أقرأ أيضاً
التاريخ: 2023-04-24
1085
التاريخ: 17-4-2022
1846
التاريخ: 3-7-2022
1899
التاريخ: 15-5-2022
1918
|
تمتد مرحلة المراهقة من سن الثالثة عشر إلى الحادية والعشرين، وقد تتأخر إلى الرابعة عشرة أيضاً، وتقسم إلى مرحلتين(1): الأولى حتى السابعة عشرة، والثانية إلى ما بعدها وصولاً إلى الحادية والعشرين، حيث تسمى الأولى المراهقة المبكرة، والثانية المراهقة المتأخرة، لوجود بعض الفروقات بينهما، لكن تحديد السن لا يكون حاداً في غالب الأحيان، فقد تتداخل زيادة السنة أو نقصانها بين المرحلتين، أي انتهاء المراهقة المبكرة عند الثامنة عشرة أو السادسة عشرة، لتبدأ بعدها المراهقة المتأخرة.
ويُصاحب مرحلة المراهقة نموٌ شامل، جسدي وعقلي ونفسي، تواكبه اضطرابات جسدية وعقلية ونفسية، بسبب هذه المرحلة الانتقالية الحساسة. ثم تستقر في نهايتها في اتجاهات واضحة ومحددة، حيث تكتملُ معالمُ الجسد شكلاً ووظيفة ومواصفات، وتتبلور قواعدُ العقل والتفكير في تحديد مسار الخيارات الشخصية والثقافية والمهنية والسياسية والمجتمعية، وتتجهُ النفس نحو إطارٍ يطبع حياة الشباب، التي تبرز مميزاتها في السلوك العملي، بحالة مستقرة أو قلقة، مؤمنة أو حائرة، متفائلة أو متشائمة، مطمئنة أو أمارة بالسوء... من دون نفي بعض التقلبات المحتملة مع تبدل الظروف والقناعات، ومن دون حدية لحالة دون اخرى، فقد يطغى اتجاه على آخر مع بقاء أثرٍ ما لنقيضه.
إذاً، نشهد في سن المراهقة انفعالات واضطرابات نفسية مصاحبة للنمو الجسدي والعقلي، وهي متفاوتة بين شاب وآخر، بين فتاة وأخرى، بين الشاب والفتاة، حيث تكون عادية وبسيطة أحياناً، وتكون حادة ومتوترة أحياناً أخرى، وما بينهما مراتب كثيرة. علينا أن نتعاطى مع الانفعالات النفسية بلحاظ خصوصيات المراهق، وأن نبحث عن الأساليب التي تزيد من مستوى اضطرابها وتوترها، فقد تكون جسدية، أو عقلية، أو تربوية، أو بسبب الظروف الاجتماعية المحيطة، أو مزيج من عدة أسباب، أو غير ذلك.
سنتناول في هذا البحث سبباً من هذه الأسباب لتوضيح الصورة، وتسهيل التعامل مع المراهق والمراهقة:
ـ الضمير
يتشكل الإحساس بالوازع الداخلي أو الضمير في مرحلة ما قبل المراهقة، ثم ينمو عند المراهقة، حيث يؤاخذ المراهق نفسه على الأخطاء التي يرتكبها، ويخشى عقاب الله تعالى من المعاصي التي ارتكبها مهما كانت صغيرة، ولا يمكن عزل هذا الإحساس بالمؤاخذة عن نمو القدرة العقلية والنفسية لديه برقابة الخالق عز وجل له، وإيمانه بوجود الجنة والنار للحساب. ورُبَّ قائل: هذا ما يشعر به من يعيش الأجواء الإيمانية! لكن الدراسات التربوية أثبتت بأن الوازع الديني حالة منسجمة مع الفطرة الإنسانية، وهذا الأمر موجود في المجتمعات الإسلامية والمسيحية على حد سواء، وإنما يتفاوت تأثيرها بحسب التربية الدينية، بل في المجتمعات اللادينية يعيشون مشاعر المراقبة الخفية التي تجعلهم يعيشون المسؤولية الذاتية، التي تنمو بفعل التربية والقواعد السائدة في المجتمع، أو تتلاشى بسببها أيضاً.
إنما يتمرد الشاب على الوازع الديني بعد تراكم المعاصي والانحراف لديه بشكل كبير، وذلك عندما يعيش التردد والقلق والمؤاخذة عند كل خطأ، ثم يكرره مراراً عديدة، فتضعف المؤاخذة عنده تدريجياً، ثم يبطل تأثيرها في وخز الضمير أو الردع عن المعصية، وبذلك يتحول الخطأ إلى عادة سيئة تطبع سلوكه، فيسود حجاب الظلمة على قلبه ونفسه، وما يجعله يألف الانحراف بل يدافع عنه ويدعو له. وأفضل تعبير عن صدأ القلب الذي يصبح حاجزاً أمام الفطرة السليمة، ما قاله تعالى في القرآن الكريم: {كَلَّا بَلْ رَانَ عَلَى قُلُوبِهِمْ مَا كَانُوا يَكْسِبُونَ} [المطففين: 14] ، فالأعمال السيئة تؤدي إلى حجاب يحيط بالقلب، فيحرمه من لذة التوبة والذكر والطاعة لله تعالى.
هل تعلمين أيتها الشابة، كيف يبقى ضميرك يقظاً؟
هل ترغب بالسيطرة على انفعالاتك وأعمالك لتكون سليمة في نتائجها؟ هل تريد الأُنس بما تفعله من دون قلق نفسي ومؤاخذة وحساب؟
إذا واجهك أمرٌ ترغب القيام به، أكان طعاماً أو نزهة أو رياضة أو درساً أو صحبة أو بناء علاقة جديدة أو... فإن كان واضحاً في حلاله، ولا يوجد فيه معصية أو انحراف، فافعله وتوكل على الله تعالى، إذ من حقك ان تحصل على الملذات والخيرات التي أوجدها الله تعالى في هذه الدنيا، طالما أنها في طريق الحلال. قال تعالى: {قُلْ مَنْ حَرَّمَ زِينَةَ اللَّهِ الَّتِي أَخْرَجَ لِعِبَادِهِ وَالطَّيِّبَاتِ مِنَ الرِّزْقِ قُلْ هِيَ لِلَّذِينَ آمَنُوا فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا خَالِصَةً يَوْمَ الْقِيَامَةِ كَذَلِكَ نُفَصِّلُ الْآيَاتِ لِقَوْمٍ يَعْلَمُونَ} [الأعراف: 32].
وإذا واجهك هذا الأمر الذي ترغبه، ولم يكن واضحاً لديك، فأنت لا تدري إن كان حسناً أو سيئاً، نافعاً أو مضراً، حلالاً أو حراماً، فالتجربة جديدة عليك وأنت جاهل بمعطياتها، أو لديك بعض المعلومات التي تشير إلى احتمال اختلاط حلالها بحرامها، فتأمل. فكر قبل أن تُقدم على العمل، ولا تتسرع في الاستجابة له، حاول أن تستفسر لتفهم ما أنت فاعله، ولا تعذِّر نفسك بأنك تتخلى عن العمل عند اكتشافك لسوئه، أو تضعف أمام المجموعة التي تشاركها هذا العمل، خشية من عزلهم لك وسخريتهم عليك... فلا تضع نفسك في موضع الشبهات، ((من دخل مداخل السوء اتُهم))(2).
لا تعتمد في كل شيء على تجربتك الخاصة، بل استفد من تجارب الآخرين، مما جرى معهم ووقعوا فيه وخسروا، مما نجحوا فيه وربحوا، ولا تضيّق على نفسك بحشرها في موارد الشك والتردد والخطر. ليكن اختيارك بعد حوار بينك وبين نفسك حول الأصلح والأفضل، ثم خذ خيارك.
أنت أمام احتمالين: أن يكون الحسم لصالح الخيار الصالح، فهنيئاً لك. أو أن يكون لصالح الخيار الخاطئ ـ لا سمح الله ـ فحاسب نفسك، وطالبها بما ارتكبته من خطأ، وافسح المجال لضميرك ليؤنبك، فلا تقمعه، ولا ترفض وخز الضمير، ولو أدى بك الأمر إلى البكاء. إسعَ إلى التوبة، واستغفر ربك، وايقظ فطرتك السليمة في رفض المنكرات والمحرمات، تكون بذلك كيوم ولدتك أمك، فمع التوبة أنت في بداية جديدة.
وإذا واجهك الأمر الذي ترغبه، وقد اتضح لديك خطأه، وإنه حرام منكر، وارتكبته، انتبه كي لا يتكرر الأمر. فلو تكرر كرِّر مواجهة شيطانك، ولا تتركه يتحكم بك، وارفض عملك الذي قمت به، للمرة الثانية والثالثة والرابعة... وإيّاك أن تستسلم، أو أن تعيش أُلفة الانحراف والمنكرات، أو أن تعطّل ضميرك في وخزه لك ومساءلتك الدائمة، فلربما تنجح بعد هذه المرات بسبب استمرار صراعك مع نفسك، فلا تستسلم. إسأل ربك أن يعينك، واستعذ به من الشيطان الرجيم، {قُلْ أَعُوذُ بِرَبِّ النَّاسِ * مَلِكِ النَّاسِ * إِلَهِ النَّاسِ * مِنْ شَرِّ الْوَسْوَاسِ الْخَنَّاسِ * الَّذِي يُوَسْوِسُ فِي صُدُورِ النَّاسِ * مِنَ الْجِنَّةِ وَالنَّاسِ} [الناس: 1 - 6].
إعمل على أن لا تعتاد على الانحراف، وأن لا تجذبك لذّته الآنية للانغماس فيه، فالأمر بيدك. وأنا أعلم أنه يجذبك ويؤنسك وأنك تشعر بالانسياق إليه، وتشعر بضعفك في مواجهته، لكن لا تستسلم. ألا تعتقد بحرمته؟ إذاً قم بالرفض النفسي، واسلك طريق الممانعة التي ذكرتُها لك، واستعن بكل ما يساعدك، والجأ إلى صديقٍ وفيٍّ وأمين ومؤمن ليأخذ بيدك، واستنصح من تثق بصلاحه وحكمته. فتش عن مشاريع تملأ فراغك وتَصرِفُك عما أنت فيه، غيّر برنامجك وظروفك التي تشدك إلى الحرام، غير أصدقاء السوء وابتعد عنهم. إذا كان مكوثك في البيت يورطك بحضور المحرمات على التلفاز فاخرج من البيت للقاء الأصدقاء، أو المشاركة في نشاط، أو غير ذلك. اجلس مع الآخرين ولا تنفرد وحدك في غرفتك التي تأتيك بالآثام. وإذا كنت في نشاط أو نزهة أو صحبة تورطك في الملذات المحرمة، فبدلها بما يحقق لك الملذات المحللة، فإذا شعرت في البداية أنك خسرت لذة مؤنسة أو كافحت رغبتك، فإنك ستشعر لاحقاً بالسعادة الكبرى لانتصارك على هواك، وقدرتك على الإمساك بزمام المبادرة، وعدم الانجراف مع المحرمات، وتعطيلك لما يمكن أن يتحول إلى عادة وسلوك يصعب تغييره.
جرب هذا البرنامج الذي ذكرته لك. قد يبدو لك صعباً فلا تتوهم منه، ما الذي ينقصك؟ أنت شاب لديك كل الحيوية والنشاط والقدرة، فلا تستسلم لهواك، وأطع أمر مولاك وخالقك، تجد لذة الطاعة والحلال التي لا تعادلها لذة على الأرض. مشكلتك أنك لم تذقها بعد، لم تتسع تجربتك لتقارن بين اللذة الباقية واللذة الزائلة، واعلم أنك إذا لامست أُنس الطاعة لله واخترت ما أحله لك، فلن تترك هذا الطريق، لأنه طريق الراحة النفسية والسعادة الدنيوية والثواب في الآخرة. اعمل لتعتاد على الطاعة والحلال، ولا تدع المعصية والحرام يتحكمان بك، واطرق باب الإيمان يُفتح لك على مصراعيه، وكُن ملحاحاً، فمن لَجَّ وَلَج، فإذا وَلَجتَ ودخلت في طريق الهداية، عندها يجري على يديك الخير، وتعيش منسجماً مع فطرتك السليمة، فهنيئاً لك توفيقك.
________________________________
(1) قاسم، الشيخ نعيم، حقوق المعلم والمتعلم، ص:83.
(2) نهج البلاغة، الكلمات القصيرة، رقم:349.
|
|
تفوقت في الاختبار على الجميع.. فاكهة "خارقة" في عالم التغذية
|
|
|
|
|
أمين عام أوبك: النفط الخام والغاز الطبيعي "هبة من الله"
|
|
|
|
|
قسم شؤون المعارف ينظم دورة عن آليات عمل الفهارس الفنية للموسوعات والكتب لملاكاته
|
|
|