المرجع الالكتروني للمعلوماتية
المرجع الألكتروني للمعلوماتية


Untitled Document
أبحث عن شيء أخر
غزوة الحديبية والهدنة بين النبي وقريش
2024-11-01
بعد الحديبية افتروا على النبي « صلى الله عليه وآله » أنه سحر
2024-11-01
المستغفرون بالاسحار
2024-11-01
المرابطة في انتظار الفرج
2024-11-01
النضوج الجنسي للماشية sexual maturity
2024-11-01
المخرجون من ديارهم في سبيل الله
2024-11-01



سجع الكهان  
  
11508   02:14 مساءً   التاريخ: 9-10-2015
المؤلف : شوقي ضيف
الكتاب أو المصدر : الفن ومذاهبه في النثر العربي
الجزء والصفحة : ص38-41
القسم : الأدب الــعربــي / الأدب / النثر /


أقرأ أيضاً
التاريخ: 25-12-2015 9555
التاريخ: 5-8-2018 2742
التاريخ: 10-2-2016 5539
التاريخ: 4-7-2016 3173

كانت عند العرب في العصر الجاهلي طائفة تدعي التنبؤ ومعرفة المغيبات، وأنها تنطق عن آلهتهم بما سخر لها من الجن التي تسترق لها السمع، فتكشف لها الحجب، وما تأتي به ألواح الغد. وكانوا يسمونها الكهان، وواحدهم يمسي كاهنا، أما تابعه من الجن فيسمى رئيا، وكانوا يفزعون إليهم لاستشارتهم في الأمور الجلى كإعلان حرب(1)، أو قعود عن نصرة أحلاف(2)، أو كشف قتل إنسان أو ناقة(3)، أو خلال بنذر من النذور لأربابهم لا يستطيعون أداءه(4). وقد يلجأون إليهم للحكم بينهم أو للمنافرة(5)، ممتثلين لأحكامهم فهي لا تنقض ولا ترد، وقد يطلبون إليهم تعبير رؤاهم وأحلامهم(6)، وهم بدورهم قد يتنبؤون لأقوامهم بوقوع كارثة، أو حدوث غزو(7).
ولعل في ذلك كله ما يدل على أنهم كانوا يتمتعون بنفوذ واسع، ولم يكن لهذا النفوذ حدود قبلية، فكثيرا ما يسيطر الكاهن على مجموعة من القبائل بكهانته، فتصدر عن رأيه، وقد تتخطى شهرته إقليمه، فتقصده العرب من أقاليم نائية، ككثير من كهان اليمن، ولعلنا لا نبعد إذا قلنا: إن جمهور كهانهم كانوا يمنيين، وخاصة من يرجع بهم القصاص إلى الحقب الأولى من العصر الجاهلي، ومن أشهرهم سطيح الذئبي، وشق بن مصعب الأنماري، وإليهما فزع نصر بن ربيعة ملك اليمن في تفسير رؤيا له(8)، وقد أخرجهما القصاص، ورواة الأخبار من عالم الواقع إلى عالم الخيال، فقالوا: إن سطيحا لم يكن فيه عظم سوى جمجمته، وإن وجهه كان في صدره ولم يكن له عتق، ولعله كان أحدب، أما شق فقالوا: إنه كان شق أو نصف إنسان له عين واحدة، ويد واحدة ورجل واحدة(9).
ومن كهانهم المشهورين المأمور الحارثي، وكان من فرسان مذجح، وكانت بأمره تتقدم وتتأخر(10)، وخنافر الحميري، وكان يزعم أنه دخل الإسلام بمشورة رئيه شصار(11)، وعوف بن ربيعة الأسدي، وهو الذي أشار على قومه بالثورة على حجر بن الحارث الكندي وقتله(12)، وسلمة الخزاعي الذي تنافر إليه هاشم بن عبد مناف، وأمية بن عبد شمس فنفر هاشما(13)، وسواد بن قارب الدوسي، وقد أدرك الإسلام(14)، وعزى سلمة وهو أكهنهم جميعا(15)، ووجد بجانب هؤلاء الكهنة بعض نسوة عرفن بالتكهن من مثل الشعثاء الكاهنة(16)، وزبراء(17)، وكاهنة ذي الخلصة(18)، والكاهنة السعدية(19) والزرقاء(20) بنت زهير، والغيطلة القرشية(21).
وروت كتب الأدب والتاريخ طائفة من أقوال هؤلاء الكهان، والكاهنات وخطابهم، وكلها تلتزم السجع، وما نشك في أن أكثر ما روي عنهم مصنوع، وإن من الخطأ أن يعتمد باحث على تلك المرويات، ويظنها صحيحة النسبة إلى من قيلت على ألسنتهم، لسبب طبيعي، وهو أنها لم تكن مدونة ولا مكتوبة، ومن مصعب أن نحتفظ بها ذاكرة الرواة نحو قرنين من الزمان أو أكثر، فلا تبدل فيها ولا تحرف، حتى يخرج العصر العباسي فيدونها اللغويون والاخباريون.
على أننا نستطيع بعد أن نرفض ما يروى من أقوالهم، وخطبهم أن نعود فنظن ظنا أنهم كانوا يسجعون في خطابتهم، وإلا لما استقر عند جميع من نحلوهم بعض الأقوال، والخطب أنهم كانوا يعتمدون على السجع في كهانتهم، ومن ثم صاغوا ما نسبوه إليهم من كلام سجعا خالصا، ولعل هذا السجع في كلامهم هو الذي دفع بعض المشركين من قريش إلى الظن بأن ما يتلوه الرسول صلى الله عليه و[آله]وسلم من القرآن، إنما هو من كلام الكهان، فقال جل وعز ينقض دعواهم الباطلة: {فَذَكِّرْ فَمَا أَنْتَ بِنِعْمَتِ رَبِّكَ بِكَاهِنٍ} [الطور: 29] وقال: { إِنَّهُ لَقَوْلُ رَسُولٍ كَرِيمٍ * وَمَا هُوَ بِقَوْلِ شَاعِرٍ قَلِيلًا مَا تُؤْمِنُونَ * وَلَا بِقَوْلِ كَاهِنٍ قَلِيلًا مَا تَذَكَّرُونَ } [الحاقة: 40 - 42] ، وقد جاء في الحديث النبوي أن الرسول صلوات الله عليه، قضى على رجل في جنين قتلت أمه بدية، فقال الرجل: "أأدى "أأغرم" من لا شرب ولا أكل، ولا صاح ولا استهل، أليس مثل ذلك يطل(22)؟ فقال رسول الله عليه السلام: "إنما هذا من إخوان الكهان، من أجل سجعه الذي سجع" (23)، وفي رواية أنه قال له: أسجع كسجع الكهان(24)؟ وفي هذا الحديث أكبر الدلالة، وأعظمها على أن الكهان كانوا يستخدمون السجع في كهانتهم، ويقول الجاحظ: "كان حازي "كاهن" جهينة، وشق وسطيح وعزى سلمة، وأشباههم يتكهنون، ويحكمون بالأسجاع، ويروى من سجع عزى سلمة قوله(25): "والأرض والسماء، والعقاب والصقعاء، واقعة ببقعاء، لقد نفر المجد بني العشراء، المجد والسناء"(26).
وإذا صحت هذه الكلمة لعزى سلمة، فإنها ترينا أن الكهان كانوا يعتمدون في كهانتهم على السجع، كما كانوا يعتمدون على مثل هذه الأقسام، والإيمان بالأرض والسماء، والطير والشمس، وما يتصل بذلك من القمر والنجوم، والكواكب، والأشجار والرياح، وكل ما يظنون أنه يحمل قوى خفية، وأيضا فإنهم كانوا يعتمدون على الإغراب في ألفاظهم للإيهام، والتأثير في نفوس السامعين.
وهذه هي نفس السمات العامة التي يمكن أن نستنبطها من خلال النصوص الكثيرة التي رويت من سجعهم، ونحن نرى هذه السمات واضحة في هذه القطعة الصغيرة التي رواها الجاحظ لعزى سلمة، وهي سمات طبيعية، إذ كانوا يلجأون إلى الإيهام في أحاديثهم وأقوالهم، وكانوا يعتمدون في هذا الإيهام على الأقسام، واللفظ الغريب ليتيح لهم ذلك ما يريدون من الوهم في أساليبهم، ومعاني كلامهم. وأكبر الظن أنهم كانوا يبالغون في ذلك حتى تنبهم معانيهم وتغمض دلالاتهم، فيكثر عند السامعين الفهم، ويكثر الاحتمال والتأويل، ولعلنا لا نبعد إذا زعمنا أن الكهان كانوا يبنون سجعهم في كثير من جوانبه على الرمز، فإن كهانتهم كانت تقتضي أن يختاروا ألفاظا موهمة توعظ بما يريدون دون أن تفصح -في كثير من أحوالها- عن دلالة بينه، ومهما يكن فإن حرقة الكهان في هذا العصر أثمرت ضربا طريفا من السجع كان يتكئ على الأقسام، والإيمان الموهمة والألفاظ الغريبة.
وأكبر الظن أن فيما قدمنا من حديث عن سجع الكهان، وخطابة الجاهليين وما كان من أمثالهم ما يدل دلالة صريحة على أن ما سلم لنا من بقايا نثرهم، إنما هو شظايا متناثرة من صناعة بليغة كانت تستفيد من أصحابها آمادا واسعة من التعب، والعناء والجهد، والنشاط.

 

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

1-أغاني "طبع دار الكتب" 9/ 84.
2- أغاني 11/ 140.
3- أغاني 11/ 118.
4- السيرة النبوية لابن هشام 1/ 162.
5-السيرة الحلبية "طبع بولاق" 1/ 5.
6- السيرة النبوية 1/ 15، وما بعدها.
7-الأمالي للقالي 1/ 126، وانظر السيرة النبوية 1/ 15، 1/ 43، 1/ 221 -222.           

 8-الكامل لابن الأثير "طبع ليدن" 1/ 301، والسيرة النبوية 1/ 15.
9- انظر عجائب المخلوقات للقزويني "طبعة وستنفلد" 1/ 171.
10-الاشتقاق لابن دريد 269، وانظر الأمالي 1/ 276، واسمه فيه المأمون.
11-الأمالي 1/ 133.
12- أغاني 9/ 84.
13- السيرة الحلبية 1/ 5.
14- السيرة النبوية 1/ 223.
15-البيان والتبيين 1/ 358.
16- مجمع الأمثال للميداني 1/ 91.
17- الأمالي 1/ 126.
18- مجمع الأمثال 1/ 223.
19- نفس المصدر 2/ 54.
20- أغاني "طبعة دار الكتب" 13/ 81.
21- سيرة ابن هشام 1/ 221.  

22-يطل: يهدر دمه.
23- صحيح مسلم "طبعة الاستانة" 5/ 111، وانظر موطأ مالك "طبع حجر بمصر" 2/ 192.
24- البيان والتبيين 1/ 287، وإعجاز القرآن الباقلاني "طبع مطبعة الإسلام" ص32.
25-البيان والتبيين 1/ 289-290.
26- الصقعاء: الشمس، بقعاء: ماء أو موضع، نفرهم: حكم لهم بالغلبة، بنو العشراء: عشيرة من فزارة، السناء: الرفعة.

 

 

 





دلَّت كلمة (نقد) في المعجمات العربية على تمييز الدراهم وإخراج الزائف منها ، ولذلك شبه العرب الناقد بالصيرفي ؛ فكما يستطيع الصيرفي أن يميّز الدرهم الصحيح من الزائف كذلك يستطيع الناقد أن يميز النص الجيد من الرديء. وكان قدامة بن جعفر قد عرف النقد بأنه : ( علم تخليص جيد الشعر من رديئه ) . والنقد عند العرب صناعة وعلم لابد للناقد من التمكن من أدواته ؛ ولعل أول من أشار الى ذلك ابن سلَّام الجمحي عندما قال : (وللشعر صناعة يعرف أهل العلم بها كسائر أصناف العلم والصناعات ). وقد أوضح هذا المفهوم ابن رشيق القيرواني عندما قال : ( وقد يميّز الشعر من لا يقوله كالبزّاز يميز من الثياب ما لا ينسجه والصيرفي من الدنانير مالم يسبكه ولا ضَرَبه ) .


جاء في معجمات العربية دلالات عدة لكلمة ( عروُض ) .منها الطريق في عرض الجبل ، والناقة التي لم تروَّض ، وحاجز في الخيمة يعترض بين منزل الرجال ومنزل النساء، وقد وردت معان غير ما ذكرت في لغة هذه الكلمة ومشتقاتها . وإن أقرب التفسيرات لمصطلح (العروض) ما اعتمد قول الخليل نفسه : ( والعرُوض عروض الشعر لأن الشعر يعرض عليه ويجمع أعاريض وهو فواصل الأنصاف والعروض تؤنث والتذكير جائز ) .
وقد وضع الخليل بن أحمد الفراهيدي للبيت الشعري خمسة عشر بحراً هي : (الطويل ، والبسيط ، والكامل ، والمديد ، والمضارع ، والمجتث ، والهزج ، والرجز ، والرمل ، والوافر ، والمقتضب ، والمنسرح ، والسريع ، والخفيف ، والمتقارب) . وتدارك الأخفش فيما بعد بحر (المتدارك) لتتم بذلك ستة عشر بحراً .


الحديث في السيّر والتراجم يتناول جانباً من الأدب العربي عامراً بالحياة، نابضاً بالقوة، وإن هذا اللون من الدراسة يصل أدبنا بتاريخ الحضارة العربية، وتيارات الفكر العربية والنفسية العربية، لأنه صورة للتجربة الصادقة الحية التي أخذنا نتلمس مظاهرها المختلفة في أدبنا عامة، وإننا من خلال تناول سيّر وتراجم الأدباء والشعراء والكتّاب نحاول أن ننفذ إلى جانب من تلك التجربة الحية، ونضع مفهوماً أوسع لمهمة الأدب؛ ذلك لأن الأشخاص الذين يصلوننا بأنفسهم وتجاربهم هم الذين ينيرون أمامنا الماضي والمستقبل.