المرجع الالكتروني للمعلوماتية
المرجع الألكتروني للمعلوماتية


Untitled Document
أبحث عن شيء أخر



التربية والشباب  
  
2894   11:34 صباحاً   التاريخ: 4-12-2021
المؤلف : الشيخ نعيم قاسم
الكتاب أو المصدر : الشباب شعلة تُحرِق أو تُضيء
الجزء والصفحة : ص24ـ27
القسم : الاسرة و المجتمع / المراهقة والشباب /

مرحلةُ الشباب حساسةٌ جداً ، ففيها تتبلور الشخصية التي تستقر في المستقبل على نمط معيَّن ، وتتبلور الأفكار والقناعات والاتجاهات الفكرية والدينية والسياسية...، ولنا حاجة ماسّة للانتباه لما يتأصَّل اثناءها في حياة الشباب ، فهي آخر مراحل التربية الفعّالة التي يصعب بعدها إحداث تغييرٍ جذري وأساسي في الشخصية فيما لو أرادنا تغييرها.

لنتوقف قليلاً عند قول أمير المؤمنين علي عليه السلام لابنه الحسن عليه السلام: ((وإنما قلب الحدث كالأرض الخالية ما ألقي فيها من شيء قبلته ، فبادرتك بالأدب ، قبل أن يقسو قلبك ، ويشغل لُبُّك))(1).

لماذا المبادرة إلى التأديب والتوجيه والإيمان والطاعة والاستقامة؟

أ ـ ((قبل أن يقسو قلبك)): دللتك على الله عز وجل ، ليدخل الإيمان إلى قلبك ، فتأنس بالطاعة وتنفيذ أوامر الله التي تحقق مصلحتك في هذه الدنيا وسعادتك فيها. وإلّا فإذا انغمست في الملذات المحرَّمة، واقتربت من الأعمال المنحرفة والخاطئة، وعشت أُلفة المحرمات وأجواء اللهو والانحراف، فسيقسو قلبك،

وتخسر رقته ولطافته في تحريكه لضميرك ، وتخسر العاطفة التي تربطك بالله تعالى ، والتي تساعدك على التوبة فيما لو عصيت ، وعلى العودة إلى الإيمان فيما لو أخطأت. فإذا قسا قلبك ، فإنّك تحتاج جهد كبير لتجعله ليِّناً ، إذ عليك أن تهدم ما تراكم في داخله ، لتعمِّره من جديد بالإيمان والنور.

ب ـ وقبل أن ((يشتغل لُبُّك)): عرَّفتك على الحقائق ، ومعنى هذه الدنيا ، وما سيكون عليه في الآخرة ، كي تقبل الصحيح من الأفكار التي تُقال أمامك ، وترفض الخاطئ والضّال والمجافي للحقيقة. وإلّا فإذا اشتغل عقلك بالأفكار الخاطئة ، واعتبرتها رصيدك المعرفي في هذه الحياة ، فسيكون حكمك خاطئاً على الأشياء ، وستنظر إلى الأمور من منظار مشوَّش. عندها تتعبأ بأن الحياة الدنيا هي كل شيء ، ولك أن تأخذ منها ما ترغبه من دون ضوابط الحلال والحرام ، ومن دون الاهتمام بالعواقب والنتائج ، وهذا ما يجعلك عبثياً كما هي حال الشباب في الغرب ، لا تعير اهتماماً لدينك وإيمانك لأنهما غير متناغمين مع نظرتك العبثية للحياة ، ولا تُحكِّم عقلك وموضوعيتك لتحاكي أصالة فطرتك في تحقيق إنسانيتك ، ولا تعير اهتماماً لرقابة الله تعالى التي تساعدك على الاستقامة والتوبة ، لأنَّك لا تؤمن بهذه الرقابة بشكل فعلي. فما تؤسِّس عليه أفكارك ينعكس على نظرتك للأمور ، وإذا أردت تغييرها فإنك بحاجة إلى جهد كبير ، لتصحح مفاهيمك الخاطئة ، وتتعرف على حقائق الأمور ، وتعالج الأخطاء التي ارتكبتها ، وتتلخَّص من الآثار التي أحدثتها.

لا تستغرب عندما يتحدثون أمامك عن عبدة النار في بعض مجاهل أفريقيا اليوم!

ولا تستغرب وجود عبدة الأوثان والأصنام من دون الله في بعض الأماكن في الهند اليوم!

ولا تستغرب وجود الملحدين الذين لا يؤمنون بالله من شيوعي الاتحاد السوفياتي سابقاً في هذا الزمان!

ولا تستغرب وجود الذين يرتكبون المحرمات بأبشع صورها من الإباحية والشذوذ الجنسي في الغرب اليوم وعلى مرأى من العالم ، وهم يدافعون بكل وقاحة عن قناعاتهم ، وقد بدأت بعض الدول بإصدار القوانين التي تحمي هذا الانحراف وتعترف به!

كل هذا وغيره ، من نتائج التربية والعادات والتوجيهات التي نشأ عليها الإنسان في صغره وشبابه. وقد ذكر لنا القرآن الكريم الصعوبات التي واجهها نبي الله نوح عليه السلام مع ولده ، فلم يتمكن من هدايته إلى الإيمان مع ما له من مقام عظيم وقدرة ربانيّة ، لأنَّ الأجواء التي عاشها الولد وتأسَّس عليها ، قد جمَّدت فكره عند القناعات المنحرفة ، وحرفت قلبه للتفاعل مع الكفر والمعاصي ، ولم يعد بالإمكان إحداث أي تغيير في نفسه وسلوكه بسبب سيطرة أجواء الانحراف وإحاطتها به. لذا فَقَد النبي نوح عليه السلام الأمل بإحداث أي تغيير بسيط في شخصية ولده ومجتمعه ، {قَالَ نُوحٌ رَبِّ إِنَّهُمْ عَصَوْنِي وَاتَّبَعُوا مَنْ لَمْ يَزِدْهُ مَالُهُ وَوَلَدُهُ إِلَّا خَسَارًا * وَمَكَرُوا مَكْرًا كُبَّارًا } [نوح: 21، 22] ،

فقدوتُهم منحرفة ، وتصميمهم على الفساد والإفساد مستمر ، بل هم يمكرون ويخططون لتثبيت الانحراف، فقد أصبحت أجواؤهم موبوءة ، وانعدمت الفرصة لأي مولود جديد بينهم أن يتنشق ريح الصلاح والاستقامة، فالبيئة الاجتماعية التي سيعيش فيها كافرةٌ بالكامل ، كلُّ الرجال والنساء كذلك ، هؤلاء الناس تجذَّروا في الفساد فلا أمل بتغييرهم ، لذا دعا نوح ربَّه بإبادتهم لقلب هذه الصفحة القاتمة التي تُمجِّد المستقبل في دائرتها المستقرة على الانحراف ، {وَقَالَ نُوحٌ رَبِّ لَا تَذَرْ عَلَى الْأَرْضِ مِنَ الْكَافِرِينَ دَيَّارًا * إِنَّكَ إِنْ تَذَرْهُمْ يُضِلُّوا عِبَادَكَ وَلَا يَلِدُوا إِلَّا فَاجِرًا كَفَّارًا} [نوح: 26، 27].

بعض شعوب العالم اليوم ليست بعيدة عن أجواء قوم نوح، ولا نضمن ألّا يصيبنا ما أصاب ابن نوح من الانحراف، إلّا إذا سعينا لتحصين أنفسنا واستفدنا من هذه الطاقة العظيمة التي نمتلكها في سن الشباب، والتي يمكننا توجيهها نحو صلاحنا وخيرنا.

________________________________

(1) نهج البلاغة ، من وصية له للإمام الحسن عليهما السلام ، الكتاب 31. 




احدى اهم الغرائز التي جعلها الله في الانسان بل الكائنات كلها هي غريزة الابوة في الرجل والامومة في المرأة ، وتتجلى في حبهم ورعايتهم وادارة شؤونهم المختلفة ، وهذه الغريزة واحدة في الجميع ، لكنها تختلف قوة وضعفاً من شخص لآخر تبعاً لعوامل عدة اهمها وعي الاباء والامهات وثقافتهم التربوية ودرجة حبهم وحنانهم الذي يكتسبونه من اشياء كثيرة إضافة للغريزة نفسها، فالابوة والامومة هدية مفاضة من الله عز وجل يشعر بها كل اب وام ، ولولا هذه الغريزة لما رأينا الانسجام والحب والرعاية من قبل الوالدين ، وتعتبر نقطة انطلاق مهمة لتربية الاولاد والاهتمام بهم.




يمر الانسان بثلاث مراحل اولها الطفولة وتعتبر من اعقد المراحل في التربية حيث الطفل لا يتمتع بالإدراك العالي الذي يؤهله لاستلام التوجيهات والنصائح، فهو كالنبتة الصغيرة يراقبها الراعي لها منذ اول يوم ظهورها حتى بلوغها القوة، اذ ان تربية الطفل ضرورة يقرها العقل والشرع.
(أن الإمام زين العابدين عليه السلام يصرّح بمسؤولية الأبوين في تربية الطفل ، ويعتبر التنشئة الروحية والتنمية الخلقية لمواهب الأطفال واجباً دينياً يستوجب أجراً وثواباً من الله تعالى ، وأن التقصير في ذلك يعرّض الآباء إلى العقاب ، يقول الإمام الصادق عليه السلام : « وتجب للولد على والده ثلاث خصال : اختياره لوالدته ، وتحسين اسمه ، والمبالغة في تأديبه » من هذا يفهم أن تأديب الولد حق واجب في عاتق أبيه، وموقف رائع يبيّن فيه الإمام زين العابدين عليه السلام أهمية تأديب الأولاد ، استمداده من الله عز وجلّ في قيامه بذلك : « وأعني على تربيتهم وتأديبهم وبرهم »)
فالمسؤولية على الاباء تكون اكبر في هذه المرحلة الهامة، لذلك عليهم ان يجدوا طرقاً تربوية يتعلموها لتربية ابنائهم فكل يوم يمر من عمر الطفل على الاب ان يملؤه بالشيء المناسب، ويصرف معه وقتاً ليدربه ويعلمه الاشياء النافعة.





مفهوم واسع وكبير يعطي دلالات عدة ، وشهرته بين البشر واهل العلم تغني عن وضع معنى دقيق له، الا ان التربية عُرفت بتعريفات عدة ، تعود كلها لمعنى الاهتمام والتنشئة برعاية الاعلى خبرة او سناً فيقال لله رب العالمين فهو المربي للمخلوقات وهاديهم الى الطريق القويم ، وقد اهتمت المدارس البشرية بالتربية اهتماماً بليغاً، منذ العهود القديمة في ايام الفلسفة اليونانية التي تتكئ على التربية والاخلاق والآداب ، حتى العصر الاسلامي فانه اعطى للتربية والخلق مكانة مرموقة جداً، ويسمى هذا المفهوم في الاسلام بالأخلاق والآداب ، وتختلف القيم التربوية من مدرسة الى اخرى ، فمنهم من يرى ان التربية عامل اساسي لرفد المجتمع الانساني بالفضيلة والخلق الحسن، ومنهم من يرى التربية عاملاً مؤثراً في الفرد وسلوكه، وهذه جنبة مادية، بينما دعا الاسلام لتربية الفرد تربية اسلامية صحيحة.