أقرأ أيضاً
التاريخ: 22-04-2015
2013
التاريخ: 15-02-2015
1332
التاريخ: 15-02-2015
1483
التاريخ: 22-04-2015
2143
|
على
الرغم من سوء استغلال موضوع السجن بشكل واسع وعلى مرِّ التاريخ ، فإنّ السجن من
وجهة النظر الاجتماعية والإنسانية ، أمرٌ ضروري لمكافحة الجرائم والجنايات وتربية
النفوس المريضة ، ولكن بحدود وشروط معينة ومحسوبة!
أحد
تلك الشروط ، هو مراعاة المعاملة الإنسانية مع السجناء ، فلابدّ من التعامل معهم
على أساس أنّهم بشر ، فينبغي ترك المضايقات الظالمة ، وأن لا يحبس أحدٌ بذنب غيره
، وأن لا يعاقب أحدٌ أكثر ممّا يستحق
حتى لساعة ، ولابدّ أن تكون كل البرامج في سبيل تعليم وتربية السجين ، وبتعبير آخر
، ينبغي أن يكون السجن مركزاً للتربية والتهذيب لا مركزاً لتخريج المجرمين
والحاقدين ، فلابدّ أن يتصف السجن بمواصفات درس التربية.
ومن
قصة النّبيّ يوسف عليه السلام ومدّة سجنه في مصر ، يستفاد بشكل جيد أنّ تلك السجون
كانت على درجة عالية من الظلم والإضطهاد بحيث أنّ بعض السجناء كان يبقى طيلة عمره
في السجن ، وفقط بعض المصادفات أو الحوادث غير المترقبة هي التي كانت تلفت انتباه
الظلمة والحكام إلى السجناء ، ولو لم تقع تلك الحادثة لبقي السجين إلى آخر عمره في
السجن ، بالضبط كما حصل ليوسف حيث إنّ الملك لو لم يرَ تلك الرؤيا ولو لم يعرف
يوسف تفسير الأحلام ، لما التمس عزيز مصر تفسير رؤياه من يوسف ولما بعث خلفه ولبقي
يوسف ، إلى آخر عمره في السجن ، في حين أنّه لم يرتكب أي ذنب ، وذنبه الوحيد هو
طهارته وتقواه وعدم انصياعه لرغبات وأهواء زوجة عزيز مصر (زليخا) ، وبطبيعة الحال
فإنّ هذه التقوى والطهارة ليست ذنباً صغيراً في قاموس مثل هذه البيئة المنحطة
المتسافلة !
والقرآن
الكريم يحدثنا كيف أن يوسف الصديق حاول أن يحوّل بيئة السجن إلى محيط للتربية
والتعليم والإصلاح ، فكان يعلم السجناء درس التوحيد وعبادة اللَّه وهو أصل كل
طهارة وحسن ، فمتى ما سُئل يوسف عن مسألة بسيطة ، أو طلب منه تفسير رؤيا عابرة ، كان
يطرح المعارف الإلهيّة ويبين المسائل التربوية للسجناء.
قال
تعالى حكاية عن لسان يوسف :
{يَا
صَاحِبَيِ السِّجْنِ أَأَرْبَابٌ مُتَفَرِّقُونَ خَيْرٌ أَمِ اللَّهُ الْوَاحِدُ الْقَهَّارُ
(39) مَا تَعْبُدُونَ مِنْ دُونِهِ إِلَّا أَسْمَاءً
سَمَّيْتُمُوهَا أَنْتُمْ وَآبَاؤُكُمْ مَا أَنْزَلَ اللَّهُ بِهَا مِنْ سُلْطَانٍ
إِنِ الْحُكْمُ إِلَّا لِلَّهِ أَمَرَ أَلَّا تَعْبُدُوا إِلَّا إِيَّاهُ ذَلِكَ الدِّينُ
الْقَيِّمُ وَلَكِنَّ أَكْثَرَ النَّاسِ لَا يَعْلَمُونَ } [يوسف : 39 ، 40]. فصحيح أنّ يوسف عليه السلام كان سجيناً من
السجناء ، ولكن عمله ذلك كان دليلًا على أنّه لو كان على رأس السلطة لكان يمارس
نفس العمل التربوي مع السجناء في محيط السجن بالأولوية ، ولحوّل بيئة السجن إلى
مركز للتعليم والتربية الإلهيّة ، ولبذل كل جهده من أجل استغلال الفرصة التي يمتلكها السجناء في السجن لإعادة
النظر في تصرفاتهم السابقة وإعادة حساباتهم لبناء أنفسهم من جديد ، وتبديل سلوكهم
المنحرف إلى سلوك قويم.
وقد
أثبتت لنا التجارب أنّ كثيراً من السجناء الأشرار الملوّثين بالذنوب والجرائم
سرعان ما يتمّ إصلاحهم إذا ما وجدوا قريناً صالحاً يرشدهم إلى الطريق الصحيح ، إذ
إنّهم خارج السجن لم يكن لديهم الفرصة الكافية من أجل التفكير والتأمل في تصرفاتهم
الفائتة وإعادة حساباتهم للمستقبل ، فالسجن توفيق إجباري لمثل هؤلاء.
ونلاحظ
في الروايات الإسلامية اهتمام الدين بحقوق السجناء ومنحهم الإجازات للاشتراك في
صلاة الجمعة والإلتقاء بذويهم وأصدقائهم.
ومن
جملة ذلك ما ورد في حديث عن الإمام الصّادق عليه السلام حيث يقول :
«عَلى الإمام أنْ يُخرجَ المُحْبسِين فِي الدّين ، يَومَ الْجُمعَة إلى الجُمعَة ، وَيَومَ العِيدِ إلى العِيد فَيُرسلُ مَعَهُم فَإذا
قَضَوا الصّلاة وَالْعِيد رَدَّهُم إلى السِجن» (1).
وينبغي
الإلتفات إلى أنّ لكلٍّ من صلاة الجمعة والعيد خطبتان ولهما أثر بالغ في التربية.
وفي
حديث آخر يتوسع أكثر من نطاق الأول ، حيث ورد فيه : «إنّ علياً عليه السلام كان
يخرج أهل السجون- مَنْ حُبِسَ في دَيْنِ ، أو تُهْمَه- إلى
الجمعة فيشهدونها ويُضمنهُمْ الاولياء حتى يَردُّوهمْ» (2).
كما
ويستفاد من حديث آخر أنّ علياً عليه السلام كان كل جمعة يتفقد السجن والسجناء
بنفسه ، فيجري الحدَّ على أولئك الذين ينتظرون إجراء الحدِّ عليهم (ويطلقهم) ويطلق
من ليس عليه حدَّ (3).
ومن
خلال الآيات والروايات والأحكام الواردة في هذا المجال يمكن استنباط وتنظيم إرشادات
جامعة ، من نماذجها :
1-
عندما القي القبض على عبد الرحمن بن ملجم قاتل الإمام علي عليه السلام وأودع السجن
، أوصى الإمام عليه السلام
بمداراته والإهتمام به ، ومن جملة وصاياه لأولاده في حق ابن ملجم ، قال :
«أطعموه واسقُوه وأحسنوا أسارَهُ» (4).
والمعروف
هو أنّ الإمام عليه السلام بعد أن ضربه ابن ملجم على رأسه الشريف فشقّه ورقد
الإمام عليه السلام في الفراش يغمى عليه أحياناً ويفيق أحياناً ، ناوله الإمام
الحسن عليه السلام قعباً من لبن ، فشرب منه قليلًا ثم نحّاه عن فيه وقال : إحملوه
إلى أسيركم ، ثم قال للحسن عليه السلام : بحقّي عليك يا بني إلّا ما طيبتم مطعمه
ومشربه ... (5).
ويروي
العلّامة المجلسي حديثاً آخر ، وذلك عندما جيء بابن ملجم إلى الإمام علي عليه
السلام فتكلم معه الإمام بكلام ثم قال لولده الإمام الحسن عليه السلام : «ارْفِقْ يا وَلَدى
بِاسيرِكَ وَارْحَمْهُ وَاحْسِنْ الَيْهِ وَاشْفِقْ عَلَيْهِ ، الا تَرى الى عَيْنَيْهِ قدْ طارَتا الى امِّ رَأْسِهِ
وَقَلْبُهُ يَرْجِفُ خَوْفاً ورُعباً وَفَزَعاً ،
فَقالَ لَهُ الْحَسَنُ عليه السلام يا اباهُ ! قَدْ
قَتَلَكَ هذَا اللَّعينُ الْفاجِرُ وَافْجَعَنا فيكَ وَانْتَ تَأْمُرُنا بِالرِّفْقِ
بِهِ ؟! فَقالَ لَهُ نَعَمْ يا بُنَيَّ نَحْنُ
اهْلُ بَيْتٍ لا نَزْدادُ عَلَى الذَّنْبِ الَيْنا الّا كَرَماً وَعَفْواً
وَرَحْمَةً وَالشَّفَقَةُ مِنْ شيمَتِنا لا مِنْ شيْمَتِهِ ، بَحَقّي عَلَيْكَ فَاطْعِمْهُ يا بُنَيَّ مِمّا تَأْكُلُهُ
، وَاسْقِهِ مِمّا تَشْرَبهُ وَلا تُقَيّدْ
لَهُ قَدَماً ، وَلا تَغُلَّ لَهُ يَدَاً» (6).
2-
يقول المرحوم الشيخ الطوسي في كتاب الخلاف : من أمسك بصبي صغير وحبسه ، فسقط عليه
جدار ، أو قتله حيوان مفترس ، أو لدغهُ عقرب أو ثعبان فمات ، فهو ضامن لدمه ، ثم
يقول الطوسي بعد ذلك : «دليلنا إجماع
الفرقة وأخبارهم» (7).
فمن
هذه العبارة يستفاد ضرورة كون السجن مأموناً ونظيفاً فلو مات السجين بسبب عدم تحقق
ذلك فدمه مضمون.
3-
ونقل المرحوم الشيخ الطوسي في كتابه «المبسوط» عن بعض الفقهاء ، لو سجن شخصاً في
غرفة واغلق عليه الباب فاختنق ومات فهو ضامن لديته (8).
ونفس
هذا الكلام قيل في مورد الجوع ونحوه.
ومن
مجموع ذلك يستفاد تأمين الغذاء ومراعاة التهوية الكافية في السجن كي لا تتعرض حياة
السجين وسلامته للخطر.
4-
ذكر كثيرٌ من الفقهاء في بحث آداب القاضي ، أنّ على القاضي إذا دخل المدينة أن
يطالع أحوال السجناء وملفاتهم ويحقق فيها ويدرسها بشكل جيد ، ليطلق من انتهت فترة
محكوميته أو حُبس بلا دليل كافٍ ، فوراً.
وصرح
بعض الفقهاء أنّ على القاضي حين وصوله إلى المدينة أن يعلن للملأ بأنّه سيدرس
قضايا السجناء في موعدٍ يعينه لهم ليتسنى لذوي السجناء الحضور ساعة التحقيق ، وعندما
يحضر أطراف النزاع يقرأ أسماء السجناء واحداً بعد الآخر.
ويسألهم
عن علة حبسهم ، ثم يسأل من طرف الدعوى الآخر ، فإن كان عنده دليل مقنع على حبسه ، ردّه
إلى السجن ، وإن لم يكن هناك مدعٍ ، أعلن عن إسمه ليأتي من يدعي عليه شيئاً ويطرح
دعواه عند القاضي ، وإلّا أطلق صراحه (9).
______________________
(1) وسائل الشيعة ، ج 18 ، ص 221 ، باب من يجوز حبسه ، ح 2.
(2) المستدرك
، ج 17 ، ص 403 ، ح 1.
(3) ميزان
الحكمة ، ج 2 ، ص 25.
(4) بحار
الأنوار ، ج 42 ، ص 239.
(5) بحار
الأنوار ، ج 42 ، ص 289.
(6) المصدر
السابق ، ص 287- 88.
(7) كتاب
الخلاف ، ج 3 ، ص 94 ، (كتاب الجنايات ، المسألة 19).
(8) أحكام
السجن في الإسلام ، ص 263 (فارسي).
(9) جواهر
الفلاح ، ج 4 ، ص 74.