أقرأ أيضاً
التاريخ: 23-11-2014
5133
التاريخ: 2024-12-22
300
التاريخ: 2023-03-17
1350
التاريخ: 19-6-2022
1658
|
قال تعالى : {هُوَ الَّذِي خَلَقَ لَكُمْ مَا فِي الْأَرْضِ جَمِيعًا ثُمَّ اسْتَوَى إِلَى السَّمَاءِ فَسَوَّاهُنَّ سَبْعَ سَمَاوَاتٍ وَهُوَ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيمٌ} [البقرة: 29].
الإنسان وتسخير المخلوقات
تشبه الآية محط البحث الكثير من الآيات التي تتعلق بتسخير المخلوقات للإنسان. الرسالة التي توجهها هذه الآية والآيتان 21 و2 من السورة نفسها هي أن الإنسان أفضل من جميع المخلوقات في النظام الكوني؛ وذلك لأن جميع المخلوقات قد خلقت من أجل انتفاع الإنسان مادياً ومعنوياً. وهناك طائفتان من آيات التسخير: تدل الأولى - التي من جملتها الآية مدار البحث - على التسخير العام، وتشير الثانية إلى التسخير الخاص.
يقول القرآن الكريم بخصوص التسخير العام. {قُلْ أَئِنَّكُمْ لَتَكْفُرُونَ بِالَّذِي خَلَقَ الْأَرْضَ فِي يَوْمَيْنِ وَتَجْعَلُونَ لَهُ أَنْدَادًا ذَلِكَ رَبُّ الْعَالَمِينَ (9) وَجَعَلَ فِيهَا رَوَاسِيَ مِنْ فَوْقِهَا وَبَارَكَ فِيهَا وَقَدَّرَ فِيهَا أَقْوَاتَهَا فِي أَرْبَعَةِ أَيَّامٍ سَوَاءً لِلسَّائِلِينَ} [فصلت: 9، 10] ؛ وقد قصد بالرواسي الجبال التي جعلها كالأوتاد، للمحافظة على الأرض وأودع في باطنها أقوات العباد منظماً إياها في أربعة فصول. كما ويقول في آية اخرى: {وَسَخَّرَ لَكُمُ الْفُلْكَ لِتَجْرِيَ فِي الْبَحْرِ بِأَمْرِهِ وَسَخَّرَ لَكُمُ الْأَنْهَارَ (32) وَسَخَّرَ لَكُمُ الشَّمْسَ وَالْقَمَرَ دَائِبَيْنِ وَسَخَّرَ لَكُمُ اللَّيْلَ وَالنَّهَارَ} [إبراهيم: 32، 33]. هذا في حين أن زمام جميع الأمور هو بيد الله؛ كما في قوله جل وعلا: {فَقَالَ لَهَا وَلِلْأَرْضِ ائْتِيَا طَوْعًا أَوْ كَرْهًا قَالَتَا أَتَيْنَا طَائِعِينَ} [فصلت: 11].
تنويه: على الرغم من أن رسالة الآيات الدالة على أن نظام الكون قد خلق من أجل الإنسان تختلف عن تلك التي للآيات الدالة على أن نظام العالم مسخر لكم، إلآ أن الطائفة الاولى من الآيات - وبعد الالتفات إلى بعض المبادئ المطوية والمخفية - تدل على التسخير أيضاً؛ وذلك لأن معنى خلق تلك الأشياء من أجل الإنسان لا يخرج عن كونها مخلوقة بنية أن ينتفع الإنسان منها، ولا يتيسر الانتفاع من النظام الكوني ما لم يكن مسخراً للبشر. بالطبع إن المسخر، كما قد مر، هو الله عز وجل، وليس غيره. بعض المفسرين الكبار، من أمثال أبي جعفر الطبري، قد أشربوا التسخير في تفسير الآية قائلين: «فخلق لكم ما في الأرض جميعاً وسخره لكم» (1).
كما ويبين القران الكريم احيانا بعض المنافع الجزئية لهذه المسخرات؛ مثل: {فَإِذَا هُوَ خَصِيمٌ مُبِينٌ (4) وَالْأَنْعَامَ خَلَقَهَا لَكُمْ فِيهَا دِفْءٌ وَمَنَافِعُ وَمِنْهَا تَأْكُلُونَ (5) وَلَكُمْ فِيهَا جَمَالٌ حِينَ تُرِيحُونَ وَحِينَ تَسْرَحُونَ (6) وَتَحْمِلُ أَثْقَالَكُمْ إِلَى بَلَدٍ لَمْ تَكُونُوا بَالِغِيهِ إِلَّا بِشِقِّ الْأَنْفُسِ إِنَّ رَبَّكُمْ لَرَءُوفٌ رَحِيمٌ } [النحل: 5 - 7]. على أساس هذه الآيات التي تدل على التسخير العام، فإن بمقدور الإنسان الإمساك بزمام امور العالم.
اما التسخير الخاص (المعجزة) فإن القران الكريم يعده من مختصات الأنبياء والأولياء؛ كما هو الحال في قصة موسى الكليم عليه السلام وقارون عندما ابتلعت الأرض المسخرة قارون وداره: {فَخَسَفْنَا بِهِ وَبِدَارِهِ الْأَرْضَ} [القصص: 81] ، وهذا - في الحقيقة - يشير إلى «شق الأرض»، وفي قصة النبي صالح (عليه السلام) كذلك فقد أضحى الجبل محط تسخير خاص، فانشق وأخرج صالح (عليه السلام) منه - بإذن الله - الناقة المعروفة، حيث يعد هذا - في الحقيقة - من قبيل (شق الجبل)، وعلى غرار ذلك انفلاق البحر في قصة موسى مع فرعون: (أن اضرب: بعصاك البحر) الذي هو (شق البحر)، ويشابهه انفلاق الحجر من أجل حصول الأسباط على الماء، وهو
«شق الحجر»: {فَقُلْنَا اضْرِبْ بِعَصَاكَ الْحَجَرَ} [البقرة: 60] ، وانشقاق القمر للنبي الأكرم (صلى الله عليه واله وسلم)(وانشق القمر)4 وهذا هو (شق القمر)، ويماثله تسخير الجبال والطيور للتسبيح مع داود (عليه السلام) : «وسخرنا مع داود الجبال يسبخن والطير وكنا فاعلين)5، وتسخير الريح لسليمان (عليه السلام) ؛ {فَسَخَّرْنَا لَهُ الرِّيحَ تَجْرِي بِأَمْرِهِ رُخَاءً حَيْثُ أَصَابَ} [ص: 36].
كل هذه الأمثلة تظهر موارد التسخير التكويني الخاص، وهي جزء من نظام خلقة العالم. فمثلما أن أصل النبوة والرسالة جزء من نظام الخلقة، وأن البشر ليسوا من غير دليل ومرشد، فإن الإعجاز، الذي هو من لوازم الوحي والنبوة، هو أيضاً جزء لا يتجزاً من نظام الخليقة، وإن معنى الإعجاز هو خرق عادة هذا النظام، وليس خرقاً للأمر العقلي، كقانون العلية والمعلولية.
إن تسخير عالم الخليقة للإنسان، سواء بالتسخير المباشر من قبل الله أو بإعطاء أزمته بيد الإنسان، يختلف عن التفويض والقسر والقهر. فليس المراد من التسخير أن باستطاعة الإنسان التسلط على نظام الخلقة قهراً وتغيير الأصول المسيطرة عليه، بل المراد منه أن بمقدور الإنسان أن يجعل من السماوات والأرض - ضمن نطاق النظام الموجود - وسيلة للوصول إلى هدفه الصحيح، وأن يسخرها لخدمته. فالنظام الذي يكون الله ناظمه ليس للفوضى سبيل إليه، وقد وضع هذا النظام، مع المحافظة على هذه الشروط، تحت تصرف الإنسان في طول الإرادة الإلهية، لا في عرض صلاحيات الله عز وجل.
التفويض - الذي يعني تسليم الله سبحانه وتعالى لمقاليد النظام إلى الإنسان - مستحيل من جهتين: من جهة الإنسان كمبد! قابلي، ومن جهة الله سبحانه كمبد! فاعلي؛ أما من جهة المبد! الفاعلي فإن استحالته هي من باب أن ربوبية الله جلت آلاؤه مطلقة، ولا يمكن تحديد ما هو غير محدود. وأما من جهة المبدا القابلي فمن باب أن الإنسان هو فقير ذاتا، وأن ما كان فقيراً بالذات لا يمكن جعله غنياً وتسليمه زمام نفسه.
يقول القرآن الكريم في باب نفي التفويض: {فَسَخَّرْنَا لَهُ الرِّيحَ تَجْرِي بِأَمْرِهِ رُخَاءً حَيْثُ أَصَابَ} [ص: 36] ، حيث إن «الباء» في قوله: (بأمره) إما أن تكون للمصاحبة؛ اي إن السفينة تجري في البحر مصحوبة بأمر الله، وإما للملابسة؛ أي إن جريان السفينة هو في ظل أمر الله، لا أن أمركم هو الحاكم على أساس التفويض. كما ويقول في موطن آخر: {وَالشَّمْسُ تَجْرِي لِمُسْتَقَرٍّ لَهَا ذَلِكَ تَقْدِيرُ الْعَزِيزِ الْعَلِيمِ} [يس: 38]. إذن فقد تم قياس وتقدير نظام الكون بيد الله عز وجل، ولا يمكن للفوضى والخلل أن يقعا في العالم على يد أي كان: {لَا الشَّمْسُ يَنْبَغِي لَهَا أَنْ تُدْرِكَ الْقَمَرَ وَلَا اللَّيْلُ سَابِقُ النَّهَارِ وَكُلٌّ فِي فَلَكٍ يَسْبَحُونَ } [يس: 40]. والغرض من هذا البيان، هو أنه لابد لعنصرين محوريين من أن يحفظا في جميع الأمور: أولهما استقرار النظم العلي والمعلولي، والآخر هو حصر الناظم في الإرادة الإلهية.
ـــــــــــــــــــــــــــــــ
1. جامع البيان، ج 1، ص256.
|
|
خطر خفي في أكياس الشاي يمكن أن يضر صحتك على المدى البعيد
|
|
|
|
|
دراسة تكشف عن حياة "غريبة" في أعماق الأرض
|
|
|
|
|
الأمين العام للعتبة العلوية المقدسة يستقبل المتولّي الشرعي للعتبة الرضوية المطهّرة والوفد المرافق له
|
|
|