أقرأ أيضاً
التاريخ: 3-4-2022
1927
التاريخ: 25-6-2022
1623
التاريخ: 2023-02-22
1105
التاريخ: 2023-05-15
1175
|
لا يخفى أن الإنسان يمر في رحلة الحياة الدنيا بمراحل عمرية مختلفة، تبدأ بسن الطفولة وتنتهي بسن الشيخوخة والهرم، قال تعالى: {اللَّهُ الَّذِي خَلَقَكُمْ مِنْ ضَعْفٍ ثُمَّ جَعَلَ مِنْ بَعْدِ ضَعْفٍ قُوَّةً ثُمَّ جَعَلَ مِنْ بَعْدِ قُوَّةٍ ضَعْفًا وَشَيْبَةً يَخْلُقُ مَا يَشَاءُ وَهُوَ الْعَلِيمُ الْقَدِير} [الروم:٥٤]. وقال عز من قائل: {يَا أَيُّهَا النَّاسُ إِنْ كُنْتُمْ فِي رَيْبٍ مِنَ الْبَعْثِ فَإِنَّا خَلَقْنَاكُمْ مِنْ تُرَابٍ ثُمَّ مِنْ نُطْفَةٍ ثُمَّ مِنْ عَلَقَةٍ ثُمَّ مِنْ مُضْغَةٍ مُخَلَّقَةٍ وَغَيْرِ مُخَلَّقَةٍ لِنُبَيِّنَ لَكُمْ وَنُقِرُّ فِي الْأَرْحَامِ مَا نَشَاءُ إِلَى أَجَلٍ مُسَمًّى ثُمَّ نُخْرِجُكُمْ طِفْلًا ثُمَّ لِتَبْلُغُوا أَشُدَّكُمْ وَمِنْكُمْ مَنْ يُتَوَفَّى وَمِنْكُمْ مَنْ يُرَدُّ إِلَى أَرْذَلِ الْعُمُرِ لِكَيْلَا يَعْلَمَ مِنْ بَعْدِ عِلْمٍ شَيْئًا} [الحج: 5]. ومن المعلوم أن لكل مرحلة عمرية خصائصها ومزاياها التي تختلف عن مزايا المراحل الأخرى وخصائصها. فللطفولة براءتها وطهرها وعفويتها، وللشباب حماسه ونشاطه وحيويته، وللكهولة هيبتها ووقارها(1).
ويهمنا أن نتوقف قليلاً عند أهم مزايا مرحلة الشباب، هذه المزايا التي قد تشترك في بعضها سائر المراحل العمرية، لكننا نجدها بارزة وحاضرة في مرحلة الشباب أكثر من غيرها. والوقوف على هذه المزايا في غاية الأهمية، فهي تستدعي مسؤوليات تتناسب معها، ومن الضروري التعويل عليها في كل عمل تغييري إصلاحي، إذ من المفترض أن يكون الشباب هم رواد عملية التغيير والنهوض، كما أن من الضروري أخذها بعين الاعتبار في عملية إرشاد الشباب وتوجيههم وتهذيبهم وتنمية قدراتهم وتطوير ملكاتهم، ويحقق طموحاتهم، ويخدم قضاياهم وقضايا المجتمع عموماً.
ـ المثالية
وثمة ميزة نرصد حضورها وتواجدها القوي لدى جيل الشباب أيضاً، انجذابهم نحو المثالية في الأمور، وتطلعهم نحو الأفضل والأرقى في كل شيء، وهذه ميزة إيجابية وطيبة، وهي إحدى تجليات الفطرة السليمة. وفي المقابل فإنا نلاحظ أن الشخص الأكبر سناً والذي خَبِر الحياة وعاش الكثير من التجارب يكون أكثر واقعية وتكيفاً مع الظروف الاجتماعية أو السياسية، أو الاقتصادية السائدة.
ونحن هنا لا ندين المثالية بالمطلق، ولا نقبل أو نمتدح الواقعية بالمطلق، فالمثالية بما تعكسه من روح متحفزة نحو التغيير، وهمة عالية تسعى للتجديد وتدفع نحو الإبداع والتغيير، هي شيء طيب وممدوح ومطلوب، ولا بد من استثماره. فالروح الشابة هي التي غيرت وجه التاريخ، وقادت الثورات الكبرى وكل عمليات التحرّر. وأما المثالية الحالمة التي لا تقدّر الظروف الموضوعية لأي حركة تقدم عليها أو خطوة تهم بها، أو عمل تسعى إليه، ولا تدرس إمكانيتها جيداً، فإنها تقود إلى التهور والانتحار، وهي تعيش في حالة من أحلام اليقظة؛ ولذلك فإن المثالية الحالمة ـ لجهة سلبياتها على الفرد والمجتمع ـ لا تقل ضرراً عن الواقعية الخانعة التي ترضخ للأمر الواقع وتداهنه، متذرعة بعناوين شتى تبرر لها السكوت والاستسلام ومسايرة الواقع.
إننا في الوقت الذي لا نريد للشاب أن يعيش في عالم الأحلام بعيداً عن الواقع، فإننا ـ أيضاً ـ لا نريده أن يخضع لهذا الواقع ويستسلم له، وتنهزم إرادته أمام تحدياته. إن طموح الإنسان ولا سيما الشاب لا بد أن يظل كبيراً ، وأمله بالتغيير لا بد أن يبقى يقظاً، فيثق بنفسه وبقدراته، ويتحرك في سبيل تحقيق طموحاته، والإنسان كلما كان طليعياً فإن طموحاته تكون كبيرة ولا يخفض سقف هذه الطموحات، فله أن يتطلع ليكون شخصية قيادية في هذه الأمة، كما قال تعالى في محكم كتابه موجهاً ومرشداً المؤمنين إلى كيفية الدعاء: {وَاجْعَلْنَا لِلْمُتَّقِينَ إِمَامًا} [الفرقان: ٧٤ ]، وفي هذا السياق يمكننا أن نفهم كلمة الإمام أمير المؤمنين (عليه السلام) مخاطباً ابنه الحسن (عليه السلام) : "ارمِ ببصرك أقصى القوم"(2). ولكن الإنسان الطليعي لا يجلس حبيس بيته وهو يعيش حلم التغيير أو ينتظر ذلك ليأتيه بالمجان، وإنما عليه أن يبادر إلى العمل في شتى الساحات الممكنة، وأن يخطو ولو خطوات بسيطة، فإنها مع الوقت قد تصنع البيئة الملائمة للتغيير. فالقليل الدائم خير من الكثير غير المقدور أو الكثير الضار أو المتفرق، يقول الغزالي: (ومثال القليل الدائم كقطرات ماء تتقاطر على الأرض على التوالي فتحدث فيها حفيرة، ولو وقع ذلك على الحجر، ومثال الكثير المتفرق ماء يصب دفعة أو دفعات متفرقة متباعدة الأوقات فلا يبين لها أثر ظاهر)(3).
إن معنى أن تكون واقعياً هو أن تقدر إمكاناتك وطاقاتك الواقعية دون مبالغة، ثم تعمل على توظيفها في خدمة القضية التي تؤمن بها دون أن تقفز في الهواء أو تراهن على الأوهام والسراب.
_____________________________________
(1) يقول بعض الشعراء وهو يحدثنا عن مزايا وخصائص المراحل التي يمر بها الانسان:
ابن عشر من السنين غلام رفعت عن نظيره الأقلام
وابن عشرين للصبا والتصابي ليس يثنيه عن هواه ملام
والثلاثون قوة للشباب وهيام ولوعة وغرام
فإذا زيد بعد ذلك عشراً فكمال وقوة وتمام
وابن خمسين مر عنه صباه فيراه كأنه أحلام
وابن ستين صيرته الليالي هدفا للمنون وهي سهام
وابن سبعين عاش ما قد كفاه واعترته وساوس وسقام
فإذا زيد بعد ذلك عشرا بلغ الغاية التي لا ترام
وابن تسعين لا تسلني عنه فابن تسعين ما عليه كلام
فإذا زيد بعد ذلك عشرا فهو حي كميت والسلام
وهذه الابيات تنسبت الى الشاعر الفقيه عمر بن مظفر بن عمر بن محمد بن ابي الفوارس المعري البكري المشهور بابن الوردي، من شعراء القرن الثامن الهجري، ولد في المعرة غرب مدينة حلب بالشام (سوريا) زمن المماليك سنة 689هـ، توفي بالطاعون سنة 749هـ.
(2) نهج البلاغة ج1 ص43.
(3) انظر: إحياء علوم الدين للغزالي ج 4 ص 11، والمحجة البيضاء للكاشاني ج 2 ص352.
|
|
تفوقت في الاختبار على الجميع.. فاكهة "خارقة" في عالم التغذية
|
|
|
|
|
أمين عام أوبك: النفط الخام والغاز الطبيعي "هبة من الله"
|
|
|
|
|
قسم شؤون المعارف ينظم دورة عن آليات عمل الفهارس الفنية للموسوعات والكتب لملاكاته
|
|
|