أقرأ أيضاً
التاريخ: 16-7-2022
2848
التاريخ: 23-6-2016
1697
التاريخ: 21-2-2017
3910
التاريخ: 5-10-2017
14705
|
لما كان الحكم إجراء يصدر من جهة قضائية ذات ولاية خصها المشرع وحدها باتخاذ هذا الإجراء (1) فهو لا يعتبر حكما إلا إذا تم اتخاذه في خصومة قائمة منذ البدء بين أشخاص لهم وجود قانوني وقد تصدر المحكمة حكما بهذا المعنى بناءا على اتفاق الخصوم، إذ من الممكن أن يتصور مثل هذا الحكم عندما يكون هناك نزاع فعلا بين أطراف الدعوى ويطرح النزاع أمام القضاء كخصومة واقعية ومن ثم يتفق الأطراف على حسم الدعوى طبقا لاتفاقهم المسبق واستصدار حكم قضائي وفقا لهذا الاتفاق، ومن ذلك أيضا ما يختلقه الخصوم من نزاع ويطرحونه أمام القضاء للحصول على حكم ملزم يبتغون منه الوصول إلى غايات ومراكز قانونية معينة (2) فالحكم الصوري (الأتفاقي) يصدر من المحكمة مثل بقية الأحكام ، فهل إن هذا الحكم يعتبر صحيحا ويحوز درجة البنات ، كما هو الحال عليه في الأحكام أذا لم يطعن فيه أو استنفذت طرق الطعن المقررة قانونا دون أن يفسخ أو ينقض أو يبطل ؟ وبمعنى آخر هل إن الخصومة فيه لا تعتبر قائمة وغير منعقدة ومن ثم يكون حكما منعدما ؟
سنعرض للإجابة في ضوء موقف القضاء والفقه ومن ثم بيان اختلاف الحكم المنعدم وتمييزه عن الحكم الصوري في الفقرات التالية :
أولا : موقف القضاء :-
قد يبدو موقف القضاء فيما يخص الحكم الصوري واضحاً إذا ما سقنا المثل التالي :
فإذا طلب وكيل المدعي مثلا ، أثناء المرافعة إبطال عريضة الدعوى لوقوع الصلح والاتفاق على تسوية النزاع بين الطرفين، فليس للمحكمة أن تقضي برد الدعوى بحجة إن عقد الصلح يرفع النزاع ويقطع الخصومة بالتراضي ، بل ينبغي عليها التقيد بطلبات الخصوم وإصدار حكمها وفقا لاتفاقهم وبخلافه يكون قرارها عرضة للنقض ، وهذا ما قضت به محكمة التمييز في قرار لها حيث جاء فيه (( لدى التدقيق والمداولة وجد إن محكمة البداءة قضت بحكمها المميز برد دعوى المدعي المميز خلافا لطلبه المقدم إليها بأبطال عريضة الدعوى على تصالحه مع خصمه المدعى عليه رغم كونها مقيدة في قضائها بطلبات الخصم ولا يمكنها الخروج عنها فكان المقتضى عليها والحالة هذه أن تقضي بأبطال عريضة الدعوى عملا بحكم الفقرة (2) من المادة 88 من قانون المرافعات المدنية رقم 83 لسنة 1969 المعدل، ويكون قضائها برد الدعوى خلافا للطلب الواقع قد اخل بصحة حكمها المميز فقرر نقضه لهذا السبب وإعادة الدعوى إليها لإتباع ما تقدم على أن يبقى رسم التمييز تابعا للنتيجة وصدر القرار بالاتفاق في 11/22/ 1987)) (3)
ويبدو لنا من خلال القرار الذي أوردته محكمة التمييز، إن المحكمة يجب أن تتقيد بالاتفاق الذي يرغب فيه أطراف الدعوى ، طالما كان اتفاقهم لا يخرج عن إطار المشروعية ولم يكن مخالفا للنظام العام، وهو ما يدل أيضا على أن مثل هذه الأحكام والتي تتقرر بناءا على أرادة أطراف الدعوى ، هي أحكام قضائية صحيحة مرتبة لآثارها عندما تكون مشتملة على أركانها وخالية من العيوب التي قد تشوب شروط صحتها وبطبيعة الحال ، هذا النوع من الأحكام يختلف عن تلك التي تصدر بخصوص الصلح المقرر بموجب القانون، كأن يلزم القانون المحكمة بعرض الصلح مرتين في حالة وجود أبناء قبل الحكم بالتطليق سعيا للإصلاح لأنه يعتبر إجراء جوهري لصيق بالنظام العام، وهذا ما ذهبت إليه محكمة النقض المصرية حيث جاء بقرارها المؤرخ في 2003/2/22 (النص) في المادة 18 من القانون رقم 1 لسنة 2000 بأصدار قانون تنظيم بعض الأوضاع وإجراءات التقاضي في مسائل الأحوال الشخصية مفاده وجوب عرض المحكمة الصلح مرتين على الأقل خلال مدة محددة على الزوجين في حالة وجود أبناء قبل الحكم بالطلاق أو التطليق ، فأن قضت بالتطليق دون أن تعرض عليهما الصلح على هذا النحو كان قضاءها مخالفا للقانون باعتبار إن سعيها للإصلاح قبل التفريق إجراء أوجبه القانون ولصيق بالنظام العام، لذا فأن الحكم المطعون فيه يكون معيبا بما يوجب نقضه)) (4) .
ثانيا : موقف الفقه :-
اختلف الفقهاء في مسالة الحكم الصوري وذهبوا إلى عدة اتجاهات مختلفة بهذا الخصوص وهي كالأتي : يذهب البعض في الفقه إلى إن الصورية كما ترد في العقود ترد على الأحكام ، وبخاصة أحكام رسو المزاد ، والتي لا تتعدى مهمة القاضي فيها مجرد مراقبة استيفاء الإجراءات الشكلية ثم إيقاع البيع لمن يظهر إن المزاد رسا عليه (5).
وفي اعتقادنا إن مثل هذا القول لا ينسجم مع طبيعة الحكم القضائي ، فأن أرادة الأفراد وما أعطي لها من مكنة الاتفاقات المشروعة، لاتصل إلى حد إصدار الأحكام ، في حين إن إرادة القانون هي وحدها قادرة على إصدار مثل هذه الأحكام ، كما إن لهذه الأخيرة أن تكشف عن تلك الاتفاقات بموجب قرارات وأحكام ،ملزمة، وان مهمة القاضي في التشريعات الحديثة هي ليست مراقبة استيفاء الإجراءات الشكلية كما ذهب إليه هذا الاتجاه ، بل إن للقاضي دورا ايجابيا في تسيير الخصومة وتحقيقها وصولا إلى إصدار الحكم العادل (6) وقد يتعدى هذا الدور إلى إجراءات الإثبات ، حيث إن القاعدة انه يجوز للمحكمة أن تأمر من تلقاء نفسها باتخاذ أي إجراء من إجراءات الإثبات فيما عدا الحالات الخاصة التي يستلزم فيها القانون طلب الخصم لهذا الإجراء (7) كما إن تسمية الحكم بالصوري هي تسمية محل نظر ، إلا إن مقتضيات البحث وما جرى عليه الفقه من هذه التسمية كان وراء الإتيان به ووضعه موضع التمييز مما قد يشتبه به من أحكام ، وذلك إن الغالبية العظمى من الأحكام هي أن يكون الحكم كاشفا لا منشئ ، ومن ثم فأن إطلاق مثل هذه التسمية قد يشمل كل الحالات التي يقرر فيها الحكم القضائي الكشف عن مراكز قانونية معينة وهو ما لم يقل به احد.
ويذهب اتجاه آخر إلى إن من الخطأ تشبيه الحكم بالعقد أو الاتفاق، لان العقد شريعة المتعاقدين ، في حين إن الحكم لا يخضع لإرادة الخصوم فإذا اقتصر الحكم بالتصديق على اتفاق الخصوم ، كالحكم بالتصديق على الصلح أو وقف الخصومة فأنه يعتبر عملا ذا طبيعة مختلطة ، في شكله حكم قضائي وفي جوهره عمل ولائي (8) وفي ذات الاتجاه، هناك من يغلب صفة العمل الولائي ويرى انه مثل هذا الحكم لا يعتبر حكما قضائيا بالمعنى الصحيح ، فهو يقتصر على إضفاء صفة الرسمية على اتفاق الخصوم ، فعمل القاضي أشبهه بالموثق ، ولهذا فأنه يدخل في أعمال القاضي الولائي (9) . ويذهب آخر من ذات الاتجاه إلى تغليب الاعتبار الأول ، ويرى بأن هذا الحكم يحوز حجية الأمر المحكوم فيه كغيره من الأحكام القضائية، ولا يقبل الطعن فيه إلا بطرق الطعن التي نص عليها القانون ضد الأحكام ، فلا يمكن التمسك ببطلانه بدعوى بطلان أو دفع ، ويستند في ذلك إلى إن العمل الإجرائي له شكل الأحكام فيجب إن يخضع لما تخضع له من قواعد ، ومن ناحية أخرى ، فأن معاملة التصديق على الصلح معاملة الأحكام القضائية يمنع الصورية التي يلجأ إليها الخصوم بادعائهم نزاعا أمام المحكمة لينتهوا به إلى عقد صلح (10 ) .
ويمكن القول إن هذا الاتجاه قد يكون منصفا فيما ذهب إليه من عدم صحة تشبيه الحكم بالعقد أو الاتفاق إلا انه ما يؤخذ عليه عدم التمييز بين الحكم القضائي والأمر الولائي ، فهذا الأخير يصدر بلا خصومة ، ويفترض عدم وجود منازعة خلافا للحكم القضائي الذي يصدر في خصومة نشأت من خلال ممارسة حق الدعوى، كما إن القاضي وهو يصدق على الصلح وان كان يتثبت من قانونية هذا الصلح ومن توفر شروط صحته ، إلا انه يضفي عليه الطابع القضائي وهو ليس عملاً إدارياً ، ومن ثم فأن القاضي لا يمكن أن يكون موثقاً ، لان الفصل في الخصومة هو من وظيفة القاضي لا الموثق، ولا يمكن القول بالصفة المزدوجة وتغليب الصفة الولائية ، التي ذهب إليها بعض الفقهاء في الاتجاه ذاته ، فهو قول محل نظر ، لأنه قد ابتعد عن المنحى القانوني الصحيح ، ويؤخذ عليه القصور في التحليل الدقيق لمفهوم الحكم القضائي الذي يصدر متضمناً في ثناياه اتفاق الخصوم، في حين إن ما ذهب إليه الرأي الآخر ، من إن الحكم يحوز حجية الشيء المقضي فيه كغيره من الأحكام القضائية ولا يقبل الطعن فيه إلا بالطرق التي نص عليها القانون ضد الأحكام، فهو جدير بالاحترام، وما يؤيد ذلك ما هو مقرر في القانون المدني العراقي من إن الصورية لا تمنع العمل من أن يرتب الآثار التي يقتضيها مظهره (11) على افترض إن الحكم القضائي هو عمل إجرائي كبقية الإعمال الإجرائية الأخرى.
أما في فرنسا فقد اختلف الفقه الإجرائي في مثل هذه الأحكام ، فأعتبرها البعض عقدا قضائي يجوز رفع الدعوى القضائية ببطلانه ، في حين ذهب بعض آخر إلى اعتباره بمثابة حكم قضائي ، كما هو الحال عليه في الأحكام القضائية الأخرى، فيما تبنى آخرون مذهبا مختلطا بين الاتجاهين فاعتبروا انه عقد قضائي إذا كان دور القاضي قد اقتصر على تصديق اتفاق الخصوم أما إذا كون القاضي رأيه وتفحص الاتفاق فهو حكم قضائي (12) .
ولعل الانتقادات التي وجهت إلى من ذهب بهذا الاتجاه من الفقه العربي ليست ببعيدة هنا لكي تقوم بدورها في التصدي إلى بعض الفقهاء من الفقه الفرنسي الذي شبهه الحكم القضائي بالعقد مساوياً بين إرادة الأفراد وإرادة القانون، وان حاول البعض الأخر منه التلطيف بالقول بأنه ((يكون حكما إذا كون القاضي رأيه وتفحص الاتفاق)) فأن مثل هذا التأرجح غير الصحيح ينم عن الفهم غير الصحيح لطبيعة الأحكام القضائية ، فمتى كان الحكم صادراً من محكمة مختصة مشكلة تشكيلاً صحيحاً، في خصومة معتبرة في نظر القانون ، وصدر بالشكل المحدد قانوناً فهو حكم قضائي سواءاً كان منشاً أم مقرراً وكاشفاً للحقوق والمراكز القانونية.
لذا فأن الحكم المنعدم فيما تبنيناه من مفهوم يختلف عن الحكم الصوري ويمكن تمييزه من الأوجه التالية :
1- الحكم الصوري لا يكون محلاً لرفع دعوى البطلان الأصلية، كونه يخضع لطرق الطعن الخاصة بالأحكام القضائية ، في حين إن الحكم المنعدم يجوز رفع الدعوى المبتدئة لتقرير انعدامه.
2- : الخصومة في الحكم الصوري متحققة قانوناً ، وان كان الأطراف قد اتفقوا على استصدار الحكم بغية الوصول إلى مركز قانوني معين ، فالخصومة حالة قانونية ناشئة عن مباشرة الدعوى ، ترتب علاقة قانونية بين الخصوم ، بينما تنتفي الخصومة في الحكم المنعدم على افتراض توافر الأركان الأخرى للحكم القضائي فيكون جزاء عدم وجودها الانعدام.
3- : القاعدة إن الحكم المنعدم يكون مشوباً بعيب يفقده احد أركانه ، أما العيب الذي يلحق الحكم الصوري لا يصل إلى حد الانعدام وان كان قد يصل به إلى البطلان .
4- : الحكم المنعدم لا يمكن تصحيحه ، فهو غير موجود من الناحية القانونية كحكم قضائي ، بينما نجد إن الحكم الصوري إذا ما شابه عيباً يصل به إلى حد البطلان ، وقد انتهت مدد الطعن أو استنفذت دون أن يفسخ أو يلغى أو يعدل فأنه يكون حكماً صحيحاً ويحوز درجة البتات.
5 - : تستنفذ المحكمة ولايتها بإصدار الحكم الصوري ولا يجوز لها نظر الدعوى مرة أخرى أو تعديل الحكم أو الرجوع عنه، ولا تستنفذ المحكمة ولايتها عند إصدار الحكم المنعدم .
______________
1- د . عبد الباسط جميعي ، شرح قانون الإجراءات المدنية ، دار الفكر العربي، القاهرة ، 1965 ، ص 746 ، كذلك، أسامه محمد المليجي ، التصنيف الفني لوظائف وأعمال القاضي ، دراسة مقارنة، دار النهضة العربية ، القاهرة- 2005، ص 188 و 189
2- انظر المادة (29) من قانون المرافعات المدنية العراقي ، كذلك المادة 154 من ذات القانون .
3- القرار 87/409-8 في 1987/11/22 منشور في مجلة الأحكام العدلية ، وزارة العدل العدد الربع، لسنة 1987، ص 63
4- قرار محكمة النقض بالطعن 211 في 2003/2/22، مشار إليه في عبد الفتاح مراد الجديد في أحكام محكمة النقض المصرية ، 2000 - 2003، لسنة 2003 ، ص 548
5- انظر : أنور طلبه بطلان الأحكام وانعدامها ، المكتب الجامعي الحديث ، الإسكندرية ، 2006 ص 9
6- انظر الأسباب الموجبة لقانون المرافعات المدنية العراقي
7- انظر المواد 1 و 2 و 3 من قانون الإتبات العراقي رقم 107 لسنة 1979
8- انظر: د. احمد السيد صاوي ، اثر الأحكام بالنسبة للغير دار النهضة العربية - القاهرة ، 1979، ص 59
9- انظر: السنهوري ، الوسيط المصدر سابق بند 353، ص ، ص 655 كذلك قرار محكمة النقض المصرية رقم 6/28/ 1980 طعن 839 س 43 ق مشار أليه في أنور طلبه ، المصدر السابق ، ص 9 محمد العشماوي و د. عبد الوهاب العشماوي ، قواعد المرافعات في التشريع المصري - دراسة مقارنة ، ج 2- الطبعة النموذجية القاهرة ، 1958، ص 665 و ص 660
10- انظر: د. فتحي والي ، نظرية البطلان في قانون المرافعات ، منشاة المعارف، الإسكندرية ، 1959 ، ص 619
11- انظر المادة (149) من القانون المدني العراقي رقم 40 لسنة 1951
12- انظر : 150 .morel ,tissier, Cass, civil procedure ,Paris. Pنقلا عن د. نبيل إسماعيل عمر النظرية العامة للطعن بالنقض في المواد المدنية والتجارية طبقا لما هو وارد في قانون المرافعات والفقه والقضاء المصري والفرنسي ، الإسكندرية ، 1980 ص 4
|
|
"عادة ليلية" قد تكون المفتاح للوقاية من الخرف
|
|
|
|
|
ممتص الصدمات: طريقة عمله وأهميته وأبرز علامات تلفه
|
|
|
|
|
المجمع العلمي للقرآن الكريم يقيم جلسة حوارية لطلبة جامعة الكوفة
|
|
|