 89.
(26) هو الإمام الأصولي أبو بكر محمد عبد الله الصيرفي. (ت330 هـ). تاريخ بغداد 5/ 449، وطبقات الفقهاء: 120، وطبقات الشافعية الكبرى 3/ 186.
(27) قال الزركشي 2/ 38: ((رأيته مصرّحاً به في كتابه المسمّى بـ"الدلائل والأعلام في أصول الأحكام")).
(28) قَالَ الزركشي 2/ 38: ((وقول ابن الصَّلاَح: ((إنّما قال هذا فيمن لم يظهر تدليسه))، يعني: لأنّه قال قبل هذا الكلام: ((ومن ظهر تدليسه عن غير الثقات لم يقبل خبره حتى يقول: ((حدّثني وسمعت)). وقال في موضع آخر: ((متى قال المحدّث: حدَّثنا فلان عن فلان. قُبِلَ خبرُهُ؛ لأنّ الظاهر أنّه حكى عنه، وإنّما توقفنا في المدلّس؛ لعيب ظهر لنا منه، فإن لم يظهر فهو على سلامته، ولو توقفنا في هذا لتوقفنا في ((حدّثنا)) لإمكان أن يكون حدّث قبيلته وأصحابه، كقول الحسن: ((خَطَبَنا فلانٌ بالبصرة))، ولم يكن حاضراً؛ لأنّه احتمال لاغٍ فكذلك من علم سماعه إذا كان غير مدلّس، وكذلك إذا قال الصحابي أبو بكر أو عمر: قال رسول الله ـ صلى الله عليه [وآله] وسلّم ـ فهو محمول على السماع، والقائل بخلاف ذلك مغفَّل)).
(29) هو الداني - كما في المحاسن: 157 - أبو عثمان بن سعيد بن عثمان الأموي الأندلسي. ت (444هـ). معجم الأدباء 12/ 124، وسير أعلام النبلاء 18/ 77.
والداني: نسبة إلى دانية، مدينة بالأندلس من أعمال بلنسية. انظر: مراصد الاطلاع 2/ 510.
(30) هو أبو الحسن علي بن محمد بن خلف المعافري الأندلسي. ت (403 هـ). وفيات الأعيان 3/ 320، تذكرة الحفاظ 3/ 1079.
والقابسي: نسبة إلى بلدة قابس، مدينة بإفريقيّة. انظر: اللباب 3/ 5، ومراصد الاطلاع 3/ 1054، وتاج العروس 16/ 350. وحكى ابن خلكان عنه أنّه قال: ((سمّوني بالقابسيّ، وما أنا بالقابسي، وإنّما السبب في ذلك أنّ عمّي كان يشد عمامته شدّة قابسيّة، فقيل لعمي: ((قابسيّ))، واشتهرنا بذلك، وإلّا فأنا قرويّ)).
وانظر: سير أعلام النبلاء 17/ 161.
(31) قواطع الأدلة 1/ 374.
(32) مقدمة صحيح مسلم 1/ 23 - 24.
(33) انظر: اختصار علوم الحديث لابن كثير 1/ 169، ونكت الزركشي 2/ 39، ومحاسن الاصطلاح: 158، ونكت ابن حجر 2/ 595.
(34) انظر: نكت ابن حجر 2/ 595.
(35) في نسخة (ب) إشارة إلى أن في نسخة: ((مما وجدنا)).
(36) قال ابن حجر 2/ 599: ((يعني بالمصنّفين غير المحدّثين، فتبيّن أنّ ما وجد في عبارات المتقدّمين من هذه الصيغ، فهو محمول على السماع بشرطه إلا من عرف من عادته استعمال اصطلاح حادث فلا)).
(37) انظر: الإلزامات 151، 283.
(38) اعترض عليه: بأنّا نمنع أن يكون ذلك من شرط البخاري، فإنّه سمّى كتابه المسند، فما لم يسنده لم يلتزم تصحيحه.
ويؤيده أنّ ابن القطّان الفاسي قال: إنّ البخاري فيما يعلق من الأحاديث في الأبواب غير مبال بضعف رواتها، فإنّها غير معدودة فيما انتخب، وإنّما يعد من ذلك ما وصل الأسانيد به فاعلم ذلك.
والجواب: أنّ هذا من ابن الصلاح مبني على قاعدته السابقة في تعاليق البخاري المجزوم بها أنّها في حكم المتّصلة، وقد سبق بما فيه، ولا ينافيه تسميته بالمسند بل إدخاله لها بصيغة الجزم في الصحيح يدل على أنّها مسندة، ولكن حذفه اختصاراً، ولا يظن بالبخاري أن يجزم القول فيما ليس بصحيح عمّن جزم به عنه، فأما إذا ذكر فيما أبرز من السند ضعيفاً، فإنه ليس صحيحاً عند البخاري.
قلنا: هذا حاصل كلام الزركشي والعراقي، فانظر: النكت 2/ 44، والتقييد والإيضاح 90.
(39) قال الزركشي 2/ 45: ((الذي ذكره هناك تفصيل لا يوافق ما أطلقه هنا، فليتأمل)). قلنا: ما أحال عليه ابن الصلاح سبق في: ص وقد أجاد الزركشي بتعقبه هذا، إذ ما سبق كلام على حكم التعليق وما ينزّل منه منزلة المسند، وهو التعليق المجزوم به، وما هنا كلام في جواز تسمية ما كانت صورته هذه تعليقاً أو لا؟
(40) انظر: المحلى 9/ 59.
(41) صحيح البخاري 7/ 138 (5590).
(42) في (أ) هنا: ((الحر))، وكتب الناسخ في الحاشية: ((الحِرَ والحِرَّ - بالتخفيف والتشديد - الزنى)).
قلنا: على الرغم من أنّ هذه الزيادة موافقة للمتن المروي في صحيح البخاري، إلاّ أنّها لم ترد في شيء من النسخ الأخرى المعتمدة في التحقيق، فآثرنا عدم إثباتها، رعاية للأمانة العلمية، إذ إجماع النسخ على عدم ذكرها أورث ظناً قوياً عندنا أن ابن الصلاح روى الحديث على معناه، ولم يذكرها، والله أعلم.
(43) قال العراقي في التقييد: 90: ((إنّما قال ابن حزم في المحلّى: هذا حديث منقطع لم يتصل فيما بين البخاري وصدقة بن خالد. انتهى. وصدقة بن خالد هو شيخ هشام بن عمار في هذا الحديث، وهذا قريب إلا أنّ المصنّف لا يُجوِّز تغيير الألفاظ في التصانيف وإن اتفق المعنى)).
(44) قال النووي في شرح صحيح مسلم 1/ 14: ((وهذا خطأ من ابن حزم من وجوه:
أحدها: أنّه لا انقطاع في هذا أصلاً من جهة أن البخاري لقي هشاماً وسمع منه، وقد قررنا في كتابنا "علوم الحديث": أنّه إذا تحقّق اللقاء والسماع مع السلامة من التدليس حمل ما يرويه عنه على السماع بأي لفظ كان، كما يحمل قول الصحابي قال رسول الله ـ صلى الله عليه [وآله] وسلّم ـ على سماعه منه إذا لم يظهر خلافه، وكذا غير ((قال)) من الألفاظ.
الثاني: أنّ هذا الحديث بعينه معروف الاتّصال بصريح لفظه من غير جهة البخاري.
الثالث: أنه وإن كان ذلك انقطاعاً فمثل ذلك في الكتابين غير ملحق بالانقطاع القادح لما عرف من عادتهما وشرطهما)).
(45) فقد وصله من طريق هشام بن عمار كل من: ابن حبان (6719) قال: ((أخبرنا الحسين بن عبد الله القطان، قال: حدّثنا هشام بن عمار)).
والطبراني في الكبير (3417) فقال: ((حدّثنا موسى بن سهل الجوني البصري، قال: حدّثنا هشام بن عمار)).
وفي مسند الشاميّين (588) فقال: ((حدّثنا محمد بن يزيد بن عبد الصمد، قال: حدثنا هشام بن عمار)).
وذكر ابن حجر في الفتح 10/ 52 - 53 أن أبا ذر الهروي وصله فقال: حدّثنا أبو منصور الفضل بن العباس النقروي، قال: حدثنا الحسين بن إدريس، قال: حدّثنا هشام بن عمّار.
والإسماعيلي في مستخرجه قال: حدّثنا الحسن بن سفيان، قال: حدّثنا هشام بن عمار. ومن طريق الحسن بن سفيان أخرجه البيهقي في الكبرى 10/ 221.
وأبو نعيم في مستخرجه من رواية عبدان بن محمد المروزي، وأبي بكر الباغندي، كلاهما عن هشام بن عمار. وقد استوفى الكلام عليه طرقاً وبحثاً وعللاً ابن حجر في تغليق التعليق 5/ 20 - 22، ووصله من طريق هشام وغيره.
(46) اعترض العلاّمة مغلطاي على المصنّف بأنّ كلامه هذا يحتاج إلى تثبّت، فإنّه ما رآه لغيره. قال ابن حجر 2/ 599 - 600: ((قلت: قد سبقه إلى ذلك الإسماعيليّ، ومنه نقل ابن الصلاح كلامه، فإنّه قال في المدخل إلى المستخرج الذي صنّفه على صحيح البخاري - ما نصّه: كثيراً ما يقول البخاري: ((قال فلان وقال فلان عن فلان)) فيحتمل أن يكون إعراضه عن التصريح بالتحديث لأوجه:
أحدها: أن لا يكون قد سمعه عالياً وهو معروف من جهة الثقات عن ذلك المروي عنه فيقول: قال فلان مقتصراً على صحته وشهرته من غير جهته.
والثاني: أن يكون قد ذكره في موضع آخر بالتحديث، فاكتفى عن إعادته ثانياً.
الثالث: أن يكون سمعه ممّن ليس هو على شرط كتابه فنبّه على الخبر المقصود بذكر من رواه لا على وجه التحديث به عنه)).
ثمَّ ذكر ابن حجر الأسباب الحاملة للبخاري على إيراد ما ليس على شرطه في كتابه وقصرها على ثلاثة:
أحدها: أن يكون كرّره.
والثاني: أن يكون أوردها في معرض المتابعة والاستشهاد.
والثالث: أن يكون إيراده لذلك منبّهاً على موضع يوهم تعليل الرواية التي على شرطه.
(47) في (جـ): ((وأكثر)).
(48) من قوله: ((قال الزهري ... إلى هنا))، ساقط من (م).
(49) قال الزركشي 2/ 53: ((يعني: أنه ليس له حكم التعليق، بل حكمه حكم الإسناد المعنعن لسلامة البخاري من التدليس، وسبق أنّ المصنّف خالف هذا في النوع الأول)).
(50) في (أ): ((ومضاف)).
(51) في (م): ((وروانا)).
(52) في (أ): ((يعتبر)).
(53) في (ع) و (جـ): ((مِنْهُمْ)).
(54) قَالَ ابن حجر 2/ 601: ((لَمْ يصب هَذَا المغربي في التسوية بَيْنَ قوله: قَالَ فُلاَن، وبين قوله: قَالَ لي فُلاَن، فإن الفرق بَيْنَهُمَا ظاهر لا يحتاج إلى دليل فإن ((قَالَ لي)) مثل التصريح في السَّمَاع، و ((قَالَ)) المجردة ليست صريحة أصلاً. وأمّا ما حكاه عن أبي جعفر بن حمدان وأقرّه: ((أنّ البخاري إنّما يقول: ((قال لي)) في العرض والمناولة، ففيه نظر فقد رأيت في الصحيح عدة أحاديث قال فيها: ((قال لنا فلان))، وأوردها في تصانيفه خارج الجامع بلفظ: ((حدّثنا)). ووجدت في الصحيح عكس ذلك، وفيه دليل على أنهما مترادفان.
والذي تبيّن لي بالاستقراء من صنيعه أنه لا يعبر في الصحيح بذلك إلا في الأحاديث الموقوفة أو المستشهد بها، فيخرّج ذلك حيث يحتاج إليه عن أصل مساق الكتاب. ومَن تأمل ذلك في كتابه وجده كذلك، والله الموفق)). وانظر: نكت الزركشي 2/ 54 - 55.
(55) هو أبو جعفر أحمد بن حمدان الحيري النيسابوري الإمام. ت (311 هـ). تاريخ بغداد 4/ 115، وسير أعلام النبلاء 14/ 299، والوافي بالوفيات 6/ 360.
(56) حكاه الذهبي عن الحاكم، عن ابنه أبي عمرو عنه. سير أعلام النبلاء 14/ 300.
(57) في (ب): ((أو)).
(58) قال العراقي في التقييد: 93: ((وقد سمّى غير واحد من المتأخرين ما ليس بمجزوم تعليقاً، منهم الحافظ أبو الحجاج المزي، كقول البخاري في باب مسِّ الحرير من غير لبس: ((ويروى فيه عن الزبيدي، عن الزهري، عن أنس، عن النبي ـ صلى الله عليه [وآله] وسلّم ـ، فذكره المزي في الأطراف، وعلّم عليه علامة التعليق للبخاري، وكذا فعل غير واحد من الحفاظ يقولون ذكره البخاري تعليقاً مجزوماً أو تعليقاً غير مجزوم به، إلا أنه يجوز أن هذا الاصطلاح متجدد، فلا لوم على المصنف في قوله: ((إنه لم يجده)). وانظر: تحفة الأشراف 1/ 390 (1533).
(59) اعترض على المصنف في كون تعليق الطلاق فيه قطع للاتصال. انظر: نكت الزركشي 2/ 55، ومحاسن الاصطلاح 162، ونكت ابن حجر 2/ 603.
(60) قال ابن حجر 2/ 605: ((ما أدري ما وجه إيراد هذا في تفاريع المعضل، بل هذا قسم مستقل، وهو: تعارض الإرسال والاتصال والرفع والوقف.
نعم ... لو ذكره في تفاريع الحديث المعلل لكان حسناً، وإلاّ فمحلّ الكلام فيه في زيادة الثقات كما أشار إليه.
وقد أجبت عنه بأنه لما قال: تفريعات، أراد أنها تنعطف على جميع الأنواع المتقدّمة، ومن جملتها: الموصول والمرسل والمرفوع والموقوف، فعلى هذا فالتعارض بين أمرين فرع عن أصلهما، والله أعلم)).
(61) اعترض على المصنف في تمثيله بهذا الحديث؛ لأن الرواة - كما سيأتي في تخريجه مفصلاً - لم يتفقوا على إرساله من طريق شعبة وسفيان، بل منهم من وصله من طريقهما، ومنهم من أرسله من طريقهما. فانظر: نكت الزركشي 2/ 56، ونكت ابن حجر 2/ 605.
(62) بفتح السين وكسر الباء. انظر: تقريب التهذيب (5065).
(63) سقطت من (ب) و (م).
(64) هذا الحديث اختلف في وصله وإرساله، والراجح وصله - كما يأتي -:
أولاً: تفرّد بإرساله شعبة وسفيان الثوري، واختلف عليهما فيه: فقد رواه عن شعبة موصولاً:
النعمان بن عبد السلام، عند الحاكم في المستدرك 2/ 169 عنه وعن سفيان الثوري مقرونين، والبيهقي في الكبرى 7/ 109، ويزيد بن زريع، عند البزار في مسنده 2/ 94، والدارقطني في سننه 3/ 220، والبيهقي في سننه الكبرى 7/ 109، ومالك بن سليمان، عند الخطيب البغدادي في تاريخ بغداد 2/ 214، عنه وعن إسرائيل، وكذلك رواه عن شعبة موصولاً: محمد بن موسى الحرشي، ومحمد بن حصين كما ذكر الدارقطني في العلل 7/ 206، فهؤلاء خمستهم (النعمان بن عبد السلام، ويزيد بن زريع، ومالك بن سليمان، ومحمد بن موسى، ومحمد بن حصين) رووه عن شعبة، عن أبي إسحاق، عن أبي بردة عن أبي موسى، مرفوعاً.
ورواه عن شعبة مرسلاً: يزيد بن زريع، عند البزار في مسنده 2/ 94، ووهب بن جرير، عند الطحاوي في شرح معاني الآثار 3/ 9، ومحمد بن جعفر - غندر -، عند الخطيب البغدادي في الكفاية: (580 ت، 411 هـ)، ومحمد بن المنهال، والحسين المروزي - كما ذكر الدارقطني في العلل 7/ 208.
فهؤلاء خمستهم (يزيد بن زريع، ووهب بن جرير، ومحمد بن جعفر، ومحمد بن المنهال، والحسين المروزي) رووه عن شعبة، عن أبي إسحاق، عن أبي بردة، مرسلاً.
أمّا سفيان الثوري فقد اختلف عليه أيضاً: فرواه عنه موصولاً:
النعمان بن عبد السلام، عند الحاكم في المستدرك 2/ 169 - 170، وبشر بن منصور، عند البزار في مسنده 2/ 94، وابن الجارود في المنتقى 235، (704)، والطحاوي في شرح معاني الآثار 3/ 9، وجعفر بن عون، عند البزار 2/ 94، ومؤمل بن إسماعيل، عند الروياني في مسنده 1/ 303، والبيهقي في السنن الكبرى 7/ 109، وخالد بن عمرو الأموي، عند الخطيب البغدادي في تاريخ بغداد 6/ 279.
فهؤلاء خمستهم (النعمان بن عبد السلام، وبشر بن منصور، وجعفر بن عون، ومؤمل بن إسماعيل، وخالد بن عمر) رووه عن سفيان، عن أبي إسحاق، عن أبي بردة، عن أبي موسى الأشعري، موصولاً.
ورواه عنه مرسلاً:
عبد الرحمن بن مهدي، عند البزار في مسنده 2/ 94، وأبو عامر العقدي عند الطحاوي في شرح معاني الآثار 3/ 9، والحسين بن حفص، عند الخطيب البغدادي في الكفاية: (579 ت، 411 هـ)، والفضل بن دكين، ووكيع بن الجراح كما ذكر الدارقطني في العلل 7/ 208.
فهذان الإمامان: شعبة وسفيان قد اختلف عليهما فيه كما ترى. وربّما طرق الذين رووه عن سفيان وشعبة موصولاً، لا تصحّ إليهم. وكلام الترمذي يؤيده، فقد قال الإمام الترمذي: ((وقد ذكر بعض أصحاب سفيان، عن سفيان، عن أبي إسحاق عن أبي بردة، عن أبي موسى. ولا يصحّ)). (جامع الترمذي عقيب حديث: 1103).
ثانياً: سفيان الثوري وشعبة - وإن كانا اثنين - إلا أنَّ اجتماعهما في هذا الحديث كواحد؛ لأنّ سماعهما هذا الحديث كان في مجلس واحد عرضاً، فقد قال الترمذي: ((ومما يدلّ على ذلك ما حدّثنا محمود بن غيلان. قال: حدثنا أبو داود، قال: أنبأنا شعبة، قال: سمعت سفيان الثوري يسأل أبا إسحاق: أسمعت أبا بردة يقول: قال رسول الله ـ صلى الله عليه [وآله] وسلّم ـ: لا نكاح إلا بولي؟ فقال: نعم)). (جامع الترمذي عقيب حديث 1102).
ثالثاً: إن الذين رووه عن أبي إسحاق، عن أبي بردة، عن أبي موسى موصولاً، أكثر عدداً، وهم:
1 - إسرائيل بن يونس ابن أبي إسحاق، عند أحمد في المسند 4/ 394، 413 والدارمي في سننه (2188)، وأبي داود في سننه (2085)، والترمذي في جامعه (1101)، وابن حبّان في صحيحه (4071)، والدارقطني في سننه 3/ 218 - 219، والبيهقي في السنن الكبرى 7/ 107، والخطيب البغدادي في الكفاية (ص 578).
2 - يونس ابن أبي إسحاق، عند الترمذي في جامعه (1101)، والبيهقي 7/ 109، والخطيب البغدادي في الكفاية (ص 578 ت، 409 هـ -)، وكذلك أخرجه أبو داود في سننه (2085) من طريق أبي عبيدة الحداد، عن يونس وإسرائيل، عن أبي إسحاق، عن أبي بردة، عن أبي موسى، ثم قال أبو داود عقبه: ((هو يونس عن أبي بردة، وإسرائيل عن أبي إسحاق، عن أبي بردة)). وسيأتي الكلام عن رواية أبي داود هذه.
3 - شريك بن عبد الله النخعي، عند الدارمي في سننه (2189)، والترمذي في جامعه (1101)، وابن حبان (4066) و (4078)، والبيهقي 7/ 108.
4 - أبو عوانة - الوضاح بن يزيد اليشكري -، رواه من طريقه الطيالسي في مسنده (523)، والترمذي في جامعه (1101)، وابن ماجه في سننه (1881) والطحاوي في شرح معاني الآثار 3/ 9، والحاكم في المستدرك 2/ 171.
5 - زهير بن معاوية الجعفي، عند ابن الجارود في المنتقى (703)، والطحاوي في شرح معاني الآثار 3/ 9، وابن حبان في صحيحه (4065)، والحاكم 2/ 171، والبيهقي في السنن الكبرى 7/ 108.
6 - قيس بن الربيع، عند الحاكم في المستدرك 2/ 170، والبيهقي 7/ 108، والخطيب البغدادي في الكفاية (578).
رابعاً: كان سماع هؤلاء من أبي إسحاق في مجالس متعددة، قال الترمذي في جامعه 3/ 409 عقب (1102): ((ورواية هؤلاء الذين رووا عن أبي إسحاق، عن أبي بردة، عن أبي موسى، عن النبي ـ صلى الله عليه [وآله] وسلّم ـ: ((لا نكاح إلا بولي)) عندي أصحّ؛ لأنّ سماعهم من أبي إسحاق في أوقات مختلفة)).
وينظر: العلل الكبير: 156.
خامساً: كانت طريقة تحمل سفيان الثوري وشعبة للحديث عرضاً على أبي إسحاق في حين أنَّ الباقين تحملوه سماعاً من لفظ أبي إسحاق، ولاشكّ في ترجيح ما تُحمل سماعاً على ما تحمل عرضاً عند جمهور المحدثين.
سادساً: إن من الذين رووه متصلاً:
إسرائيل بن يونس ابن أبي إسحاق، وهو أثبت الناس وأتقنهم لحديث جدّه، ولم يختلف عليه فيه، أما سفيان وشعبة وإن كان إليهما المنتهى في الحفظ والإتقان. فطريقة تحملهما للحديث قد عرفتها، أضف إليها أنّه قد اختلف عليهما فيه. قال عبد الرحمن بن مهدي: ((إسرائيل يحفظ حديث أبي إسحاق كما يحفظ سورة الحمد))، رواه عنه الدارقطني في سننه 3/ 220، والحاكم في المستدرك 2/ 170. وقال صالح جزرة: ((إسرائيل أتقن في أبي إسحاق خاصّة)). سنن الدارقطني 3/ 220. وقال عبد الرحمن بن مهدي: ((ما فاتني من حديث الثوري عن أبي إسحاق الذي فاتني، إلا لما اتكلت به على إسرائيل لأنّه كان يأتي به أتم)). جامع الترمذي عقب (1102)، وسنن الدارقطني 3/ 220. وقال محمد بن مخلد: قيل لعبد الرحمان - يعني ابن مهدي -: إنَّ شعبة = وسفيان يوقفانه على أبي بردة، فقال: إسرائيل عن أبي إسحاق أحب إليَّ من سفيان وشعبة)). سنن الدارقطني 3/ 220. وقال الإمام الترمذي: ((إسرائيل هو ثقة ثبت في أبي إسحاق)). جامع الترمذي عقيب (1102).
سابعاً: في هذا الإسناد علّة أخرى هي عنعنة أبي إسحاق السبيعي فهو مدلس. جامع التحصيل: 108، وطبقات المدلسين: 42، وأسماء المدلسين: 103). ولكن تابعه عليه جماعة فزالت تلك العلّة، قال الحاكم في المستدرك 2/ 171: ((وقد وصله عن أبي بردة جماعة غير أبي إسحاق)). وممّن تابعه: ابنه يونس، عن أبي بردة، أخرجه أحمد في المسند 4/ 413، 418 وقد سبق أنّ أبا داود أخرجه عن أبي عبيدة الحداد، عن يونس وإسرائيل، عن أبي إسحاق، عن أبي بردة، عن أبي موسى، قال أبو داود في سننه 2/ 229 عقب (2085): ((هو يونس عن أبي بردة، وإسرائيل، عن أبي إسحاق عن أبي بردة)). يعني أنَّ يونسَ يرويه بإسقاط أبي إسحاق، وإسرائيل يذكره، فجمع أبي عبيدة لهما على أسناد واحد خطأ.
ورواية أبي عبيدة علّقها الترمذي في جامعه عقب (1102) على نحو ما ذكره أبو داود. قلنا: يونس معروف بالسماع والرواية عن أبيه أبي إسحاق وعن أبي بردة، فيكون قد سمعه منهما كليهما، فكان يرويه مرة هكذا ومرة هكذا. ينظر: العلل الكبير للترمذي 156، وصحيح ابن حبّان. الإحسان 6/ 154 عقب (4071) قال الحاكم في المستدرك 2/ 171 - 172: ((ولست أعلم بين أئمة هذا العلم خلافاً على عدالة يونس ابن أبي إسحاق، عن أبي بردة)). ثم إنه جاء من حديث عدة من الصحابة قال الحاكم في المستدرك 2/ 172: ((قد صحت الروايات فيه عن أزواج النبي ـ صلى الله عليه [وآله] وسلّم ـ عائشة وأم سلمة وزينب بنت جحش)) ثم قال: ((وفي الباب عن علي ابن أبي طالب وعبد الله بن عباس ومعاذ بن جبل وعبد الله بن عمر ... )).
والحديث صحّحه البخاري كما رواه عنه الخطيب فيما سبق، وروى الحاكم أيضاً تصحيحه عن علي بن المديني ومحمد بن يحيى الذهلي. المستدرك 2/ 170.
قلنا: مما سبق تبين أنَّ رواية من وصل الحديث أصحّ وأرجح من رواية من أرسله، وأما زعم من زعم أنَّ الإمام العلم الجهبذ البخاري صحّحه لأنّه زيادة ثقة، فهو كلام بعيد مجانبٌ لمنهج هذا الإمام وغيره من أئمة الحديث القائم على أساس اعتبار المرجحات والقرائن في قبول الزيادة وردها. والقول بقبولها مطلقاً هو رأي ضعيف ظهر عند المتأخّرين، قال به الخطيب وشهره ولهذا قال الحافظ ابن حجر: ((ومن تأمل ما ذكرته عرف أنّ الذين صحّحوا وصله لم يستندوا في ذلك إلى كونه زيادة ثقة فقط، بل للقرائن المذكورة المقتضية لترجيح رواية إسرائيل - الذي وصله - على غيره)). فتح الباري 9/ 229 (طبعة الكتب العلمية). فالذي ينظر في صنيع الأئمة السابقين والمختصين في هذا الشأن يراهم لا يقبلونها مطلقاً ولا يردونها مطلقاً بل مرجع ذلك إلى القرائن والترجيح: فتقبل تارة، وترد أخرى، ويتوقف فيها أحياناً، قال الحافظ ابن حجر: ((والمنقول عن أئمة الحديث المتقدّمين - كعبد الرحمن بن مهدي، ويحيى القطان وأحمد بن حنبلٍ، ويحيى بن معين، وعلي بن المديني، والبخاري، وأبي زرعة، وأبي حاتم، والنسائي، والدارقطني، وغيرهم - اعتبار الترجيح فيما يتعلق بالزيادة وغيرها، ولا يعرف عن أحد منهم قبول إطلاق الزيادة)). نزهة النظر: 96، وانظر: شرح السيوطي: 169 - 172.
والحكم على الزيادة بحسب القرائن هو الرأي المختار المتوسط الذي هو بين القبول والرد، فيكون حكم الزيادة حسب القرائن المحيطة بها حسب ما يبدو للناقد العارف بعلل الحديث وأسانيده وأحوال الرواة بعد النظر في ذلك أما الجزم بوجه من الوجوه من غير نظر إلى عمل النقاد فذلك فيه مجازفة. (وانظر في ذلك بحثاً نافعاً في أثر علل الحديث: 254 - 263، وفيه كلام نفيس لعلاّمة العراق ومحقق العصر الدكتور هاشم جميل - حفظه الله -).
(65) الكفاية: (580 ت، 411 هـ).
(66) انظر: نكت الزركشي 2/ 58، ونكت ابن حجر 2/ 603.
(67) نقله الحاكم عن أئمة الحديث. انظر: المدخل إلى الإكليل: 40 - 41.
(68) نسب الحافظ ابن رجب القول به إلى الإمام أحمد. انظر: شرح علل الترمذي 2/ 635، ومجموع هذه الأقوال أربعة، أضاف إليها ابن السبكي قولاً خامساً. انظر: جمع الجوامع 2/ 124.
لكن الأقوى والأصح هو عدم الإطلاق في قبول الزيادة من الثقة، بل القبول والرد دائر مع القرائن التي ترجح لدى الناقد الفهم أحد الجانبين، وفي هذا يقول الحافظ العلائي: ((وأما أئمة الحديث فالمتقدمون منهم كيحيى بن سعيد القطان وعبد الرحمن بن مهدي، ومَنْ بعدهما كعلي ابن المديني وأحمد بن حنبل ويحيى بن معين وهذه الطبقة، وكذلك مَنْ بعدهم كالبخاري وأبي حاتم وأبي زرعة الرازيّين ومسلم والنسائي والترمذي وأمثالهم، ثم الدارقطني والخليلي كل هؤلاء: يقتضي تصرفهم من الزيادة - قبولاً وردّاً - الترجيح بالنسبة إلى ما يقوى عند الواحد منهم في كل حديث ولا يحكمون في المسألة بحكم كلي يعمّ جميع الأحاديث، وهذا هو الحق الصواب)). نظم الفرائد: 376 - 377، وانظر: نزهة النظر: 96.
(69) الكفاية: (580 ت، 411 هـ).
(70) الكفاية: (580 ت، 411 هـ).
(71) الكفاية: (580 ت، 411 هـ).
(72) الكفاية: (581 ت، 411 هـ).
(73) قال ابن حجر 2/ 612: ((الذي صحّحه الخطيب: شرطه أن يكون الراوي عدلاً ضابطاً. وأما الفقهاء والأصوليون: فيقبلون ذلك من العدل مطلقاً، وبين الأمرين فرق كثير. وهنا شيء يتعين التنبيه عليه، وهو: أنهم شرطوا في الصحيح أن لا يكون شاذاً، وفسروا الشاذ: بأنه ما رواه الثقة فخالف من هو أضبط منه أو أكثر عدداً، ثم قالوا: تقبل الزيادة من الثقة مطلقاً، وبنوا على ذلك: أن من وصل معه زيادة فينبغي تقديم خبره على من أرسل مطلقاً، فلو اتفق أن يكون من أرسل أكثر عدداً أو أضبط حفظاً أو كتاباً على من وصل أيقبلونه أم لا؟ لا بدَّ من الإتيان بالفرق أو الاعتراف بالتناقض. والحق في هذا أن زيادة الثقة لا تقبل دائماً، ومن أطلق ذلك عن الفقهاء والأصوليين فلم يصب، وإنما يقبلون ذلك إذا استووا في الوصف ولم يتعرض بعضهم لنفيها لفظاً ولا معنى)).
(74) سنن البيهقي الكبرى 7/ 108، والكفاية: (582 ت، 413 هـ). وانظر: نكت الزركشي 2/ 62.
(75) قال الزركشي 2/ 65: ((يريد الحكم بوصله لا مجيء كل الخلاف السابق فيه)).
(76) وبه جزم السمعاني، والرازي وأتباعه، وانظر: البحر المحيط 4/ 340 - 341.
(77) قال العراقي في التقييد: 95: ((وما صحّحه المصنّف هو الذي رجّحه أهل الحديث. وصحّح الأصوليّون خلافه، وهو أنّ الاعتبار بما وقع منه أكثر، فإن وقع وصله أو رفعه أكثر من إرساله أو وقفه، فالحكم للوصل والرفع، وإن كان الإرسال أو الوقف أكثر فالحكم له)).
|
|
مريض يروي تجربة فقدانه البصر بعد تناوله دواءً لإنقاص الوزن
|
|
|
|
|
كارثة تلوح في الأفق بعد تحرك أكبر جبل جليدي في العالم
|
|
|
|
|
قسم التطوير يناقش بحوث تخرج الدفعة الثانية لطلبة أكاديمية التطوير الإداري
|
|
|