الأدب
الشعر
العصر الجاهلي
العصر الاسلامي
العصر العباسي
العصر الاندلسي
العصور المتأخرة
العصر الحديث
النثر
النقد
النقد الحديث
النقد القديم
البلاغة
المعاني
البيان
البديع
العروض
تراجم الادباء و الشعراء و الكتاب
رسالة إلى أبي زكريا ابن خلدون
المؤلف: أحمد بن محمد المقري التلمساني
المصدر: نفح الطيب من غصن الأندلس الرطيب
الجزء والصفحة: مج6، ص: 396-399
2024-12-11
159
رسالة إلى أبي زكريا ابن خلدون
وكما خاطب الولي ابن خلدون خاطب أخاه أبا زكريا يحيى حسبما قال في بعض كتبه: ومما خاطبت به الفقيه أبا زكريا ابن خلدون ، لما ولي الكتابة عن السلطان أبي حمو سلطان تلمسان من بني زيان واقترن بذلك نصر وصنع غبطته به وأشدت به قصد تنفيقه وإنهاضه لديه: «نخص الحبيب الذي هو في الاستظهار به أخ وفي الشفقة عليه ولد، والولي الذي ما بعد قرب مثله أمل ولا على بعده جلد ، والفاضل الذي لا يخالف في فضله ساكن ولا بلد ، أبقاه الله تعالى وفاز فوزه وعصمته لها من توفيق الله سبحانه عمد ، ومورد سعادته المسوغ لعادته لا غور ولا تمد ، ومدى إمداده من خزائن إلهام الله تعالى وسداده ليس له أمد ، وحمى فرح قلبه بمواهب من ربه أن يطرقه كمد .،من صميم
تحية محله ، قلبه بمحله ، المنشىء رواق الشفقة ، مرفوعاً بعمد المحبة والرمقة ، فوق ظعنه وحله ، مؤثره ومجله ، المعني بدق أمره وجله ، ابن الخطيب من الحضرة الجهادية غرناطة ، صان الله تعالى خلالها ، ووقى هجير هجر الغيوم ظلالها ، وعمر بأسود الله تعالى أغيالها ، كما أغرى بمن كفر بالله تعالى
صيالها، ولا زائد إلا منن من الله تعالى تصوب، وقوة يسترد بها المغصوب ويخفض الصليب المنصوب، والحمد لله تعالى الذي بحمده ينال المطلوب، وبذكره تطمئن القلوب ، ومودتكم المودة التي غذتها ثدي الخلوص بلبانها ، وأحلتها حلائل المحافظة بين أعينها وأجفانها ، ومهدت موات أخواتها الكبرى أساس
بنيانها، واستحقت ميراثها مع استصحاب حال الحياة إن شاء الله تعالى واتصال زمانها، واقتضاء عهود الأيام بيمنها وأمانها والله در القائل فإن لم يكنها أو تكنه فإنه أخوها غذته أمه بلبانها 396
وصل الله تعالى ذلك من أجله وفي ذاته ، وجعله وسيلة إلى مرضاته ، وقربة
تنفع عند اعتبار ما روعي من سنن الجبار ومفترضاته
وقد وصل كتابكم الذي فاتح بالريحان والروح ، وحل من مرسوم الولاء محل البسملة من اللوح ، وأذن لنوافح الثناء بالبوح ، يشهد عدله بأن البيان يا آل خلدون سكن من مثواكم دار خلود ، وقدح زنداً غير صلود ، واستأثر من محابركم السيالة ، وقضب أقلامكم الميادة الميالة ، بأب منجب وأم ولود ، يقفو شانيه غير المشنو ، وفصيله غير الحرب ولا المهنو ، من الخطاب السلطاني سفينة متنوح 1 ، إن لم نقل سفينة نوح ، ما شئت من آل أزواج ، وزمر من الفضل وأفواج
وأمواج كرم تطفو فوق أمواج ، وفنون بشائر ، وإهطاع قبائل وعشائر ،
وضرب للمسرات أعيا الشائر ، فلله هو من قلم راعى نسب القنا فوصل الرحم
وأنجد الوشيج والملتحم ، وساق بعصاه من البيان الذود المزدحم
وأخاف من شذ عن الطاعة مع الاستطاعة فقال( ولا عاصم اليوم من أمر الله إلا من
رحيم ) (هود : 43 ولو لم يوجب الحق برقه ورعده ، ووعيده ووعده ، لأوجبه يمنه وسعده ، فلقد ظهرت مخايل نجحه ، علاوة على نصحه ، ووضحت محاسن صبحه ، في وحشة الموقف الصعب وقبحه ، وصل الله تعالى له عوائد
منحه، وجعله إقليداً كلّما استقبل باب أمل وكله الله تعالى بفتحه أما ما قرره ولاؤكم من حب زكا على حبة القلب حبه ، وأنبته النبات الحسن ربه ، وساعده من الغمام سكبه ، ومن النسيم اللدن مهبه ، فرسم ثبت عند الولي نظيره ، ومن غير معارض يضيره ، وربما أربى بتذييل مزيد ، وشهادة ثابت ويزيد " ، ولم لا يكون ذلك ، وللقلب على القلب شاهد ؟ وكونها
397
أجنادا مجندة لايحتاج قريره إلى ماهد وجهد جاهد ، ومودة الأخوة سبيلها لاحب ، ودليلها للدعوة الصادقة مصاحب ، إلى ما سبق من فضل ولقاء ، ونظافة سقاء ، واعتقاد ، لا يُراع سربه بذئب انتقاد ، واجتلاء شهاب وقاد ، لا يحوج إلى إيقاد ، إنما عاق عن مواصلة ذلك نوى شط منها الشطن ، وتشذيب لم يتعين معه الوطن ، فلما تعين ، وكاد الصبحُ أن يتبين، عاد الوميض ديجوراً، والثماد بحراً مسجوراً ، إلى أن أعلق الله تعالى منكم اليد بالسبب الوثيق ، وأحلكم منجى نيق ! ، لا يخاف من منجنيق ، وجعل يراعكم لسعادة موسى معجزة تأتي على الخبر بالعيان ، فتخر لثعبانها سحرة البيان :
أيحيى سقى حيث لحت الحيا فنعم الشعاب ونعم الوكون
وحيا يراعك من آية فقد حرك القوم بعد السكون
دعوت لخدمة موسى عصاه فجاءت تلقف ما يأفكون
فأذعن من يدعي السحر رغماً وأسلم من أجلها المشركون
وساعدك السعد فيما أردت فكان كما ينبغي أن يكون
فأنتم أولى الأصدقاء بصلة السبب، ورعي الوسائل والقرب ، أبقاكم الله تعالى وأيدي الغبطة بكم عالية ، وأحوال تلكم الجهات بدرككم المهمات حالية ،
وديم المسرات من إنعامكم المبيرات على معهود المبرات متوالية. وأما ما تشوفتم إليه من حال وليكم فأمل متقلص الظل ، وارتقاب لهجوم جيش الأجل المطل، ومقام على مساورة الصّل ، وعمل يكذب الدعوى ،
وطمأنينة تنتظر الغارة الشعوا ، ويد بالمذخور تفتح ، وأخرى تجهد وتمنح
ومرض يزور فيثقل ، وضعف عن الواجب يعقل ، إلا أن اللطائف تستروح،/ 398
والقلب من باب الرجاء لا يبرح، وربما ظفر البائس، ولم تطرد المقايس، تداركنا الله تعالى بعفوه، وأوردنا من منهل الرضى والقبول على صفوه، وأذن لهذا الحرق في رفوه
وأما ما طلبتم من انتساخ ديوان، وإعمال بنان في الإتحاف ببيان، فتلك عهود لدي مهجورة ، ومعاهد لا متعهدة ولا مزورة ، شغل عن ذلك حوض يعلو الحبه ، وحرص يقضى من لغط المانح عجبه ، وهول جهاد تساوى جمادياه ورجبه ، فلولا التماس أجر ، وتعلل بربح تجر ، لقلت : أهلا بذات النحيين 1 ، فلئن شكت ، وبذلت المصون ما أمسكت، فلقد ضحكت بسبب في الباطن ضعف ما بكت ، ونستغفر الله تعالى من سوء انتحال ، وإيثار المزاح بكل حال ، وما الذي ينتظر مثلي ممن عرف المآخذ والمتارك ، وجرب لما بلا المبارك ، وخبر مساءة الدنيا الفارك؟
هذا أيها الحبيب ما وسعه الوقت الضيق ، وقد ذهب الشباب الريق ،
فليسمح فيه معهود كمالك لشمالك، ووطأ لك موطأ العزّ بباب كل مالك ، وقرن النجح بأعمالك ،
جعل الله تعالى مطاوعة آمالك ، مطاوعة يمينك
وحفظك في نفسك وأهلك ومالك ، والسلام »