المرجع الالكتروني للمعلوماتية
المرجع الألكتروني للمعلوماتية

سيرة الرسول وآله
عدد المواضيع في هذا القسم 9111 موضوعاً
النبي الأعظم محمد بن عبد الله
الإمام علي بن أبي طالب
السيدة فاطمة الزهراء
الإمام الحسن بن علي المجتبى
الإمام الحسين بن علي الشهيد
الإمام علي بن الحسين السجّاد
الإمام محمد بن علي الباقر
الإمام جعفر بن محمد الصادق
الإمام موسى بن جعفر الكاظم
الإمام علي بن موسى الرّضا
الإمام محمد بن علي الجواد
الإمام علي بن محمد الهادي
الإمام الحسن بن علي العسكري
الإمام محمد بن الحسن المهدي

Untitled Document
أبحث عن شيء أخر المرجع الالكتروني للمعلوماتية



أسباب الغيبة الصغرى والتمهيد لها  
  
1123   03:48 مساءً   التاريخ: 2023-06-11
المؤلف : المجمع العالمي لأهل البيت ( ع ) - لجنة التأليف
الكتاب أو المصدر : أعلام الهداية
الجزء والصفحة : ج 14، ص135-147
القسم : سيرة الرسول وآله / الإمام محمد بن الحسن المهدي / الغيبة الصغرى / السفراء الاربعة /


أقرأ أيضاً
التاريخ: 3-08-2015 4359
التاريخ: 3-08-2015 3878
التاريخ: 2023-07-24 1325
التاريخ: 3-08-2015 4123

جاءت غيبة الإمام المهدي - عجل اللّه فرجه - كإجراء تمهيدي لظهوره اقتضته الحكمة الإلهية في تدبير شؤون العباد بهدف تأهيل المجتمع البشري للمهمة الإصلاحية الكبرى التي يحققها اللّه تبارك وتعالى على يديه ( عليه السّلام ) والتي تتمثل في إظهار الإسلام على الدين كله وإقامة الدولة الإسلامية العادلة في كل الأرض وتأسيس المجتمع التوحيدي الخالص الذي يعبد اللّه وحده لا شريك له دونما خوف من كيد منافق أو مشرك كما نصت على ذلك النصوص الشرعية التي سنتناولها في الفصل الخاص بسيرته ( عليه السّلام ) بعد ظهوره .

إن الانحراف الذي ساد الكيان الإسلامي قد أبعده عن الدور الريادي المطلوب الذي أراده اللّه سبحانه ، له أي لكي يكون كيان خير أمة أخرجت للناس ، وترسّخ الانحراف الاجتماعي والأخلاقي والاقتصادي حتى أفقده أهليّة القيام بهداية المجتمع البشري نحو العدالة الإسلامية التي فقدها المسلمون أنفسهم وفقدوا معها الكثير من القيم الإلهية الأصيلة حتى اختفت مظاهرها من حياتهم .

والانحراف السياسي - الذي سبب انحرافات أخرى - كان قد طغى على كيان المسلمين واستشرى الفساد في حكوماتهم التي لم يكن لها هدف سوى التمادي في الملذات المحرمة والتناحر الداخلي بدوافع سلطوية ومطامع استعلائية في الأرض حتى غابت صورة الخليفة الخادم للرعية المدافع عن كرامتهم الإنسانية ومصالحهم الدنيوية والأخروية وحلت محلها صورة الحاكم المستبد الذي لا همّ له سوى الفساد والإفساد والاستعلاء في الأرض والاحتفاظ بالعرش بما أمكنه ولو كان على حساب سحق أبسط القيم التي جاء بها من يرفعون شعار خلافته أي النبي الأعظم ( صلّى اللّه عليه وآله ) ، ولذلك اجتهدوا في محاربة أئمة الهدى من عترته كما لاحظنا في تعليل الإمام العسكري ( عليه السّلام ) للمطاردة الأموية والعباسية لهم وخاصة للمهدي الموعود .

إذن فالكيان الإسلامي - وبالتالي المجتمع البشري - لم يكن مؤهلا بالفعل لتلك المهمة الإصلاحية الكبرى التي تحمّلها المهديّ الموعود ، ولعل من أوضح مظاهر ذلك موقفه من الثورات العلوية الكثيرة التي كانت تتفجر في أرجاء مختلفة من العالم الإسلامي ، لكنها كانت تواجه بقمع وحشي أو خذلان سريع أو انحراف سريع عن أهدافها المعلنة وتحويلها إلى حكومة سلطوية كسائر الحكومات الفاسدة المعاصرة لها بعيدة عن الأهداف الإصلاحية الإسلامية الكبرى[1].

في ظل هذه الأوضاع وفي ظل الجهود المستميتة التي كانت تبذلها السلطات العباسية للقضاء على المهدي كما تقدم ، كان لا بد من إحاطة الإمام ( عليه السّلام ) بستار يمكنه من المساهمة - كحجة للّه على عباده - في إعداد المقدمات اللازمة لظهوره دون أن يعرّضه لخطر الإبادة وفقدان البشر لحجة اللّه الموكّل بحفظ الشريعة المحمدية ، وهذا الستار هو الذي سمي ب « الغيبة » .

وإلى هذا السبب أشارت مجموعة من الأحاديث الشريفة عن أنّ أحد أسرار الغيبة هو الخشية من القتل ، وهذه العلة تنطبق على الغيبة الصغرى وثمة علل أخرى ترتبط بتأهيل المجتمع البشري للظهور . سنفصل الحديث عنها في مقدمة الفصل الخاص بالغيبة الكبرى .

تمهيد النبي ( صلّى اللّه عليه وآله ) والأئمة ( عليهم السّلام ) لغيبة الإمام المهدي ( عليه السّلام )

سجلت المصادر الإسلامية الكثير من الأحاديث الشريفة المروية عن الرسول الأكرم ( صلّى اللّه عليه وآله ) وأئمة أهل البيت ( عليهم السّلام ) ؛ التي أخبرت عن حتمية وقوع غيبة الإمام المهدي - عجل اللّه فرجه - ، وقد نقلنا نماذج لها ضمن الحديث عن خفاء ولادته ، وننقل هنا نماذج أخرى لها .

فمنها ما رواه الحافظ صدر الدين إبراهيم بن محمد الحمويني الشافعي ( 644 - 722 ه ) في كتابه فرائد السمطين ، وغيره بأسانيدهم عن ابن عباس أن يهوديا اسمه نعثل ويكنى أبا عمارة جاء إلى رسول اللّه ( صلّى اللّه عليه وآله ) وسأله عن أشياء ترتبط بالتوحيد والنبوة والإمامة فأجابه عليها فأسلم الرجل وقال :

أشهد أن لا إله إلا اللّه ، وانك رسول اللّه ، وأشهد أنهم الأوصياء بعدك ، ولقد وجدت هذا في الكتب المتقدمة ، وفيما عهد الينا موسى ( عليه السّلام ) : إذا كان آخر الزمان يخرج نبي يقال له « أحمد » خاتم الأنبياء لا نبي بعده ، يخرج من صلبه أئمة ابرار عدد الأسباط .

فقال ( صلّى اللّه عليه وآله ) « يا أبا عمارة أتعرف الأسباط » ؟ قال : نعم يا رسول اللّه انهم كانوا اثني عشر .

قال : « فإن فيهم لاوي بن ارحيا » . قال : أعرفه يا رسول اللّه ، وهو الذي غاب عن بني إسرائيل سنين ثم عاد فأظهر شريعته بعد دراستها وقاتل مع فريطيا الملك حتى قتله .

وقال ( عليه السّلام ) : « كائن في أمتي ما كان من بني إسرائيل حذو النعل بالنعل والقذة بالقذة ، وان الثاني عشر من ولدي يغيب حتى لا يرى ، ويأتي على أمتي زمن لا يبقى من الإسلام إلا اسمه ولا من القرآن إلا رسمه ، فحينئذ يأذن اللّه له بالخروج فيظهر الإسلام ويجدد الدين » . ثم قال ( عليه السّلام ) : طوبى لمن أحبهم وطوبى لمن تمسك بهم ، والويل لمبغضهم »[2].

وروي عنه ( صلّى اللّه عليه وآله ) أنه قال : « من أنكر القائم من ولدي في غيبته مات ميتة جاهلية »[3].

وقال ( صلّى اللّه عليه وآله ) : « والذي بعثني بالحق بشيرا ليغيبن القائم من ولدي بعهد معهود إليه مني حتى يقول الناس ما للّه في آل محمد من حاجة ، ويشك آخرون في ولادته ، فمن أدرك زمانه فليتمسك بدينه ولا يجعل للشيطان إليه سبيلا بشكه فيزيله عن ملتي ويخرجه من ديني . . . »[4].

وقال ( صلّى اللّه عليه وآله ) : « . . . وجعل من صلب الحسين أئمة ليوصون بأمري ويحفظون وصيتي ، التاسع منهم قائم أهل بيتي ومهدي أمتي ، أشبه الناس بي في شمائله وأقواله وأفعاله ، ليظهر بعد غيبة طويلة وحيرة مضلّة ، فيعلن أمر اللّه ويظهر دين الحق . . . »[5].

وقال ( صلّى اللّه عليه وآله ) : « لا بد للغلام من غيبة » فقيل له : ولم يا رسول اللّه ؟ قال : يخاف القتل »[6].

وقال ( صلّى اللّه عليه وآله ) : « المهدي من ولدي تكون له غيبة وحيرة تضل فيها الأمم ، يأتي بذخيرة الأنبياء ( عليهم السّلام ) فيملؤها عدلا وقسطا كما ملئت جورا وظلما »[7] .

وعن الإمام علي ( عليه السّلام ) قال ضمن حديث : « . . . ولكني فكرت في مولود يكون من ظهري الحادي عشر من ولدي هو المهدي الذي يملأ الأرض قسطا وعدلا كما ملئت جورا وظلما تكون له غيبة وحيرة يضل فيها أقوام ويهتدي فيها آخرون . . . »[8].

وقال ( عليه السّلام ) « وإن للغائب منا غيبتين إحداهما أطول من الأخرى فلا يثبت على إمامته إلا من قوي يقينه وصحت معرفته »[9].

وروي في ذلك أيضا عن الإمام الحسن بن علي ( عليه السّلام ) ، كما تقدم في بحث ولادته ( عليه السّلام ) .

وروي عن الإمام الحسين ( عليه السّلام ) أنه قال : « لصاحب هذا الأمر [ يعني المهدي ] غيبتان إحداهما تطول حتى يقول بعضهم مات ، وبعضهم : ذهب ، ولا يطلع على موضعه أحد من ولي ولا غيره إلا المولى الذي يلي أمره »[10].

وعن الإمام السجاد ( عليه السّلام ) قال : « في القائم سنة من نوح وهو طول العمر »[11] ، وقال ( عليه السّلام ) : « إن للقائم منا غيبتين إحداهما أطول من الأخرى »[12].

وعن الإمام الباقر ( عليه السّلام ) : « لقائم آل محمد غيبتان إحداهما أطول من الأخرى »[13].

وعن الإمام الصادق ( عليه السّلام ) : « إن بلغكم عن صاحبكم غيبة فلا تنكروها »[14] ، « إن للقائم منّا غيبة يطول أمدها . . . لأن اللّه عز وجل أبى إلا أن يجري فيه سنن الأنبياء ( عليهم السّلام ) وأنه لا بد يا سدير من استيفاء مدد غيباتهم »[15].

وعن الإمام الكاظم ( عليه السّلام ) : « أنا القائم بالحق ولكنّ القائم الذي يطهر الأرض من أعداء اللّه ويملأها عدلا كما ملئت جورا هو الخامس من ولدي له غيبة يطول أمدها . . . »[16].

وعن الإمام الرضا ( عليه السّلام ) قال ضمن حديث عن القائم : « . . . ذاك الرابع من ولدي يغيّبه اللّه في ستره ما شاء ثم يظهره فيملأ [ به ] الأرض قسطا وعدلا كما ملئت جورا وظلما »[17].

وعن الإمام الجواد ( عليه السّلام ) قال ضمن حديث : « . . . ما منّا إلّا قائم بأمر اللّه وهاد إلى دين اللّه ولكن القائم الذي يطهر اللّه عز وجل به الأرض من أهل الكفر والجحود ويملأها عدلا وقسطا هو الذي يخفى على الناس ولادته ويغيب عنهم شخصه . . . »[18].

وعن الإمام الهادي ( عليه السّلام ) قال : « . . . إنكم لا ترون شخصه . . . »[19] ، وقال : « إذا غاب صاحبكم عن دار الظالمين فتوقعوا الفرج »[20].

وعن الإمام العسكري ( عليه السّلام ) قال : « واللّه إن صاحب هذا الأمر يحضر الموسم كل سنة فيرى الناس فيعرفهم ، ويرونه ولا يعرفونه . . . »[21] ، وقال : « ابني محمد هو الإمام والحجة بعدي ، من مات ولم يعرفه مات ميتة جاهلية ، أما إنه له غيبة يحار فيها الجاهلون . . . »[22] ، وقال : « . . . ابني هذا ، إنه سمي رسول اللّه ( صلّى اللّه عليه وآله ) وكنيه ، الذي يملأ الأرض قسطا وعدلا كما ملئت ظلما وجورا . . . مثله في هذه الامّة مثل الخضر ومثل ذي القرنين ، واللّه ليغيبن غيبة . . . »[23].

والأحاديث الشريفة بهذه المعاني كثيرة جدا متواترة من طرق أهل البيت ( عليهم السّلام ) ونقلها العديد من حفاظ أهل السنة من مختلف مذاهبهم كما رأينا ، والكثير منها مروي بأسانيد صحيحة ، وهي من أوضح الأدلة على صحة غيبة الإمام المهدي وكونها بأمر اللّه عز وجل ، حيث ثبت صدورها بل وتدوينها قبل وقوع الغيبة بزمن طويل ، فجاءت الغيبة مصدقة لها مثبتة لصحة مضامينها وصدورها من ينابيع الوحي من علام الغيوب تبارك وتعالى حتى لو كانت مرسلة أو كان ثمة نقاش في بعض أسانيدها .

قال الشيخ الصدوق - رضوان اللّه عليه - : « إن الأئمة ( عليهم السّلام ) قد أخبروا بغيبته ووصفوا كونها لشيعتهم فيما نقل عنهم واستحفظ في الصحف ودوّن في الكتب المؤلفة من قبل أن تقع الغيبة بمائتي سنة أو أقل أو أكثر ، وليس أحد من أتباع الأئمة ( عليهم السّلام ) إلا وقد ذكر ذلك في كثير من كتبه ورواياته ودوّنه في مصنفاته وهي الكتب التي تعرف بالأصول مدونة مستحفظة عند شيعة آل محمد من قبل الغيبة بما ذكرناه من السنين . . .

فلا يخلو حال هؤلاء الاتباع المؤلفين للكتب أن يكونوا قد علموا بما وقع الآن من الغيبة فألفوا ذلك في كتبهم ودونوه في مصنفاتهم من قبل كونها ، وهذا محال عند أهل اللب والتحصيل ، أو أن يكونوا أسسوا في كتبهم الكذب فاتفق لهم الأمر كما ذكروا وتحقق كما وضعوا من كذبهم على بعد ديارهم واختلاف آرائهم وتباين أقطارهم ومحالهم وهذا أيضا محال كسبيل الوجه الأول ، فلم يبق في ذلك إلا أنهم حفظوا عن أئمتهم المستحفظين للوصية عن رسول اللّه ( صلّى اللّه عليه وآله ) من ذكر الغيبة وصفة كونها في مقام بعد مقام إلى آخر المقامات ما دونوه في كتبهم وألفوه في أصولهم . وبذلك وشبهه فلج الحق وزهق الباطل إن الباطل كان زهوقا »[24].

ومما يزيد هذا الدليل الوجداني وضوحا أن هذه الأحاديث الشريفة أخبرت عن تفصيلات دقيقة في شكل هذه الغيبة وهوية الإمام الغائب وانه الثاني عشر من الأئمة والتاسع من ذرية الحسين ( عليهم السّلام ) وغير ذلك من التفصيلات التي لم تنطبق تأريخيّا إلا على غيبة الإمام المهدي ( عليه السّلام ) وهذا من الدلائل الاعجازية الواضحة على صحة إمامته وغيبته - عجل اللّه فرجه - .

ويقول الشيخ المفيد أيضا : « فقد كانت الأخبار عمن تقدم من أئمة آل محمد ( عليهم السّلام ) متناصرة بأنه لا بد للقائم المنتظر من غيبتين إحداهما أطول من الأخرى يعرف خبره الخاص في القصرى ولا يعرف العام له مستقرا في الطولى إلّا من تولى خدمته من ثقات أوليائه . . . والأخبار بذلك موجودة في مصنفات الشيعة الإمامية قبل مولد أبي محمد [ الإمام العسكري ] وأبيه وجده ( عليهم السّلام ) ، وظهر حقها عند مضي الوكلاء والسفراء الذين سميناهم ( رحمهم اللّه ) وبان صدق رواتها بالغيبة الطولى وكان ذلك من الآيات الباهرات في صحة ما ذهبت إليه الإمامية ودانت به في معناه . . . »[25].

وهذا الاستدلال يصدق في إثبات صحة كلا الغيبتين الصغرى والكبرى لأن الأحاديث الشريفة تحدثت عنهما وعن تفصيلاتهما .

فلسفة مرحليّة الغيبة

أشرنا إلى أن الغيبة - عموما - إجراء تمهيدي كان لا بدّ منه ليتمكن الإمام المهدي - عجل اللّه فرجه - من الظهور وإنجازه لمهمته الإصلاحية العالمية الكبرى .

وقد اقتضت الحكمة الإلهية أن تكون هذه الغيبة على مرحلتين .

والعلة واضحة ؛ إذ إنّ وقوع الغيبة الكاملة بصورة مفاجئة سوف يفقدها مجموعة من العوامل اللازمة لتأهيل المجتمع الإسلامي والبشري لظهوره ( عليه السّلام ) وإقامة الدولة الإسلامية العالمية .

إذ المحور العام لعملية التأهيل هذا هو التمحيص الإعدادي - كما تشير لذلك الأحاديث الشريفة على ما سيأتي تفصيله خلال الحديث عن الغيبة الكبرى بإذن اللّه - ، ومثل هذا التمحيص يحتاج إلى جملة عوامل وقناعات عقائدية متينة تمثل قاعدة الاستناد للإنسان المسلم للنجاح في عملية التمحيص وتراكم الخبرات واللياقات النفسية والمعرفية عبر أجيال المجتمع الإسلامي استعدادا للظهور .

إن النبي الأكرم ( صلّى اللّه عليه وآله ) والأئمة من أهل بيته ( عليهم السّلام ) قد مهّدوا لهذه الغيبة بخطوات عديدة ازدادت عمقا وشمولية كلمّا اقترب ، أو آنها كالإخبار عن حتمية وقوعها ، وخفاء ولادة صاحبها ، وتوسيع العمل بنظام الوكلاء ، وتوفير ما تحتاجه الأمة من المعارف الإسلامية والقواعد الشرعية التي يتم على أساسها استنباط الأحكام الشرعية وغير ذلك ، إلا أن التمهيد للغيبة الكاملة بقي بحاجة إلى خطوات تكميلية ونماذج تطبيقية تؤكدها وتبيّنها ، وهذا ما قام به الإمام المهدي ( عليه السّلام ) في الغيبة الصغرى وهو الإطار العام لسيرته وتحركه في هذه الفترة التي جاءت بمثابة مرحلة انتقال بين حالة الظهور الكامل للأئمة السابقين ( عليهم السّلام ) وبين الغيبة الكاملة للمهدي الموعود ، فهي في الواقع خطوة تمهيدية أخيرة للغيبة الكبرى .

والحقيقة المتقدمة نجدها متجلية بوضوح في سيرته ( عليه السّلام ) في الغيبة الصغرى ومن خلال دراسة أهداف تحركاته فيها ومقارنة هذه الأهداف بالخصوصيات المميزة لفترة الغيبة الكبرى . لذلك ندخل إلى الحديث عن سيرته ( عليه السّلام ) من باب دراسة أهدافها بالتحديد لكي يتضح الترابط بينها وبين سيرته في الغيبة الكبرى .

تعقيب السلطة العباسيّة لخبر الإمام

يظهر من روايات مرحلة الغيبة الصغرى أنّ السلطة العباسية أخذت تتعقب خبر الإمام المهدي ( عليه السّلام ) ، وكأنها كانت على اطمئنان بوجوده استنادا إلى ما تواتر نقله عن النبي الأكرم ( صلّى اللّه عليه وآله ) من أخبار الأئمة الاثني عشر من عترته ، وكانت تعلم أن الحسن العسكري ( عليه السّلام ) هو الحادي عشر منهم فلا بد من ولادة الثاني عشر أيضا وهو خاتمهم الموعود بإنهاء الظلم والجور على يديه حسبما ورد في البشارات النبوية المتواترة .

وقد لاحظنا في رواية الكليني - ضمن حديثنا عن رعاية الإمام لوكلائه - أن هدف السلطة من التجسس على الوكلاء هو الوصول إلى الإمام ( عليه السّلام ) ، ولذلك كانت التأكيدات المشددة من قبل الأئمة السابقين ( عليهم السّلام ) ومن الإمام المهدي ( عليه السّلام ) نفسه تركّز على النهي عن ذكر اسم الإمام في الغيبة الصغرى ؛ لأنه إذا عرف الاسم اشتد الطلب[26]. ويستفاد من رواية نقلها الشيخ الطوسي في كتاب الغيبة : أن السلطات العباسية حصلت بالفعل على معلومات عن وجود الإمام ( عليه السّلام ) وسعت لاغتياله ، فتحدّاها الإمام ( عليه السّلام ) ليثبت أنه محفوظ بالرعاية الإلهية .

تقول الرواية : « وحدّث عن رشيق صاحب المادراي قال : بعث الينا المعتضد ونحن ثلاثة نفر فأمرنا أن يركب كل واحد منّا فرسا ونجنب آخر ونخرج مخفين لا يكون معنا قليل ولا كثير إلا على السرج مصلى وقال لنا :

الحقوا بسامرة ، ووصف لنا محلة ودارا وقال : إذا أتيتموها تجدون على الباب خادما اسود فاكبسوا الدار ومن رأيتم فيها فأتوني برأسه . فوافينا سامرة فوجدنا الأمر كما وصفه ، وفي الدهليز خادم أسود وفي يده تكة ينسجها فسألناه عن الدار ومن فيها فقال : صاحبها ، فو اللّه ما التفت الينا وأقل اكتراثه بنا ، فكبسنا الدار كما أمرنا فوجدنا دارا سرية ومقابل الدار سترما نظرت قط إلى أنبل منه كأنّ الأيدي رفعت عنه في ذلك الوقت .

ولم يكن في الدار أحد فرفعنا الستر فإذا بيت كبير كأن بحرا فيه ماء وفي أقصى البيت حصير قد علمنا أنه على الماء ، وفوقه رجل من أحسن الناس هيئة قائم يصلي . فلم يلتفت إلينا ولا إلى شيء من أسبابنا ، فسبق أحمد بن عبد اللّه ليتخطى البيت فغرق في الماء وما زال يضطرب حتى مددت يدي إليه فخلصته وأخرجته وغشي عليه وبقي ساعة ، وعاد صاحبي الثاني إلى فعل ذلك الفعل فناله مثل ذلك ، وبقيت مبهوتا فقلت لصاحب البيت : المعذرة إلى اللّه وإليك فو اللّه ما علمت كيف الخبر ولا إلى من أجيء وأنا تائب إلى اللّه ، فما التفت إلى شيء مما قلنا وما انفتل عما كان فيه ، فهالنا ذلك وانصرفنا عنه .

وقد كان المعتضد ينتظرنا ، وقد تقدم إلى الحجّاب إذا وافيناه أن ندخل عليه في أي وقت كان ، فوافيناه في بعض الليل فأدخلنا عليه فسألنا عن الخبر فحكينا له ما رأينا ، فقال : ويحكم ! لقيكم أحد قبلي ؟ وجرى منكم إلى أحد سبب أو قول ؟ قلنا : لا ، فقال : أنا نفيّ من جدي - وحلف بأشد ايمان له - أنه رجل إن بلغه هذا الخبر يضربن أعناقنا . فما جسرنا أن نحدّث به إلا بعد موته[27].

 

[1] أجرى السيد الشهيد محمد الصدر ( رحمه اللّه ) دراسة تحليلية وثائقية قيمة استنادا لمصادر التأريخ الإسلامي ، لخصوصيات هذه الحقبة من التأريخ الإسلامي من المفيد الاطلاع عليها في كتابه تأريخ الغيبة الصغرى .

[2] فرائد السمطين : 2 / 132 .

[3] كمال الدين : 413 ، كفاية الأثر : 66 ، والأحاديث النبوية بهذا المعنى كثيرة راجعها في معجم أحاديث الإمام المهدي ( عليه السّلام ) القسم الخاص بأحاديث النبي ( صلّى اللّه عليه وآله ) : 1 / 256 - 267 .

[4] كمال الدين : 51 ، إثبات الهداة : 3 / 459 .

[5] كفاية الأثر : 10 .

[6] علل الشرائع : 1 / 243 وعنه في بحار الأنوار : 52 / 90 .

[7] فرائد السمطين : 2 / 335 ، وينابيع المودة للحافظ سليمان الحنفي : 488 .

[8] الكافي للكليني : 1 / 273 .

[9] ينابيع المودة للحافظ الحنفي : 427 .

[10] الإشاعة في اشراط الساعة : 13 .

[11] كمال الدين : 321 .

[12] كمال الدين : 323 .

[13] غيبة النعماني : 172 .

[14] غيبة الشيخ الطوسي : 102 .

[15] كمال الدين : 480 .

[16] كفاية الأثر : 265 .

[17] كمال الدين : 376 وعنه في إعلام الورى : 2 / 241 وكشف الغمة : 3 / 314 .

[18] كفاية الأثر : 277 ، بحار الأنوار : 52 / 283 ، احتجاج الطبرسي : 2 / 449 .

[19] الكافي : 1 / 268 .

[20] كمال الدين : 380 .

[21] كمال الدين : 440 .

[22] كفاية الأثر : 292 وعن كمال الدين في إعلام الورى : 2 / 253 ، وسائل الشيعة : 16 / 246 ب 33 ح 23 .

[23] كمال الدين : 384 ، الخرائج للقطب الراوندي : 3 / 1174 ، وعن كمال الدين في إعلام الورى : 2 / 249 .

[24] كمال الدين : 19 من مقدمة المؤلف .

[25] عدة رسائل للشيخ المفيد : 362 ، الفصل الخامس من الفصول العشرة في الغيبة .

[26] كمال الدين : 441 .

[27] غيبة الطوسي : 164 .




يحفل التاريخ الاسلامي بمجموعة من القيم والاهداف الهامة على مستوى الصعيد الانساني العالمي، اذ يشكل الاسلام حضارة كبيرة لما يمتلك من مساحة كبيرة من الحب والتسامح واحترام الاخرين وتقدير البشر والاهتمام بالإنسان وقضيته الكبرى، وتوفير الحياة السليمة في ظل الرحمة الالهية برسم السلوك والنظام الصحيح للإنسان، كما يروي الانسان معنوياً من فيض العبادة الخالصة لله تعالى، كل ذلك بأساليب مختلفة وجميلة، مصدرها السماء لا غير حتى في كلمات النبي الاكرم (صلى الله عليه واله) وتعاليمه الارتباط موجود لان اهل الاسلام يعتقدون بعصمته وهذا ما صرح به الكتاب العزيز بقوله تعالى: (وَمَا يَنْطِقُ عَنِ الْهَوَى (3) إِنْ هُوَ إِلَّا وَحْيٌ يُوحَى) ، فصار اكثر ايام البشر عرفاناً وجمالاً (فقد كان عصرا مشعا بالمثاليات الرفيعة ، إذ قام على إنشائه أكبر المنشئين للعصور الإنسانية في تاريخ هذا الكوكب على الإطلاق ، وارتقت فيه العقيدة الإلهية إلى حيث لم ترتق إليه الفكرة الإلهية في دنيا الفلسفة والعلم ، فقد عكس رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم روحه في روح ذلك العصر ، فتأثر بها وطبع بطابعها الإلهي العظيم ، بل فنى الصفوة من المحمديين في هذا الطابع فلم يكن لهم اتجاه إلا نحو المبدع الأعظم الذي ظهرت وتألقت منه أنوار الوجود)





اهل البيت (عليهم السلام) هم الائمة من ال محمد الطاهرين، اذ اخبر عنهم النبي الاكرم (صلى الله عليه واله) باسمائهم وصرح بإمامتهم حسب ادلتنا الكثيرة وهذه عقيدة الشيعة الامامية، ويبدأ امتدادهم للنبي الاكرم (صلى الله عليه واله) من عهد أمير المؤمنين (عليه السلام) الى الامام الحجة الغائب(عجل الله فرجه) ، هذا الامتداد هو تاريخ حافل بالعطاء الانساني والاخلاقي والديني فكل امام من الائمة الكرام الطاهرين كان مدرسة من العلم والادب والاخلاق استطاع ان ينقذ امةً كاملة من الظلم والجور والفساد، رغم التهميش والظلم والابعاد الذي حصل تجاههم من الحكومات الظالمة، (ولو تتبّعنا تاريخ أهل البيت لما رأينا أنّهم ضلّوا في أي جانب من جوانب الحياة ، أو أنّهم ظلموا أحداً ، أو غضب الله عليهم ، أو أنّهم عبدوا وثناً ، أو شربوا خمراً ، أو عصوا الله ، أو أشركوا به طرفة عين أبداً . وقد شهد القرآن بطهارتهم ، وأنّهم المطهّرون الذين يمسّون الكتاب المكنون ، كما أنعم الله عليهم بالاصطفاء للطهارة ، وبولاية الفيء في سورة الحشر ، وبولاية الخمس في سورة الأنفال ، وأوجب على الاُمّة مودّتهم)





الانسان في هذا الوجود خُلق لتحقيق غاية شريفة كاملة عبر عنها القرآن الحكيم بشكل صريح في قوله تعالى: (وَمَا خَلَقْتُ الْجِنَّ وَالْإِنْسَ إِلَّا لِيَعْبُدُونِ) وتحقيق العبادة أمر ليس ميسوراً جداً، بل بحاجة الى جهد كبير، وافضل من حقق هذه الغاية هو الرسول الاعظم محمد(صلى الله عليه واله) اذ جمع الفضائل والمكرمات كلها حتى وصف القرآن الكريم اخلاقه بالعظمة(وَإِنَّكَ لَعَلَى خُلُقٍ عَظِيمٍ) ، (الآية وإن كانت في نفسها تمدح حسن خلقه صلى الله عليه وآله وسلم وتعظمه غير أنها بالنظر إلى خصوص السياق ناظرة إلى أخلاقه الجميلة الاجتماعية المتعلقة بالمعاشرة كالثبات على الحق والصبر على أذى الناس وجفاء أجلافهم والعفو والاغماض وسعة البذل والرفق والمداراة والتواضع وغير ذلك) فقد جمعت الفضائل كلها في شخص النبي الاعظم (صلى الله عليه واله) حتى غدى المظهر الاولى لأخلاق رب السماء والارض فهو القائل (أدّبني ربي بمكارم الأخلاق) ، وقد حفلت مصادر المسلمين باحاديث وروايات تبين المقام الاخلاقي الرفيع لخاتم الانبياء والمرسلين(صلى الله عليه واله) فهو في الاخلاق نور يقصده الجميع فبه تكشف الظلمات ويزاح غبار.