تطور المجتمعات وصولاً إلى مجتمع المعرفة :  

يعد مجتمع المعرفة مرحلة جديدة من مراحل التطور أعقبت المرحلة الصناعية ويطلق عليها (الفين توفلر) السوسيولوجي الأمريكي (اسم الموجة الثالثة)، باعتبار أن البشرية قد عرفت في تاريخها حضارتين سابقتين هما موجة عصر الزراعة، وموجة عصر الصناعة، وها هي اليوم تدخل عصر المعرفة. فلقد تطورت المجتمعات الحديثة من الزراعة إلى الصناعة، فالصناعة غزيرة الإنتاج إلى استخدام الروبوت ووسائل الإنتاج الحديث، إلى مجتمعات المعرفة والمعلومات، ولقد ارتكز تقسيم تطور المجتمع البشري إلى مراحل على مجموعة من المعايير التي من أبرزها القاعدة الفكرية للتكنولوجيا.

ــ ففي أولي مراحل التطور "مرحلة المجتمع الزراعي" تشكلت القاعدة الفكرية التكنولوجية من حصيلة التجربة والخطأ ومن المهارات الحرفية المكتسبة.

ــ وفي ثاني مراحل التطور "مرحلة المجتمع الصناعي" تأسست القاعدة التكنولوجية على العلم بفروعه المختلفة. 

أما المرحلة الثالثة التي يحملها لنا المستقبل والتي بدأت بشائرها في الظهور وهي "مرحلة مجتمع ما بعد الصناعة" فإن قاعدتها الفكرية تقوم على نظرة للعلم بصفة خاصة، والمعرفة الإنسانية بصفة عامة، فهي نظرة تسعى لاكتشاف اوجه الشبه والتلاقي بين الفروع المختلفة للعلم لتخلص منها بالعموميـات الـتي تربطها سوياً وتشكل منها رؤية أكثر شمولاً للواقع ^{(1) .}

وكان من نتيجة المرحلة الثالثة ظهور مجتمع المعرفة نتاجاً لولادة تكامل ثورة المعلومات المركبة، إذ أصبح الانتقال من المعرفة العلمية إلى تطبيقاتها التكنولوجية أمراً أكثر سهولة بزمن أقل، وبمردودية اقتصاد أعلى من جهة، فضلاً عن الاندماج بين تكنولوجيا معالجة المعلومات "الكمبيوتر وتطبيقاته" ، وبين ثورة الاتصالات الرقمية وتطبيقاتها "الشبكات والإنترنت" من جهة ثانية.

وإذا كان المجتمع الصناعي قد اعتمد على البخار والفحم، والميكانيكا، ثم على النفط والكهرباء والطاقة النووية، مثلما يعتمد على الرأسمال الذي يستعين بقوة الدولة لتأمين المواد الخام وفتح الأسواق، فإن مجتمع المعرفة يعتمد أساساً على العقل البشري، واكتشافه في الإلكترونيات الدقيقة، والهندسة الحيوية، والذكاء الصناعي والاتصالات والكمبيوتر، علاوة على إمكان توليد المعارف والمعلومات واختزانها

مع إمكان استردادها وتوصيلها بسرعة الضوء إلى أي بقعة في العالم. وبقدر ما تكشف هذه التطورات عن التأثيرات الواسعة والعميقة في الاقتصاد وفي الإدارة، فإنها تكشف عن خصائص جديدة يتمتع بها اقتصاد ومجتمع المعرفة. والجدول يوضح الخصائص الجديدة لمجتمع المعرفة مقارنة بالمجتمع الصناعي. ومع تراكم هذه التطورات ظهر واضحاً أن دراسة المعرفة التي كانت تستبعد إلى موقع خلفي في الاقتصاد في السابق، أخذت تخطى باعتراف واهتمام متزايدين على الاقتصاد والأعمال.

ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

(1) حبيش، علي ،الإنماء المعرفي: منطلق مصر للتحديث،  ص8.