أقرأ أيضاً
التاريخ: 14-4-2016
2231
التاريخ: 17-2-2020
3923
التاريخ: 2024-11-08
199
التاريخ: 2024-09-24
202
|
نزل صديق لي ضيفاً على بيتنا ـ ذات يـوم ـ وكان قد أصبح أباً منذ أيام ليست بعيدة، حيث رزق بوليد لأول مرة.
طلب مني هذا الصديق أن يستعير كتاباً حول تربية الأبناء وقبل أن أقـوم بتلبية طلبه، ارتأيت استغلال الفرصة والإفادة منه فوجهت إليه سؤالاً وقلت:
ـ قبـل ذلك أود أن أسألك سؤالاً.. ترى أي الطريقة التي ستعتمـد للتعامل مع أبنائك؟
رفع رأسه في تفكير، وتأفف بحسرة ثم قال بإيجاز:
- طريقتي - التي سأعتمدها ـ في تربية أبنائي أن لا أكون مستبدأ معهم.
من خلال هذه الإجابة وطريقة طرحها لمست شيئاً، وبدا واضحاً لي ان هذا الصديق لربما مر بهذه التجربة حين صباه وذاق مرارتها من قبل أحـد أبويه.
ولما كان ـ هو غاية الصراحة معي وجهت إليه السؤال التالي وقلت:
ـ هل كان أبوك مستبداً في معاملتك؟
أجاب قائلاً:
لقد وضعت يدك على الجرح.. إنك تستطيع أن تقول أن أبي كان حاكماً دكتاتوراً !
ولما طلبت منه التفصيـل أخذ يحدثني بصراحة، وإليك قصتـه كما رواها: (كان أبي مستبداً بـرأيه في كل الأمور الكبيرة منها والصغيرة، إذ لم يكن يأخذ برأي أي أحد من أبنائه، منذ يوم كنا صغاراً وحتى أصبحنا رجالاً کبار.
وأتذكر أنه لم يلبّ لنا طلباً يوم كنا صغاراً، فهو الذي كان يصدر الأوامر وكان علينا التنفيذ بدون نقاش.
حتى أنـه أخـذنـا ذات يوم في رحلة سيـاحيـة ـ وكنت حينهـا في سن الخامسة عشر ـ فطلبنا منه أن يأخذنا الى مصيف شهير كـان هدفنا الوحيـد من الرحلة، لكنه أومأ لنا بالرفض وأخذنا الى مكان كان هو يهوى الذهاب اليه، وفي ذلك المكان، كان هنالك نهراً رقراقاً، وكانت الأجواء قائضة، فطلبنا - انا واخواني - أن يأذن لنا بالسباحة، لكنه رفض أيضاً.
لقد كان والدي ـ في تلك الرحلة التي من المفترض أن تكون لنـا ـ لا يذهب بنا إلا الى المكان الذي يرغب هو إليه، ولا يدخلنا مطعماً إلا المطعم والطعام الذي يشتهيـه ولا يسمح لنا بفعل أو اقتناء أي شيء من الألعـاب والحاجيات، إلا ما كان يتوق له ويرضيه.
وبالطبع فلم يكن والدي يتنازل عن أي قرار يتخذه، حتى ولو توسلنا به وزدنا في الإلحاح، بـل ولم يكن يسمح لأي أحـد أن يجعل من كلمتـه كلمتين.
ولقد ذقنا مرارة استبداده طوال أيام الطفولة والكبر وكان هو بذلك يسيء في معاملتنا أي إساءة.
وحينما كنا نرى بعض أبناء الجيران كيف كانوا يتنعمون بـالـحـريـة، ويرفلون بأجواء الديمقراطية، كان ذلك يثير فينا الألم والحسرة المرة، ولمرات كثيرة كنا نغبط أبناء الجيران على آبائهم، وكم تمنينا أن يقتدي أبونا بآبائهم ولكن بلا جدوى.
إذن الآباء المستبـدون هم الذين يفـرضـون قـدراً كبيراً من السيطرة المتطرفة على الأبناء، ويتعاملون معهم بصرامة وتهديد، وتأنيب أو يحاولون دفع أبنائهم الى مستويات وآراء لا تلائمهم، ولا تتفق مع آرائهم المشروعة.
ويفرز هذا الاستبداد النتائج السلبية التالية:
1ـ يحاول الأبناء مقاومة السيطرة الأبوية فتتحول هذه المقاومة غالباً الى نضال من أجل النفوذ بين أنفسهم وبين آبائهم.
2ـ أن السيطرة الأبوية المتطرفة تحول بين الابن ورغبته في الاستقلال حتى يستطيع أن يأخذ مكانته كفرد ناضج ومستقل في المجتمع.
3ـ ولادة الحقد والكراهية في نفوس الأبناء تجاه آبائهم، والتخلص من رقبتهم ويحدث كثيراً ان الطفل يتمنى موت أبيه ليس لأجل التركة، وإنما من أجل التحرر والخلاص.
على ضوء ذلك لا أعتقد أن أحداً يؤمن بالدكتاتورية كما لا أحـد يؤمن بالحرية المطلقة للأبناء، ولكن أمر بين أمرين.
أي أن من حق الأب الشرعي تجاه أبنـائـه أن يمنعهم من فعـل بعض الأمور ويضع حداً لهم تجاه بعض القضايا التي يراها تضر بأنفسهم ومصالحهم ولكن ليس للأب الحق في منعهم وفرض رأيه عليهم في كل شيء.. حتى في نوعية اللعبة الصالحة.
بـل وليس له الحق في أن يفرض رأيـه حتى في بعض العـادات والتقاليد.
يقول الإمام علي (عليه السلام) في كلمة رائعة: (لا تقسـروا أولادكم على آدابكم فـإنهـم مخـلوقون لـزمـان غير زمانكم)(1).
وعلى سبيل المثال: فإذا كان الأب يتناول الطعام بيده وأولاده يأكلون بالملاعق، فليس له حق منعهم أو إلزامهم الاقتداء به، وكذلك الأمر في الآداب الأخـرى سواء في طرق استخـدام مـواصـلات السفـر وكيفيـة السكن والملبس أو العادات الأخرى طالما هي في طول الشريعة الإسلامية لا في عرضها.
أي ما دام هي صالحة ومحللة أو مباحة، ولكن للأب الحق بـل ويجب عليه فرض رأيه حينما. يسيء الأبناء الطريق المستقيم أو منعهم لكي لا يضلوا الطريق منذ البداية
ولكن ما هو المانع من أن يدع الأباء أبناءهم يختارون الآداب المخالفة لآدابهم ما لم تكن تخالف شريعة الله (عز وجل)؟
بالطبع.. لا يحدث أي شيء!
بل أن الأب الكريم سيجني نتائج طيبة من ذلك، فإنه لو أرخى الحبل وترك الحرية لأبنائه في كل الأمور الجزئية التي لا تضر ولا تنفع، فإنه بالتأكيد سينجح في شد الحبل في الأمور الكبيرة والهامة الأخرى.
تماماً.. يكون بعكس ذلك الذي يشد في كل شيء.
وهذه العملية تشبه عملية الخطابة، فإن الخطيب الناجح هو الذي يشـد على بعض الكلمات ويرخي البعض الآخر دائماً خـلال حديثه.
بينما الخطيب الفاشل هو ذلك الذي يبدأ خطابه بالصراخ والشـد على مخارج الكلمات في حنجرته، حتى نهاية خطابه.
إن سياسة اللين في مقابل الشدة (لها الأثـر البـالـغ لاحتـواء الأبنـاء وامتصاص أي بوادر للنقمة في نفوسهم).
يقول الحديث الشريف: (لا تكن يابساً فتكسر ولا تكن ليناً فتعصر)
والمطلوب أن يكون الأب ليناً حتى في الأمور التي يرى من الضروري أن يشد الحبل فيها، ويأخذ برأيه خلافاً لآراء أبنائه.
فإذا كان من حقه ـ مثلاً ـ أن أمراً بالرفض، فليس من حقه أن يستخدم العنف والقوة إذا كان للرفق الى ذلك سبيل.
هب إنك أردت منع ولدك من ارتياد أماكن اللهـو، ونهيه عن سماع الأغـاني، أو أردت أن يستجيب لك في إداء عمل الخير والصلاح، فهل هنالك خير من إستخدام الرفق واللباقة وفن الإقناع في ذلك؟
والسؤال الآن هو: كيف يتصرف الآباء تجاه طلبات أبنائهم؟
هل ينفذون كل أوامرهم؟
أم يمتنعون؟
يقول أحد خبراء التربية: (ليس من الصحيح أن يكون الطفـل جهازاً تشريعياً، كمـا ليس من المطلوب أن يكون الوالدان جهازاً تنفيذياً، يقـوم بتنفيذ كل الأوامر والقوانين التي تملى عليه.
والوالدان اللذان يكونان جهازاً تنفيذياً، فإنهما يسيئان الى أبنائهما وأنفسهما معاً.
كمـا وليس من الصحيح أن يكون الوالدان حكومة دكتاتورية مستبـدة تحكم بقوة الحديد والنار، ويكون الأبناء شعباً مضطهداً مسلوب الحرية.
وإنما السليم والمطلوب أن يكون الوالدان حكومة تمنح شعبهـا الحرية والديمقراطية ضمن شروط وحدود وضعتها شريعة السماء.
قال لي أحد الآباء عن تجربته في التعامل مع الأبناء وبالخصوص حينما يقـدمـون طلباتهم قـال يجب، أن لا يتعودوا على الإستجابـة الفـوريـة لكـل طلباتهم).
وأضاف قائلا:
كنت أعرف صديقاً لي كان يشغل وزوجته مناصب كبيرة في الدولة، وكانا يدران - شهرياً ـ أموالاً طائلة، وحينما وجهت إليهما سؤالاً وقلت: هل يغنيكما معاشكما؟ فقالا: (لا إن نصف الراتب الشهري لا يكاد يفي لشراء حاجيات أبنائنا وقضـاء طلباتهم فقط!).
وأقول: هذا بالإضافة إلى أن الطفل أو الطفلة المدللة حينمـا تكـبـر وتنتقل الى بيت الزوجية، فإنها ستكون من أصناف النساء اللواتي يقصمن ظهور أزواجهن بكثرة طلباتهن، وإسرافهن في شراء الفساتين والحلي وأدوات الزينة وقد تبين حسب ما أكدته الدراسات والبحوث أن الزوجة القانعة بالكفاف هي تلك الطفلة التي لم تتعود على إستجابة. جميع طلباتها حين الصغر.
إن أفضـل قاعـدة للتعامل مع كل شيء هي قاعـدة: (لا إفراط ولا تفريط).
ونحن هنا ننصح بإتباع هذه القاعدة الذهبية في التعامل مع الأبناء حينما يقدمون طلباتهم، لأن خير الأمور أوسطها (كما يقول الحديث الشريف).
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
1ـ شرح ابن أبي الحديد ج20، ص267.
|
|
دراسة يابانية لتقليل مخاطر أمراض المواليد منخفضي الوزن
|
|
|
|
|
اكتشاف أكبر مرجان في العالم قبالة سواحل جزر سليمان
|
|
|
|
|
اتحاد كليات الطب الملكية البريطانية يشيد بالمستوى العلمي لطلبة جامعة العميد وبيئتها التعليمية
|
|
|