أقرأ أيضاً
التاريخ: 1-12-2016
1293
التاريخ: 2023-07-28
983
التاريخ: 2023-08-03
1247
التاريخ: 2023-08-22
1034
|
كان النصارى والمجوس في الفتح وبعده كلما رأوا تساهل العرب ومحاسنتهم زادوا ثقة بهم، وإقبالًا على دعوتهم، ورجوا لأيامهم طول البقاء. رأوهم بعد استقرار حكومتهم لا يعارضونهم في إقامة شعائر دينهم (1)، وأن سلطانهم عليهم ناعم الملمس كثير المحاسنة؛ يوفون بعهودهم فلا يجورون، ولا يخونون ولا يغدرون رأوا أبا عبيدة بن الجراح وهو أمير على الشام يقول: أيها الناس إني امرؤ من قريش وما منكم أحد من أحمر ولا أسود يفضلني بتقوى إلا وددت أني في مسلاخه (2)، رأوهم يحافظون على النصارى واليهود، ويرعون لهم عهدهم، ويحافظون على بيعهم وكنائسهم فلئن (3) أمر يزيد بن عبد الملك في سنة 104هـ بكسر الأصنام كلها ومحو التماثيل في مصر، فقد أذن موسى بن عيسى العباسي والي مصر من قبل الرشيد في بنيان الكنائس التي هدمها علي بن سليمان، فبنيت كلها بمشورة الليث بن سعد وعبد الله بن لهيعة من أحبار الأمة، وقالا: هو من عمارة البلاد، واحتجا أن عامة الكنائس التي بمصر لم تبنّ إلا في الإسلام، في زمن الصحابة والتابعين. وما كان ملوك المسلمين في القرون التالية يحاذرون إلا أن تنبعث من الديرة والكنائس في بلادهم أمور تفسد عليهم سياستهم؛ ولذلك كانوا يراقبونها في الجملة، ولشدة اعتمادهم على البطاركة كانوا يكلون إليهم أمور طوائفهم، ويسألونهم عن كل ما يأتيه جماعتهم مما يخل بأمن البلاد، وكان لرئيس اليهود التحدث في كنائس اليهود المستمرة في أيديهم من حين عقد الذمة، وكان على بطريرك النصارى الملكانية النظر في الكنائس والبيع، وعليه أن يتفقدها في كل وقت ويرفع ما فيها من الشبهات، ويحذر رهبان الديارات من جعلها مصيدة للمال، وأن يتجنبوا فيها الخلوة بالنساء، ولا يؤوي إليها أحدًا من الغرباء القادمين عليهم يكون فيه ريبة، ولا يكتم ما اطلع عليه من ذلك عن المسامع السلطانية، ولا يخفي كتابًا يرد عليه من أحد الملوك، أو يكتب له جوابًا، ويتجنب البحر وما يرد منه من مظان الريب، وكان يشترط على بطريرك اليعاقبة أن يتوقى ما يأتيه سرا من تلقاء الحبشة وأمور الديرة والكنائس مردودة إلى البطريرك ينيب عنه فيها من يأتمنه السلطان لا غيره، إذا وقع ما يخالف فيها، ومنح ملوك العرب للكنيسة الرومانية حريتها في مفاوضة الأساقفة في البلاد الإسلامية، وهم في أعظم أيام قدرتهم، أن هذه الكنيسة كانت ترعى الدولة المنقطعة أكثر من رعايتها الدولة الخالفة، مع واستحكم الوئام بين المسلمين والنصارى حين آثر هؤلاء أن يتحاكموا في اختلافاتهم الطائفية في المحاكم الإسلامية، وقد لام البابا غريغوريوس السابع أهل ملته على تقاضيهم أسقفهم في محكمة المسلمين. وكان العرب لأول أمرهم في الأندلس إذا شجر خلاف بين مسلم ونصراني من الجند يُعطى الحق غالبًا للنصراني (4) ، فنشأت وحدة وطنية بين الغالب والمغلوب، وكان عبد الرحمن الثاني عزم أن يجمع مجمعًا مقدسًا من النصارى برئاسة رئيس أساقفة إشبيلية لقمع عادية التعصب الإسباني؛ لأن دعاة الدين من أهل النصرانية أخذوا يتناولون الإسلام بالإهانة علنا حتى يقتلوا في سبيل دعوتهم، وتُكتب لهم الشهادة بزعمهم. بهذه المسالمة العظيمة (5) البادية في أعمال الغالب مع المغلوب دخل المجوس أفواجًا في الإسلام، وضعفت النصرانية جدًّا ثم زالت من شمالي، إفريقية، ولم يكن للإسلام دعاة يدعون إليه وينشرون أحكامه على ما هو الحال في النصرانية، ولو قام أناس بهذا العمل لانحل الإشكال في معرفة السبب في تقدمه الغريب، فقد رأينا شارلمان يستصحب أبدًا ، في حروبه ركبًا من القسيسين والرهبان يباشرون فتح القلوب، بعد أن يكون هو بدأ بفتح المدائن والأقاليم بجيوش يصلي بها الأمم حربًا عوانًا، وتجعل الولدان شيبا، بيد أننا لا نعلم للإسلام مجمعًا دينيًّا ولا رسلا ولا أحبارًا يسيرون وراء الجيوش، ولا رهبنة بعد الفتح، فلم يُكره أحدًا عليه بالسيف ولا باللسان، بل دخل القلوب عن رضا واختيار، وهذه نتيجة لازمة لتأثيرات القرآن وأخذه بالألباب، وإذا حدث أن دان دين الإسلام قوم مشوا وراء منافعهم، فهم قلائل إلى جانب من أسلموا عن عقيدة صادقة وميل صحيح، قاله دي كاستري: نعم، كان الملوك (6) من غير المسلمين إذا فتحوا مملكة أتبعوا جيشها الظافر بجيش من الدعاة إلى دينها يلجون على الناس بيوتهم، ويغشون مجالسهم ليحملوهم على دين الظافر، وبرهانهم الغلبة وحجتهم القوة، ولم يقع ذلك لفاتح من المسلمين ولم يُعهد في تاريخ فتوح الإسلام أن كان له دعاة معروفون لهم وظيفة ممتازة، يأخذون على أنفسهم العمل في نشره، ويقفون مسعاهم على بث عقائده بين غير المسلمين، بل كان المسلمون يكتفون بمخالطة من عداهم، ومحاسنتهم في المعاملة، وشهد العالم بأسره أن الإسلام كان يعد مجاملة المغلوبين فضلا وإحسانًا، عندما كان يعدها الأوروبيون ضعةً وضعفًا. رفع الإسلام ما ثقل من الإتاوات، ورد الأموال المسلوبة إلى أربابها، وانتزع الحقوق من مغتصبيها، ووضع المساواة في الحق عند التقاضي بين المسلم وغير المسلم. بلغ أمر المسلمين فيما بعد أن لا يُقبل إسلام من داخل فيه إلا بين يدي قاض شرعي بإقرار من المسلم الجديد أنه أسلم بلا إكراه ولا رغبةً في دنيا. عرف خلفاء المسلمين وملوكهم في كل زمان ما لبعض أهل الكتاب بل وغيرهم من المهارة في كثير من الأعمال، فاستخدموهم وصعدوا بهم إلى أعلى المناصب، حتى كان منهم من تولى قيادة الجيش في إسبانيا، اشتهرت حرية الأديان حتى هجر اليهود أوروبا فرارًا منها بدينهم إلى بلاد الأندلس وغيرها. هذا ما كان من أمر المسلمين في معاملتهم لمن أظلوهم بسيوفهم، لم يفعلوا شيئًا سوى أنهم حملوا إلى أولئك الأقوام كتاب الله وشريعته، وألقوا ذلك بين أيديهم وتركوا الخيار لهم في القبول وعدمه، ولم يقوموا بينهم (7) بدعوة، ولم يستعملوا لإكراههم عليه شيئًا من القوة، وما كان من الجزية لم يكن مما يثقل أداؤه على من ضُربت عليه، فما الذي أقبل بأهل الأديان المختلفة على الإسلام وأقنعهم أنه الحق دون ما كان لديهم حتى دخلوا فيه أفواجًا، وبذلوا في خدمته ما لم يبذل له العرب أنفسهم. ا.هـ.
..........................................
1- الإسلام خواطر وسوانح لهنري دي كاستري، تعريب فتحي زغلول.
2- المسلاخ الإهاب أي الجلد.
3- تاريخ الولاة والقضاة للكندي.
4- غرائب الغرب للمؤلف.
5- الإسلام خواطر وسوانح لهنري دي كاستري.
6- رسالة التوحيد لمحمد عبده.
7- أجمع الباحثون على أن الإسلام دخل ولا يزال يدخل إلى أصقاع من إفريقية وآسيا بواسطة التجار، كأن هواء هاتين القارتين مستعد لقبول هذا الدين أكثر من كل دين سواه تقوم بالدعوة إليه جمعيات تبشير منظمة غنية تحميها دول كبرى؛ فقد ذكروا أن دعاة الكثلكة في إفريقية فقط بلغوا مئات ينقسمون إلى خمسين جنسية بحسب عناصرهم؛ وفيهم 133 ألمانيا و 10 أمريكان و 99 إنجليزيا و 12 نمساويًّا و 385 بلجيكيا و 50 كناديا و 83 إسبانيا و 940 إفرنسيا و 209 هولنديين و 215 إيطاليا و 437 برتقاليًّا، هذا عدا دعاة التبشير بالبروتستانتية من المرسلين، (مجلة لاروس الشهرية سنة 1933 Larousse mensuel
«illustre 1933
|
|
مخاطر خفية لمكون شائع في مشروبات الطاقة والمكملات الغذائية
|
|
|
|
|
"آبل" تشغّل نظامها الجديد للذكاء الاصطناعي على أجهزتها
|
|
|
|
|
المجمع العلميّ يُواصل عقد جلسات تعليميّة في فنون الإقراء لطلبة العلوم الدينيّة في النجف الأشرف
|
|
|