المرجع الالكتروني للمعلوماتية
المرجع الألكتروني للمعلوماتية


Untitled Document
أبحث عن شيء أخر



يوسف الصديق نموذج الشاب العفيف  
  
2203   10:16 صباحاً   التاريخ: 6-3-2022
المؤلف : حسين أحمد الخشن
الكتاب أو المصدر : مع الشباب في همومهم وتطلعاتهم
الجزء والصفحة : ص233ــ239
القسم : الاسرة و المجتمع / المراهقة والشباب /

نتحدث هنا عن كيفية تعامل الشاب مع غريزته، أن نؤكد على قيمة العفة وأهميتها في تحصين النفس، وذلك من خلال الاستعانة والاستهداء بنموذج عملي قدمه لنا القرآن الكريم، وهو نموذج الشاب الذي تحيط به المغريات من كل جانب، ولكنه ينتصر في معركة الإرادة، ولا يسقط أمام ضغط الغريزة، وهو نموذج يوسف الصديق (عليه السلام)، قال تعالى: {وَرَاوَدَتْهُ الَّتِي هُوَ فِي بَيْتِهَا عَنْ نَفْسِهِ وَغَلَّقَتِ الْأَبْوَابَ وَقَالَتْ هَيْتَ لَكَ قَالَ مَعَاذَ اللَّهِ إِنَّهُ رَبِّي أَحْسَنَ مَثْوَايَ إِنَّهُ لَا يُفْلِحُ الظَّالِمُونَ * وَلَقَدْ هَمَّتْ بِهِ وَهَمَّ بِهَا لَوْلَا أَنْ رَأَى بُرْهَانَ رَبِّهِ كَذَلِكَ لِنَصْرِفَ عَنْهُ السُّوءَ وَالْفَحْشَاءَ إِنَّهُ مِنْ عِبَادِنَا الْمُخْلَصِينَ * وَاسْتَبَقَا الْبَابَ وَقَدَّتْ قَمِيصَهُ مِنْ دُبُرٍ وَأَلْفَيَا سَيِّدَهَا لَدَى الْبَابِ قَالَتْ مَا جَزَاءُ مَنْ أَرَادَ بِأَهْلِكَ سُوءًا إِلَّا أَنْ يُسْجَنَ أَوْ عَذَابٌ أَلِيمٌ * قَالَ هِيَ رَاوَدَتْنِي عَنْ نَفْسِي وَشَهِدَ شَاهِدٌ مِنْ أَهْلِهَا إِنْ كَانَ قَمِيصُهُ قُدَّ مِنْ قُبُلٍ فَصَدَقَتْ وَهُوَ مِنَ الْكَاذِبِينَ *وَإِنْ كَانَ قَمِيصُهُ قُدَّ مِنْ دُبُرٍ فَكَذَبَتْ وَهُوَ مِنَ الصَّادِقِينَ * فَلَمَّا رَأَى قَمِيصَهُ قُدَّ مِنْ دُبُرٍ قَالَ إِنَّهُ مِنْ كَيْدِكُنَّ إِنَّ كَيْدَكُنَّ عَظِيمٌ * يُوسُفُ أَعْرِضْ عَنْ هَذَا وَاسْتَغْفِرِي لِذَنْبِكِ إِنَّكِ كُنْتِ مِنَ الْخَاطِئِينَ * وَقَالَ نِسْوَةٌ فِي الْمَدِينَةِ امْرَأَةُ الْعَزِيزِ تُرَاوِدُ فَتَاهَا عَنْ نَفْسِهِ قَدْ شَغَفَهَا حُبًّا إِنَّا لَنَرَاهَا فِي ضَلَالٍ مُبِينٍ * فَلَمَّا سَمِعَتْ بِمَكْرِهِنَّ أَرْسَلَتْ إِلَيْهِنَّ وَأَعْتَدَتْ لَهُنَّ مُتَّكَأً وَآَتَتْ كُلَّ وَاحِدَةٍ مِنْهُنَّ سِكِّينًا وَقَالَتِ اخْرُجْ عَلَيْهِنَّ فَلَمَّا رَأَيْنَهُ أَكْبَرْنَهُ وَقَطَّعْنَ أَيْدِيَهُنَّ وَقُلْنَ حَاشَ لِلَّهِ مَا هَذَا بَشَرًا إِنْ هَذَا إِلَّا مَلَكٌ كَرِيمٌ * قَالَتْ فَذَلِكُنَّ الَّذِي لُمْتُنَّنِي فِيهِ وَلَقَدْ رَاوَدْتُهُ عَنْ نَفْسِهِ فَاسْتَعْصَمَ وَلَئِنْ لَمْ يَفْعَلْ مَا آَمُرُهُ لَيُسْجَنَنَّ وَلَيَكُونَنْ مِنَ الصَّاغِرِينَ *قَالَ رَبِّ السِّجْنُ أَحَبُّ إِلَيَّ مِمَّا يَدْعُونَنِي إِلَيْهِ وَإِلَّا تَصْرِفْ عَنِّي كَيْدَهُنَّ أَصْبُ إِلَيْهِنَّ وَأَكُنْ مِنَ الْجَاهِلِينَ * فَاسْتَجَابَ لَهُ رَبُّهُ فَصَرَفَ عَنْهُ كَيْدَهُنَّ إِنَّهُ هُوَ السَّمِيعُ الْعَلِيمُ} [يوسف: 23 - 34].

إن في قصة هذا النبي العظيم (عليه السلام) دروساً كثيرة وفوائد جليلة، ومن أبرزها ـ فيما نحن فيه ـ فائدتان:

أ ـ الفائدة التربوية

حيث مثل يوسف (عليه السلام) نموذجاً رائعاً لكل الشباب، وقدم لهم درساً عملياً القدرة على مواجهة الغريزة وضبطها، فقد انتصرت إرادة يوسف الصديق وإيمانه على كل محاولات الإغراء التي مارستها زوجة العزيز معه، ولم يرضخ لكل محاولات الضغط عليه الهادفة لجره إلى مستنقع الرذيلة والفاحشة. تصور أن شاباً يواجه من الإغراءات والمثيرات والضغوطات ما واجه يوسف الصديق، فماذا عسى أن يكون موقفه؟ أكان يصبر أم يسقط أمام غليان الغريزة؟

لقد كان يوسف (عليه السلام) شاباً في مقتبل العمر وفي أوان فوران الغريزة، وهو ذو هيئة رائعة وصورة جميلة حسنة قل نظيرها، والجمال يغري صاحبه بالهوى ويغري الجنس الآخر بذلك. وكان في الوقت عينه مملوكاً لزوجة العزيز، والمملوك لا يستطيع أن يرد أوامر سيدته أو يرفض لها طلباً. وفي المقابل، فإن زوجة العزيز الأخرى امرأة جميلة، بل فائقة الجمال على ما يذكر ويحكى، وهي بطبيعة الحال تكون متزينة بأجمل الحلي ومتعطرة بأرقى أنواع الطيب. كما أنها من جهة أخرى، قد عشقت يوسف عشقاً لا حد له، حتى وصل حبه إلى شغاف قلبها {قد شغفها حبا}. ثم إنها هيأت نفسها وأعدت واستعدت لساعة الوصال، فهيأت خلوة خاصة وغلقت الأبواب، ودعته إلى نفسها بعيداً عن أعين الناظرين، وفي بيت من بيوت الملوك التي تبهر العقول بروعتها وجمالها. ذلك كله وبالرغم من كل هذه الأجواء والاسباب، التي لو توفر بعضها لأي رجل لسقط تحت ضغط الغريزة، فإن يوسف (عليه السلام) تعالى وتسامى، وكان شريفاً أبي النفس تقياً ورعاً يضع الله نصب عينيه، ولذلك انتصرت إرادته رغم كل المعاناة التي عاشها، ورغم كل (تلك الأسباب والأمور الهائلة) التي (لو توجهت إلى جبل لهدته أو أقبلت على صخرة صماء لأذابتها)، كما يقول العلامة السيد محمد حسين الطباطبائي(1).

إن قصة يوسف (عليه السلام) هذه تعد درساً بليغاً لكل الشباب الذين تواجههم الإغراءات، مع كونها إغراءات قد لا يصل معظمها إلى معشار ما وصل إليه الأمر عند يوسف، وبالرغم من ذلك فقد انتصرت الإرادة عنده على الغريزة وتغلب حب الله على هوى النفس وحبها، ويستفاد من بعض الأخبار أن يوسف الصديق سوف يتخذه الله يوم القيامة حجة له على الشباب الذين أغراهم جمالهم فانحرفوا، كما ستكون السيدة مريم عليها السلام حجة الله على النساء الجميلات اللاتي أغراهن حسنهن وجمالهم فانحرفن. ففي الحديث عن أبي عبد الله الصادق (عليه السلام): "تؤتى بالمرأة الحسناء يوم القيامة التي قد افتتنت في حسنها، فتقول: يا رب حسّنت خلقي حتى لقيت ما لقيت! فيُجاء بمريم (عليها السلام) فيقال: أنت أحسن أو هذه؟ قد حسّناها فلم تفتتن! ويجاء بالرجل الحسن الذي قد افتين في حسنه فيقول: يا رب حسنت خلقي حتى لقيت من النساء ما لقيت! فيجاء بيوسف (عليه السلام) فيقال: أنت أحسن أو هذا؟ قد حسّناه فلم يفتتن! ويجاء بصاحب البلاء الذي قد أصابته الفتنة في بلائه فيقول: يا رب شددت عليّ البلاء حتى افتتنت! فيؤتى بأيوب (عليه السلام) فيقال: أبليتك أشد أو بليه هذا فقد ابتلي فلم يفتتن!"(2).

ب ـ الفائدة العقدية

حيث إن القرآن الكريم عندما يقدم لنا نبياً من أنبيائه (عليهم السلام)، وهو يعيش صراعاً مريراً بين غريزته وعقله، فإنه بذلك يقدم لنا الأنبياء (عليهم السلام) كما هم وعلى طبيعتهم دون مبالغة أو تنقيص، وثمرة ذلك - ضبط إيقاع رؤيتنا العقدية تجاه الأنبياء (عليهم السلام) لتكون صفة البشرية حاضرة في أساس هذه الرؤية، بما يشكل مانعاً من المبالغة في الاعتقاد فيهم، وحاجزاً دون وقوعنا في الغلو. وميزة النبي (عليه السلام) في هذا المجال عن غيره من الناس، هي أنه في الوقت الذي يغرق كثير من الناس في وحول الشهوات ومستنقع الغرائز، فإن النبي (عليه السلام) يبقى فوق السقوط، لأن نفسه اللوامة وضميره اليقظ وعشقه ومحبته لله تعالى وشعوره برقابته عز وجل، ومعرفته بقبح الذنب، هي التي تكون منتصرة في نهاية المطاف، ولهذا اختاره الله لرسالته، ولم يختره لها لأنه ـ كما قد يخيل للبعض ـ لا يمتلك غريزة أو لأنه مخلوق من غير طينة البشر، فإن من كان كذلك هو ملك وليس بشراً. وحكمةُ الله تعالى قضت بأن يكون الحجة على العباد ومثلهم الأعلى هو من جنسهم، لا من جنس آخر، قال تعالى: {وَلَوْ جَعَلْنَاهُ مَلَكًا لَجَعَلْنَاهُ رَجُلًا وَلَلَبَسْنَا عَلَيْهِمْ مَا يَلْبِسُونَ} [الأنعام:9].

النبي (عليه السلام) والغرائز

أجل، إن حساسية مسألة النبي يوسف (عليه السلام) لدى البعض ناشئة من أن قضايا الجنس لا زلنا نضعها في دائرة العيب الاجتماعي، مع أن قضية الجنس أو حاجة النبي (عليه السلام) إلى ذلك ـ كحاجته إلى الطعام والشراب ـ هي حاجة بشرية لا تنافي تقاه وورعه وعصمته؛ ولهذا نجد أن القرآن الكريم قد تناول هذه القضية بشكل واضح فيما يتصل بنبيه الأكرم (صلى الله عليه وآله) قال تعالى: {لَا يَحِلُّ لَكَ النِّسَاءُ مِنْ بَعْدُ وَلَا أَنْ تَبَدَّلَ بِهِنَّ مِنْ أَزْوَاجٍ وَلَوْ أَعْجَبَكَ حُسْنُهُنَّ إِلَّا مَا مَلَكَتْ يَمِينُكَ وَكَانَ اللَّهُ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ رَقِيبًا} [الأحزاب: 52].

وبكلمة أخرى: إن القوة الشهوية لدى النبي (عليه السلام) هي - كالقوة الغضبية - خير وكمال له من حيث المبدأ، كما هي خير لغيره من الناس، وخلوه منها يعد نقصاً فيه، ولكن شريطة أن لا تخرج عن سيطرة صاحبها بما يخرجه عن خط التوازن، أو عن خط الاستقامة على جادتي الشريعة والأخلاق. ألسنا نروي(3) أن من فضائل الإمام علي (عليه السلام) أنه بعدما رمى عمرو بن عبد ود العامري أرضاً، وتفل عمرو في وجهه (عليه السلام) قام علي (عليه السلام) ومشى خطوات يسيرة، ثم عاد وأجهز عليه! ولما سئل عن سبب مشيته تلك والتي ظنها البعض تبختراً قال: لم أفعله تبختراً، وإنما مشيت خطوات لأن عمراً عندما تفل في وجهي أثار غضبي، فلم أرغب في قتله انتصاراً لنفسي، وإنما قصدت إلى أن أهدئ من روعي ليكون قتلي له لله وفي سبيل الله تعالى. إن معنى ذلك أن الإمام (عليه السلام) ربما هاجت به القوة الغضبية، واحتاج إلى تهدئتها وعمل على تهذيبها. وهكذا الحال في القوة الشهوية الغرائزية، فإن النبي (عليه السلام) أو الإمام (عليه السلام) قد يبذل جهداً في سبيل تهذيبها وصقلها، وهذا ليس عيباً ولا نقصاً، ولا ينافي عصمة النبي (صلى الله عليه وآله وسلم)، وإنما الذي ينافي العصمة انسياقه مع الغريزة ووقوعه في شباكها، وقد قال عليّ (عليه السلام) ـ فيما روي عنه ـ: "إنما هي نفسي أروضها بالتقوى لتأتي آمنة يوم الخوف الأكبر وتثبت على جوانب المزلق"(4). وهنا تكمن ميزة الإمام المعصوم، فهو دائماً من يتحكم بغضبه وبغريزته، وليس العكس كما قد يحصل مع غيره(5).

وإن قول يوسف (عليه السلام): {السِّجْنُ أَحَبُّ إِلَيَّ مِمَّا يَدْعُونَنِي إِلَيْهِ وَإِلَّا تَصْرِفْ عَنِّي كَيْدَهُنَّ أَصْبُ إِلَيْهِنَّ وَأَكُنْ مِنَ الْجَاهِلِينَ} يعكس هذه المعاناة التي كان يعيشها فيستعين بالله تعالى للخروج منها، دون أن يلوث شرفه أو يخدش إيمانه، ويطلب منه تعالى اللطف والتسديد وأن يصرف عنه كيد تلك المرأة، ولو لم يكن ليوسف (عليه السلام) مثل هذه الغريزة التي تضغط عليه لم يكن محلاً للمدح الإلهي، وما كان له فضل على سائر الناس. فإن الإنسان إنما يستحق المدح والفضل على فعل ما يقع تحت اختياره وإرادته، أو على ترك ما يملك دوافع ذاتية لفعله وتتطلع نفسه نحوه، ومع ذلك يكبح جماح الغريزة.

ومن هنا استحق أئمة أهل البيت (عليهم السلام) المدح الإلهي الذي خلّده القرآن الكريم، تصدقهم لمدة ثلاثة أيام بما في أيديهم من طعام، ليبيتوا جياعاً دون أن يكون لديهم ما يسدون به رمقهم، أو يمكنهم من صيام اليوم التالي، فلو كان لديهم شيء یسدّ جوعتهم لمـا استحقوا هـذا المدح الإلهي العظيم، مما جاء في قوله تعالى: {وَيُطْعِمُونَ الطَّعَامَ عَلَى حُبِّهِ مِسْكِينًا وَيَتِيمًا وَأَسِيرًا * إِنَّمَا نُطْعِمُكُمْ لِوَجْهِ اللَّهِ لَا نُرِيدُ مِنْكُمْ جَزَاءً وَلَا شُكُورًا} [الإنسان: 8 - 9]، وقد ذهب بعض المفسرين إلى إرجاع ضمير «حبّه» إلى الطعام(6)، لتكون النتيجة على هذا الرأي أنه ومع حبهم للطعام وميل إليه، وإلحاح غريزة الجوع عليهم بأن يحتفظوا به، فقد انتصر حب الله تعالى عندهم على حب الذات، فاستحقوا بسبب هذه التضحية هذا المدح العظيم مما أشار إليه قال تعالى: {فَوَقَاهُمُ اللَّهُ شَرَّ ذَلِكَ الْيَوْمِ وَلَقَّاهُمْ نَضْرَةً وَسُرُورًا} [الإنسان: 11]. وفي مقابل هذا الرأي يوجد رأي آخر يرجع الضمير في (حبه) إلى الله تعالى، والمعنى على هذا الرأي واضح، فهم آثروا الآخرين على أنفسهم حباً لله تعالى.

وهذا الإيثار رغم الحاجة وإلحاح النفس، هو الذي أكسب أبا الفضل العباس الثناء الجميل، فإنه بحسب ما جاء في بعض الروايات وعند وصوله إلى المشرعة، أخذ غرفة من الماء بيده، ثم رمى بها رغم حاجته إلى الماء، إيثاراً منه لأخيه الحسين (عليه السلام) وعياله وقال معاتباً نفسه:

یا نفسُ من بعد الحسينِ هُوني             وبعـدَه لا كنتِ أن تكوني

هذا   الحسينُ   واردُ المنـونِ              وتشربينَ بـاردَ المَعيـنِ(7)  

 _________________________

(۱) الميزان ج11 ص136.

(2) الكافي ج 8ص 228.

(3) يقول ابن شهر آشوب: "ولما أدرك ـ يقصد علياً (عليه السلام) ـ عمرو بن عبد ود لم يضربه، فوقعوا في علي (عليه السلام) (نالوا منه) فرد عنه حذيفة، فقال النبي (صلى الله عليه وآله) : مه يا حذيفة، فإن علياً سيذكر سبب وقفته، ثم إنه (عليه السلام) ضربه، فلما جاء سأله النبي (صلى الله عليه وآله) عن ذلك فقال: قد كان شتم أمي وتفل في وجهي، فخشيت أن أضربه لحظ نفسي، فتركته حتى سكن ما بي ثم قتلته في الله"، مناقب آل أبي طالب ج1 ص381.

(4) نهج البلاغة ج3 ص71.

(5) وقد لاحظنا أن كبار المفسرين قد تحدثوا عن المحنة التي عاشها يوسف الصديق (عليه السلام) أو "عن الصراع المرير بين العقل والغريزة" انظر على سبيل المثال: تفسير الأمثل ج7 ص165.

(6) جوامع الجامع للطبرسي ج4 ص410، تحقيق: أبو القاسم كرجي، جامعة طهران، 1378 هـ. ش.

(7) إبصار العين في أنصار الحسين عليه السلام للشيخ محمد السماوي ص62. 




احدى اهم الغرائز التي جعلها الله في الانسان بل الكائنات كلها هي غريزة الابوة في الرجل والامومة في المرأة ، وتتجلى في حبهم ورعايتهم وادارة شؤونهم المختلفة ، وهذه الغريزة واحدة في الجميع ، لكنها تختلف قوة وضعفاً من شخص لآخر تبعاً لعوامل عدة اهمها وعي الاباء والامهات وثقافتهم التربوية ودرجة حبهم وحنانهم الذي يكتسبونه من اشياء كثيرة إضافة للغريزة نفسها، فالابوة والامومة هدية مفاضة من الله عز وجل يشعر بها كل اب وام ، ولولا هذه الغريزة لما رأينا الانسجام والحب والرعاية من قبل الوالدين ، وتعتبر نقطة انطلاق مهمة لتربية الاولاد والاهتمام بهم.




يمر الانسان بثلاث مراحل اولها الطفولة وتعتبر من اعقد المراحل في التربية حيث الطفل لا يتمتع بالإدراك العالي الذي يؤهله لاستلام التوجيهات والنصائح، فهو كالنبتة الصغيرة يراقبها الراعي لها منذ اول يوم ظهورها حتى بلوغها القوة، اذ ان تربية الطفل ضرورة يقرها العقل والشرع.
(أن الإمام زين العابدين عليه السلام يصرّح بمسؤولية الأبوين في تربية الطفل ، ويعتبر التنشئة الروحية والتنمية الخلقية لمواهب الأطفال واجباً دينياً يستوجب أجراً وثواباً من الله تعالى ، وأن التقصير في ذلك يعرّض الآباء إلى العقاب ، يقول الإمام الصادق عليه السلام : « وتجب للولد على والده ثلاث خصال : اختياره لوالدته ، وتحسين اسمه ، والمبالغة في تأديبه » من هذا يفهم أن تأديب الولد حق واجب في عاتق أبيه، وموقف رائع يبيّن فيه الإمام زين العابدين عليه السلام أهمية تأديب الأولاد ، استمداده من الله عز وجلّ في قيامه بذلك : « وأعني على تربيتهم وتأديبهم وبرهم »)
فالمسؤولية على الاباء تكون اكبر في هذه المرحلة الهامة، لذلك عليهم ان يجدوا طرقاً تربوية يتعلموها لتربية ابنائهم فكل يوم يمر من عمر الطفل على الاب ان يملؤه بالشيء المناسب، ويصرف معه وقتاً ليدربه ويعلمه الاشياء النافعة.





مفهوم واسع وكبير يعطي دلالات عدة ، وشهرته بين البشر واهل العلم تغني عن وضع معنى دقيق له، الا ان التربية عُرفت بتعريفات عدة ، تعود كلها لمعنى الاهتمام والتنشئة برعاية الاعلى خبرة او سناً فيقال لله رب العالمين فهو المربي للمخلوقات وهاديهم الى الطريق القويم ، وقد اهتمت المدارس البشرية بالتربية اهتماماً بليغاً، منذ العهود القديمة في ايام الفلسفة اليونانية التي تتكئ على التربية والاخلاق والآداب ، حتى العصر الاسلامي فانه اعطى للتربية والخلق مكانة مرموقة جداً، ويسمى هذا المفهوم في الاسلام بالأخلاق والآداب ، وتختلف القيم التربوية من مدرسة الى اخرى ، فمنهم من يرى ان التربية عامل اساسي لرفد المجتمع الانساني بالفضيلة والخلق الحسن، ومنهم من يرى التربية عاملاً مؤثراً في الفرد وسلوكه، وهذه جنبة مادية، بينما دعا الاسلام لتربية الفرد تربية اسلامية صحيحة.