أقرأ أيضاً
التاريخ: 5-12-2019
4143
التاريخ: 23-03-2015
5889
التاريخ: 1-04-2015
7249
التاريخ: 23-03-2015
2922
|
قال المرزوقي (ت 421 ه-1030 م) في مقدّمة
شرح ديوان الحماسة (1:8-11):
«. . . . الواجب أن يتبيّن ما هو عمود الشعر
المعروف عند العرب ليتميّز تليد الصنعة من الطريف (1)، وقديم نظام القريض
من الحديث، ولتعرف مواطئ أقدام المختارين فيما اختاروه ومراسم أقدام المزيّفين على
ما زيّفوه (2)، ويعلم أيضا فرق ما بين المصنوع والمطبوع، وفضيلة الأتيّ
السمح على الأبيّ الصعب. فنقول، وباللّه التوفيق:
«انهم كانوا يحاولون شرف المعنى وصحته (3)
وجزالة اللفظ واستقامته والاصابة في الوصف-ومن اجتماع هذه الاسباب الثلاثة كثرت سوائر
الامثال وشوارد الابيات (4) والمقاربة في التشبيه، والتحام أجزاء النظم
والتئامها على تخيّر من لذيذ الوزن، ومناسبة المستعار منه للمستعار له، ومشاكلة
اللفظ للمعنى وشدة اقتضائهما للقافية حتى لا منافرة بينهما. فهذه سبعة أبواب هي عمود
الشعر، ولكل باب منها معيار.
«فعيار المعنى أن يعرض على العقل الصحيح
والفهم الثاقب، فإذا انعطف عليه جنبتا القبول والاصطفاء مستأنسا بقرائنه خرج وافيا،
والا انتقض بمقدار شوبه ووحشته (5). وعيار اللفظ الطبع والرواية
والاستعمال. فما سلم مما يهجّنه عند العرض عليها فهو المختار المستقيم. وهذا في مفرداته
وجملته مراعى، لأن اللفظة تستكرم بانفرادها، فإذا ضامها ما لا يوافقها عادت الجملة
هجينا (6). وعيار الاصابة في الوصف الذكاء وحسن التمييز. فما وجداه صادقا
في العلوق ممازجا في اللصوق يتعسّر الخروج عنه والتبرّؤ منه، فذاك سيماء الاصابة فيه.
ويروى عن عمر أنه قال في زهير: كان لا يمدح الرجل إلا بما يكون للرجال. فتأمّل هذا
الكلام فانه تفسير ما ذكرناه.
«وعيار المقاربة في التشبيه الفطنة وحسن
التقدير. فأصدقه ما لا ينتقض عند العكس، وأحسنه ما أوقع بين شيئين اشتراكهما في الصفات
أكثر من انفرادهما ليبين وجه التشبيه بلا كلفة، الا أن يكون المطلوب من التشبيه أشهر
صفات المشبّه به وأملكها له، لأنه حينئذ يدلّ على نفسه ويحميه من الغموض والالتباس-وقد
قيل أقسام الشعر ثلاثة مثل سائر، وتشبيه نادر، واستعارة قريبة.
«وعيار التحام أجزاء النظم والتئامه
على تخيّر من لذيذ الوزن الطبع واللسان-فما لم يتعثّر الطبع بأبنيته وعقوده، ولم
يتحبّس اللسان في فصوله ووصوله (7)، بل استمرّا
فيه واستسهلاه، بلا ملال ولا كلال، فذاك يوشك أن يكون القصيدة منه كالبيت، والبيت
كالكلمة تسالما لأجزائه وتقارنا. . .. وإنما قلنا على تخيّر من لذيذ الوزن لأن لذيذه
يطرب الطبع لإيقاعه ويمازجه بصفائه، كما يطرب الفهم لصواب تركيبه واعتدال نظومه.
«وعيار الاستعارة الذهن والفطنة. وملاك
الأمر تقريب التشبيه في الاصل حتى يتناسب المشبّه والمشبّه به. . .. وعيار مشاكلة اللفظ
للمعنى وشدة اقتضائهما للقافية طول الدربة ودوام المدارسة. فإذا حكما بحسن التباس بعضها
ببعض، لا جفاء في خلالها ولا نبوّ، ولا زيادة فيها ولا قصور، وكان اللفظ مقسوما على
رتب المعاني: قد جعل الاخص للأخصّ (8) والأخسّ للأخسّ، فهو البريء من العيب.
وأما القافية فيجب أن تكون كالموعود به المنتظر يتشوّفها (9) المعنى بحقّه
واللفظ بقسطه، وإلا كانت قلقة في مقرّها مجتلبة لمستغن عنها (10).
«فهذه الخصال هي عمود الشعر عند العرب.
فمن لزمها بحقّها وبنى شعره عليها فهو عندهم المفلق المعظّم والمحسن المقدم، ومن
لم يجمعها كلها، فبقدر سهمته منها (11) يكون نصيبه من التقدم والاحسان.
وهذا اجماع مأخوذ به ومتّبع نهجه حتى الآن».
_______________________
1) التليد: القديم. الطريف: الجديد.
2) اختاروه: فضلوه على غيره. زيفوه: أظهروا
رداءته.
3) المعنى الشريف: معاني الاغراض الفخمة
كالكرم والحماسة ووصف القصور والخمر.
4) الابيات البارعة المعنى السهلة التركيب.
5) شوب المعنى: مزجه بالمعنى الرديء. وحشة
المعنى: غرابته وجفائه (بعده عن ألوان الحضارة).
6) الهجين: المخلوط بما هو أدنى قيمة منه؛
البعيد عن الصفاء والعروبة الاصيلة.
7) الفصل: الوقوف عند انتهاء المعنى. الوصل:
صلة المعنى بالمعنى.
8) الاخص
للأخص: اللفظ (الفخم) الموافق للمعنى (الفخم). الأخس للأخس: اللفظ اللين للمعنى اللين.
9) يتشوفها:
يراها من بعد (يستطيع القارئ أن يعرفها من سياق البيت قبل أن يصل اليها).
10)
مجتلبة لمستغن عنها: يؤتى بها لتمام الوزن ومناسبة حرف الروي، من غير أن يكون المعنى
محتاجا اليها.
11)
السهمة (بالضم): القرابة والنصيب، أي بقدر ما في شعره من هذه الخصائص تكون جودة شعره.