أقرأ أيضاً
التاريخ: 2024-08-29
240
التاريخ: 2023-05-10
992
التاريخ: 2023-02-20
1255
التاريخ: 2024-07-31
476
|
إن موضوع بناء الشخصية واختيار ما يلزم من صفات للتوافق مع المجتمع ، يشكل إحدى المشاكل الكبرى التي يعاني منها جيل الشباب. فالكثير من الفتيان تزل أقدامهم عن الطريق السوي بسبب غرورهم واستبدادهم برأيهم وانعدام المربين الأكفاء، فيختارون الذميم من الصفات بدل الحميد منها، وبذا يصبحون عاجزين عن تكييف أنفسهم مع المجتمع.
وتنشأ معظم حالات التمرد والعصيان والإحباط والإخفاق والحرمان والانتحار أحياناً من ضعف شخصية الشباب وسوء تشخيصهم للعوامل التي تساعدهم في تكييف أنفسهم مع المجتمع .
التوافق مع المحيط:
(كلما ضعفت علاقة الشاب بمحيط أسرته وتقلصت ، كلما واجه الشاب الذي يشعر بعنفوانه وحريته وطاقته وحيويته مشاكل جديدة).
«إن إثبات الشخصية وهو أمر طبيعي لمثل هذا العمر غالباً ما يثير تضاداً بين الشاب والمحيط الذي يعيش فيه. وقد لاحظ (ماندوس) أن الشباب في الغالب لا يحاولون تكييف أنفسهم مع محيطهم الاجتماعي ، وإنما يريدون عكس ذلك».
«إن الضوابط الاجتماعية التي يواجهها الشاب بعد خروجه من محيط أسرته إلى محيط المجتمع ، تثير فيه الدهشة والحيرة ، البعض من الشباب يتملكه الاضطراب الشديد والبعض الآخر يصاب بإحباط نفسي ، وقليل من الشباب من يستطيعون أن يكيفوا أنفسهم مع تلك الضوابط».
«ومن هنا تنشأ حالات التمرد والعصيان والفوضوية والفلتان ، وتتملك التخيلات والأوهام أحاسيس أصحاب النفوس المريضة والطباع الضعيفة»(1).
حس التفوق والأفضلية :
ثمة أسباب عديدة وراء خطأ الشباب في اختيار الصفات الشخصية وانحرافهم عن طريق الفضيلة والصلاح ، ومما لا شك فيه أن الحالات النفسية والعصبية التي يعيشها الشاب أثناء فورة البلوغ ، هي من جملة هذه الأسباب .
ومن الأحاسيس الطبيعية الاخرى التي تبرز في أعماق الشاب، حس التفوق والأفضلية. وهذا الحس الفطري الذي يبدأ نشاطه مع حلول مرحلة البلوغ يعتبر ثروة عظيمة من ثروات الشباب ، إن استغلوها استغلالا صحيحاً سارت بهم نحو السمو والكمال ، وإن أفرطوا في استغلالها تسببت في شقائهم وتعاستهم .
إن حب الظهور والرغبة في التفوق هما من الميول الغريزية للإنسان ، وعادة ما يكون هذا الميل شديداً جداً لدى الشباب مما يدفعهم برغبة وشوق إلى السعي والمثابرة لاكتساب القدرة والجاه في مجتمعاتهم .
ويمكن القول: إن الرغبة الجامحة لدى الشباب في اكتساب القدرة ولفت أنظار الآخرين إليهم، ماهي إلا ردة فعل منهم على ما شعروه من حقارة النفس أثناء طفولتهم فالفتى الذي طوى لتوّه مرحلة الطفولة وأخذ جسمه ينمو وعظمه يصلب ، يسعد ويتلذذ لأدنى قدرة أو شهرة يحققها للتعويض عن ضعف الطفولة وحقارة النفس التي عاشها.
«إن من الرغبات التي يعتبرها «ماك دوغال» غريزية ، رغبة حب الظهور والتفوق وإحراز منزلة مرموقة في المجتمع . لكنها ليست غريزية فحسب وإنما هي دافع رئيسي لسلوك الفرد وتصرفاته حسب اعتقاد العالم النفساني «الفريد آدلر: وأتباعه» .
«ويعتقد (ادلر) أن حب الظهور والتفوق هو ردة فعل إزاء الشعور بالحقارة الحقيقية أو الحقارة الوهمية ، فهناك نوع من الحقارة والصغر يشعر به الجميع، لأنهم كانوا يوماً ما صغاراً . وينشأ الشعور بالحقارة لدى الطفل من ثلاثة عوامل : »
تلافي الحقارة:
«وهذه العوامل الثلاثة هي: أولاً : الإحساس بالعجز، ثانيا: الإحساس بالضعف أمام الكبار ، ثالثا : الإحساس بالتبعية للكبار والتعلق بهم. إن كل طفل يرغب في أن يكون إنساناً كبيراً يسعى للتفوق والنجاح لتلافي الحقارة التي يشعر بها»(2).
«إن نجاح الشاب في إثبات وجوده يبين تكامل القدرة البدنية والفكرية لديه في المرحلة الأخيرة للنمو ، وفي الوقت نفسه يعكس ردة فعل الرغبة في تحقيق القدرة والتفوق إزاء الشعور بالحقارة والضعة أمام الأفراد البالغين ومن هم أكبر منه سناً»(3).
يعتبر حس التقليد من الرغبات الطبيعية التي يحملها كل فرد منا في أعماقه ، وهذه الرغبة هي أشد عند الشباب من غيرهم. فالإنسان يستطيع بواسطة التقليد الاستفادة من التجارب العلمية والعملية للآخرين ، والسير على خطاهم المثمرة للوصول إلى قمة النجاح بجهد أقل وسرعة أكبر .
ويقلد الفتيان الآخرين في أسلوب بناء الشخصية واختيار الصفات اللازمة لهذه الشخصية . ونظراً لشدة حب الظهور والرغبة في إبراز شخصيته ، يحاول الفتى أو الشاب قدر إمكانه تقليد المتفوقين والمشاهير من الرجالات ، ويسعى إلى التطبع بصفاتهم لبناء شخصيته، وكله أمل في أن يستطيع اكتساب مزيد من الشهرة والتفوق في أسرع وقت ممكن ليكون محط أنظار عامة الناس.
«حالما تبرز روح الأنانية وتنمو في الإنسان ، يبدأ بالمقارنة بينه وبين الآخرين، بمعنى أنه لا يمكن أن ينظر إلى الآخرين دون أن يلتفت لنفسه ليقارن بينه وبينهم .
« إن شبابنا ما ان يتعرفوا على شخصية من مشاهير التاريخ حتى يغيروا سلوكهم، بمعنى أنهم يرغبون في ان يكونوا مكان هذه الشخصيات ، فتراهم تارة يريدون أن يحلو محل تراجان وتارة اخرى محل الإسكندر. ولهذا حينما يعودون إلى أنفسهم يتألمون ويتحسرون على ما هم عليه ويصابون باليأس والمرارة»(4).
حب الشهرة الغرور:
إن الفتى كثيراً ما يحب أن يعرض وجوده ويثبت شخصيته ، ويبدي رغبة كبيرة تجاه كل ما من شأنه أن يزيد من شهرته وغروره ، أو يثبت قوته واقتداره .
ونظراً لحس التفوق والأفضلية في أعماق الفتى، فإنه يعشق الأعمال البطولية والملاحم ويبدي ولعاً شديداً بالأبطال حقيقيين كانوا أم أسطوريين ، يحب أن يقرأ تاريخهم بتمعن ليتعرف على تفاصيل حياتهم ، ويطبق على نفسه كل ما قرأه عنهم.
أحياناً يلجأ الفتى إلى تقليد الأبطال الرياضيين بكل أفعالهم وتصرفاتهم ، وقد يقدم على بعض الألعاب الرياضية التي تتطلب منه جهداً يفوق طاقته وذلك لإحراز لقب البطولة، أو أنه يقوم بألعاب خطيرة تفقده وهو في ريعان فتوته وشبابه صحته وسلامته .
الرياضات الخطيرة:
«قد تؤدي الرياضات البدني إله-يان والشباب إلى وقوع خسائر وأضرار لا يمكن تعويضها إذا لم تدرس بشكل دقيق من جميع جهاتها.
ففي مجال الصناعة ، وضعت منذ أكثر من قرن وحتى يومنا هذا قوانين صارمة تقضي بملاحقة أولئك الذين يستثمرون الشباب والأطفال ويحملونهم ما لا طاقة لهم عليه. وهذا الأسلوب يجب اتباعه في مجال الرياضة البدنية ، حيث ينبغي اتباع مراقبة طبية شديدة للرياضات البدنية في المدارس ، لأنه ربما أقدم بعض الفتيان البالغين على القيام بما يفوق طاقاتهم بدافع من الغيرة أو الحسد أو عزة النفس».
«فكما تم منع الناشئين والمبتدئين من العمل الإجباري داخل المعامل والمصانع ، ينبغي أيضاً منع البالغين حديثاً من القيام بنشاطات وألعاب تفوق قدراتهم البدنية ، لأن ذلك قد يلحق بسلسلة عظامهم أضراراً لا يمكن تفاديها ، والأسوأ من ذلك قد يصاب الفتى بأمراض مزمنة وخطيرة في القلب نتيجة ما يتعرض له من ضغط شديد»(5) .
وأحياناً يلجأ الفتى إلى تقليد نجوم السينما بكل ما يقومون به من حركات مصطنعة وبعيدة عن الواقع ، ويعتقد أن هذا الأسلوب الخاطئ سيعود عليه بالفخر والشهرة ، فهو يقلد نجوم السينما في مشيته وكلامه ، في ملبسه ونظراته، في حبه وبسماته ، وفي تصفيف شعره وتجميل وجهه ، وباختصار فإنه بدل أن يبني شخصيته على أساس السجايا الأخلاقية والصفات الإنسانية ليكون إنساناً كفؤاً في مجتمعه ، يذهب في تقليده نجوم السينما إلى حد الغلو ، ليوجه بذلك ضربة قوية إلى شخصيته المعنوية .
«يقول الدكتور كارل : لقد ساهم انتشار الصحف والمجلات الرخيصة ودور السينما والإذاعات ، في تدني المستوى الفكري للطبقات الاجتماعية ، فأفكار طلبة المدارس والجامعات تتأثر كل التأثر ببرامج الإذاعات وأفلام دور السينما التافهة والرخيصة التي اعتادوا عليها. إذن لم يعد المحيط الاجتماعي ساحة ينمي فيها الإنسان فكره وينير عقله» .
عدم الاهتمام بحسن الخلق :
«ينتشر الفن الصناعي في عالمنا اليوم بسرعة فائقة ، كما شهد الفن المعماري ازدهاراً كبيراً لم يشهده من قبل ، حيث ارتفعت المباني لتناطح السحاب وتغيّر من ملامح المدن. لكننا لم نشهد مثل هذا الازدهار والتقدم في مجال تنمية الأخلاق وتحسينها . فقد تناست المجتمعات مسألة الأخلاق ، لا بل قضت عليها بالكامل .
وبات الفتيان يتعلمون أدوارهم من أبطال شاشات السينما ليطبقوها في حياتهم اليومية"(6) .
مما لا شك فيه أن لوسائل الإعلام المقروءة والمرئية في عالمنا اليوم دوراً كبيراً ومؤثراً في تفتح أذهان المجتمعات وبناء شخصية الإنسان لاسيما الشباب. فما يطالعه الشاب في الصحف اليومية وما يشاهده على شاشات السينما يترك أثراً عميقاً في نفسه ، فيسلب منه لبه من حيث يدري أو لا يدري ، ويدفعه في الطريق الذي ترسمه له وسائل الإعلام هذه .
ويعتقد كبار فلاسفة علم النفس في العالم بأن هاتين الوسيلتين الإعلاميتين المؤثرتين لم تسهما في تنمية أفكار الناس تنمية سليمة ، بل وتهدفان أيضاً إلى جرف أفكار الناس من مسارها الصحيح نحو الانحراف والرذيلة.
أخبار الصحف:
«يقول هـ . ا . أوفرستريت استاذ جامعات كاليفورنيا ونيويورك : إن أهم الأخبار التي تتناقلها الصحف :
«هي تلك التي تترك آثاراً سلبية في نفوس قرّائها . فالأخبار السياسية المحلية عادة ما تكون مخصصة للاجتماعات والزيارات والجولات والمحادثات، إلا أن الأخبار العامة أو الأخبار الأمنية المحلية التي تتصدر أهم الصفحات والأعمدة في الصحف، لا تخرج عن إطار الأحداث والجرائم، فهذا قتل، وذاك خطف، وثالث تعرض للضرب والإهانة ، أو فلان احتال على فلان ، أو فلان قتل فلاناً وهرب ، أو فلان كشف النقاب عن أسرار تتعلق بفلان، وما إلى ذلك من أحداث وجرائم تثير ألماً وحزناً في نفس القارئ)).
«وباختصار نقول : ان أكثر الصحف قد توصلت إلى نتيجة مفادها أن معظم الناس يميلون إلى كل ما هو منحرف عن مسير الحياة الطبيعي الهادئ» .
«ويمكن القول: إن الصحف نجحت في إثارة اهتمام الناس بالحوادث والجرائم ، فإذا ما استحصلت على حدث مثير فإنها تطبل له وتزمر ، وإذا ما كشف النقاب عن حادثة مؤلمة فإنها ستكون السباقة في نشرها» .
«إن لكل منا نظرته إلى الكمال ، ولكل نظرة في علم النفس معنى خاص ، وتفسير ذلك أن نظرتنا إلى الحياة تضيق يوماً بعد آخر وسنة بعد سنة لتصبح منحصرة في زاوية منحرفة. إننا نرى أن الحياة بما يتخللها من مواقف عدائية وأحداث مؤلمة وممارسات تخريبية أجمل من تلك التي تسودها مواقف الأخلاق والصداقة والمحبة» .
«إننا أفراد مدنية يتأثر أبناؤها منذ طفولتهم بما تتناقله الصحافة ، لتترسخ في أذهانهم فكرة خاطئة تقول بحلاوة وأهمية كل ما له صلة بالحروب والأحداث غير الطبيعية»(7) .
عمل وحشي:
«يقول الدكتور وعالم النفس الإنجليزي «اوستاس جسر» : يصورون لنا في بعض الأفلام العنف على أنه صفة حميدة تستحق الثناء ، وفي هذه الأفلام يصورون لنا ذلك القرصان الشقي ورجل الغابة طرزان على أنهما أسوة علينا أن نقتدي بهما في حياتنا . إن ما تتمتع به هاتان الشخصيتان من قوة جسمانية خارقة ، أمر جميل وحسن، ولكن كما يقول شكسبير :
«إن امتلاك قوة جسمانية خارقة أمر جميل وحسن ، لكن استخدام تلك القوة الخارقة عمل وحشي» (8) .
تعتبر فترة البلوغ مرحلة يبني فيها الفتى شخصيته المعنوية ، ويعد نفسه للتكيف مع المجتمع . وفي هذه المرحلة بالذات يحتاج الفتى لمن يراقبه مراقبة كاملة ، ويوفر له مربين أكفاء يساعدونه في تخطي هذه المرحلة الصعبة بسلام، وتجاوز كل الأخطار التي قد تتهدّده في مسيرته .
والفتى الذي يريد بناء شخصيته يجد نفسه من جهة مضطرا لتقليد الآخرين والاستفادة من تجاربهم الحياتية، ومن جهة أخرى راغباً في انتهاج نهج الأبطال والمشاهير في العالم ، وذلك لإرضاء رغبته في التفوق وحب الظهور.
كم من شاب ضل طريقه وانجرف في تيار الفساد بسبب مشاهدة بعض من الأفلام المضلة. وقد أقدم هؤلاء على ارتكاب المعاصي والآثام إرضاء لرغبة التفوق وحب الظهور، جالبين لأنفسهم التعاسة والشقاء.
«إن الشباب المعاصر الذين يعشقون السينما بإفراط يرغبون دون شك في أن تكون لهم حياة شبيهة بحياة أبطال السينما دون أن يفكروا بأن ما يرونه بعيد عن الواقع ومصطنع» .
«إن أبطال الأفلام غالباً ما يقتحمون ساحة المعارك بكل جرأة وشجاعة ، وليس هناك ما يقف في طريقهم أو يمنعهم من الوصول إلى هدفهم ، إنهم يتفوقون دائماً على منافسيهم ، وكثيراً ما يلعب المسدس دوراً هاماً في مثل هذه الأفلام . ولكن كلنا أسف ونحن نقول إن هذا التقليد - أي تقليد استخدام المسدس أو السلاح - الأعمى لا يمكنه أن يعود بالنفع على الإنسان ، ولن يساعده في الانتصار أو الحصول على ثروة أو استرداد الحبيبة التي باتت اليوم زينة لأفلام السينمائية، ولا يمكنه أن يجني شيئاً غير المثول أمام المحكمة الجنائية والانهيار وسوء السمعة» .
«من منا يستطيع أن ينكر تأثير الروايات البوليسية في نفوس شبابنا ؟ ، فشبابنا الذين يصعب عليهم أن يلعبوا دور المفتش أو رجل الأمن الحاذق ، تراهم يندفعون لاتخاذ دور المجرم دون تفكير ، وهذا الدور اليسير برأيهم سيكلفهم غالياً»(9) .
«أخطار السينما ، تحت هذا العنوان نقلت صحيفة اطلاعات الإيرانية خبراً عن إحدى الصحف اللبنانية مفاده أن امرأة لبنانية تدعى آمنة غندور تقدمت بشكوى ضد ابنها المدعو عدنان غندور ، أوضحت فيها مخاطر الأفلام السينمائية التي تركز على العنف والإجرام على الأطفال والفتيان . وتقول آمنة في شكواها إن بنها عدنان البالغ من العمر اثني عشر عاماً يفر من المدرسة باستمرار وينفق المال دون حساب، وهي لا تعلم من أين يحصل ابنها على هذا المال.
(وألقي القبض على عدنان الذي اعترف أثناء التحقيق بأنه تعلم فن السرقة من الأفلام السينمائية ، وارتكب حتى إلقاء القبض عليه سبعاً وعشرين جريمة سرقة شملت فيما شملت سبع دراجات هوائية باعها بها سرقتها))(10) .
«القي القبض في طهران على مجموعة من الفتيان بعضهم من طلبة المدارس بينما كانوا يسرقون سيارة في أحد شوارع العاصمة. وأثناء التحقيق اعترف هؤلاء الذين تراوحت أعمارهم بين الـ 16 والـ 20 عاماً بأنهم لا يعرفون لماذا امتهنوا السرقة ،
لكنهم كانوا يستمتعون بالسرقة وخاصة أجواء المغامرة التي كانوا يعيشونها أثناء سرقاتهم - حسب زعمهم - ، وقالو: إنهم لم يستفيدوا من الأموال التي كانوا يستحصلون عليها من سرقة السيارات» .
(وفي أمريكا القي القبض على مجموعات كبيرة من الفتيان يعملون في سرقة السيارات ، وقد اعترف الجميع خلال التحقيق بأنهم لم يقدموا على السرقة بدافع من الفقر والعوز وإنما بدافع الاستلذاذ، فهم قرروا تجاوز كافة القيود الاجتماعية والقوانين الجزائية في بلدهم ليصيبوا لذة من ذلك .
ويعزو بعض علماء النفس هذه الحوادث إلى جملة من الأسباب، أهمها التأثير السلبي للأفلام البوليسية وأفلام العنف والإجرام والمجلات في نفوس الشباب»(11).
ورغم الآثار السلبية التي تتركها أفلام العنف والإجرام المضلة في نفوس عامة الفتيان الذين يعانون ما يعانون من أجل بناء شخصيتهم ، والتي قد تتسبب في انحرافهم ولجوئهم إلى ارتكاب أبشع الجرائم تقليداً منهم لأبطال السينما ، إلا أن الأخطر من ذلك هو مشاهدة أولئك الذين يشعرون بعقدة الحقارة أو أولئك الذين لم يتلقوا تربية سليمة في طفولتهم لمثل هذه الأفلام التي تثير في نفوسهم رغبة التفوق ودوافع اخرى تدفعهم نحو الإجرام .
إن الفتى الذي أغدق عليه أبواه في طفولته الحب والدلال وبات اليوم مهملاً محتقراً في مجتمعه ، والفتى الذي حرم من عطف أبويه خلال طفولته ، والفتى الذي تخلف عن رفاقه في المدرسة بسبب الكسل أو التخلف الذهني، والفتى الذي يعاني من الإحساس بالنقص نتيجة فقدانه أحد أعضاء جسمه ، والفتى الذي يعاني من الظلم في محيط الأسرة والمجتمع وتهدر حقوقه، وأخيراً الفتى الذي يعاني من إرباك في ضميره أو أنه يشعر بالحقارة في نفسه لسبب معين، كل هؤلاء همهم الوحيد التعويض عن الحقارة التي يشعرون بها ، فهم يرغبون في إظهار أنفسهم وإثبات وجودهم بأي شكل من الأشكال .
وتأتي الأفلام المضلة لتلعب دورها في هذا المجال وترسم له الطريق الذي يبحث عنه ، فأبطال هذه الأفلام يعلّمون الفتى الذي يشعر في ذاته بعقدة الحقارة كيف ينتقم وكيف يطغى وكيف يرعب الآخرين وكيف يثبت شخصيته وكيف يفرض آراءه على الآخرين وكيف يسرق ليستجمع ثروة وكيف يشبع غريزته الجنسية بالطرق غير المشروعة ، ويعلمونه أيضاً ماذا يصنع لكي يصبح بطلا ويرضي رغبة التفوق في نفسه من جهة ، وكيف يزيل عقدة الحقارة من ذاته من جهة اخرى.
ومما لا شك فيه أن التقليد يعتبر ركناً أساسياً من أركان رقي الإنسان وتقدمه ، وعاملا غاية في التأثير في تقدم الفرد والمجتمع. وينبغي على الفتى أن يستفيد من هذه الرغبة الطبيعية في بناء شخصيته ، شرط أن يلتفت إلى نقطتين مهمتين كي لا يقوده التقليد الأعمى إلى الانحراف عن طريق الفضيلة والرشاد.
وهاتان النقطتان هما: أولاً: عدم تقليد المنحرفين والمذنبين. ثانياً: عدم الإتيان بالمعاصي والمحرمات طمعاً في اكتساب لقب البطولة أو إحراز مركز اجتماعي مرموق ، لأن المنحرفين والمذنبين سرعان ما يفشلون .
روي عن الإمام الحسين (عليه السلام) أنه قال: من حاول أمراً بمعصية الله كان أفوت لما يرجو وأسرع لما يحذر(12).
التقليد الخاطئ:
«إن سلوكنا بشكل عام تشكل نتيجة التقليد ، فلو لم تكن الغريزة لوجب على كل منا ان يبدأ منذ طفولته في تحديد الحياة التي تناسبه ويصنع لنفسه سلوكاً معيناً ، وهذا ما يجعل الحياة الاجتماعية صعبة للغاية وربما مستحيلة» .
«وللأسف هناك من يندفع نتيجة تشخيص خاطئ أو رغبة ذاتية نحو تقليد أشخاص غير مرغوب فيهم أو حتى منبوذين من قبل العقلاء.
وقد يقدم شاب متعطش لإظهار نفسه وإثبات وجوده على تقليد شخص قد يكون بلغ مراده بالصدفة عبر طرق غير مشروعة ، ولن تكون نتيجة هذا التقليد الخاطئ سوى شقاء هذا الشاب وتعاسته ))(13)
الاستعدادات المتباينة:
النقطة المهمة الثانية هي أن يعلم الشباب أن هناك تبايناً في استعداداتهم الفطرية ، فالتركيبة الطبيعية للإنسان تختلف من شخص لآخر ، لأن الله سبحانه وتعالى خالق الناس أجمعين خص كل إنسان بقوة استعداد معينة للقيام بعمل معين.
قال رسول الله (صلى الله عليه وآله) : اعملوا فكل ميسر لما خلق له (14).
إن الإنسان لا يبلغ درجة تليق به من الكمال ما لم يفجر كل الطاقات الكامنة في أعماقه ويستفيد من اسعداداته الدفينة إن المقصود من التقليد هو أن يقدم الإنسان على تقليد الآخرين في مجال إحياء الطاقات وإبراز الشخصية ، ليحقق كما حققوا من قبله نتائج مثمرة ، لا أن يقدم على تقليد الأبطال دون بصيرة ، ليكون بطلا - حسب تصوره - هاملاً بذلك استعداداته الفطرية التي يمكنها أن تأخذ به إلى الشهرة والمجد.
«إن روح المغامرة وحب المجازفة وما شابه ، ليست من الأمور التي يقوم عليها أساس حياتنا، لذا يجب أن لا نهتم بها كثيراً ، لأنها أمور لا بد وأن تصادف كل إنسان في مقاطع مختلفة من حياته ، ولكن على كل إنسان أن يسعى لأن يكون هو نفسه لا أن يكون بطل قصة أو فيلم» .
«إذا أخذ الإنسان جانباً من شخصيته وحاول تدريبه على حركة يقوم بها بطل اسطوري ما ، فإنه بلا شك سيكون بعيداً عن شخصيته الحقيقية.
إن الإنسان الذي يكون طبيعياً جداً في حركاته وأفكاره وسلوكه، يحظى لدى الآخرين بمنزلة واحترام وتقدير أكبر من ذلك الذي يحاول التصنع بكل شيء أمام الآخرين . والإنسان بسعيه ومثابرته يستطيع أن يصنع من نفسه شخصية مرموقة ذات شهرة عظيمة ، على عكس أولئك الذين يصرون على تقليد الأبطال ، فإنهم لن يكونوا أكثر من مقتدين)).
«والإنسان ليس بمقدوره أن يحقق السعادة والتقدم والنجاح في حياته، إلا إذا استغل قواه واستعداداته الطبيعية والفطرية، لا ذاك الذي يقضي على قواه الطبيعية بسوء الخلق والسلوك والغرور والحرص والطمع وعدم الثقة أو الثقة المفرطة بالآخرين والتقليد الأعمى»(15).
__________________________
(1) ماذا اعرف ؟ البلوغ، ص 82 .
(2) علم النفس الإجتماعي ج 1 ، ص 116.
(3) ماذا اعرف ؟ ، البلوغ، ص88.
(4) أميل، ص189.
(5) ماذا أعرف ؟ ، البلوغ، ص 39.
(6) الإنسان ذلك المجهول : ص 144.
(7) العقل الكامل، ص200.
(8) النمو والحياة ، ص 225 .
(9) ماذا أعرف ؟ ، الجريمة، ص27 .
(10) صحيفة إطلاعات الإيرانية ، العدد 10386.
(11) صحيفة إطلاعات الايرانية، العدد 11630.
(12) بحار الأنوار ج17 ، ص149.
(13) البهجة ص112.
(14) سفينة البحار، يسر، ص 732.
(15) النمو والحياة ، ص 18.
|
|
5 علامات تحذيرية قد تدل على "مشكل خطير" في الكبد
|
|
|
|
|
لحماية التراث الوطني.. العتبة العباسية تعلن عن ترميم أكثر من 200 وثيقة خلال عام 2024
|
|
|