المرجع الالكتروني للمعلوماتية
المرجع الألكتروني للمعلوماتية

الحديث والرجال والتراجم
عدد المواضيع في هذا القسم 6235 موضوعاً

Untitled Document
أبحث عن شيء أخر المرجع الالكتروني للمعلوماتية
القيمة الغذائية للثوم Garlic
2024-11-20
العيوب الفسيولوجية التي تصيب الثوم
2024-11-20
التربة المناسبة لزراعة الثوم
2024-11-20
البنجر (الشوندر) Garden Beet (من الزراعة الى الحصاد)
2024-11-20
الصحافة العسكرية ووظائفها
2024-11-19
الصحافة العسكرية
2024-11-19

Global Field
17-10-2019
زيد بن وهب الهمداني
19-9-2017
لماذا لم تُذكر بسم اللَّه في بداية سورة براءة
8-12-2015
مساحة الاستديو
14/9/2022
Griewank Function
20-7-2019
لا تسليم في صلاة الميت.
21-1-2016


غزوة بدر الكبرى.  
  
1068   10:40 صباحاً   التاريخ: 2023-10-08
المؤلف : الشيخ محمّد جواد آل الفقيه.
الكتاب أو المصدر : المقداد ابن الأسود الكندي أول فارس في الإسلام.
الجزء والصفحة : ص 63 ـ 80.
القسم : الحديث والرجال والتراجم / علم الحديث / مقالات متفرقة في علم الحديث /

لم ينسَ المسلمون المواقف الآثمة التي وقفتها منهم قريش وباقي المشركين في «البلد الامين» مكة. حيث عذّبت قسماً منهم أشد التعذيب، وحاصرت محمداً (صلى الله عليه وآله) ومن معه في «الشعب» قرابة ثلاث سنين، بالإِضافة الى مصادرة أموالهم، ممّا ترك أسوأ الأثر في نفوسهم، وجعلهم يتحيّنون الفرصة للثأر من جلّاديهم.

وفي السنة الثانية للهجرة، خرج أبو سفيان بن حرب بقافلة عظيمة للإِتجار بها في بلاد الشام، كانت قد احتوت على ألف بعير، وسبعة آلاف مثقال من الذهب حيث لم يبقَ قرشي ولا قرشية في مكة ممّن يمتلك مالاً إلا وبعث به في تلك القافلة.

حين علم النبي (صلّى الله عليه وآله) بذلك، ندب أصحابه لاعتراضها موقظاً في أعينهم الثأر الذي نام طويلاً لكنّه لم يعزم على أحد منهم بالخروج، بل ترك لهم الخيار في ذلك، فقال لهم: هذه عِيرُ قريش فيها أموالهم، فاخرجوا إليها لعلَّ الله أن ينفَّلكموها..

وكان المسلمون قلّةً ضئيلة في قبال خصمهم، ولم يكونوا ليخوضوا تجربة الحرب بعد، ومع ذلك فقد خفَّ البعض منهم سِراعاً، بينما تثاقل البعض الآخر ظنّاً منهم بأنّ النبي لا يلقى حرباً. فكان عدد المقاتلين من المهاجرين والأنصار ثلاثمائة، أو يزيدون قليلاً.

أمّا أبو سفيان، فحين بلغه تأهّب المسلمين للقائه دبَّ الذعر في قلبه، وساوره قلق شديد على مصير القافلة، حتى إذا وصل إلى مكان يقال له: الروحاء وجد فيه رجلاً اسمه: مجدي بن عمر، فسأله عن أخبار محمد؟ فقال: ما رأيتُ أحداً أنكره، غير أنّي رأيت راكبين أناخا في هذا التل، ثم استقيا في شنٍ (1) لهما وانطلقا..

أقبل أبو سفيان نحو التل وتناول بعراتٍ من فضلات الراحلتين ففتَّهما، فإذا فيها النوى، فقال: هذه والله علائف يثرب! وأدرك أنّ الرجلين من أصحاب محمد وانّه قريب من الماء. فرجع بالعير يضرب وجهها عن الطريق متجهاً بها نحو الساحل، تاركاً بدراً الى يساره إلى أن نجا بالقافلة بعد أن كاد أن يسقط في أيدي المسلمين.

 

ضمضم يدخل مكة مستصرخاً:

وكان أبو سفيان قد انفذ ضمضم بن عمرو الغفاري الى مكة، يستصرخ قريشاً كي يهبُّوا لنجدةِ القافلة من مصير محتم، فدخل مكة وقد جدعَ أنفَ بعيره، وأدار رحله وشق قميصه وصاح بأعلى صوتيا معشر قريش، اللطيمة اللطيمة(2) أموالكم مع أبي سفيان، قد تعرَّض لها محمدٌ وأصحابه، ولا أرى أن تدركوها، وكانت عاتكة بنت عبد المطلب قد رأت ـ قبل قدوم ضمضم بثلاث ليال ـ رؤياً أفزعتها فقصتها على أخيها العباس واستكتمه خبرها .قالت: رأيت راكباً على بعير له وقف بالأبطح (3) ثم صرخ بأعلى صوته: أن أنفروا يا آل غُدْر إلى مصارعكم في ثلاث، قالت: فأرى الناس قد اجتمعوا إليه ثم دخل المسجد فمَثُلَ بعيره على الكعبة، ثم صرخ مثلها، ثم مَثُل بعيره على رأس أبي قُبَيسْ، فصرخ مثلها، ثم أخذ صخرة عظيمة وأرسلها، فلما كانت بأسفل الوادي ارفَضّتْ فما بقي بيت من مكة إلا دخله فِلقةٌ منها ! لكن العباس قصّ هذه الرؤيا على صديقه الوليد بن عتبة، وقصها الوليد على أبيه عتبة، فشاعت في أحياء قريش. وبينما العباس يطوف إذ لقيه أبو جهل، فقال له: يا ابا الفضل أقبل إلينا. قال: فلمّا فرغت من طوافي أقبلت إليه، فقال لي: متى حدثت فيكم هذه النبيّةُ؟! وذكر رؤيا عاتكة. ثم قال: أما رضيتم أن تتنبّأ رجالكم، حتى تتنبّأ نساؤكم؟! فسنتربّص بكم هذه الثلاث فإن يكن حقاً؛ وإلا كتبنا عليكم أنّكم أكذب أهلِ بيت في العرب. قال العباس: فغدوت في اليوم الثالث من رؤيا عاتكة وأنا مغضب أحب أن أدركَهُ فرأيته في المسجد فمشيت نحوه أتعرّض له ليعود فأوقِع به، فخرج نحو باب المسجد يشتد. فقلت: ما باله، قاتله الله، أكلُّ هذا فرقاً من أن اشتمه؟! وإذا هو قد سمع ما لم أسمع، صوتَ ضمضم بن عمرو وهو يصرخ ببطن الوادي. قال فشغلني عنه، وشغله عنّي (4).

 

قريش تتجهّز للخروج:

ألهب ضمضم مشاعر القرشيين بندائه، فتجهز الناس سراعاً، وأقامت قريش ثلاثاً تتجهز، وأخرجت اسلحتها، وأعان قويُّهم ضعيفهم، ولم يتخلف عن الخروج من أشرافهم أحد إلا أبا لهب، وبعث مكانه العاص بن هشام بن المغيرة. وعزم أمية بن خلف الجمحي على القعود ـ لأنه كان شيخاً ثقيلاً، فأتاه عقبة بن أبي معيط بمجمرةٍ فيها نارٌ وبخور وقال: يا ابا علي، استجمر، فإنما أنت من النساء! فقال: قبحك الله وقبح ما جئت به، وتجهز وخرج معهم(5).

ولمّا أتمّت قريش تجهيزها، خرجت بالقيان والدفوف، وكانوا تسعمائة وخمسون مقاتلاً، وقادوا معهم مائة فرس بَطَراً وتجبُّراً، وسبعمائة من الإِبل، وأبو جهل يقول: أيظن محمدٌ أن يصيبَ منّا؟ سيعلمُ أنمنعُ عِيرنَا أم لا؟

ومضت قريش في طريقها ينحرون ويطعمون الطعام لكل من وفد عليهم.

لكن يبدو أن اكثرهم كان متشائماً من تلك الرحلة بالرغم من كثرتهم عدةً وعدداً، إلا أن الكبرياء والجبروت طالما دفعا بأهلهما نحو المصير الأسود

جاء في حديث حكيم بن حزام قوله: ما توجهتُ وجهاً قط كان اكرَهَ إليَّ من مسيري إلى بدر، ولا بان لي في وجهٍ قطُ ما بان لي قبل أن اخرج، وخرجت على ذلك حتى نزلنا «مرَّ الظهران» فنحر ابن الحنظلية جزوراً منها بها حياة، فما بقي خِباءٌ من أخبية العسكر أصابه من دمها، وتشاءمت من ذلك وهممت أن أرجع .ثم قال: ولقد رأيت حين بلغنا الثنية البيضاء (6) وإذا عدّاس (7) جالس عليها والناس يمرون، إذ مر علينا ابنا ربيعة ـ عتبة وشيبة ـ فوثب إليهما وأخذ بأرجلهما وهو يقول: بأبي أنتما وأمي، والله إنه لرسول الله، وما تساقان إلا مصارعكما ـ وان عينيه لتسيل دمعاً على خديه (8).

 

أبو سفيان ينجو بالقافلة ويأمر قريشاً بالرجوع وقريش ترفض:

واتجه ابو سفيان بالعير نحو الساحل تاركاً بدراً إلى يساره حتى نجا بها، عند ذلك أرسل قيس بن أمرؤ القيس إلى القرشيين يأمرهم بالرجوع، ويقول لهم: قد نجت عيركم وأموالكم فلا تحرزوا انفسكم أهل يثرب فلا حاجة لكم فيما وراء ذلك، إنما خرجتم لتمنعوا عيركم واموالكم وقد نجاها الله.

وقال له: فإن أبوأ عليك، فلا يأبون خصلةً واحدةً. يردون القيان.

وذهب قيس إلى قريش، وأبلغهم قول ابي سفيان، فأبوا الرجوع، قالوا: وأما القيان، فسنردهن. ولحق قيس أبا سفيان بالهدة، قبل دخوله لمكة بنحو من تسعة وثلاثين ميلاً فأخبره بمضي قريش .فقال أبو سفيان: وا قوماه، هذا عمل عمرو بن هشام يكره أن يرجع لأنه قد ترأس على الناس وبغى، والبغي منقصة وشؤم، والله لئن أصاب أصحاب محمد النفير ذللنا إلى أن يدخل مكة علينا .وكان أبو جهل قد أصر على المضي في طريقه، وقال: والله لا نرجع حتى نرد بدراً ـ وكانت يومذاك موسماً من مواسم العرب في الجاهلية يجتمعون فيها وفيها سوق ـ تسمع العرب بنا وبمسيرنا فنقيم على بدر ثلاثاً، فننحر الجزر، ونطعم الطعام ونشرب الخمر، وتعزف علينا القيان فلن تزال العرب تهابنا أبداً .

 

رجوع بني زهرة الى مكة:

وكان الأخنس بن شراق حليفاً لبني زهرة، فقال لهم: يا بني زهرة، قد نجى الله عيركم، وخلّص أموالكم، ونجّى صاحبكم مخرمة بن نوفل، وإنما خرجتم لتمنعوه وماله، وانما محمد رجل منكم وابن اختكم، فإن يك نبياً فأنتم أسعد به، وان يك كاذباً يلي قتله غيركم خير من أن تلو أنتم قتل ابن اختكم، فارجعوا واجعلوا خبثها لي، فلا حاجة لكم أن تخرجوا في غير ما يهمكم، ودعوا ما يقوله أبو جهل، فإنّه مهلِكُ قومه، سريع في فسادهم. فأطاعته بنو زهرة، ولم يشهد هذه الحرب زهري البتة (9).

 

فقدان التوازن بين الفريقين:

وكان أبرز مظاهر هذه الحرب فقدان التوازن العسكري والمادي بين الفريقين، فقد كان عدد المسلمين ثلاثمائة او يزيدون قيلاً، بينما كان عدد المشركين يتراوح بين التسعمائة والألف. وقاد المشركون معهم مائة فرس وسبعمائة من الإبل. بينما قاد المسلمون معهم فرساً واحدة يقال لها: سبحة، كانت للمقداد بن عمرو، وسبعون رأساً من الإِبل يتعاقب على كل واحد منها الاثنان والثلاثة والاربعة، حتى أنّ النبي (صلى الله عليه وآله) كان هو وعلي بن أبي طالب وزيد بن حارثة يتعاقبون بعيراً واحداً. وكانت قريش تنحر الجزر وتطعم الطعام لكل من وفد عليها، بينما كان المسلمون في غاية الفقر والحاجة، إلى ما هنالك من عوامل أبرزت هذا التمايز الواضح بين الفريقين، لكن ارادة الله سبحانه كانت فوق الظنون والاحتمالات واستباق النتائج.

 

النبي في طريقه الى بدر:

قال الواقدي:

وسار رسول الله (صلى الله عليه وآله) حتى بلغ الروحاء ليلة الأربعاء للنصف من شهر رمضان فقال لأصحابه: هذا سجاسج ـ يعني وادي الروحاء ـ هذا أفضل أودية العرب، وصلّى هناك فلما فرغ من صلاته لعن الكفرة، ودعا عليهم وقال: اللهم لا تفلتني أبا جهل بن هشام فرعون هذه الأمة، اللهم لا تفلتني زمعة ابن الأسود، اللهم أسخن عين أبي زمعة، اللهم أعم بصر أبي دبيلة، اللهم لا تفلتني سهيل بن عمرو (10).

ثم دعا لقوم من قريش كانوا قد أسرّوا الإِسلام وكانوا من المستضعفين فخرجوا مع القوم مكرهين، كسلمة بن هشام، وعياش بن ربيعة.

ولمّا وصل قريباً من بدر، أخبر بمسير قريش، فأخبر أصحابه بذلك واستشارهم في الأمر ليكونوا على بصيرة من ذلك، وخشي ألا يكون للأنصار رغبة في القتال لأنهم عاهدوه على أن يدافعوا عنه في بلدهم فيمنعوه مما يمنعون منه أنفسهم. فقال عمر بن الخطاب: يا رسول الله انها قريش وغدرها، والله ما ذلت منذ عزَّت، ولا آمنت منذ كفرت، والله لا تسلم عزها أبداً، ولتقاتلنّك، فاتهب لذلك أهبته، واعد لذلك عدته (11).

 

موقف المقداد:

ومن الواضح أنّ الوضع كان غايةً في الدقة والحرج نظراً لفقدان التوازن كما أسلفنا، لذا فإنه كان يتطلب مزيداً من الثبات والإِصرار وبث الروح الجهادية بين الصفوف والتسليم المطلق بما يقوله النبي.

قام المقداد فقال: يا رسول الله، امض لأمر الله فنحن معك، والله لا نقول كما قالت بنو اسرائيل لموسى: اذهب انت وربك فقاتلا إنا ههنا قاعدون ولكن اذهب انت وربك فقاتلا انا معكم مقاتلون. والذي بعثك بالحق، لو سرت بنا إلى برك الغماد (12) لجالدنا معك من دونه حتى تبلغه، فقال له رسول الله خيراً ودعا له ثم قال رسول الله (صلى الله عليه وآله) أشيروا على أيها الناس.

فقام سعد بن معاذ، فقال: كأنك تريدنا يا رسول الله؟ فقال (صلى الله عليه وآله): نعم. قال سعد: قد آمنا بك ـ يا رسول الله ـ وصدقناك واعطيناك عهودنا فأمضى ـ يا رسول الله ـ لما أمرت، فوالذي بعثك بالحق إن استعرضت بنا هذا البحر فخضته لنخوضنّه معك، وما نكره أن تلقى العدو بنا غداً، وانا لصبرٌ عند الحرب، صدقٌ عند اللقاء، لعل الله يريك منا ما تقر به عينك، فسر بنا على بركة الله (13).

كانت هذه الكلمات من المقداد ـ المهاجري ـ وسعد ـ سيد الأوس ـ تبعث في نفوس المسلمين الأمل بالنصر على عدوهم، وتزرع في قلوبهم الصبر على مكاره الحرب، لكن يبدوا أن كلمات المقداد كان لها وقع خاص في نفس النبي صلّى الله عليه وآله فإنه حين سمعها انفرجت اسارير وجهه ابتهاجاً كما يظهر من حديث ابن مسعود حيث قال: لقد شهدت مع المقداد مشهداً لئن أكون صاحبه أحب الي مما طلعت عليه الشمس! ـ ثم ذكر كلمة المقداد ـ ثم قال: فرأيت رسول الله (صلى الله عليه وآله) يشرق وجهه بذلك وسرّه وأعجبه(14).

 

النبي (صلى الله عليه وآله) في وادي بدر:

بعد ذلك، قال رسول الله (صلى الله عليه وآله): سيروا بنا على بركة الله، فإن الله قد وعدني احدى الطائفتين، والله لكأني انظر إلى مصارع القوم.

ثم مضى في مسيره حتى نزل وادي بدر عشاء ليلة الجمعة لسبع عشرة ليلة مضت من رمضان.

فجاءه سعد بن معاذ، فقال: يا رسول الله، نبني لك عريشاً من جريد فتكون فيه ونترك عندك ركائبك ثم نلقى عدونا، فإن اعزنا الله وأظهرنا عليهم، كان ذلك مما أحببناه، وان كانت الأخرى جلست على ركائبك فلحقت بما وراءنا من قومنا، فقد تخلف عنك أقوام ما نحن بأشد حباً لك منهم، ولو ظنوا أنك تلقى حرباً ما تخلفوا عنك، يمنعك الله بهم، يناصحونك ويحاربون معك. فأثنى عليه رسول الله خيراً ودعا له (15).

 

قريش تنزل الوادي:

وأقبلت قريش بخيلائها وفخرها، فلما رآها رسول الله (صلى الله عليه وآله) قال: اللهم هذه قريش قد أقبلت بخيلائها وفخرها تحادّك وتكذّبُ رسولك، اللهمّ فنصركَ الذي وعدتني، اللهم أحنْهم الغداة (16).

 

استعداد المسلمين للحرب:

ودفع رسول الله (صلى الله عليه وآله) رايته إلى علي بن أبي طالب، وكانت تسمى «العُقاب» وأعطى لواء المهاجرين إلى مصعب بن عمير، ولواء الخزرج إلى الحباب بن المنذر ولواء الأوس الى سعد بن معاذ.

 

غرور أبي جهل:

ونظرت قريش إلى قلة المسلمين، فقال أبو جهل: ما هم إلا أكلة رأس لو بعثنا إليهم عبيدنا لأخذوهم باليد. فقال عتبة بن ربيعة: أترى لهم كمين أو مدد؟ فبعثوا عمير بن وهب الجمحي وكان فارساً شجاعاً، فجال بفرسه حول عسكر النبي (صلى الله عليه وآله) ثم رجع إليهم فقال: القوم ثلاثمائة رجل يزيدون قليلا او ينقصون قليلاً. ولكن أمهلوني حتى أنظر إذا كان لهم كمين أو مدد.

فضرب في الوادي حتى أبعد، فلم يرَ شيئاً، فرجع إليهم وقال: ما رأيت شيئاً، ولكن وجدت ـ يا معشر قريش ـ البلايا (البراذع) تحمل المنايا، نواضح يثرب تحمل الموت الناقع، قوم ليس لهم منعة ولا ملجأ إلا سيوفهم، والله ما أرى أن يقتل رجل منهم حتى يقتل رجلاً منكم، فإن أصابوا منكم أعدادهم فما خير العيش بعد ذلك الا ترون انهم خرس لا يتكلمون يتلمظون تلمظ الأفاعي ما أرى انهم يولون حتى يقتلوا بعددهم! فقال له أبو جهل: كذبتَ وجبنت. وأرسل إليهم رسول الله (صلى الله عليه وآله) أن أرجعوا من حيث أتيتم، فلئن يلي هذا الأمر مني غيركم أحب إليّ من أن تلوه أنتم. فقال عتبة: ما رد هذا قوم قط، وأفلحوا. ثم ركب جمله الأحمر، فنظر إليه رسول الله (صلى الله عليه وآله) وهو يجول بين العسكريين وينهى عن القتال، فقال: إن يكن بأحد منهم خير فعند صاحب ذلك الجمل وان يطيعوه يرشدوا. ووقف عتبة يخطب في أصحابه، فقال: يا معشر قريش أطيعوني اليوم واعصوني الدهر ‍‍! إن محمداً له إلُّ وذمه، وهو ابن عمكم فخلوه والعرب، فإن يكن صادقاً فأنتم أعلى عيناً، وان يكن كاذباً كفتكم ذؤبان العرب أمره. قال حكيم بن حزام: فانطلقت إلى أبي جهل، فوجدته قد نثل درعاً وهو يهيؤها فأعلمته ما قال عتبة. فقال: انتفخ والله سحره حين رأى محمداً وأصحابه، والله لا نرجع حتى يحكم الله بيننا وبين محمد، وما بعتبة ما قال، ولكن رأى ابنه أبا حذيفة فيهم وقد خافكم عليه. وبلغ ذلك عتبة، فقال: سيعلم المصفّر أسته من انتفخ سحره، أنا، أم هو؟ ثم التمس بيضةً يدخلها رأسه. فما وجد في الجيش بيضةً تسعه من عظم هامته، فاعتجر ببرد له (17).

 

بدء القتال:

وكان عتبة قد قال إنه يتحمل دم حليفه عمرو بن الحضرمي الذي قتله المسلمون في مكان يقال له نخلة، وذلك في غزوة العشيرة، فبلغ ذلك أبا جهل، فخاف أن ينجح عتبة في خطته ويرجع الناس بدون قتال، فجاء إلى عامر بن الحضرمي أخي عمرو وقال له: هذا حليفك يريد أن يرجع بالناس، وقد رأيت ثأرك بعينك، فقم فانشد خفرتك ومقتل أخيك.

فقام عامر فاكتشف، ثم صرخ، وا عمراه.. وا عمراه.. فحميت الحرب، وحقب أمر الناس واستوسقوا على ما هم عليه من الشر.

وخرج الأسود بن عبد الأسد المخزومي ـ وكان سيىء الخلق ـ فقال: أعاهد الله لأشربن من حوضهم ولأهدمنّه أو لأموتنّ دونه.

فخرج إليه حمزة بن عبد المطلب، فضربه فأطن قدمه بنصف ساقه فوقع على الأرض ثم حبا إلى الحوض، فاقتحم فيه ليبر يمينه، وتبعه حمزة فضربه حتى قتله في الحوض.

 

مقتل عتبة وشيبة والوليد:

ثم خرج عتبة وشيبة ابنا ربيعة، والوليد بن عتبة ودعوا إلى المبارزة.

فخرج إليهم عوف ومعوذ ابنا عفراء، وعبد الله بن رواحة وهم من الأنصار. فقالوا: من أنتم؟ قالوا: من الأنصار. فقالوا: أكفاءٌ كرام وما لنا بكم؟ من حاجة، ليخرج إلينا أكفاؤنا من قومنا. فقال النبي (صلى الله عليه وآله) قم يا حمزة، قم يا عبيدة بن الحارث، قم يا علي فقاموا، ودنا بعضهم من بعض، وانتسبوا لهم ، فقال عتبة: أكفاءٌ كرام.

 فبارز عبيدة بن الحارث بن المطلب عتبةً.

وبارز حمزة شيبة.

وبارز علي (عليه السلام) الوليد (18).

أمّا حمزة فلم يمهل شيبه حتى قضى عليه في الضربة الأولى.

وكذلك فعل علي بن أبي طالب، فإنه لم يمهل الوليد حتى قتله.

وأما عبيدة وعتبة، فكل منهما قد ضرب صاحبه وأصابه بجروح لا يرجى منها الشفاء. فكرَّ الحمزة حينئذٍ على عتبة يبارزه، فصاح المسلمون: يا علي، أما ترى الكلب قد بهر عمك؟ ـ وكان الحمزة وعتبة قد اعتنقا بعد أن تكسر سيفهما، والحمزة أطول من عتبة ـ فقال له على عليه السلام: يا عم طأطأ رأسك، فادخل الحمزة رأسه في صدر عتبة، فضرب على عليه السلام عتبة، فقدَّه نصفين (19) ثم حملا عبيدة بن الحارث، وكانت قد قطعت ساقه، فألقياه بين يدي رسول الله صلّى الله عليه وآله فاستعبر عبيدة وقال ألستُ يا رسول الله شهيداً؟ قال صلّى الله عليه وآله: بلى.

قال: لو كان أبو طالب حياً لعلم أنّي أحق بما قال:

كذبتم وبيت الله نخلي محمداً 

ولما نطاعن دونه ونناضلِ

وننصره حتى نُصرّعَ حوله  

ونذهَل عن أبنائنا والحلائِل

ثم مات رضي الله عنه، وتزاحف القوم ودنا بعضهم من بعض، وكان شعار النبي في هذه الغزوة: يا منصور أمت (20).

وكان من دعاء النبي (صلى الله عليه وآله) في ذلك اليوم قوله: "اللهم إن تهلك هذه العصابة من أهل الإِسلام لا تعبد في الأرض، اللهم انجز لي ما وعدتني".

وبرز بعد ذلك حنظلة بن أبي سفيان إلى علي (عليه السلام) فلمّا دنا منه، ضربه علي بالسيف فسالت عيناه ولزم الأرض (21).

وبرز بعد ذلك العاص بن سعيد بن العاص (22) فبرز إليه على (عليه السلام) فقتله. قال الواقدي وابن اسحاق: وأخذ رسول الله صلّى الله عليه وآله كفاً من البطحاء فرماهم بها، وقال: "شاهت الوجوه، اللهم أرعب قلوبهم، وزلزل أقدامهم"، فانهزم المشركون لا يلوون على شيء، والمسلمون يتبعونهم يقتلون ويأسرون (23).

وكان بلال بن رباح الحبشي يعجن عجيناً، فبصر بأمية بن خلف (24) فترك العجين وصاح بأعلى صوته: يا أنصار الله هذا أمية بن خلف رأس الكفر، لا نجوت إن نجا. فأحاطوا به حتى جعلوه في مثل المسكة (25) وقتلوه مع ولده علي بن أمية.

وكان المقداد قد أسر النضر بن الحارث، فلما خرج النبي (صلى الله عليه وآله) من بدر وكان بالأثيل (26) عرض عليه الأسرى، فنظر إلى النضر بن الحارث فأبدَّه البصر، فقال لرجل إلى جنبه: محمد والله قاتلي! لقد نظر إلي بعينين فيهما الموت! فقال الذي إلى جنبه: والله ما هذا منك إلا رعب! فقال النضر لمصعب بن عمير: يا مصعب، أنت أقرب من ههنا بي رحماً. كلّم صاحبك أن يجعلني كرحل من أصحابي، هو والله قاتلي إن لم تفعل. قال مصعب: إنّك كنت تقول في كتاب الله كذا وكذا، وتقول في نبيّه كذا وكذا. قال: يا مصعب؛ فليجعلني كأحد أصحابي إن قتلوا قتلت، وان منَّ عليهم منَّ علي.

قال مصعب: إنك كنت تعذب أصحابه. قال: أما والله لو اسرتك قريش ما قتلتَ أبداً وأنا حي. قال مصعب: والله أنى لأراك صادقاً، ولكن لست مثلك، قطع الإِسلام العهود. وأمر النبي صلّى الله عليه وآله علياً أن يضرب عنقه (27).

كان المقداد يستمع ـ في هذا الحال ـ إلى الحوار الذي جرى بين النضر بن الحارث ومصعب بن عمير وكأنّه ينتظر فرصةً تسمح للصفح والعفو عنه عسى أن يجعل الله في ذلك خيراً، فلما أمر النبي (صلى الله عليه وآله) علياً بضرب عنقه، صاح المقداد بأعلى صوته: يا رسول الله، أسيري؟! (28).

فقال رسول الله (صلّى الله عليه وآله): "اللهم اغنِ المقداد من فضلك".

 ثم ضرب علي عنقه (29).

وبدأ تقسيم الغنائم، فكان لكل مسلم سهم ما عدا المقداد، فكان له سهمان سهم له، وسهم لفرسه «سبحة» (30) وكان يتفاخر بذلك ويقول: ضرب لي رسول الله (صلى الله عليه وآله) يومئذٍ بسهم، ولفرسي بسهم! وقائل يقول: ضرب رسول الله يومئذٍ للفرس بسهمين، ولصاحبه بسهم (31).

 

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

(1) الشن: القربة الصغيرة.

(2) اللطيمة: التجارة. وقيل: العطر خاصة.

(3) كل مسيلٍ فيه دقاق الحصى والمراد به هنا: المحصَّب وهو مكان قريب من منى تارةً يضاف إلى مكة واخرى إلى منى لقربه منهما.

(4) الكامل 2 / 117 والسيرة النبوية 2 / 182 ـ 183 والطبري 2 / 270 ـ 271 بعبارات مختلفة.

(5) لكامل 2 / 118 ـ 119.

(6) عقبة قرب مكة تهبطك الى فخ وانت مقبل من المدينة تريد مكة؛ أسفل مكة من قبل ذي طوى.

(7) عداس: رجل نصراني كان يعمل عند عتبة وشيبة في بستان لهما في الطائف، وله مع النبي (صلى الله عليه وآله) حوارٌ حين ذهب (صلى الله عليه وآله)؛ الى الطائف.

(8) شرح النهج 14 / 99.

(9) المصدر السابق 14 ـ 106 ـ الى 109.

(10) المصدر السابق 110.

(11) سيرة المصطفى 339.

(12) بِرْكُ الغِمَاد: موضع وراء مكة بخمس ليال مما يلي البحر، وقيل: بلد باليمن.

(13) الكامل 2 / 120.

(14) الاستيعاب 3 ـ 474.

(15) الكامل: 2 ـ 122.

(16) الكامل: 123.

(17) الطبري 2 ـ 279 والكامل 2 ـ 124.

(18) الكامل 2 / 124 / 125.

(19) سيرة المصطفى 347.

(20) شرح النهج 14 / 130 / 133.

(21) والى ذلك يشير امير المؤمنين بقوله: ـ مخاطباً معاوية ـ «وعندي السيف الذي اعضضت به أخاك وخالك وجدك يوم بدر» (شرح النهج 14 ـ 131).

(22) وقد وصف عمر بن الخطاب العاصَ لولده سعيد بقوله: «مررت به يوم بدر فرأيته يبحث للقتال كما يبحث الثور بقرنه فهبته وزغت عنه، فقال: إليّ يا بن الخطاب! فصمد له على وتناوله، فوالله ما رمت مكاني حتى قتله». سيرة المصطفى ـ 347 وفي شرح النهج، قول عمر لسعيد: ما لي أراك معرضاً كأني قتلت أباك! إني لم أقتله ولكن قتله أبو حسن، ـ وكان على عليه السلام حاضراً ـ فقال: اللهم غَفراً! ذهب الشرك بما فيه، ومحا الإِسلام ما قبله، فلماذا تَهاجَ القلوب؟! فسكت عمر. وقال سعيد: لقد قتله كُفءٌ كريم، وهو أحب الي من أن يقتله من ليس من بني عبد مناف ـ 14 ـ 144 ـ 145.

(23) شرح النهج 14 ـ 146.

(24) كان أمية بن خلف من جبابرة قريش وعتاتهم، وكان يعذب بلالاً في مكة، يخرج به إلى الرمضاء إذا حميت فيضجعه على ظهره، ثم يأمر بالصخرة العظيمة فيضعها على ظهره، ثم يقول له: لا تزال هكذا، أو تفارق دين محمد. فيقول بلال: أحد.. أحد.. كما في شرح النهج 14 ـ 138.

(25) المسكة: السوار.

(26) الأُثَيْل: تصغير الأَثْل، موضع قرب المدينة.

(27) شرح النهج 14 ـ 171.

(28) يستفادُ هذا المعنى من موقف آخر للمقداد، كما تقدم في سرية «نخلة».

(29) المصدر السابق.

(30) سبحة: أول فرس لأول فارس في الإِسلام، «فعن القاسم بن عبد الرحمن قال: أول من عدا به فرسه في سبيل الله، المقداد بن الأسود. وعن علي (ع) ما كان فينا فارس يوم بدر غير المقداد بن عمرو ـ الطبقات الكبرى 3 ـ 162 وكانت في فترة ما من التاريخ حديث المجالس في المدينة وفي مكة وفي جوارهما، وكان المقداد يتفاخر بذكرها وتعداد مآثرها ومن ذلك قوله: «شهدت بدراً على فرسٍ لي يقال لها: سبحة» الإِصابة 3 ـ 454 ـ 455 وكان يقول: «شهدت بدر الموعد على فرسي سبحة اركب ظهرها ذاهباً وراجعاً، فلم يلق كيداً» المغازي 387.

ويُحكَى: أن عبيد بن ياسر كان «قد أهدى للنبي فرسا ًعتيقاً يقال له: مراوح وقال: يا رسول الله: سابق، ـ أي هذا سابق غيره ـ فأجرى رسول الله الخيل بتبوك، فسبق الفرس، فأخذه رسول الله (صلى الله عليه وآله) منه، فسأله المقداد بن عمرو الفرس. فقال رسول الله: أين سبحة؟! فقال: يا رسول الله، عندي، وقد كبرت. وأنا أظِنُّ بها للمواطن التي شهدتُ عليها، وقد خلفتها لبعد هذا السفر وشدة الحر عليها، فأردت أن أحمل هذا الفرس المعرق عليها فتأتي بمهر! فقال النبي (صلى الله عليه وآله): فذاك، إذن. فقبضه المقداد، فخبر منه صِدقاً ثم حمله على سبحة، فنتجت له مهراً كان سابقاً، يقال له: الذيّال. سبق في عهد عمر وعثمان، فابتاعه منه عثمان بثلاثين ألفا. المغازي 1033.

(31) المغازي 102 ـ 103.

النضر بن الحارث بن علقمة بن كلدة.. كان أشد قريش في تكذيب النبي (صلى الله عليه وآله) والأذى له ولأصحابه. وكان ينظر في كتب الفرس ويخالط اليهود والنصارى وسمع بذكر النبي وقرب مبعثه فقال: إن جاءنا نذير لنكونَنَّ أهدى من احدى الأُمم فنزلت الآية: (وَأَقْسَمُوا بِاللَّهِ جَهْدَ أَيْمَانِهِمْ . . .) 6 ـ 109 وكان يقول: إنما يأتيكم محمد بأساطير الأولين. فنزل فيه عدة آيات.

وأتى النضر وعقبة بعض أهل الكتاب فقالوا: اعطونا شيئاً نسأل عنه محمداً فقالوا: سلوه عن فتيةٍ هلكوا قديماً، وعن رجل طاف حتى بلغ المشرق والمغرب، فسألوه عن أهل الكهف وذي القرنين، فانزل الله عز وجل في أمرهم ما أنزل. وقال النضر وأمية بن خلف وأبو جهل للنبي (صلى الله عليه وآله): ان كان قرآنك من عند الله فأحيي لنا آبائنا، وأوسع لنا بلدنا بأن تسير هذا الجبال عنا فقد ضيَّقت مكة علينا، أو أجعل لنا الصفا ذهباً نستغني عن الرحلة «رحلة الشتاء والصيف» فإن فعلت ذلك، آمنا بك: وكان النضر خطيب القوم، فانزل الله سبحانه: وَلَوْ أَنَّ قُرْآنًا سُيِّرَتْ بِهِ الْجِبَالُ أَوْ قُطِّعَتْ بِهِ الْأَرْضُ أَوْ كُلِّمَ بِهِ الْمَوْتَى الى قول تعالى: {فَكَيْفَ كَانَ عِقَابِ} (الرعد 13 ـ 31). وأخذ النضر عظماً نخراً فسحقه ونفخه، وقال: من يحي هذا يا محمد؟

فنزلت فيه الآية: {وَضَرَبَ لَنَا مَثَلًا وَنَسِيَ خَلْقَهُ قَالَ مَن يُحْيِي الْعِظَامَ وَهِيَ رَمِيمٌ} أنساب الأشراف 1 / 142 ـ 143. اسر في بدر أسره المقداد بن عمرو، وقتل صبراً بالأثيل فقالت أخته:

يا راكباً إن الأُثَيْلَ مَظِنةٌ       

من صبح خامسةٍ وانت موفق

بلّغ به ميْتاً فإن تحيةً    

ما إن تزال بها الركائب تخفق

مني إليه وعبرةً مسفوحةً     

جادت لما تحها واخرى تخنق

فليسمعن النضر إن نادُيته    

إن كان يسمع ميت أو ينطق

ظلت سيوف بني أبيه تنوشه 

لله أرحام هناك تمزق

صبراً يقاد الى المدينة راغماً

رسف المقيد وهو عانٍ موثَقُ

أمحمدٌ ولأنت نجل نجيبةٍ     

في قومها والفحل فحلٌ معرق

ما كان ضرك لو مننت وربما      

منَّ الفتى وهو المغيظُ المحنَقُ

والنضر أقرب من قتلتَ وسيلةً     

واحقهم إن كان عتق يعتق

قال الواقدي: وروي أنّ النبي (صلى الله عليه وآله) لما وصل إليه شعرها رقَّ له، وقال: لو كنت سمعتُ شعرها قبل أن أقتله لما قتلته. شرح النهج 14 ـ 171 ـ 172.

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 




علم من علوم الحديث يختص بنص الحديث أو الرواية ، ويقابله علم الرجال و يبحث فيه عن سند الحديث ومتنه ، وكيفية تحمله ، وآداب نقله ومن البحوث الأساسية التي يعالجها علم الدراية : مسائل الجرح والتعديل ، والقدح والمدح ؛ إذ يتناول هذا الباب تعريف ألفاظ التعديل وألفاظ القدح ، ويطرح بحوثاً فنيّة مهمّة في بيان تعارض الجارح والمعدِّل ، ومن المباحث الأُخرى التي يهتمّ بها هذا العلم : البحث حول أنحاء تحمّل الحديث وبيان طرقه السبعة التي هي : السماع ، والقراءة ، والإجازة ، والمناولة ، والكتابة ، والإعلام ، والوجادة . كما يبحث علم الدراية أيضاً في آداب كتابة الحديث وآداب نقله .، هذه عمدة المباحث التي تطرح غالباً في كتب الدراية ، لكن لا يخفى أنّ كلاّ من هذه الكتب يتضمّن - بحسب إيجازه وتفصيله - تنبيهات وفوائد أُخرى ؛ كالبحث حول الجوامع الحديثية عند المسلمين ، وما شابه ذلك، ونظراً إلى أهمّية علم الدراية ودوره في تمحيص الحديث والتمييز بين مقبوله ومردوده ، وتوقّف علم الفقه والاجتهاد عليه ، اضطلع الكثير من علماء الشيعة بمهمّة تدوين كتب ورسائل عديدة حول هذا العلم ، وخلّفوا وراءهم نتاجات قيّمة في هذا المضمار .





مصطلح حديثي يطلق على احد أقسام الحديث (الذي يرويه جماعة كثيرة يستحيل عادة اتفاقهم على الكذب) ، ينقسم الخبر المتواتر إلى قسمين : لفظي ومعنوي:
1 - المتواتر اللفظي : هو الذي يرويه جميع الرواة ، وفي كل طبقاتهم بنفس صيغته اللفظية الصادرة من قائله ، ومثاله : الحديث الشريف عن النبي ( ص ) : ( من كذب علي متعمدا فليتبوأ مقعده من النار ) .
قال الشهيد الثاني في ( الدراية 15 ) : ( نعم ، حديث ( من كذب علي متعمدا فليتبوأ مقعده من النار ) يمكن ادعاء تواتره ، فقد نقله الجم الغفير ، قيل : أربعون ، وقيل : نيف وستون صحابيا ، ولم يزل العدد في ازدياد ) .



الاختلاط في اللغة : ضمّ الشيء إلى الشيء ، وقد يمكن التمييز بعد ذلك كما في الحيوانات أو لا يمكن كما في بعض المائعات فيكون مزجا ، وخالط القوم مخالطة : أي داخلهم و يراد به كمصطلح حديثي : التساهل في رواية الحديث ، فلا يحفظ الراوي الحديث مضبوطا ، ولا ينقله مثلما سمعه ، كما أنه ( لا يبالي عمن يروي ، وممن يأخذ ، ويجمع بين الغث والسمين والعاطل والثمين ويعتبر هذا الاصطلاح من الفاظ التضعيف والتجريح فاذا ورد كلام من اهل الرجال بحق شخص واطلقوا عليه مختلط او يختلط اثناء تقييمه فانه يراد به ضعف الراوي وجرحه وعدم الاعتماد على ما ينقله من روايات اذ وقع في اسناد الروايات، قال المازندراني: (وأما قولهم : مختلط ، ومخلط ، فقال بعض أجلاء العصر : إنّه أيضا ظاهر في القدح لظهوره في فساد العقيدة ، وفيه نظر بل الظاهر أنّ المراد بأمثال هذين اللفظين من لا يبالي عمّن يروي وممن يأخذ ، يجمع بين الغثّ والسمين ، والعاطل والثمين)