أقرأ أيضاً
التاريخ: 2023-06-10
1090
التاريخ: 2-3-2022
6209
التاريخ: 20-11-2018
1835
التاريخ: 2-9-2018
1850
|
نسيان الذات والاندفاع نحو الآخرين دون تأمل دقيق يقفز بعمر الانسان مراحل في التأخر والاضمحلال، وتلك عقوبة مدوية في تاريخ هذا الكائن، فالعصور التي انخرط فيها الانسان بالأطروحات السلبية بصورة مكثفة شهدت اخفاقات في نماء وتقدم الذات وفهمها عن الحياة، فكان من الضروري ان يرتفع الانسان ويتسامى باعتبارات تطورية وتقنية على المستوى الذاتي وارتباطاته المتعددة، الا ان التصاق الانسان بالمجتمع وخروجه عن ذاته جعل منه شخصية شبه معزولة عن كينونته التي طالما يحن الانسان ويركن اليها ويعتبرها مصدر الهدوء والاستقرار أكثر من اي شيء آخر، فهجران الذات والانطواء على اراء الناس وكلماتهم والتضحية من أجل هذا وذاك، والانانية الغيرية الزائفة التي يقع في وهمها أكثر الخلق، قد دفعت بالإنسان للانشغال بالغير أكثر من انشغاله بنفسه، وبالتالي حين يرجع الى نفسه يجد انها غريبة عنه، يكتشف عمق هجرانه لها وبعده عنها، ينكشف له كيف تقدم غيره وتأخر هو، يتضح له كيف عاش من أجل غيره، ثم يعرف جداً كيف كان يفكر غيره بالنيابة عنه، يتوصل الى الهوة الشاسعة ما بين افكاره والواقع، ثم يشعر بتضخم الواقع وضآلة نفسه وتلاشيها، تبدأ تنكمش عنده اي مساحة للسعادة، لا يرى غير الظلام، لم يجد اي تفسير للاختناق الذي يصيبه جراء الحوادث والأزمات والكوارث، فيبقى في دوامة البحث عن (ألانا)، الذات بجوهرها وعمقها، حتى اذا وجدها استراح، وانشغل بما عنده عن الآخرين، اما اذا لم يجدها ـ وهنا ستقع الكارثة ـ سيفكر في التلاشي والخلاص، وهي حيلة المرء لما يفقد كل خيار صالح لبناء ذاته والتفوق على مشكلاته، فظن الانسان المعاصر ـ المشتبه ـ ان الانتحار هو اقرب طريق للتخلص من الحياة المدمرة المريرة، والحقيقة ان المشكلة لا تكمن في الحياة مطلقاً انما في الانسان فحسب، فلو كانت في الحياة لرأينا الكل قد اقدموا على التفكير في هذا الموضوع، ولكن للأسف الشديد فإننا نرى كل اقدام نحو الموت الاختياري يطلقون عليه مصطلح (الانتحار)، دون تمييز تلك الحوادث وعزل كل حادثة عن الاخرى ودراستها من حثيثات مختلفة للوصول الى نتائج تنفع الباحث في وضع الحلول او الكشف بدقة عن الأسباب(1)، ففي الهند مثلاً كانت الارملة تقدم على الانتحار لحاقاً بزوجها المتوفي عنها، فيعتبر ذلك من الوفاء والاخلاص للزوج، وقد كان في عرف الهنود الحمر أن من النبل ان ينتحر الخادم الذي توفي سيده(2)، وفي كل مجتمع تجد الصور التي يهلك بها الانسان نفسه مختلفة ومغايرة، وهذا التغاير وان لم يدرس بصورة مكثفة الا أن علماء النفس أخذوا تلك الحوادث بالجدية اللازمة، وفي كل حالة رصدوا عدة اسباب، تتلخص في الكبت والضغوط النفسية والابتعاد عن مصدر الامان والاطمئنان كما يرى ذلك غير واحد من علماء النفس(3)، ان التركيز على الاسباب يمنح المختصين في الحقول المعرفية والنفسية فرصة كبيرة لإيجاد الحلول التي تتناسب وعظم وخطر المشكلة، وهذا يوضح ما على المؤسسات المعنية من دور مهم للغاية، وكلما تقدم الزمن يتطور الاقبال على الانتحار والتهلكة، فالإحصائيات تشير بدقة الى تفاقم حالات الانتحار في مختلف بقاع الارض، والحياة المتقدمة لا تمنع من ظهور حالات سيئة ومؤسفة، فلم تكن الحياة التكنلوجية والتقنية المتقدمة كافية لمنع البشر من الاقدام على التهلكة والتفكير بها، فتشير احدى الدراسات ان في امريكا ما يقارب (1.5) مليون ونصف يفكرون ويقدمون على الانتحار في كل عام، فيموت منهم على الاقل خمسين الفاً، وسجلت دراسات اخرى ان اليوم الواحد لا يمر في الولايات المتحدة الا وتسجل الاحصائيات الطبية أكثر من مائة شخص ذهبوا ضحية الانتحار! وتشهد اعوامنا الاخيرة موجات غير طبيعية من الانتحار فقد شهدت المنطقة العربية في آسيا حالات كثيرة مقارنة بالأعوام السابقة، وبدأت هذه الظاهرة بالتفشي في العراق، فهذا العام سجلت حالات انتحار كثيرة، وبحسب بعض الاحصائيات فان العراق لم يكن يشهد مثل هذه الحالات في تاريخه، ومرجع ذلك بحسب مختصين على الفقر والحرب والنزاعات الاجتماعية، وهذه الاسباب وان كانت موضوعية الا انها لم تكن معدومة في السابق، بل ان بعضها كان اشد ولم يفكر الشباب حينها بالانتحار مطلقاً، ومرجع ذلك الى التأثر، فالانتحار اليوم أصبح موجة وموضة عند بعض الشباب، فقد اعترف غير واحد ممن اقدم على التهلكة بانه لم يكن يملك رؤية ابداً مستقبلية عما يقوم به، فنظره منصب على التخلص من الحياة بهذه الطريقة التي لا يرى غيرها في اللحظة التي يقرر بها، وبعضهم تأثر بالمشاهد التي سكنت في مخيلته من قبل في فلم او مشهد واقعي او خبر صوري، واذا ما دققنا أكثر نجد أن التأثر عامل كبير للمضي في تهلكة النفس، وخير دليل على ذلك هو كثرة هذا الفعل وتفاقمه في زمن وظرف واحد، فيصبح العدد بمعية الزمن الواحد مؤشر واضح على التأثر، فلا ينبغي الاستخفاف بموضوعة التأثر وكيف انها تنقل اجيالاً من حال الى حال، فحياة الشاب قائمة على التأثر والتأثير، ومن خلال جولة في المواقع الرسمية وجدنا احصائيات وسجلات مهمة في هذا الاطار، فقد نشرت منظمة الصحة العالمية على موقعها الرسمي عدة نتائج اهمها:
1ـ يلقى ما يقارب 800,000 شخص حتفه كل عام بسبب الانتحار.
2ـ يعتبر الانتحار ثاني أهم سبب للوفاة بين من تتراوح أعمارهم بين 15و 29 عاماً.
3ـ تستأثر البلدان المنخفضة والمتوسطة الدخل بنحو 79% من حالات الانتحار في العالم.
وبحسب هذه النتائج فان بمرور كل (40) ثانية يموت شخصاً في العالم، وتشير الاحصائيات ان نسبة الانتحار في الدول المتقدمة اعلى من الدول النامية، فاليابان ـ التي تعتبر الاكثر تقدماً رفقة عدد من الدول ـ تشهد حالات انتحار كبيرة ومهولة، سجلت بعض السنوات فيها حالات انتحار مرعبة، حيث يقدم كل يوم على الانتحار اكثر من (70) شخصاً، ويرجعون ذلك الى الانهماك بالعمل والافراط به، وفي كوريا يحدث الامر نفسه، بالرغم من تقدمها الصناعي والتكنلوجي ويرجع بعضهم تلك الحوادث الى المنافسة الشديدة بين الشباب في الانتاج والحيازة على التفوق.
واما في الدول النامية فان الاسباب محصورة بالأمراض النفسية والحروب والفقر والمجاعة والعادات الاجتماعية، لكن حين ننظر الى العراق نجد ان سنة 2013 قد شهدت أكثر من (633) حالة انتحار مسجلة بشكل رسمي، وهذا الرقم قد غير مسبوق في بلد تمنع اعرافه وتقاليده مثل هذا النوع من الممارسات فبتنا نرى عشرات الاشخاص في هذا الوطن تسوقهم تموجات اذهانهم الى التهلكة، فهل الاسباب كانت تتوازن والانتحار؟ ام أن التأثير العام وانتشار الصورة المكثفة للانتحار جعل الطريق السهل بالنسبة لشبابنا؟
ان وعي طبقة الشباب العراقي جيدة الى حد ما، لكن نسبة غير قليلة منهم يتأثر بالرأي العام ويميل بصورة عاطفية لكل شيء مشهور، وبعضهم ينطلق منه ويرى ذاته وشخصيته في ان يواكب ويتواصل مع العالم في اللبس والفكرة والحركة والذوق، وبالتالي سوف يصمم شخصيته وفق ما هو عالمي ومعتاد، ومن ثم سينجر بعضهم لان يكون اشبه بمثله الاعلى في بلده، واتصور ان بعض الذين اقدموا على الانتحار كانوا يعيشون حالة التأثر والتوافق الخارجي، هذا لا يمنع من وجود اسباب اخرى كالكبت والفقر والضغوط الاجتماعية من فقر وظلم وسلوكيات خاطئة، وتزايد الحالات يدفعنا للبحث عن حلول غير تلك التي يضعها علماء النفس، بل ينبغي ان يغور كل مختص انساني بمجتمعه ويقرب من طبقة الشباب ليلتمس واقعهم ويعرف متطلباتهم وميولهم ومستوى تفكيرهم وطموحاتهم، واكاد أجزم ان احد اهم الاسباب تبدد فكرة الانتحار وتقوضها وتنفيها من حياة شبابنا هو ارتباطهم بالله (عز وجل)، وبمفاهيم الدين واستيعابها بصورة صحيحة، فان كمية الطمأنينة التي يبثها الدين في نفوس الشباب لن يجدوها في اي ممارسة او سلوك آخر، وهذا الامر كفيل بان ينقل الشاب العراقي نقلة نوعية، ويرتقي به الى درجات كبيرة ومهمة في خارطة الوعي الذاتي ومن ثم سيد قوته ومدى فاعليته في مجتمعه، فيوجد امامنا عدة طرق نسلكها لتوصلنا الى نتائج جيدة في ازمة الانتحار، ويأتي الوعي الذاتي بالدرجة الثانية من الحلول بعد الارتباط الديني الذي دعا اليه غير واحد من علماء النفس، ولم اجد من ركز على ان يعي الانسان ذاته ويكتشف ابعاده ويعي ما عليه من مسؤولية من خلال فهم الانسان ككائن حي متمرد ومتعطش للفوضى في كثير من اوقاته وكذا وعي الانعزال الذاتي ونتائجه المدمرة، فإننا نشهد كثير من الحالات يومياً كيف يهجر الانسان ذاته ويصبح أسير غيره، كما ذكرنا في بداية الكلام، نعم ان الالتفات الى الذات في الوقت المطلوب يجعل الفرد يثق بما عنده ويفهم ما ينبغي عليه فيعيش حالات السعادة في اوقات متفاوتة تؤهله لان يكون على استقامة دائمة، وربما يعد التنبيه على التأثر بالآخرين من الحلول الناجعة، وبيان خطورة التأثر بالمحيط العالمي وضرورة ان يتمرد الفرد على الموضة ويعود الى عقله ويدرس ما يتطلب منه في كل لحظة من حياته.
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
1ـ الانتحار: أميل دوركايم، ترجمة حسن عودة، ص7.
2ـ التصور الاجتماعي لظاهرة الانتحار، د. بوسنة عبد الباقي، ص44.
3ـ البنية النفسية عند الانسان، كارل يونغ، ترجمة نهاد خياطة، ص50.
|
|
تفوقت في الاختبار على الجميع.. فاكهة "خارقة" في عالم التغذية
|
|
|
|
|
أمين عام أوبك: النفط الخام والغاز الطبيعي "هبة من الله"
|
|
|
|
|
قسم شؤون المعارف ينظم دورة عن آليات عمل الفهارس الفنية للموسوعات والكتب لملاكاته
|
|
|