أقرأ أيضاً
التاريخ: 26-12-2021
2137
التاريخ: 13-12-2021
1796
التاريخ: 18-12-2021
1852
التاريخ: 15/9/2022
1138
|
تاريخ الصورة الصحفية
الصورة من أهم روافد الفنون القديمة المرتبطة بتواجد الإنسان وكما أن لكل شئ أصل وتاريخ فإن للصورة هي الأخرى بدايات تاريخية لا يمكن تجاهلها ولا التغاضي عن مراحل تطورها التي مرت بها حتى استطاعت أن تصل إلى ما هي عليه وتساير مقتضيات الحياة الصحفية والإعلامية لأننا لا نكون مبالغين إذا قلنا أن الإعلام مبني على الصورة في الأساس وإن إعلاما بلا صورة هو إعلام ناقص. وانطلاقا من أهمية الصورة سوف نعرض التدرج التاريخي للصورة في السطور القادمة.
كانت الصور هي أول شيء لجأ إليه الإنسان البدائي للتعبير عن نفسه وعن أفكاره بدليل أن أول الحروف الهجائية في اللغة الإنسانية الأولى اتخذت شكل صور الأشياء والطيور والحيوانات المحيطة بالإنسان الأول مثلما حدث في اللغة الهيروغليفية وغيرها من لغات الشرق القديم.
واستمر هذا الوضع حتى ظهر فنانون قادرين على التعبير بالصورة رسمة باليد واستمر ذلك حتى أوائل القرن الثامن عشر.
وتبدأ قصة التصوير الفوتوغرافي في يناير 1839م عندما أعلن اكتشاف (داجير) Daguerre في أكاديمية العلوم بباريس ليصبح هذا الاختراع متاحة للعالم كله من قبل الحكومة الفرنسية وكان التطور الحقيقي في استخدام التصوير الفوتوغرافي في الصحف 1880 م عندما تم إنتاج الصور الظلية بطريقة الهافتون halftone من خلال استخدام شبكة.
وفي 4 مارس 1880م ظهرت أول مرة في صحيفة Daily Graphic أول صورة فوتوغرافية باهتة السواد رديئة الطباعة وإن وضح فيها بعض من ظلال اللون الرمادي، وكانت الصورة لمنظر طبيعي لمكان يدعی shantytown بمدينة نيويورك وكان هذا هو الميلاد الحقيقي للصحافة المصورة.
وفي أواخر القرن الماضي، ظهرت في الصحف المصرية الصور الفوتوغرافية المحفورة بطريقة التدرج الظلي، وبدأ ذلك في المجلات ثم في الجرائد مع الإعلانات، ولكنها لم تظهر مع مواد التحرير إلا في بداية القرن الحالي وكان ذلك في صحيفة ( الجريدة ) التي تعد أول صحيفة مصرية وعربية تستخدم صورة فوتوغرافية في يوليو 1908م بصورة لمدحت باشا زعيم الإصلاح الدستوري في تركيا.
وأدت أحداث الحرب العالمية الأولى 1914م إلى أن أصبحت الصور بأنواعها من المعالم التيبوغرافية المهمة في الصحف المصرية وفي العشرينات لعبت الأهرام دورا مهما في تطوير الصورة الصحفية وشهدت على ذلك الأعداد الصادرة في 1926م.
وظل الاهتمام بتحسين الصورة وجودتها قائمة من جانب ( الأهرام ) وظهر ذلك في تعاونها المتزايد مع وكالات الأنباء المصورة مثل رویترز وقوس.
ولكن هذا التطور الذي شهدته الصورة الصحفية في مصر في ذلك الوقت كان معتمدة فقط على النواحي الفنية المتعلقة بإنتاج الصورة الظلية، فقد كانت الصورة الظلية في تلك الفترة تتسم بالجمود ولا تعبر عن أي انفعالات.
ولكن في النهاية نود أن نؤكد على نقطة هامة جدا وهي أنه بعد التطورات العديدة التي مرت بها الصورة الصحفية والتي أوصلتها في النهاية لمرحلة النضج خلقت نوعا من المنافسة بين الصورة الصحفية وبين التليفزيون.
ولكن رغم المنافسة التي تلقاها الصحافة من التليفزيون في نقل صور الأحداث ومجريات الساعة، يظل للتصوير الفوتوغرافي خاصية مميزة وفريدة، وهي قدرته على عزل وتجميد وتسجيل لحظات معينة من الزمن، وهو الشيء الذي لا تستطيعه آلة التليفزيون.
فالصورة ليست بطاقة تعريف بقدر ما أنها بلورة تلخص حدثا بأكمله وأحيانا تختزل ما يدل على حقبة بأسرها، وإذا كانت السطور الصحفية المكتوبة هي أول مسودة للتاريخ.
فالصورة أفادت في التعرف على مجتمعات وعلى عادات وتقاليد لم تكن التعرف من دونها فلقد كانت الصورة أول بروفة انطباعية التاريخ (الآميش) جماعة أو طائفة أو نحلة أمريكية (بكسر الحاء) يعيش أفرادها في مجتمع شبه منغلق على الذات في ولاية بنسلفانيا شمال شرقي الولايات المتحدة، ينتمون في أصولهم العرقية إلى الأرومة الجرمانية إذ جاء أسلافهم مهاجرين من ألمانيا وجاراتها، ولا يزالون يحتفظون بميراثهم اللغوي الألماني الهولندي فضلا عن مذهبهم الديني الذي ينتمي إلى تعاليم كالفن وهو تطوير لتعاليم (مارتن الوثر) رائد البروتستانتية الشهير. مجتمع (الآرمیش) هذا ما برح يرفض التعامل مع منتوجات العصر الحديث من راديو وتلفاز وهاتف وموتورات وطبعا سيارات.. ويصل الأمر إلى حد تحاشي استخدام الكهرباء في غالب الأحيان والى تفضيل المحراث اليدوي الذي تجره الخيول على الجرار الزراعي المعروف. من الطبيعي إذن أن تكون زيارة هذا المجتمع الفريد من الأشياء التي تجذب الزائرين أو المقيمين في الولايات المتحدة.. وعندما قام البعض بزيارة هؤلاء القوم وكانوا قرؤوا الكثير عن أعراق هؤلاء القوم وأنماط سلوكهم، زاد مرافقوهم في الرحلة تحذيرا يستلفت النظر كثيرا حين قالوا: القوم في مجتمع الأميش مضيافون مسالمون وفي حالهم كما سترون - لكن حذار من شيء واحد وهو أن يحاول أحدكم التقاط صورة لواحد منهم.. هذا وإلا فهو الويل والثبور وعظائم الأمور. عقائد أهل الكاريبي طبعا لا اكتمك أننا تحوطنا للأمر من شتى جوانبه وأننا في واقع الأمر أيضا نجحنا في التقاط، أو هو اقتناص بعض اللقطات لهذا الأسلوب الفريد من حياة البشر في آخر القرن العشرين حياة بلا راديو أو سيارة أو تلفون وأحيانا بغير كهرباء. ومع ذلك فلم ننجح في التوصل إلى ما يفسر هذا الرفض للتصوير أو أننا وجدنا بأنفسنا آراء وتفسيرات عدة.. منها تفسير کاريبي مثلا نسبة إلى أهل أمريكا الوسطى والجنوبية ومنطقة البحر الكاريبي بتراثها المثقل بالخرافة والممعن في التعاطي مع عناصر الميتافيزيقا التي تحيط الناس هناك مظلة من أدغال الغابة وكهوف الجبال وطيوف الماضي وأصوات الأسلاف وتراث عصور الاسترقاق في إطار هذا كله يؤمن الناس بحكاية القرين بمعنى أن لكل إنسان قرينا يضاهيه ويتطابق معه.. ومن ثم فالصورة إنما تعكس كيان القرين في الأساس.. وكم تصمد تقاليد السحر المشعوذ الأسود في بلد مثل هايتي وهي تقاليد الفودو المنتشرة في الولايات المتحدة ذاتها إلى استحضار قرين العدو اللدود. على شكل (عروسة من ورق أو من جلد أو قماش وبعد تلاوة الطلاسم والرقي والتعاويذ اللازمة يتم الفتك بالدمية في ظل قناعة غريبة بان التنكيل إنما يطالب العدو ويصيبه أو سوف يصيبه.. والأمر في كل حال ينطوي على تنفيس شحنة الانفعال النفسي وتصريفها إزاء الخصوم والمنافسين من خلال هذا الاستخدام لعمليات التجسيد والترميز.. وتلك أمور منتشرة ذائعة بين كل الشعوب، ومنها شعوبنا في وطن العروبة والإسلام وخاصة في المجتمعات - النائية أو الريفية أو المنعزلة لسبب أو لآخر.. ألا ترى مثلا أن أخوتنا في مصر يطلقون على نيجاتيف الصورة الفوتوغرافية اسم (العفريتة) آية على نفس فكرة القرين.. ثم الم يدخل بنا العلم السوبر - حديث في متاهات وارباكات فكرية وعقائدية وسلوكية لم تألفها البشرية من قبل، في حالة نجاح عمليات الاستنساخ، حيث يحق ساعتها أن تجد أنفسنا بإزاء سؤال حائر يقول (من) الذي تم استنساخا أو (ما) الذي تم استنساخه: اهو الأصل أم الصورة؟ اهو الجوهر أو العرض؟ الكائن أم القرين؟ فلينظر العلم ساعتها ماذا يرى؟
ولقد تعددت وجهات نظر المفكرين والمشاهير من الأدباء والفلاسفة وكذلك المجتمعات حول التصوير والصورة فمثلا آنوريه دي بلزاك (سيد الرواية الفرنسية في القرن الماضي) رفض أن يلتقط له أحد صورة برغم أن اختراع الفوتوغرافيا في أيام بلزاك جاء بمثابة فتح علمي وتقني من فتوحات التقدم التكنولوجي؟ ذات يوم اسر بلزاك إلى واحد من أصدقائه بأنه يخشى ذلك الصندوق العجيب المخيف الذي يسمونه الكاميرا (ومعناها في الاشتقاق اللاتيني هو الغرفة الصغيرة ) قال بلزاك: كل مخلوق يا صاحبي يتشكل كيانه في رأيي من طبقات بعضها من فوق بعض بل هي متداخلة مع بعضها البعض إلى مالا نهاية ولذلك فكل صورة تلتقطها الكاميرا هذه إنما تختلس أو تختزل واحدة من تلك الطبقات البالغة الدقة إلحاق الإعجاز فإذا أمعنت الكاميرا في تصوير المرء المسكين فإنها تجرده من طبقات وجوده ذاته تأخذها من كيانه وتحولها إلى صور مطبوعة.. ما الذي يبقى، بالله عليك، سوى شغاف من ذاكرة.. أو هياكل بغير جوهر أو مضمون..
ونحمد الله سبحانه أن التاريخ لم يقف كثيرا عندما ذهب إليه خيال الروائي عند العبقري الفرنسي بلزاك.. والا حرم العالم من سجل غاية في الثراء والحيوية من الصور واللقطات التي أغنت عن صفحات وأحيانا مجلدات أو فلنقل أنها ألقت أضواء كاشفة على ما كان المؤرخون يعكفون على تسجيله وتسطيره من صفحات ومجلدات.
فنحن لا نستطيع أن نصور المستقبل، ولكننا نستطيع أن نصور الحاضر الذي لا يلبث أن يصبح ماضيا منقضيا ولكن يظل يعيش معنا لأن الكاميرا استطاعت أن تسجله فتضمن له الاستمرار والبقاء. وكم من صورة فوتوغرافية استطاعت أن تتكلم بلسان بليغ وفصاحة لبيبة ومنطق مبين عن ويلات الحرب أو وعود السلم أو معاناة البشر أو عبرة الحدثان أو إنجازات الإنسانية حين تتفوق فتبدع وتشيد، أو حين تسف فترد أسفل سافلين حيث الغدر والوحشية والجريمة واستغلال الإنسان للإنسان وفي كل حال.. فالصورة من إنجازات البشرية حين تتفوق وتتحشد من أجل الإبداع وربما جاءت الكاميرا بوصفها أحدى الجولات المظفرة في صراع الإنسان مع الزمن أو على الأقل في تعاطيه وتفاعله مع دورة الأيام.. وكم شغف الفلاسفة من أيام الإغريق، ومن بعدهم فلاسفة العرب المسلمين بعنصر الزمن، وعده و وعيده، بدايته وخواتيمه، مآثره وعبرته إلى أن استطاع الإنسان، على ضعفه أن يحرز هدفا في مرمى شبكة الزمن فاخترع الكاميرا التي يصفها الكاتب الأمريكي (لانسي مورو) في عبارة موجزه بارعة تقول:
أنها وسيلة نسجن بها اللحظة الزمنية في مستطيل مصقول. إن هذه الصورة الملتقطة، هذه المستطيلات المصقولة كما يصفها (لانس مورو) لا تلبث أن تتجمع وتتراكم ويجري تصنيفها وفرزها وتبويبها فتصبح بحق سجل الذاكرة للجمعية العمومية الشاملة للمجتمعات والأمم والشعوب.
أما الناقدة (سوزان سونتاج) فتقدم إلى هذا التوصيف إضافة تقول فيها أن الصورة، أي صورة يحيطها جو طبيعي ومتلازم من شعور الحنين أو شجن الذكرى وهو ما نترجم به مصطلح (النوستالجيا) في أدبيات الغربيين وهو مرتبط حكما، بشغف الماضي حيث كل صورة إنما لتسجل لحظة من لحظات الماضي سواء استدعت مطالعتها أو تأملها دمعة في الماضي، أو زفرة تنهيد من أعماق الصدور.. أو حتى عاودتنا لدى قراءة الصورة زمة الشفتين أو جفاف الحلق تعبيرا عاودنا عن غضب مخزون وحنق ظل في الأعماق مكتوم. طبعا تصدق مثل هذه الأحاديث على الصورة الصحفية بالدرجة الأولى.. الصور الخصوصية أو الحميمة - الشخصية تظل بداهة محمية بأعراف الخصوصيات من حيث هي بعيدة عن الشأن العام. وحتى صور الشأن العام لا تتمتع جميعا بتلك البلاغة المؤثرة ولا بالحيوية التي تجعلها في كل مرة شاهدا على التاريخ تأمل مثلا معظم صور استقبالات أولياء الأمور (بمعنى مقاليد الحكم وليس مجلس الآباء في المدارس) أن صورهم لا تكاد تعني شيئا اللهم ألا إنها صور استقبالات في موانئ أو في مطارات.. نفس الابتسامات الرسمية نفس الأبسطة الحمراء (لماذا لم تتغير إلى ألوان أخرى وقد يفرق الواحد منهم أو يشمئز من اللون الأحمر) نفس القامات المتصلبة لتجريده حرس الشرف.. طفلة تقدم زهورا للضيف الكبير لا يكاد يراها الضيف الكريم ولا يكاد يلمس باقة الزهر.. لا يتأمل جمال ألوانها مثلا ولا يتنسم أريجها النواح أن كان لها أريج ولولا الملامة لذبلت الزهرات إذ جلبها رجال التشريفات منذ باكر الصباح.. والضيف الكبير يعرف ولا شك قيمة الورد والبنفسج والفل والياسمين وحتى الريحان والأقحوان ويعرف أن الخالق جل وعلا خلق هذا الجمال كله كي نتأمل اختلاف ألوانه وبدائع تدويره وننعم بعطر منه فواح لكن الضيف الكبير لا يقبل هذا كله.. بل يتناول طاقة الزهر ويستلمها لفوره إلى واحد مزروع في صف من وراء.. ولو ترى ما الذي يحدث لو توقف واحد من هؤلاء الضيوف الكبراء بعيد الاستقبال الرسمي وبدأ يقلب بين يديه باقة الزهر التي تقول نشرات الأخبار أن أهدتها إليه طفلة من أهل الأمصار التي يقوم بزيارتها.. ساعتها تنكسر رتابة الناموس ويلطم مدير البروتوكول خديه وقد تثور أزمة دبلوماسية، فكل شيء معد سلفا، وكل شهر يسير عند أهل البروتوكول حسب قواعد مرسومة بل متكلسة منذ أيام الداهية الفرنسي تاليران، وربما منذ أيام بلاط شارلمان في دولة الروم أو بلاط كسرى أنوشروان، صاحب الأيوات في دولة فارس، والله اعلم.
والصورة الرسمية، البروتوكولية، لا تكاد تعكس شيئا.. أنها تسجل واقعة قبل أن تسجل (حدثا) تدون لحظة انقضت من دورة الزمن، ومن ثم تساوي قيمتها ما يدونه دفتر الأحوال أو أضابير السجل المدني في هذا البلد أو ذاك. تصاوير الشأن العام الذي يعنينا في مثل هذا المضمار، هو كما المحنا الصورة البليغة التي تكاد تغني عن ألف مقال، تلك التي تسجل حركة أو نقطة تحول، أو لحظة مشهودة من دورة التاريخ، تلمحها، فإذا بها تشع ألف ومضة.. تقرأها فإذا بها تبعث في ذكاء ألف عبرة. تتأملها فإذا بك تزداد وعيا بعصر مضى وتحفزا لعصر في ضمير الغيب، ومناسبة قراءة الصورة الصحفية أو تأمل صورة الشأن العام كما قد نسميها، قد لا يخفى عليك أن زملاء مهنتنا في صحافة الغرب مثلا يستخدمون مهنيين متخصصين قصرا وحصرا في كتابة الكابشن، أو كلام الصورة كما يقول تعبير الصحافة العربية المعاصرة. ولكن المشكلة، كما يوضحها الصحفي الأمريكي (لانس مورو) تكمن انه انطباع يدوم ويستمر وقد يصعب تحويله لأنه يكون قد استقر في وجدان الناس، واستقر معه تفسير الصورة الذي ارتضوا لأنفسهم حين شاهدوها وتأثروا بإبعادها وشخوصها وظلالها ودلالاتها، وأخطر أنواع الانطباعات ـ كما هو معروف ـ هو الانطباع الأول الذي يكاد يتحـول إلى فكرة ثابتة، في هذا المجال بالذات، يضرب الصحفي الأمريكي المذكور مثالا نراه نموذجيا وفي غاية البلاغة على خطورة الانطباع المتولد عن الصورة الصحفية. والصورة معروفة من أيام حرب فيتنام وقـد ذاعت شهرتها في حوليات زماننا من حقبة الستينات إبان اشتعال تلك الحرب وحتى عصرنا الراهن منذ التقطها الفنان (ايدي آدمز) المصور الصحفي في وكالة (أسوشيتد برس) في أول فبراير عام 1968م وقـد فازت بجائزة بوليتزر الشهيرة في عام 1969م لأفضل صورة صحفية ومن يومها أصبحت الصورة شاهدا على الوحشية في حرب فيتنام كما تقول مجلة (تايم) في عددها التذكاري الخاص الذي أصدرته في بداية عقد التسعينات الحالي عن أهم الصور الصحفية صور الشأن العـام كـما أسميناها منذ اختراع كاميرا التصوير قبل 150 عاما.
حدث في شوارع سايجون اصل الحكاية أن (المصور ادامـز) كان في مدينة سايجون عاصمة فيتنام الجنوبية وقتها وكانت محكومة بنظام (نجـويـن فـان دييم) العميل للولايات المتحدة وكانت تجتاحها معارك الشوارع بين القوات الموالية لأمريكا وطلائع ميليشيا (الفييت كونج) القادمة من الشمال لتحرير الجنوب وطرد الأمريكيين بالصدفة المحضة، تواجد المصور (آدمز) خلال عملية اعتقال بدت روتينية في الأساس لضابط مأسور من قوات (الفييت كونج) الشيوعية الشمالية، تصور صاحبنا (آدمز) انه بإزاء صـورة عادية مثل آلاف الصور المألوفة التي تسجل حادثة قبض وتوقيف، كان الأسير رجلا ضئيل الحجم، حافي القدمين يرتدي ملابس مدنية وكانت يداه موثوقتين خلف ظهره، يقول المصور (آدمـز): ركضت إلى موقع الأسير ومعي الكاميرا، ارتقابا لأي تطور، وبغير سابق إنذار فوجئت برئيس شرطة سايجون (نجوين كالون) وقـد اخـرج مسدسه وصـوبه إلى رأس الأسير ثم أطلق رصاصة واحدة لا غير تـم إعدام الأسير في عرض الشارع، وطبعا لم يفت كل هذا الهول عن عين الكاميرا التي سجلت كل شيء.
نشرت الصورة في طول العالم وعرضه، شاهدها العالم، انتابت العالم صدمة الروع وسارع إلى إدانة السلوك الوحشي الصادر من عملاء أمريكا ومن قوات أمريكا نفسها، المشكلة الكامنة وراء الصورة، كما أكدت الملابسات، أن الضابط الأسير المغدور كان قد سبق إلى قتل أفراد من معارف رئيس الشرطة القاتل وكان ذلك في موقع قريب من نفس الشارع في سایجون. لكن كان سهم الصورة البليغة قد نفذ، ولم يتوقف احد عند الخلفيات أو الظروف أو الملابسات أو المبررات، عاين العام وقوع جريمة اغتيال في عرض شارع في مدينة ما، في وضح النهار، وعايش لحظة بوم من مسدس، ولحظة قبيل انطفاء شعلة الحياة، وطالع ذراع الشرطي القاتل ممدودة بمسدس وراعته قسمات القتيل، وقد أسبل عينيه وكز على أسنانه وقد ارتسمت على ملامحه التاعسة إمارات الهول المتوقع الرهيب. يعلن الكاتب (لانس مورو) قائلا:
الأسير لم يحظ بقاض يحاكمه، ولكنه حظي بمصور التقط نهايته وسجل مصيره في صورة اتخذت لنفسها مسارا مستقلا وعاشت حياة خاصة بها، وغيرت التاريخ. وكم من صور عمقت معارفنا وشكلت وعينا، وغيرت التاريخ.
|
|
دراسة يابانية لتقليل مخاطر أمراض المواليد منخفضي الوزن
|
|
|
|
|
اكتشاف أكبر مرجان في العالم قبالة سواحل جزر سليمان
|
|
|
|
|
المجمع العلمي ينظّم ندوة حوارية حول مفهوم العولمة الرقمية في بابل
|
|
|