أقرأ أيضاً
التاريخ: 20-3-2016
3727
التاريخ: 2024-08-09
343
التاريخ: 28-3-2016
4183
التاريخ: 16-6-2019
2505
|
مع زهير بن القين :
وانتهت قافلة الإمام إلى « زرود » فأقام ( عليه السّلام ) فيها بعض الوقت ، وقد نزل بالقرب منه زهير بن القين البجلي وكان عثمانيّ الهوى ، وقد حجّ بيت اللّه في تلك السنة ، وكان يساير الإمام في طريقه ولا يحبّ أن ينزل معه مخافة الاجتماع به إلّا أنّه اضطرّ إلى النزول قريبا منه ، فبعث الإمام ( عليه السّلام ) إليه رسولا يدعوه إليه ، وكان زهير مع جماعته يتناولون الطعام ، فأبلغه الرسول مقالة الحسين فذعر القوم وطرحوا ما في أيديهم من طعام ، وكأنّ على رؤوسهم الطير ، فقالت له امرأته : سبحان اللّه ! أيبعث إليك ابن بنت رسول اللّه ثم لا تأتيه ؟
لو أتيته فسمعت من كلامه ثم انصرفت . فأتاه زهير بن القين ، فما لبث أن جاء مستبشرا قد أشرق وجهه ، فأمر بفسطاطه وثقله وراحلته ومتاعه ، فقوّض وحمل إلى الحسين ( عليه السّلام ) ثم قال لامرأته : أنت طالق ، إلحقي بأهلك ، فإنّي لا احبّ أن يصيبك بسببي إلّا خير . وقال لأصحابه : من أحبّ منكم أن يتبعني وإلّا فهو آخر العهد ، إنّي سأحدثكم حديثا : إنّا غزونا البحر ففتح اللّه علينا وأصبنا غنايم ، فقال لنا سلمان الفارسي رحمة اللّه عليه : أفرحتم بما فتح اللّه عليكم وأصبتم من الغنائم ؟ قلنا : نعم ، فقال : إذا أدركتم سيّد شباب آل محمد فكونوا أشدّ فرحا بقتالكم معه ممّا أصبتم اليوم من الغنائم . فأمّا أنا فأستودعكم اللّه . قالوا : ثم - واللّه - ما زال في القوم مع الحسين ( عليه السّلام ) حتى قتل رحمة اللّه عليه[1].
أنباء الانتكاسة تتوارد على الإمام ( عليه السّلام ) :
ها هي الكوفة تضطرب وتموج ، والانتكاسة الخطيرة قد لاحت ملامحها ، وبدأ ميزان القوى يميل لصالح السلطة الامويّة ، والوهن بدأ يدبّ والانحلال يسري في أوساط المعارضة ، وبدأ الإرهاب والتجسس والرشوة تفعل فعلتها ، فتلاشت المعارضة ونكص المبايعون ، وقتل مسلم بن عقيل وهانيء بن عروة وقيس بن مسهر الصيداوي ، وسجن المختار بن عبيدة الثقفي ، وانقلبت أوضاع الكوفة على أعقابها .
وواصل الإمام الحسين ( عليه السّلام ) المسير ، وليس لديه معلومات جديدة عن تطور الأحداث ، فأرسل عبد اللّه بن يقطر إلى مسلم بن عقيل ليستجلي الموقف ، إلّا أنّ الحسين اخبر في الطريق في موضع يدعى « الثعلبية » بانتكاسة الثورة واستشهاد مسلم بن عقيل ، أمّا رسوله الثاني هذا إلى مسلم فقد وقع أسيرا أيضا بيد جنود الحصين فنقل إلى ابن زياد في الكوفة ، وكان كرسول الحسين ( عليه السّلام ) السابق مثالا للصلابة والجرأة والإخلاص .
ووصل خبر أسر الرسول واستشهاده إلى الإمام ( عليه السّلام ) في موضع يدعى « زبالة » وهكذا راحت تتوارد على الإمام أنباء الانتكاسة ، ولاحت له بوادر النكوص الخطير ، وشعر بالخذلان ونقض العهد ، فوقف في أصحابه وأهل بيته يبلغهم بما استجدّ من الحوادث ، ويضع أمامهم الحقائق ، ليكونوا على بصيرة من الأمر ، فقال لهم : « بسم اللّه الرحمن الرحيم ، أمّا بعد ، فإنّه قد أتانا خبر فظيع قتل مسلم بن عقيل وهانيء بن عروه وعبد اللّه بن يقطر ، وقد خذلنا شيعتنا ، فمن أحبّ منكم الانصراف فلينصرف في غير حرج ليس معه ذمام » .
فتفرّق الناس عنه وأخذوا يمينا وشمالا ، حتى بقي في أصحابه الذين جاءوا معه من المدينة ونفر يسير ممن انضموا إليه ، وإنّما فعل ذلك لأنّه ( عليه السّلام ) علم أنّ الأعراب الذين اتّبعوه إنّما اتّبعوه وهم يظنّون أنّه يأتي بلدا قد استقامت له طاعة أهله ، فكره أن يسيروا معه إلّا وهم يعلمون على ما يقدمون[2]. فلمّا كان السحر أمر أصحابه فاستقوا ماء وأكثروا ، ثم ساروا .
لقاء الإمام الحسين ( عليه السّلام ) مع الحرّ :
وبينما كان الإمام ( عليه السّلام ) يسير بمن بقي معه من أصحابه المخلصين وأهل بيته وبني عمومته ؛ إذا بهم يرون أشباحا مقبلة من مسافات بعيدة ، وظنّها بعضهم أشباح نخيل ، ولكن لم يكن الذي شاهدوه أشجار النخيل ، ولكنّها جيوش زاحفة ، فبعد قليل تبيّن لهم أنّ تلك الأشباح المقبلة عليهم هي ألف فارس من جند ابن زياد بقيادة الحرّ بن يزيد الرياحي ، أرسلها ابن زياد لتقطع الطريق على الحسين ( عليه السّلام ) وتسيّره كما يريد ، ولمّا اقتربوا من ركب الحسين ( عليه السّلام ) سألهم عن المهمّة التي جاءوا من أجلها ، فقال لهم الحرّ : لقد أمرنا أن نلازمكم ونجعجع بكم حتى ننزلكم على غير ماء ولا حصن ، أو تدخلوا في حكم يزيد وعبيد اللّه بن زياد[3].
وجرى حوار طويل بين الطرفين وجدال لم يتوصّلا فيه إلى نتيجة حاسمة ترضي الطرفين ، فلقد أبى الحرّ أن يمكّن الحسين من الرجوع إلى الحجاز أو سلوك الطريق المؤدّية إلى الكوفة ، وأبى الحسين ( عليه السّلام ) أن يستسلم ليزيد وابن زياد[4] ، وكان ممّا قاله الحسين وهو واقف بينهم خطيبا : « أيّها الناس ! إنّي لم آتكم حتى أتتني كتبكم وقدمت عليّ رسلكم ، أن أقدم علينا ، فإنه ليس لنا إمام ، لعلّ اللّه أن يجمعنا بك على الهدى والحقّ ، فإن كنتم على ذلك فقد جئتكم فأعطوني ما أطمئن إليه من عهودكم ومواثيقكم ، وإن لم تفعلوا وكنتم لمقدمي كارهين انصرفت عنكم إلى المكان الذي جئت منه إليكم » . فسكتوا عنه ولم يتكلّم أحد منهم بكلمة ، فقال للحرّ : « أتريد أن تصلّي بأصحابك ؟ » قال : لا ، بل تصلّي أنت ونصلّي بصلاتك ، فصلّى بهم الحسين ( عليه السّلام )[5].
وبعد أن صلّى الإمام ( عليه السّلام ) بهم العصر خاطبهم بقوله : « أمّا بعد ، فإنّكم إن تتّقوا اللّه وتعرفوا الحقّ لأهله تكونوا أرضى للّه عنكم ، ونحن أهل بيت محمّد وأولى بولاية هذا الأمر عليكم من هؤلاء المدّعين ما ليس لهم والسائرين فيكم بالجور والعدوان ، وإن أبيتم إلّا الكراهية لنا والجهل بحقّنا ، وكان رأيكم الآن غير ما أتتني به كتبكم وقدمت به عليّ رسلكم انصرفت عنكم »[6] ، فقال له الحرّ : أنا واللّه ما أدري ما هذه الكتب والرسل التي تذكر ، فقال الحسين ( عليه السّلام ) لبعض أصحابه : « يا عقبة بن سمعان ، أخرج الخرجين اللّذين فيهما كتبهم إليّ » فأخرج خرجين مملوءين صحفا فنثرت بين يديه . فقال له الحرّ : إنّا لسنا من هؤلاء الذين كتبوا إليك وقد أمرنا إذا نحن لقيناك ألّا نفارقك حتى نقدمك الكوفة على عبيد اللّه .
فقال له الحسين ( عليه السّلام ) : « الموت أدنى إليك من ذلك » ثم قال لأصحابه :
« قوموا فاركبوا » ، فركبوا وانتظروا حتى ركبت نساؤهم ، فقال لأصحابه :
« انصرفوا » ، فلمّا ذهبوا لينصرفوا حال القوم بينهم وبين الانصراف ، فقال الحسين ( عليه السّلام ) للحرّ : « ثكلتك امّك ما تريد ؟ » ، قال له الحرّ : أما لو غيرك من العرب يقولها لي وهو على مثل الحال التي أنت عليها ما تركت ذكر امّه بالثكل كائنا من كان ، ولكن واللّه ما لي إلى ذكر امّك من سبيل إلّا بأحسن ما نقدر عليه[7] .
[1] الإرشاد : 2 / 72 - 73 ، والكامل في التأريخ : 3 / 177 ، والأخبار الطوال : 246 .
[2] الإرشاد : 2 / 75 - 76 ، والبداية والنهاية : 8 / 182 ، وأعيان الشيعة : 1 / 595 .
[3] تأريخ الطبري : 3 / 305 ، ومقتل الحسين للخوارزمي : 1 / 229 ، والبداية والنهاية : 8 / 186 ، وبحار الأنوار : 44 / 375 .
[4] تأريخ الطبري : 3 / 305 ، مقتل الحسين ( عليه السّلام ) للخوارزمي : 1 / 229 ، البداية والنهاية : 8 / 186 ، بحار الأنوار : 44 / 375 .
[5] الإرشاد : 2 / 79 ، والفتوح لابن أعثم : 5 / 85 ، ومقتل الحسين للخوارزمي : 1 / 596 .
[6] الفتوح لابن أعثم : 5 / 87 ، وتأريخ الطبري : 3 / 206 ، ومقتل الحسين للخوارزمي : 1 / 332 .
[7] الإرشاد : 2 / 80 ، تاريخ الطبري : 3 / 306 .
|
|
تفوقت في الاختبار على الجميع.. فاكهة "خارقة" في عالم التغذية
|
|
|
|
|
أمين عام أوبك: النفط الخام والغاز الطبيعي "هبة من الله"
|
|
|
|
|
خدمات متعددة يقدمها قسم الشؤون الخدمية للزائرين
|
|
|