أقرأ أيضاً
التاريخ: 6-9-2017
3837
التاريخ: 17-04-2015
9962
التاريخ: 17-04-2015
3539
التاريخ: 17-04-2015
3672
|
لاحظ الإمام الصادق ( عليه السّلام ) تأثير موجات الانحراف الفكري والسياسي على الامّة ومدى إفسادها لعقول الناس ، وما لعبته سياسة الأمويين من خلق أجواء ملائمة لطغيان النزعات الإلحادية والقبلية حتى عمّ الانفلات الأخلاقي ، كما كثر في زمانه ( عليه السّلام ) رفع شعار الورع والتقوى . كل ذلك أفقد الامّة قيمها وأبعدها عن الأخلاق التي أمر بها الرسول ( صلّى اللّه عليه وآله ) وأرادها لامّته .
من هنا كان دور الإمام ( عليه السّلام ) وتوجّهه الروحي والأخلاقي مع الأمة في عدّة أبعاد :
البعد الأوّل : كونه ( عليه السّلام ) القدوة الصالحة والمثال الواقعي الذي تتجسّد في شخصه أخلاق الرسالة ؛ مما يكون موقعا لإشعاع الفضيلة ونموّها ، ويكشف من جانب آخر زيف الأنانيّة ونزعات الذات .
البعد الثاني : تقديم مجموعة من الوصايا والرسائل والتوجيهات التربويّة والاخلاقيّة التي عالج من خلالها الخواء الروحي والانحراف الأخلاقي الذي نما في سنوات الانحراف .
أما في البعد الأول فنجد الإمام ( عليه السّلام ) كان يدعو الناس إلى الفضيلة برفق ولين ويجادلهم بالتي هي أحسن ، وكان يسمح للسائلين بطرح أسئلتهم مهما كانت وكان يوضّح لهم ما كان غامضا عليهم .
كما كان لا يقبل من مقرّبيه أن يتشدّدوا بدعوتهم حيث كان يقول لهم :
« لأحملنّ ذنوب سفهائكم على علمائكم ، ما يمنعكم إذا بلغكم عن الرجل منكم ما تكرهون ، وما يدخل به الأذى علينا ، أن تأتوه فتؤنّبوه وتعذلوه وتقولوا له قولا بليغا » فقال له بعض أصحابه إذا لا يقبلون منّا ، قال : اهجروهم واجتنبوا مجالسهم[1].
فالإمام هنا يوصي العالم من أصحابه أن لا يتخلى عن رسالته في إرشاد الإنسان الجاهل المنتمي إلى مدرسة أهل البيت ( عليهم السّلام ) بحجة تماديه وجرأته بارتكاب المخالفات مما يعكس الوجه السلبي لاتّباع الإمام فيؤذي دعاة الإصلاح .
ففي نظر الإمام ( عليه السّلام ) لا يجوز تركه وإهماله إلّا بعد اليأس من إصلاحه وإزالة الشك من ذهنه .
البعد الثالث : وكان يحرص على شدّ أواصر المجتمع الإسلامي وإشاعة الفضيلة بين الناس ليقضي على العداوة والبغضاء ، فكان ( عليه السّلام ) يدفع إلى بعض أصحابه من ماله ليصلح بين المتخاصمين على شيء من حطام الدنيا من أجل القضاء على المقاطعة والهجران لئلّا يدفعهم التخاصم إلى الترافع لحكّام الجور والذي كان قد نهى ( عليه السّلام ) عنه .
قال سعيد بن بيان : مرّ بنا المفضّل بن عمر وأنا وختني نتشاجر في ميراث ، فوقف علينا ساعة ثم قال لنا : تعالوا إلى المنزل ، فأتيناه فأصلح بيننا بأربعمائة درهم فدفعها إلينا من عنده حتّى إذا استوثق كل واحد منّا من صاحبه قال المفضّل : أما إنها ليست من مالي ، ولكنّ أبا عبد اللّه ( عليه السّلام ) أمرني إذا تنازع رجلان من أصحابنا في شيء أن اصلح بينهما وأفتديهما من ماله ، فهذا من مال أبي عبد اللّه ( عليه السّلام )[2] .
وهذا الأسلوب يأتي كخطوة عمليّة ترفد ذاك التوجيه الذي تضمّن حرمة الترافع إلى حكّام الجور .
وكان ( عليه السّلام ) يحثّهم على صلة الرحم . ومن حسن سيرته ومكارم أخلاقه أنّه كان يصل من قطعه ويعفو عمّن أساء اليه ، كما ورد أنه وقع بينه وبين عبد اللّه بن الحسن كلام ، فأغلظ عبد اللّه في القول ثم افترقا وذهبا إلى المسجد فالتقيا على الباب فقال الصادق ( عليه السّلام ) لعبد اللّه بن الحسن : كيف أمسيت يا أبا محمد ؟ فقال عبد اللّه : - بخير ( كما يقول المغضب ) - . قال الصادق ( عليه السّلام ) :
« يا أبا محمد أما علمت أنّ صلة الرحم تخفّف الحساب ؟ » ! ثمّ تلى قوله تعالى :
وَالَّذِينَ يَصِلُونَ ما أَمَرَ اللَّهُ بِهِ أَنْ يُوصَلَ وَيَخْشَوْنَ رَبَّهُمْ وَيَخافُونَ سُوءَ الْحِسابِ[3].
فقال عبد اللّه : فلا تراني بعدها قاطعا رحما[4]. فكان يصل رحمه ويبذل لهم النصح ، كما كان يصل الفقراء في اللّيل سرّا وهم لا يعرفونه .
قال هشام بن الحكم ( رحمه اللّه ) كان أبو عبد اللّه إذا أعتم وذهب الليل شطره ، أخذ جرابا فيه خبز ولحم ودراهم فحمله على عنقه ثمّ ذهب إلى أهل الحاجة من أهل المدينة فقسّمه فيهم وهم لا يعرفونه وما عرفوه حتى مضى إلى اللّه تعالى[5].
وقال مصادف : كنت مع أبي عبد اللّه ( عليه السّلام ) ما بين مكة والمدينة فمررنا على رجل في أصل شجرة . وقد ألقى بنفسه ، فقال ( عليه السّلام ) : « مل بنا إلى هذا الرجل فإنّي أخاف أن يكون قد أصابه العطش » . فملنا إليه فإذا هو رجل من النصارى طويل الشعر ، فسأله الإمام ( عليه السّلام ) : أعطشان أنت ؟ فقال : نعم ، فقال الإمام ( عليه السّلام ) :
« انزل يا مصادف فاسقه » . فنزلت وسقيته ثم ركبت وسرنا . فقلت له : هذا نصراني ، أفنتصدق على نصراني ؟ فقال : نعم إذا كانوا بمثل هذه الحالة »[6].
وكان يرى ( عليه السّلام ) أن الإعراض عن المؤمن المحتاج للمساعدة استخفاف به ، والاستخفاف بالمؤمن استخفاف بهم ( عليهم السّلام ) ، فقد كان عنده جماعة من أصحابه فقال لهم : « ما لكم تستخفّون بنا ؟ ! » فقام إليه رجل من أهل خراسان فقال : معاذ اللّه أن نستخفّ بك أو شيء من أمرك ! فقال ( عليه السّلام ) : « إنّك أحد من استخفّ بي » .
فقال الرجل : معاذ اللّه أن أستخفّ بك ! ! فقال له ( عليه السّلام ) : « ويحك ألم تسمع فلانا ونحن بقرب الجحفة وهو يقول لك : إحملني قدر ميل فقد واللّه أعييت . فو اللّه ما رفعت له رأسا ، لقد إستخففت به ومن استخفّ بمؤمن فينا استخفّ وضيّع حرمة اللّه عزّ وجلّ »[7].
أما البعد الثاني : فكما قلنا كان يتمثّل في مجموعة الوصايا والرسائل والمناظرات والتوجيهات التي عالج الإمام ( عليه السّلام ) من خلالها الإخفاق الروحي الذي كانت الامّة قد تعرّضت لا يصالها إلى المستوى الايماني الذي كانت تريده الرسالة .
فقد خاطب ( عليه السّلام ) شيعته وأصحابه قائلا : « فإنّ الرجل منكم إذا ورع في دينه ، وصدق الحديث ، وأدّى الأمانة وحسن خلقه مع الناس ، قيل : هذا جعفري ، فيسرّني ذلك ، ويدخل عليّ منه السرور وقيل : هذا أدب جعفر ، وإذا كان على غير ذلك دخل عليّ بلاؤه ، وعاره وقيل : هذا أدب جعفر . . . »[8].
وأراد الإمام ( عليه السّلام ) أن يعزّز في نفوسهم صحة مذهبهم باعتباره يمثّل الخط الإلهي ، فانتقد من جانب الاتّجاهات المنحرفة عن خطّ الرسالة وفتح شيعته آفاقا توجيهيّة قائلا : « أما واللّه ما أحد من الناس أحبّ اليّ منكم وإن الناس قد سلكوا سبلا شتّى فمنهم من أخذ برأيه ، ومنهم من اتّبع هواه ، ومنهم من اتبع الرواية ، وانكم أخذتم بأمر له أصل فعليكم بالورع والاجتهاد واشهدوا الجنائز ، وعودوا المرضى واحضروا مع قومكم في مساجدهم للصلاة ، أما يستحي الرجل أن يعرف جاره حقه ، ولا يعرف حق جاره »[9].
كما أوصى أحد أصحابه بأن لا ينتقدوا من هو ضعيف الايمان من بينهم بل يجب شدّ أزره وتقويم ضعفه ما دام قد اختار طريق الحقّ وذلك كما في قوله ( عليه السّلام ) : « يا ابن جندب لا تقل في المذنبين من أهل دعوتكم إلّا خيرا ، واستكينوا إلى اللّه في توفيقهم ، وسلوا التوبة لهم ، فكل من قصدنا وولانا ، ولم يوال عدوّنا ، وقال ما يعلم وسكت عما لا يعلم أو أشكل عليه فهو في الجنة »[10] وتجد الإمام يغرس في أصحابه صفة التواضع التي من علاماتها السلام على كل من يلقاه فإنّ ذلك يتمّ عن سلامة النفس ، واعتبر من التواضع ترك المناقشة العقيمة خصوصا في المسائل العلمية فيما إذا كانت تنطلق من الشعور بالتفوّق ، واعتبر أيضا من علامات التواضع أن لا يحب الشخص بأن يمتدح على ما يتمتع به من علم وأدب وتقوى فإنّ حبّه لذلك حبّ للظهور والعظمة وليس من التواضع في شيء .
قال ( عليه السّلام ) : « من التواضع أن ترضى بالمجلس دون المجلس وأن تسلّم على من تلقى وأن تترك المراء وان كنت محقّا ، ولا تحب أن تحمد على التقوى »[11].
وكان ( عليه السّلام ) يوصي أصحابه بالتسليم للحق في الحوار أو النقد وعدم التأثر بالعصبية للقوم أو العشيرة أو المذهب فيكون الانحياز حائلا دون سماع الحقيقة التي هي شعار أهل البيت ( عليهم السّلام ) فقال : « المسلّم للحق أوّل ما يصل إلى اللّه . . . »[12].
البعد الرابع : ومن الأمور التربوية التي أكّدها الإمام ( عليه السّلام ) في نفوس أصحابه - ليكونوا بالمستوى المطلوب من النضج والسلامة في التفكير ولئلّا تكون مشاريعهم وتخطيطاتهم عرضة للفساد - هي الدعوة إلى التثبّت في الأمور .
قال ( عليه السّلام ) : « مع التثبّت تكون السلامة ومع العجلة تكون الندامة ، ومن ابتدأ بعمل في غير وقته كان بلوغه في غير حينه »[13].
[1] الإمام الصادق والمذاهب الأربعة : 3 / 291 .
[2] أصول الكافي : 2 / 209 .
[3] الرعد ( 13 ) : 21 .
[4] كشف الغمة : 2 / 375 عن الجنابذي ، وعنه في بحار الأنوار : 47 / 274 .
[5] بحار الأنوار : 47 / 38 عن فروع الكافي : 4 / 8 .
[6] وسائل الشيعة : 6 / 285 الحديث 3 .
[7] الإمام الصادق والمذاهب الأربعة : 2 / 296 .
[8] أصول الكافي : 2 / 636 وعنه في وسائل الشيعة : 12 / 5 ح 2 ، نهج السعادة : 8 / 32 .
[9] أصول الكافي : 8 / 146 ح 121 وعنه الف حديث في المؤمن ، للشيخ هادي النجفي .
[10] تحف العقول : وصيته ( عليه السّلام ) لعبد اللّه بن جندب : 302 .
[11] الحكم الجعفرية : 35 .
[12] المصدر السابق : 60 .
[13] الحكم الجعفرية : 60 .
|
|
دراسة يابانية لتقليل مخاطر أمراض المواليد منخفضي الوزن
|
|
|
|
|
اكتشاف أكبر مرجان في العالم قبالة سواحل جزر سليمان
|
|
|
|
|
المجمع العلمي ينظّم ندوة حوارية حول مفهوم العولمة الرقمية في بابل
|
|
|