أقرأ أيضاً
التاريخ: 2023-10-05
1054
التاريخ: 2024-09-18
282
التاريخ: 2023-11-08
1145
التاريخ: 2024-09-24
229
|
والغريب المستغرَب ألا يكون هذا الاستمساك الشديد بالإنجيل قد أثر في نفوس الأفراد؛ فهذه الدولة المسيحية المتطرفة في مسيحيتها عانت نزاعًا شديدًا وغيظًا متطايرًا وحقدًا ضغونًا بين الفقراء والأغنياء، ولم يَدُرْ هذا النزاع — كما هي الحالة بيننا اليوم — على مثالٍ أَعْلَى يعترف بصحته الطرفان ويحاول كلٌّ منهما أن يُقنع الآخر بأن الوصولَ إليه هو عن هذه الطريق لا تلك، وإنما كان نزاعًا فَجًّا حاول فيه القويُّ أن يبتلع الضعيفَ ابتلاعًا. ولم يَقُمْ هذا النزاع في المصانع وبين المداخن، وإنما دارتْ رحاه في الحُقُول الباسمة والمراعي الضاحكة في الريف لا في المدن، فالمُزارع الصغير كان يقاسي الأَمَرَّين من الحُرُوب الطاحنة والغزوات الخاربة والضرائب الفادحة والوسائل الزراعية الغاشمة، وكان جارُهُ الكبيرُ الطامع كبيرًا في المال والجاه والنفوذ، ومما زاد في الطين بلة أَنَّ العُرْف السياسيَّ في الدولة قضى بِأَنْ يَتَرَبَّعَ المُزارع الكبير على كراسي الحكم، وأن يسعى كل موظف كبير إلى استملاك الأراضي. وأدى هذا التكالبُ على المراعي والمزارع إلى الغش والخداع، فقد يعرض مزارعٌ كبيرٌ على جار فقيرٍ استكراءَ أرضه لقاء مبلغٍ مُعَيَّنٍ من المال يغريه به، فيقبل الفقير وتتمُّ الصفقةُ ثم يمتنعُ المزارعُ الكبيرُ عن الدفع فيلجأ الفقير إلى القضاء، فيمتطي الكبيرُ جوادَه ويهدد ويعربد ويستخف بادعاء جاره ويؤكد أن المُلك له وأن مثله لا يلجأ إلى فقير يستكري أرضه، وإذا اضطر ابتاع ضمير القاضي. وقد تمحل المواسم فيدسُّ هذا الطامع الكبير عملاءَه بين جيرانه الفقراء؛ يزيِّنون لهم بيع أملاكهم، فيبيعونها بأبخس الأثمان. وقد يشرف فقيرٌ ضعيفٌ على الموت ولا وريث له، فيطل عليه أحد أخصاء جاره الكبير يسأل عنه ويقدم له المعونة والهدايا ثم ينصح له أن يتبنى جاره الغني العظيم، فتأخذ الفقير العاطفة وتعتريه موجة من الكبرياء فيرضى، وقد يلجأ الكبير القوي إلى الاحتيال، فيحيط هذا المريض المحتضر برجاله فيشهدون لدى وفاته بأنه أوصى بممتلكاته إلى جاره الكبير، وكان القانون البيزنطي يجيز الوصية أمام شهود ثلاثة. وقد يستهوي الكبير الطامع جابي الضرائب فينقده شيئًا من النقد ليتطلب من فريسة أخرى أكثر بكثير مما يجب، فيقضي على معنويات هذا المزارع الفقير، ويمهد الطريق لجاره الغني القوي؛ كي يستولي على أملاكه. ولا نجد كبار الرهبان أَقَلَّ جشعًا من هؤلاء المزارعين الأقوياء؛ فإنهم رغبوا في الدنيا بقدر ما كان يجب عليهم أن يزهدوا فيها، وتعدوا على حقوق الجيران الفقراء فوسعوا حدود الأوقاف على حسابهم واستولوا في بعض الأحيان على المواشي وعلى الخيل والجِمال، وعاشوا عيشة هناء ورخاء، ودعوا لرهبانياتهم فتزايد عدد الرهبان تزايدًا مخيفًا، فأفرغوا الحقول من اليد العاملة وقطعوا عن صندوق الخزينة العامة دخلًا كبيرًا. وتضاءلت الطبقة المتوسطة في الأرياف، وازداد الأقوياء قوة والضعفاء ضعفًا، وقلت الثقةُ بالحكومة، وأفظع ما هنالك أن نجاح الأقوياء في ابتلاع الضعفاء المدنيين شجع أولئك على مَدِّ الأيدي إلى مَزارع العسكريين الذين كانوا قد أُقطعوا الأراضي ليعيشوا منها ويتسلحوا بمدخولها. وهبت الحكومة المركزية تُعالج هذه المشكلات، فمنعت الكبار — بادئ ذي بدء — من الاستفادة من ديون هي موضعُ جدل وخصام بينهم وبين الصغار، ومنعت هؤلاء عن وضع شعائر الكبار على أبواب بيوتهم ما دامت هذه البيوت أو الحقولُ موضعَ خصام بينهم وبين كبيرٍ قويٍّ، وأصدرت الحكومةُ في القرن التاسع — كما سبق وأشرنا في حينه — قوانينَ ثلاثةً، منعت بموجبها انتقال الملكية من ضعيف إلى قوي بالتبني أو الهبة أو الوصية، كما حرَّمت بيع أملاك الضعفاء وتأجيرها. وألغت كذلك مفعول مرور الزمن في جميع هذه الحالات، فجَمَّدَت بذلك كل علاقة من هذا النوع بين الفريقين (1). وعلى الرغم من هذا كله، فإن هؤلاء الكبار Dunatoi ما فتئوا يطاردون الصغار Penes حتى فسَّخوا الدولة تفسيخًا وقضَوا على معنوياتها ودفاعها.
.............................................
1- Vasiliev, A. A., On The Question of Byzantine, Feudalism, Byzantione, 1933, 584–604; Diehl et Marçais, Monde Oriental, 523–531
|
|
كل ما تود معرفته عن أهم فيتامين لسلامة الدماغ والأعصاب
|
|
|
|
|
ماذا سيحصل للأرض إذا تغير شكل نواتها؟
|
|
|
|
|
جامعة الكفيل تناقش تحضيراتها لإطلاق مؤتمرها العلمي الدولي السادس
|
|
|